Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور  جورج بوش : أربع سنوات أخرى كلمة رئيس مجلس الإدارة

الصفحـــة الرئيسيــة

كلمة رئيس مجلس الإدارة

مدينة دبي الرياضية

 جورج بوش : أربع سنوات أخرى

منذ متى أصبحت "عالمية" كلمة قذرة

من المسئول عن تلويث كوكبنا

إلى أين من هنا

حماية بيئة دبي البحرية

قناة السويس ... تاريخ الصراع و التعاون

نساء خلدهن التاريخ ... أم سلمة .. أم المومنين

ابن الهيثم ... مؤسس علم الضوء

مدرسة الإمارات الدولية

 مناسبة لا تنسى ... البطل الاأولمبي لشيخ أحمد حشرآلمكتوم

الحبتور للمشاريع الهندسية ...مدينة جميرا

لماذا يجب على كيري أن يربح الانتخابات

طيور الكنارى في منجم الفحم

أخـبـار الحبتــور

مــــــن نحـــــــن

اتصلـوا بنـــا


 

بقلم: أيه آي مكي

قناة السويس ممر مائي يصل البحر المتوسط بالبحر الأحمر. وربما تكون هذه القناة واحدة من أقدم المشاريع الكبرى التي ععرفتها البشرية جمعاء. فمنذ عصور الفراعنة، عرف الإنسان المزايا الكبرى التي يقدمها مثل هذا الممر المائي الذي يعبر الأراضي المصرية، حيث أدرك أهمية وصل هذين البحرين وما سيقدمه للعالم من سبيل آمن وسريع واقتصادي للسفن المبحرة فيه. كما أدرك أيضاً الأهمية التجارية الكبيرة التي يمثلها لمصر.

من الناحية الجغرافية، تمثل مصر البوابة الطبيعية لحركة النقل بين الشرق والغرب. فقد كانت الثروات والمنتجات تعبرها وهي تنتقل عبر طرق التجارة بين القارات. ومنذ الأزمان الغابرة، كان التجار من شتى أرجاء الأرض يعبرون مصر مع بضائعهم أو يبيعون ويشترون بضائع غيرهم الآتية من كل مكان في العالم. تجار أوروبا يعبرون مصر بحراً على الدوام. وكانت القوى التي تتحكم بمصر تسيطر على السوق العالمي. ولهذا كان من الطبيعي لإمبراطوريات العالم منذ أقدم الأزمان أن تسعى لغزو مصر والسيطرة عليها من البر أو البحر لموقعها الاستراتيجي ومكانتها التجارية الفريدة في العالم.

إلى الشرق من مصر يوجد برزخ السويس الضيق الذي يفصل بين آسيا وإفريقيا. وقد عرف الإنسان منذ القدم أن مياه البحر الأحمر تصل إلى منطقة قريبة من البحر المتوسط. وعلى مسافة ليست بعيدة إلى الغرب يجري نحو النيل بمسار مواز للبحر الأحمر حيث تعبر إحدى قنواته طرف برزخ السويس. وهكذا توصلت العبقريات قبل 4000 عام إلى إمكانية إيصال النيل صناعياً إلى مصب آخر على خليج السويس بشكل يصل بين البحرين الأحمر والمتوسط عبر مصبيه على كل من البحرين.

تفاصيل بناء أول قناة قادرة على استيعاب حركة الملاحة بين النيل والبحر الأحمر لاتزال سراً في غياهب التاريخ. مالدينا من معلومات تقول إن الفرعون سسوتريس، أو فرعون العائلة الثانية عشر، كان أول من أمر ببدء العمل. وطوال ألف سنة تالية كانت القناة مفتوحة أمام حركة التجارة وعرفت بقناة الفراعنة. غير أن الاضرابات السياسة التي أصابت البلاد أصابت صيانة القناة بالاهمال أوائل القرن السابع قبل الميلاد.

لاحقاً، باشر الفرعون الشهير نيخو (612 قبل الميلاد) بفتح القناة من جديد مستخدماً 120 ألف عبد. غير أن أرستقراطية بلاطه أقنعوه بعد أن باشر العمل بالتوقف عنه لأنه بذلك، حسب رأيهم، يمهد الطريق أمام الغزاة لاجتياح مصر. ويعتقد أن هذا المحظور قد وقع حين غزا داريوس (521 قبل الميلاد) مصر عقب موت كامبيسس الثاني. قام داريوس بترميم القناة وتوسيعها. وتقول مخطوطة تاريخية اكتشفت حديثاً تسجل عمله هذا: "لقد أمرت بحفر القناة من النهر المسمى بيراف (النيل)، الذي يمر بمصر إلى البحر الآتي من فارس (البحر الأحمر)." لكن داريوس، ولأسباب غير معروفة، خرب الجزء الأخير من القناة ليقوم خليفته زيركيس بعدها بترميمه. في عهد البطالمة توسعت قناة الفراعنة حيث أصبحت تنتهي عند مكان اسمه أرسينو، قرب ميناء السويس حالياً. الحاكم البطلمي فيلاديلفيوس (286 قبل الميلاد) اقترح شق قناة مباشرة عبر البرزخ البري الفاصل بين السويس والبحر المتوسط للوصل بين البحرين بدون المرور بالنيل. غير أنه اضطر للتخلي عن فكرته لأن الناس كانت تعتقد حينها أن مياه البحر الأحمر أعلى من مياه المتوسط وأن مثل هذه القناة ستتسبب بطوفان يغرق البلاد كلها وهذا الاعتقاد ظل سائداً حتى أوائل القرن التاسع عشر. ولولا هذا الخطأ العلمي لكانت قناة تصل بين البحرين مباشرة قد أنجزت منذ ألفي عام مضت!

خلال الاحتلال الروماني لمصر، سميت قناة الفراعنة باسم نهر طراجان. وطراجان هذا هو اسم الامبراطور الروماني الذي حكم مصر بين 68 و117 للميلاد والذي كرس الكثير من الجهود لبناء وتحسين الموانئ. فقد أمر بتنظيف قاع القناة القديمة ووفر لها دخلاً أفضل من المياه عبر وصلها بالحوض الرئيسي لنهر النيل قرب القاهرة. وعلى النحو الذي وسعت فيه حينها، اتخذت شكل قوس وبقيت مفتوحة أمام الملاحة حتى القرن الثالث للميلاد. لكن مع تولي الإمبراطور قسطنطين الحكم في روما (285 للميلاد) عاد الإهمال ليكون نصيب القناة من جديد.

ومع الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي، دخلت القناة الواصلة بين النيل والبحر الأحمر الفصل الأخير من حياتها. فبعد أخذ عمر بن العاص حاكم مصر الإذن من الخليفة عمر بن الخطاب أعاد فتح القناة في شتاء 641-642 للميلاد. وظلت القناة تقدم خدماتها لأهل مصر حتى نهاية القرن الثامن حيث سميت قناة أمير المؤمنين.

وقد اقترح البعض على عمر بن العاص أن يشق قناة من بحيرة التمساح وسط البرزخ بين مصر وسيناء إلى البحر المتوسط. غير أن المشروع ألغي لأسباب عسكرية حينها. وفي عام 776 أغلق الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور القناة لمحاصرة ثورة خرجت عليه في مكة المكرمة والدينة المنورة.

منذ ذلك الوقت تراجعت حركة التجارة بين مصر والعالم. بعدها حققت الإمبراطورية العثمانية هيمنة مطلقة على الشحن في البحر المتوسط. كما توقفت تقريباً حركة السفن التجارية من أوربا إلى بلدان الشرق الأوسط عبر البحر المتوسط. وفي ذلك الوقت كان التجار العرب قد عرّفوا أوربا على تجارة التوابل.

التجار العرب الذين أدركو أنهم يسيطرون على تجارة سلع كان الطلب عليها شديداً في أوروبا أبقوا موارد إمدادات تجارتهم سراً وألفوا حكايات خيالية عن المخاطر التي تحيق بتجارة التوابل.

لكن شيئاً فشيئاً تعرف الأوربيون على أراضي الهند والشرق الشهيرة بغناها وتوابلها. وبدأ هؤلاء سعيهم للبحث عن ممر بحري جديد يتجاوز حاجز الهيمنة العثمانية على البحر المتوسط. كما أن الثروة الطائلة التي حققها تجار البندقية بعملهم وسطاء في تجارة التوابل بين الشرق والغرب جعلتهم موضع حسد كل الدول الأوروبية.

البحارة البرتغاليون بتشجيع من الأمير هنري، الملقب بالملاح، خرجوا يستكشفون معظم السواحل الإفريقية الغربية أوائل القرن الخامس عشر. وكريستوفر كولومبوس انطلق مبحراً غرباً من إسبانيا عام 1492 على أمل الوصول إلى السواحل الهندية حيث توجد السلع الغالية. فاسكو دوغاما انطلق من البرتغال ونجح في الدوران بحراً حول رأس الرجاء الصالح ليصل الهند في مايو 1498. ورجع من هناك برسالة من زامورين إلى الملك مقادها أن كلكتا مستعدة لمقايضة التوابل بالذهب والفضة والملابس القرمزية.

أخيراً اكتشف الأوروبيون طريقهم البحري إلى الهند وحققوا هيمنة مطلقة على تجارة التوابل مع الهند والشرق الأقصى طوال أربعة قرون تالية. ووقعت خسارة تجارة التوابل وقوعاً قاسياً على البندقية. وما كان من هؤلاء إلا أن اقترحوا على سلطان مصر ومنذ عام 1504 شق قناة عبر مصر لوصل البحرين المتوسط والأحمر.

نهاية القرن السادس عشر اقترح باشا مصر التركي الحاج علي على السلطان العثماني إعادة فتح قناة النيل والبحر الأحمر للوصول إلى المتوسط عبر برزخ السويس لتسهيل حركة الشحن أمام الأسطول العثماني.

أعجب السلطان العثماني كثيراً بالفكرة لكن ما ثناه عن تنفيذها هو الصعوبات والتكاليف الباهظة. وفي ذلك الوقت أصبح الفرنسيون مهتمين جداً بفتح قناة السويس إلى القاهرة لأن ذلك سيقلل تكاليف الواردات من الهند ويضعف من هيمنة الإسبان على المتوسط.

غير أن العقبات السياسية والعملية في غزو مصر بدت لهم عصية على التغلب عليها. الفيلسوف الألماني ليبينتز حث لويس الرابع عشر على غزو مصر وضمان حصول فرنسا عل ثروات التجارة مع الشرق. جاك سافاري، وهو تاجر فرنسي من القرن الرابع عشر، يقول في كتابه "التاجر الكامل" إن على الحكومة الفرنسية أن تشق قناة في برزخ السويس لتحقيق المزايا التي توفرها التجارة مع الشرق.

ويقول: "بذلك ستفقد بريطانيا مكانتها سيدة للبحار كما ستفقد تجارتها عبر رأس الرجاء الصالح بشكل يمكن فرنسا من السيطرة على أسرع طريق تجاري مع الهند والشرق الأقصى وأكثر أمناً." وكانت خطط شق مثل هذه القناة محلاً لجدال لا ينتهي من قبل التجار الفرنسيين.

وفي غضون ذلك واصلت الإمبراطورية العثمانية سيطرتها على مصر وظلت قانعة بأن تحمل السفن بضائع الهند إلى ميناء السويس لتُحملها بعدها قوافل الجمال براً إلى القاهرة ثم تنقل في النيل إلى الإسكندرية لتصل أخيراً إلى السفن المتوجهة إلى أوروبا. كما تبين للحكومة الفرنسية حينها أن السيطرة العثمانية على مصر آخذة بالضعف. وبشكل مرحلي، رضيت فرنسا بالتفاوض مع باشوات مصر للحصول على حقوق المرور لتجارها.

لكن على جانب آخر، كان التجار البريطانيون مدركين تماماً لخطط الفرنسيين قبل وقت طويل من إدراك الحكومة البريطانية لها. وقد حذر جورج بالدوين من شركة ليفانت البريطانية حكومة إنجلترا قائلاً: "إن فرنسا إذا ما استولت على مصر فإنها ستكون صاحبة اليد الأعلى في كل المراكز التجارية في العالم. وفرنسا العارفة بأمور الملاحة والتجارة قد تجعل السيطرة العالمية على حركة النقل مصدر قوتها في كل شكل وزمان. أما الممتلكات البريطانية في الهند فستصبح تحت رحمة فرنسا."

وبدوره حذر الكولونيل جيمس كابر من شركة الهند الشرقية في كتاب له عام 1785 إنجلترا من أنها تعتمد على طريق تجارة وحيد يمكن في أي مكان وزمان أن تتراجع قيمته باكتشاف طريق أفضل منه.

هذا ما كانت عليه الأحوال في بداية القرن الثامن عشر. اندلعت الحرب بين بريطانيا وفرنسا في عام 1793. وبعدها بأربع سنوات شعر نابليون بونابرت بأنه حتى يهزم إنجلترا، لا بد من غزو مصر. وسريعاً نزلت جيوشه في الإسكندرية واحتلت مصر في خطوة فاجأت بريطانيا تماماً. ولم يضيع بونابرت أي وقت حيث بدأ مباشرة بشق قناة برزخ السويس وهو ما كان الهدف الأساسي لحملته.

لتحقيق هذا الغرض وظف بونابرت عدداً من المهندسين والعلماء. وقام هؤلاء بإجراء مسح للمنطقة أداره المهندس الشهير جيه إم ليبير. وانتهى ليبير لنتيجة مفادها أن فرنسا تحتاج 1,500,000 جنيه وعشرة آلاف عامل لإنجاز المهمة في أربع سنوات.

غير أن تطورات الحرب سارت ضد نابليون وأنهت معاهدة السلام في أميان 1802 الطموحات الفرنسية في مصر. غير أن فرنسا لم تفقد اهتمامها بمصر ولا بمشروع قناة السويس.

في بدايات القرن التاسع عشر نجح محمد علي باشا في الاستيلاء على السلطة بمصر ونصب نفسه الخديوي فيها. واستطاع أن ينفذ إصلاحات إدارية وعسكرية شاملة حيث ركز معظم جهوده على تطوير البنى الأساسية في البلد مثل القنوات والطرق.

وفي عام 1918 شقت قناة جديدة سميت قناة المحمدية نسبة إلى السلطان العثماني حينها لتصل الاسكندرية بالنيل. غير أن محمد علي باشا توفي عام 1849 قبل أن يحقق حلمه بوصل البحرين المتوسط والأحمر.

واحتاج الأمر في النهاية للملحق السابق في القنصلية الفرنسية في الإسكندرية فرديناند دوليسبس وعبقريته لإنجاز القناة العتيدة عام 1869. كان دوليسبس قد اكتسب شهرة كناشط إنساني ذو نظرة عالمية.

رغبته بشق القناة لم تكن لها علاقة بسياسات القوى السائدة في زمانه. كان يرغب في توفير طريق بحري سريع لدول العالم يوحد بين الشرق والغرب يغنيهم بتنشيط حركة التجارة.

ولد دوليسبس في فرنسا عام 1805 لعائلة اشتغلت بالدوبلوماسية. كان والده قنصلاً  لفرنسا في مصر وساعد محمد علي باشا في الوصول للسلطة. وبعد أن شغل دوليسبس مناصب دبلوماسية عديدة في أنحاء العالم، عاد مرة أخرى إلى مصر.

وفيما كان ينتظر وصول سفينته إلى الإسكندرية، وقعت يده على نسخة من مذكرة ليبير التي اقترح فيها شق قناة السويس لتقدح في ذهنه فكرة هذا المشروع الضخم حيث لم يكن قد نسي رؤيته في شبابه لإمكانية شق قناة في مصر تصل بين البحرين على أحد جانبي البرزخ.

بعد نزوله مصر، طور دوليسبس صداقة دائمة مع محمد سعيد باشا الابن الأصغر لمحمد علي باشا. وكرس نفسه لدراسة كل وجوه مشروع ليبير حول قناة السويس. بعدها بعامين، توفي عباس باشا خديوي مصر وأصبح صديقه محمد سعيد خليفة له.

أصبح دوليسبس حينها مستعداً بكل التفاصيل والمعطيات الخاصة بمشروع السويس. وفي أول فرصة اقترح على الخديوي محمد سعيد فكرته بدون الخوض بالتفاصيل حيث ركز على نقاط رئيسية قدمها له في مذكرة أعدها بنفسه.

كان محمد سعيد رجلاً على قدر كبير من الذكاء وأثار بضعة اعتراضات على خطة دوليسبس شرحها له الأخير مباشرة. وفي النهاية اقتنع الخديوي وقال لصديقه الفرنسي: "أقبل خطتك. لنهتم الآن بوسائل تنفيذها. بإمكانك اعتبار المسألة منتهية، ثق بي."

حصل دوليسبس على موافقة الخديوي في يوم واحد ورسم خطوطها العريضة في نوفمبر 1854. وحصل دوليسبس على تخويله لتشكيل شركة دولية بإدارته تحت اسم "الحملة العالمية لقناة السويس البحرية". حصلت الشركة على امتياز استثمار قناة السويس لمدة 99 عاماً تبدأ بتاريخ افتتاحها بشرط أن يصادق عليها السلطان العثماني. لكن أخبار امتياز القناة نزلت نزول القنبلة حين إعلان المشروع، فعبرت إنجلترا عن استيائها عبر القنصل البريطاني العام في مصر، حيث لم يطب خاطر الحكومة البريطانية للخطة.

وأدرك دوليسبس سريعاً ضرورة التعامل الفوري مع المعارضة البريطانية للمشروع. فما كان منه إلا أن أسرع بالذهاب إلى اسطنبول للحصول على دعم السلطان العثماني قبل أن تتخذ المعارضة قوة مادية.

لكن بوصوله هناك، خاب أمله حين علم أن السفير البريطاني لورد رادكليف قد نجح باستخدام نفوذه في إقناع السلطان والباب العالي برفض المصادقة على المشروع. وأدرك أن عليه أن يكسب بريطانيا إلى جانبه إذا ما أراد إنجاح مشروعه.

لهذا قرر دوليسبس السفر إلى لندن. وهناك قابل في يونيو 1855 اللورد بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا لوضعه في صورة المشروع. لكن رئيس الوزراء أوضح له أنه يعارض المشروع لأنه سيهدد المصالح البحرية والتجارية لبريطانيا وسيعطي فرنسا ميزة في طرق التجارة البحرية.

قرر دوليسبس أن يتحدث مباشرة مع التجار وأصحاب السفن البريطانيين الذين لديهم مصالح وأعمال في الهند ليقنعهم بالفوائد المالية الجمة لمشروعه. وسرعان ما فهم التجار البريطانيون جدوى المشروع. وبادر دوليسبس الذي أسعده القبول الطيب لدى مستمعيه إلى الضغط باتجاه تشكيل لجنة دولية من أفضل العقول الهندسية في أوروبا لإقناع خصومه بمزايا قناة السويس.

 

قدمت اللجنة تقريرها في يناير 1856 حيث قالت فيه: "لقد كشفت بحوثنا أن تنفيذ مشروع القناة أمر سهل وأن نجاحه مضمون."

قرر دوليسبس بيع أسهم شركته في الأسواق المالية المفتوحة. اشترت فرنسا نصف الأسهم وبيع بعضها للدول الأوروبية الأخرى. وصمم على متابعة الضغط من أجل تنفيذ مشروعه بعد أن تسلح برأس المال دون أن ينتظر موافقة السلطنة العثمانية.

 

غير أن بريطانيا التي أغضبها سلوكه جربت كل ما بوسعها لتخويفه وإثنائه عن عزمه. فقرر أخيراً اللجوء لنابليون الثالث إمبراطور فرنسا من أجل المساعدة. فأكد له الأخير استعداده لتقديم كل الحماية والدعم المالي المطلوبين.

وهكذا استؤنف العمل وتدفقت مياه المتوسط في بحيرة التمساح يوم 18 أكتوبر 1862 في إنجاز أثار إعجاب البريطانيين أنفسهم. جرى شق القناة في أرض رملية قاحلة خالية من الماء العذب وكان ماء الشرب ينقل لآلاف العمال.

غير أن البريطانيين واصلوا معارضة المشروع إلى جانب معارضة السلطان العثماني. وفي 18 يناير 1863 توفي صديق دوليسبس وراعيه الخديوي محمد سعيد وعبر خليفته الخديوي إسماعيل عن وقوفه إلى جانب المشروع بكل جرأة. ثم عاد دوليسبس للجوء إلى إمبراطور فرنسا ليقف بجانب مشروعه في مواجهة المعارضة. وبعد مفاوضات معقدة تم التوصل إلى تسوية ارتضتها كل الأطراف.

في 16 مارس 1866 أعطى السلطان العثماني موافقته على مواصلة العمل في قناة السويس. وتقدم العمل في شق القناة سريعاً بعد أن تخلص من عبء المعارضات الحكومية. وأتي بالآلات ومعدات الجرف للتقليل من الوفيات الكثيرة التي يتعرض لها العمال. تواصل الحفر جنوباً من بحيرة التمساح وشمالاً من السويس إلى أن التقت مياه المتوسط والأحمر في البحيرات المرة صيف 1869، لينتهي العمل بقناة السويس على امتداد 104 أميال بقاع عرضه الأدنى 150 قدم وعمق 33 قدماً.

أقيم حفل الإفتتاح الرسمي لقناة السويس في 17 نوفمبر 1869 وحضره الكثير من الملوك والشخصيات الهامة في العالم. وأثنت مختلف الحكومات على هذا الإنجاز. وأصبح ينظر لقناة السويس يومها على أنها ذات فوائد لكل العالم. عبر القناة يوم الافتتاح موكب من 67 سفينة تقدمها اليخت الإمبراطوري إيغل الذي كانت فيه الإمبراطورة الفرنسية أوجين ودوليسبس من بور سعيد لترسو مساءً في بحيرة التمساح والبحيرات المرة وتصل السويس صباح 20 نوفمبر.

وهكذا تحققت الآمال الكبار