كانت
طريقة غريبة تلك التي بدرت عن زيدان ليسدل الستار فيها على مسيرة
احترافية رائعة أمضاها في الدفاع عن ألوان العلم الفرنسي. مهاراته
العجيبة وضربة الجزاء البارعة أعطت فريق بلاده التقدم في الدقيقة
السابعة من عمر المباراة. وبعدها وفي لحظة من الحماقة نطح اللاعب
الإيطالي ماتيرازي ليشهر الحكم في وجهه البطاقة الحمراء وينهي حياته
كلاعب محترف بطريقة غير مشرفة رغم أن الكثيرين يعتبرونه اللاعب الأعظم
في هذا الجيل.
غير أن
هذه لم تكن المرة الأولى التي يفعلها زيدان. إذ أن فؤاد أمين من
المنتخب السعودي في مونديال 98 ويواكين كينتز من فريق هامبورغ في دوري
الأبطال الأوروبي 2001 أكتشف كلاهما كم هي صلبة تلك الصلعة الحليقة.
بعد أن
بقي التعادل سيد الموقف رغم انتهاء وقتي المباراة الأصلي والإضافي كان
لا بد من كسره بضربات الجزاء الترجيحية. وكانت تلك المرة الثانية التي
يصيب فيها تريزيغيه العارضة في المباراة معطياً النصر للطليان. كما
كانت تلك المرة الثانية التي تحسم فيها المباراة النهائية بضربات
الجزاء الترجيحية. وفي المرة السابقة كانت إيطاليا طرفاً في المباراة
أيضاً ولكن خسرتها أمام البرازيل عام 1994.
قليلون
هم من توقعوا قبل انطلاقة المونديال أن تجمع المباراة النهائية فرنسا
وإيطاليا، فالنقاد كانوا يشيرون دوماً إلى أن ميزة المنتخب الإيطالي لا
تتجاوز التكتيكات الدفاعية القوية فيما المنتخب الفرنسي لم يكن سوى
مجموعة من العجائز اللذين ينتظرون الاعتزال.
أما
الألمان والبرازيليون والأرجنتينيون فكانوا هم من حمل على كاهله القسط
الأكبر من ضغوط كونهم أقوى المرشحين للبطولة قبل انطلاق المنافسة. كان
كل شيء يصب في صالح الألمان، الأرض والمهارة والقيادة الجيدة للمدرب
والنجم السابق يورغن كلينسمان إضافة إلى تشكيلة قوية قادرة على مواجهة
أي منتخب في العالم.
البرازيل التي يضج منتخبها بالمواهب الفردية كانت دوماً المنتخب المرشح
للفوز. وقد واجهت بعض الصعوبات في المراحل الأولى لكنها أبقت على
الآمال بأن منتخبها سيكون في مستواه المطلوب حين يحين الوقت للفوز
باللقب للمرة السادسة.
غير أن
الأمور انقلبت رأساً على عقب حين أراد الواقع أمراً أخر. فقد هزم
البرازيليون بقسوة أمام المنتخب الفرنسي بقيادة زيدان وتييري هنري.
وأبقى الطليان على أقوى سهامهم مخزنة حتى الدقيقتين الأخيرتين مع
الألمان ليخرجوهم من المنافسة في الوقت الإضافي أمام جمهور ألماني
أصابته السكتة فجأة.
المركز الثالث
حزمت
البرازيل حقائبها ورحلت مبكرة عن ألمانيا وواجه منتخبها استقبالاً غير
المرحب بهم من قبل جمهور غاضب فيما صارعت ألمانيا للفوز على البرتغال
3/1 والظفر بالمركز الثالث في مباراة عادة ما تكون شكلية.
غير
أنها كانت مباراة شرسة.
فيها
اكتشف الألمان بطلاً جديداً بين صفوفهم هو باستين شفينزتيجر الذي لم
يتمكن الدفاع البرتغالي من إيقاف هجمتيه الفرديتين اللتين بدأهما من
خارج المنطقة لوحده مسدداً هدفين لألمانيا في مرمى البرتغالي ريكاردو.
أما
المهاجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، والذي وصفه الألماني لوكاس
بودولسكي بأنه أفضل لاعب شاب في كأس العالم، فقد كانت الجماهير
الألمانية تلاحقه بصراخها مع كل خطوة يخطوها. وسجلت ألمانيا هدفين في
خمس دقائق بما فيها هدف سجله المدافع بوتيت ليؤكد نصراً مريحاً
للألمان.
قام
شفينزتيجر في تلك المباراة بكل ما عليه حتى حد الكمال وبقي أوليفر كان
مسيطراً على الأمور في آخر خطوط الألمان. واستطاع البديل نونو غوميز أن
يسجل هدفاً للبرتغاليين قبل دقيقتين من انتهاء المباراة رغم أنه لم
يتبقى لديهم ما يكفي من الوقت لتكرار انجازهم التاريخي عام 1966.
ثقة
كلينسمان
رغم
الفشل في الفوز بكأس العالم أمام جمهوره، يرى كلينسمان بأن منتخبه قد
أعاد اكتساب احترام العالم لكرة القدم الألمانية. صحيح أن التعرض
لهدفين في الوقت الإضافي قد مزق قلوب الجماهير الألمانية، وأن خيبة
الأمل لا يمكن نكرانها، لكن بمقدور الألمان على الأقل الركون إلى
الإحساس بأنهم قدموا عرضاً طيباً وخصوصاً حين نعلم أن هذا المنتخب
الحالي عمره سنتان فقط. يقول كلينسمان بعد خسارة منتخبه أمام إيطاليا:
"هذا فريق فتي جداً وقد أظهر اللاعبون روحاً قوية وبراعة فائقة تجعل
ألمانيا كلها فخورة بهم".
ورغم
أن كلينسمان ليست لديه تجربة سابقة في التدريب استطاع أن يبث روحه
الإيجابية بين أفراد فريقه. وعن ذلك يقول: "إننا متفائلون وواثقون بأن
هؤلاء اللاعبون سيصبحون أفضل مع الوقت، وبأننا يجب أن لا نخشى من
مواجهة ما هو آت في المستقبل".
أخطاء الحكام
كان
الحكام بدورهم أيضاً صناعاً للحدث في هذا المونديال. وكانت البداية
سيئة مع الحكم الإنكليزي غراهام بول الذي رفع البطاقة الصفراء ثلاث
مرات في وجه اللاعب نفسه، ونسي أن يطرده خارج الملعب. حكام آخرون كان
لهم دورهم أيضاً في هذه الفوضى. ولا أدل على ذلك من مباراة البرتغال
وهولندا التي لم يفلت فيها سوى حراس المرمى من البطاقات الحمراء
والصفراء.
ويعترف
الحكم الدولي السابق علي بوجسيم من الإمارات والذي سبق له أن حكّم في
ثلاث بطولات لكأس العالم بين 1994 و2002 بأن مستوى التحكيم في هذه
البطولة كان أقل من التوقعات بكثير. بداية أخطأت لجنة الحكام في الفيفا
بتقليص عدد الحكام إلى النصف مقارنة بعام 2002. واختارت الفيفا حكاماً
ومساعدي حكام من نفس الدولة لضمان أقصى حد ممكن للتفاهم بينهم وهو
الإجراء الذي لم يحقق المرجو منه.
ويقر
بوجسيم بأن الفيفا قد خنقت قدرة الحكام على إدارة المباريات نتيجة
تقديمها لتعليمات كثيرة شديدة الصرامة للتعامل مع كل حالة. ويقول: "إذا
كنتم تقولون أن هؤلاء هم أفضل حكام كرة قدم في كل العالم، فما الداعي
إذاً أن تقدم لهم الفيفا تعليمات بخصوص إدارة كل مباراة؟"
ومع
ذلك فقد كانت هناك نتائج إيجابية حيث يشير البروفيسور جيري دفوراك،
كبير المسؤولين الطبيين في الفيفا، بأن هذا المونديال قد شهد انخفاضاً
لا يستهان به في أعداد الإصابات التي لحقت باللاعبين نتيجة الصرامة
التي تعامل بها الحكام مع حالات العرقلة من الخلف.
ويؤكد
دفوراك بأن المونديال الحالي شهد وقوع 129 إصابة فقط مقابل 171 إصابة
سجلت في مونديال 2002 في كوريا واليابان.
كما
تميز هذا المونديال أيضاً بتسجيل أقل رقم في أعداد إصابات الرأس بين
اللاعبين: 11 إصابة فقط مقابل 25 في 2002. وبدأت الفيفا منذ بداية
الدور نصف إجراء اختبارات لتعاطي المخدرات على 228 لاعب لم تثبت فيها
حالة تعاط واحدة، مما يجعل المونديال الحالي الثالث على التوالي النظيف
تماماً من المخدرات.
السقطة البرازيلية
كلنا
نثق بأن كارلوس ألبرتو بيريرا كان يعرف ما الذي يحتاجه للوصول بالمنتخب
البرازيلي ليحصل على لقبه العالمي السادس. ووجدناه كيف وصل إلى ألمانيا
وكانت بياناته واثقة وقوية ومتوازنة. ولم يبدو حينها بأن هناك أي شك
يخالجه حول حتمية هذا الأمر.
غير أن
الأمور كلها سارت عكس ما يريد أمام فرنسا.
كان
أداء البرازيل ضعيفاً منذ البداية وسقطت مبكراً ضحية لهدف تييري هنري
لتعود إلى الوطن بدون الكأس الذي وعدت جماهيرها به للمرة السادسة.
صحيح
أن رونالدينو وكاكا ورونالدو لم يقوموا بما هو منتظر منهم لكن تغييرات
بيريرا قبل وأثناء المباراة زادت الأمور سوءاً.
فعلى
نحو غير متوقع غير بيريرا خطة "الرباعي الذهبي" البرازيلية حين دخل
المباراة بتشكيلة ضمت جينينيو بدلاً من أدريانو. أما رونالدينو فأخذ
موقعاً أكثر تقدماً للأمام لسبب لا يعرفه سوى بيريرا. إذ طوال أربعين
يوماً أمضاها المنتخب البرازيلي في أوروبا قبل المونديال استعداداً
للمنافسة نادراً ما تدرب بالتشكيلة نفسها التي أدخلها لمواجهة المنتخب
الفرنسي.
وقد
حاول الصحفي البرازيلي ريكاردو سيتيون الذي يرافق منتخب بلاده في
مشاركاته منذ ثلاثة مونديالات أن يحدد السبب وراء هذه السقطة المريعة.
وهو يشعر بأن عدم قدرة بيريرا على تحديد التشكيلة الأمثل للمنتخب
البرازيلي رغم مرور عامين له في منصبه مديراً للمنتخب ليس هو في
الحقيقة السبب الفعلي، وإنما فقدان الإحساس بوحدة المصير بين اللاعبين
الذي كان عاملاً مشتركاً وثبت أنه السبب الجوهري وراء هذا الخروج
المبكر. يقول سيتيون: "روبرتو كارلوس كان يصرخ في وجه سيسينو فيما
رونالدو لم يكن حتى يتحدث مع شريكه في خط الهجوم أدريانو. وليس هذا
فحسب، كاكا وكافو كانا يتبادلان الإشارات الغاضبة."
لا أحد
يشك في أن بيريرا هو من أعظم المدربين الذين عرفهم العالم. غير أن
قدرته على بث روح الجماعة في نفوس مجموعة من النجوم المتفردين ثبت أنها
مجرد وهم. لقد فعل بيريرا الشيء الصحيح تماماً في لقاء البرازيل مع
اليابان حين رد فريقه تقدم اليابان بهدف لينهوا المباراة متقدمين
بأربعة أهداف مقابل هدف واحد. وبعد المباراة قال: "إن هدفنا هو الفوز
بكأس العالم ولا أحد يستطيع الفوز بهذا اللقب بالاعتماد على فريقين. لا
يمكننا أن نواصل التغيير دون نهاية." لكن بيريرا على ما يبدو نسي
كلماته تلك بعدها بثلاثة أيام. |