Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور هل هذه الحرب حقيقية؟ كلمة رئيس مجلس الإدارة

 

الصفحة الرئيسية

كلمة رئيس مجلس الإدارة

   فرصة سانحة لنكون جيلاً أرقي

 هل هذه الحرب حقيقية؟

شجاعة غير عادية لأناس عاديين

غواصات خاصة

ابن خلدون

امرأة متميزة

أطباء بلا حدود

أهمية النحل في الإمارات

الفخَار بين الماضي و الحاضر

نكهة من بحار الجنوب

أكثر من مجرد لعبة

منزل الأحلام في لبنان

في زمن الضياع العربي

إنجاز آخر للحبتور للمشاريع الهندسية

مجمع الجابـــــــر ـ شانغريـــــــلا

أخبـــــــــار الحبتــــــور

مــــن نحـــــن

الأعــداد المـاضيـة

اتصلـوا بنــا

واهب علمي التاريخ والاجتماع للعالم

بقلم: مارتن نك

يختار القدر بين الحين والآخر،  بتصاريفه المحددة عبر العصور،  شخصيات استثنائية قليلة لتحملوا على كاهلها مهمة تغيير مسيرة التاريخ.  وبتصاريف موازية غير محددة، تقع على كاهل أناس آخرين مهمة مراقبة مسيرة هذا التاريخ لتوثيقه وحفظه بعد أن يحللوا الأحداث التاريخية ويتركوها للاحقين ليدرسوها ويتعلموا منها.  بل إن هؤلاء ربما توقعوا تطورات التاريخ في المستقبل بدراستهم للنماذج والآليات التاريخية. وعلى هذا النحو، يصبح هؤلاء أنفسهم من وقت لآخر شخصيات تؤثر في مسيرة التطور التاريخي. هذا التوصيف يمكن أن ينطلق على ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر محمد بن الحسن بن خلدون. وفي هذه السطور سنحاول أن نحيط قدر الإمكان بحياة وإنجازات هذا الرجل الذي حقق لنفسه مكانة أعظم مؤرخ وفيلسوف عربي . سم

المرحلة الأولى في حياة ابن خلدون

ولد ولي الدين بن خلدون لعائلة من الوجهاء صيف عام 1332 للميلاد في إحدى بلدات تونس. وقد أخذت العائلة اسمها عن جدها الأكبر خلدون. وخلدون هذا،  تبعاً للمصادر التاريخية والسيرة الذاتية التي وضعها ابن خلدون عن نفسه، عربي هاجر إلى الأندلس في بدايات الفتح العربي لشبه الجزيرة الآيبيرية. وفي القرن التاسع للميلاد، استقر آل خلدون في إشبيلية وارتقت حالهم ليصبحوا مشاركين في المسائل السياسية وأبناء واحدة من أهم ثلاث عائلات في المنطقة. واستمر نجاح آل خلدون طوال القرون الأربعة التالية في ظل دول الأمويين والمرابطين والموحدين. كما شغل أبناء العائلة مناصب رفيعة في الحياة السياسية والجيش.غير أن آل خلدون، شأن الكثيرين من العرب، غادروا جنوباً نحو السواحل الإفريقية المجاورة عقب استعادة الأوروبيين لشبه الجزيرة الإيبيرية.

في حياتهم الجديدة التي توزعوا فيها بين المغرب وتونس، استطاع أبناء آل خلدون أيضاً الحصول على مناصب إدارية رفيعة الشأن بالنظر إلى مكانتهم الاجتماعية العالية وتحصيلهم قدراً طيباً من التعليم. وعرف ابن خلدون الشاب أول مأساة في حياته حينما فقد والديه في خضم جائحة الطاعون التي أصابت البلاد وهو ابن سبعة عشر عاماً. لكنه حتى ذلك اليوم كان قد حصل قدراً كبيراً من التعليم، حيث تعمق في دراسة الأدب العربي وأصبح هو نفسه مؤلفاً جيداً واستخدم مواهبه أحسن استخدام حينما توفرت له صداقة رجال نافذين. كما أن ابن خلدون حفظ القرآن الكريم ودرس تفاسيره مثلما درس السنة النبوية وغيرها من العلوم الإسلامية. ومن بينها علم اللاهوت الجدلي والشريعة وفق المذهب المالكي. وفي مراحل لاحقة من حياته بعد هذا التعليم التقليدي، طور ابن خلدون معارفه العلمية عبر توسيع اهتماماته إلى ميادين علمية أخرى، حيث تعمق في دراسة الجغرافيا والتاريخ والفلسفة بجهوده الذاتية.

كانت أول خطوة في الحياة العلمية لابن خلدون حصوله على وظيفة في بلاط حاكم تونس استمر فيها ثلاث سنوات، ثم أصبح وزيراً لسلطان المغرب. وخلال عمله هذا تزوج، لكن سوء حظه قاده للسجن سريعاً للاشتباه في أنه يحرض على أعمال العصيان. وحين نال حريته بعد سنتين في السجن رحل إلى غرناطة وأصبح وسيطاً للسلم في إشبيلية. وهناك أشرف على التوصل لمعاهدة السلام مع بيدرو الأول ملك مملكة كاستيلا الإسبانية. وحينما عاد ابن خلدون إلى غرناطة، أحس أنه موجود بين أناس غير مرحبين بوجوده. ومن بين هؤلاء رئيس الوزراء ابن الخطيب الذي ربما رأى فيه تهديداً ومنافساً له. ولهذا قرر ابن خلدون أن أفضل مكان له هو شمال إفريقيا.

الدراسة والتعليم والمقدمة العظيمة

شغل ابن خلدون طوال العقد التالي وظائف إدارية، واختير ذات مرة ليكون رئيساً للوزراء. لكنه بعد هذه الفترة التي سئم فيها صخب الحياة ورتابتها في المدينة وتعب من شؤون الدولة،  قرر أن يرحل عنها مفضلاً حياة الريف مع قبيلة أولاد عارف. قوبل ابن خلدون بالترحاب في القبيلة التي قدمت مسكناً له ولعائلته في قلعة ابن سلامة التي توجد في الجزائر حالياً. وفي هذه العزلة النسبية، أنجز ابن خلدون دراسات موسعة على مدى السنوات الأربع التالية، التي انتهت بخروجه على الناس بأهم مؤلفاته: المقدمة.

تلك هي المقدمة التي أعدها ابن خلدون لكتابه الشامل عن التاريخ الذي وضعه تحت عنوان "كتاب العبر". فحين شروعه في كتابه هذا كان ابن خلدون ينوي وضع عمل عن التاريخ الشامل للعرب. غير أنه وجد لزاماً عليه شرح المنهج التاريخي الذي اتبعه، وبالتالي وضع عمله الشهير هذا، المقدمة، قبل أن يبدأ بكتاب العبر. أما المفارقة فهي، كما هو واضح فعلاً، أن المقدمة استحوذت على القدر الأكبر من الاهتمام مقارنة بالجزء الأساسي من عمله وهو كتاب العبر، والذي أصبح، مع ذلك، أحد أفضل المراجع عن تاريخ شمال إفريقيا في العصر الإسلامي.

إن روعة المقدمة تكمن في كونها أول دراسة تحليلية يعرفها العالم عن التفاعلات التاريخية. فالموضوع الأساسي التي ركز عليه هذا الجهد الفكري الملحمي الفريد هو العناصر الاجتماعية والنفسية والبيئية والاقتصادية التي تقف وراء نهوض وسقوط الحضارة الإنسانية والتفاعلات التاريخية المتعاقبة. وقد درس ابن خلدون ببراعة فكرية معالم العلاقات الجماعية وشرح كيف أن العصبية، أو مشاعر الانتماء للجماعة، يمكن أن تقود إلى نهوض حضارة ما أو كيان سياسي جديد. وبهذا استطاع وضع نظرية متماسكة عن التناوب اللانهائي بين تقدم وتدهور الحضارة الإنسانية.

بهذا الجهد المعرفي، يكون ابن خلدون قد أرسى علمين جديدين كاملين، نشير إليهما اليوم باسم علم الاجتماع وعلم التاريخ. ويبدو أنه كان مدركاً لحداثة منهجيه الجديدين هذين. إذ يقول في مقدمته: "لقد وضعت عن التاريخ كتاباً ناقشت فيه أسباب وآثار تطور الدول والحضارات، وقد اتبعت في ترتيب مواده منهجاً غير معتاد، كما اعتمدت في كتابته طريقاً غريباً ومبتكراً."

 إن الرؤية الثاقبة التي أبداها ابن خلدون في دراسته الحضارة الإنسانية رؤية مدهشة تستحق مقارنتها بالخطابة المعاصرة حول هذا الموضوع. فهو راسخ الإيمان بأن التطور التاريخي يخضع لهيمنة قوانين كونية سرمدية. بل ومضى لأبعد من ذلك حينما قدم معياراً للتمييز بين الحقيقة والوهم في التاريخ. وعن ذلك يقول في كتابه: "إن القاعدة في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو زائف في التاريخ تعتمد على احتمال حدوثه واستحالة حدوثه: بمعنى آخر،  يجب أن ندرس المجتمع الإنساني ونميز بين المعالم الجوهرية والموروثة في طبيعته وتلك المعالم الظرفية التي يجب ألا تؤخذ في الحسبان،  وبالتالي نتعرف على أكثر تلك المعالم التي لا يمكن احتمال عزوها إليه. وإذا ما عملنا ذلك،  تصبح لدينا قاعدة للفصل بين الحقيقة التاريخية والأخطاء التاريخية عبر المناهج البرهانية التي تقبل ما لاشك فيه. إنه محك أصيل يمكن للمؤرخين أن يتأكدوا به من صدقية أي شيء يتناولونه."

من بين القضايا ذات الصلة بنهوض وتدهور الحضارة تلك التي تتمثل بالعلاقة بين الحياة الحضرية وحياة الصحراء. وتدرس المقدمة تأثير كل من الحياتين على الطبيعة الإنسانية حيث يساعد المثال التالي على فهم دورة الحضارات. وقد قدم ابن خلدون مفهوماً متميزاً لهذه العلاقة. فهو يقول ملاحظاً أن: "البدو يقيدون أنفسهم بالحصول على الحاجات الأساسية في حياتهم ولا يستطيعون تجاوزها، فيما الشعوب الحضرية تهتم بالحصول على وسائل الراحة والرفاهية في محيطها وعاداتها. بالتأكيد إن الضروريات الأساسية تسبق في الأهمية وسائل الراحة والرفاهية. الحاجات الأساسية، في هذا السياق، هي الأولية،  فيما الرفاهية ثانوية. وبالتالي فإن البدو هم الأساس ويسبقون المدن والشعوب الحضرية. الإنسان يسعى أولاً للضروريات الأساسية. ولا يبدأ البحث عن وسائل الراحة والرفاهية إلا بعد أن يحصل على الضروريات الأساسية. إن شظف العيش في الصحراء يسبق نعومة الحياة الحضرية. ولهذا نجد أن التحول للحياة الحضرية هو الهدف الذي يطمح إليه البدو... هذه هي الحال مع كل القبائل البدوية. أما الشعوب الحضرية في المقابل، فليست لديها الرغبة في الحياة الصحراوية، مالم تكن مدفوعة بضرورة طارئة أو عدم مقدرتها على التعايش مع شركائها في حياة المدينة. كما أن الشعوب الحضرية أكثر اهتماماً بكل أنواع المتع. وهي معتادة على الرفاهية والنجاح في الأشغال الدنيوية والتلذذ بالمتع الدنيوية. ولهذا نجد نفوسها مشوبة بكل الصفات المكروهة والشريرة. وكلما كانت هذه الصفات أكثر في نفوسهم، كلما أصبحت المسالك والوسائل الطيبة أبعد عنهم. وبالفعل فإنهم يخسرون أي إحساس بضبط النفس. لاحقاً يتضح أن الحياة الحضرية تمثل المرحلة الأخيرة من الحضارة والنقطة التي تبدأ منها سيرها نحو السقوط. كما تشكل أيضاً المرحلة الأخيرة من الشرور والبعد عن الطيبة. ومن الواضح أن البدو أكثر ميلاً نحو أن يكونوا طيبين من الشعوب الحضرية."

رغم أن المقدمة وحدها تعتبر أهم أعمال ابن خلدون،  فإن مجلدات العمل الرئيسي وهو كتاب العبر تتميز بالرؤية والفهم العميقين. وهي تقدم للقارئ تاريخ العرب وتواريخ شعوب أخرى مثل المصريين القدماء والإغريق والرومان والفرس. وهناك جزء ضخم من الكتاب مكرس أيضاً لتاريخ الإسلام.

انتهت إقامة ابن خلدون في قلعة ابن سلامة بإصابته بمرض ثقيل الوطء جعله يقرر العودة إلى تونس. وهناك وجد نفسه من جديد يعيش علاقات متوترة مع باحثين منافسين ومع حاكم تونس. حينها كان ابن خلدون في الخمسين من عمره ورأى أن الوقت قد حان ليخرج إلى الحج وهو ما قام به فعلاً. وهكذا غادر تونس بحراً عام 1382 ليصل بعد أربعين يوماً إلى الاسكندرية حيث رست سفينته. ومن الاسكندرية انطلق إلى القاهرة سريعاً،  وهو ما كان له أثر كبير في نفسه باعتبارها المدينة العربية الأكبر والأكثر ازدهاراً. وخلال إقامته فيها أصبح ابن خلدون مدرساً في الأزهر وهو الجامعة الإسلامية الشهيرة. وسرعان ما عرض عليه برقوق،  حاكم مصر،  فرصة تعليم الشريعة في مدرسة القمحية. ولم تمض سوى خمسة شهور حتى أصبح ابن خلدون القاضي الشرعي للمذهب المالكي،  وهو أحد المذاهب الفقهية السنية الرسمية الأربعة.

أهمية أعمال وحياة ابن خلدون

لم يعرف تاريخ الفكر الإسلامي سلفاً ولا خلفاً بمكانة ابن خلدون. فقد ساهم في دراسة التاريخ بأكثر المناهج الدراسية ابتكاراً وبعد نظر. كما كان أول من درس التاريخ من خلال عناصره الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.و يعتبر من قبل الباحثين مؤسس علم الاجتماع الحديث. ولا تزال أهمية أعمال ابن خلدون في علوم التاريخ والاجتماع وفلسفة التاريخ والسياسة حاضرة باعتبارها أعمالاً رئيسية حتى يومنا الحاضر. ولا تقل عنها إسهاماته في علم النفس التربوي والمدارس الأدبية العربية وتأليف السيرة الذاتية.

وقد تمت ترجمة المقدمة وكتاب العبر للكثير من لغات العالم. بل إن المقدمة وحدها تستحق كل الإعجاب والمصداقية العلمية اللذان نالهما مؤلفها. وبالتوازي مع السيرة السرمدية للتاريخ،  فقد ضمنت لابن خلدون عن جدارة مكانة دائمة بين أعظم المؤرخين والفلاسفة وعلماء الاجتماع.


أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289