Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور هل هذه الحرب حقيقية؟ كلمة رئيس مجلس الإدارة

الفخار بين الماضي والحاضر

الصفحة الرئيسية

  كلمة رئيس مجلس الإدارة

   فرصة سانحة لنكون جيلاً أرقي

 هل هذه الحرب حقيقية؟

شجاعة غير عادية لأناس عاديين

غواصات خاصة

ابن خلدون

امرأة متميزة

أطباء بلا حدود

أهمية النحل في الإمارات

الفخَار بين الماضي و الحاضر

نكهة من بحار الجنوب

أكثر من مجرد لعبة

منزل الأحلام في لبنان

في زمن الضياع العربي

إنجاز آخر للحبتور للمشاريع الهندسية

مجمع الجابـــــــر ـ شانغريـــــــلا

أخبـــــــــار الحبتــــــور

مــــن نحـــــن

الأعــداد المـاضيـة

اتصلـوا بنــا

 

 

بقلم: ماريجك جونغبلود

خرجت منذ أيام في نزهة للصحراء مع صديق يعمل خبيراً في الآثار ليريني موقعاً ساحلياً فيه حصن ضخم لا يزال شامخاً في مكانه منذ مئات السنين. هناك التقط بضعة كِسَرٍ فخارية من كومة صغيرة من النفايات ألقيت بعد إجراء حفريات أثرية قبل بضع سنوات. وقال عن إحداها إنها تعود لحقبة أم النار- حوالي 5000 عام مضت. كانت قطعة فخارية رقيقة ومتقنة جداً بحافة مدورة جميلة ومتموجة قليلاً مشكلة ببراعة. أدهشني أن أولئك الناس كان بمقدورهم إنتاج شيء بهذا الجمال رغم أنهم موغلون في القدم. هناك قطعة أخرى ربما عمرها أصغر من السابقة بحوالي 1000عام، كانت مزينة بخطوط ملونة. هي بدورها كانت رقيقة ومصنوعة من الفخار. أما الكسرة الثالثة التي أراني إياها صديقي فكانت أسمك بكثير رغم أنها مصنوعة بدورها من طين ذي نوعية عالية شأنها شأن سابقتيها. لكنها تعود لفترة أحدث عهداً وبفارق كبير، إذ يبدو أنها صنعت في زمن كان الناس قد فقدوا فيه مهارات صنع فخاريات راقية.

خلال نزهاتي العديدة في الصحراء مررت بعدة  مناطق أخرى تتناثر فيها قطع الفخار هنا وهناك. العديد منها لم يكن ملوناً، بل يحمل آثار سخام نيران قديمة أشعلها سكان الصحراء قبل آلاف السنين لطبخ ثريدهم.

تعود أقدم قطعة فخار عثر عليها في منطقتنا إلى حقبة العُبيد، وهي حضارة ازدهرت في جنوب بلاد الرافدين بين الألفية السابعة والرابعة قبل الميلاد. في ذلك الزمن كان الإنسان لا يزال يصيد بسهام ذات نبال مقطوعة من الصوان ويسلخ جلود الحيوانات التي يمسكها أو يقتلها بمكاشط حجرية صغيرة. هذه الأشكال من الفخاريات كانت غالباً مزينة بالألوان وقد عثر عليها في عدة مناطق في الإمارات في الجزر قبالة السواحل من أبو ظبي وحتى رأس الخيمة. غير أنها لم تصنع هنا وإنما استوردت من بلاد الرافدين.

على جزيرة دلما في إمارة أبو ظبي عثر على أوعية بيضاء، لم تكن معروفة حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، جنباً إلى جانب مع فخاريات العُبيد. وتبين أن هذه الفخاريات محلية الصنع وذلك بسحق الأحجار الكلسية وعجن المسحوق الذي صنعت منه هذه المواعين طبقة بعد أخرى. وتبعاً للدراسات المنشورة عن هذا النوع من المواعين الحجرية، لا يتضح إن كان الشي بالنار قد استخدم لإنتاج هذه القدور، لكن يبدو أنها استخدمت للطبخ.

ربما كان الناس الذين تاجروا بفخاريات حقبة العُبيد عاملاً أساسياً في تعليم الناس هنا كيف يقولبون الطين ويشوونه لصنع فخاريات مديدة العمر. أما أقدم قطعة فخار مشوية معروفة في الإمارات فقد عثر عليها في جزيرة مروة خلال المسح الأثري لجزر أبو ظبي عام 1998. وتصادف أن تلك القطعة كانت قدراً فخارياً يعود لما بين عامي 3700 و3400 قبل الميلاد. وهذان التاريخان مهمان جداً لأنهما يمثلان وسط الألفية الرابعة قبل الميلاد وهي حقبة لا نعرف عنها سوى القليل جداً حتى الآن. غير أن صناعة الفخار المحلية شرعت في التطور فعلاً أوائل الألفية الثالثة قبل الميلاد. وقد عثر على العديد من الكسر الفخارية التي تعود لهذه الفترة في موقع هيلي قرب مدينة العين، خلال الحفريات التي قام بها سيرجي كلوزيو في المنطقة. وهذه الفخاريات تتشابه في نوعيتها مع الفخاريات المستوردة من بلاد ال�ن نمط قبور حفيت- وبمعنى آخر كانت تقليداً محلياً لها.

لتصنع قدوراً فخارية فأنت بحاجة للطين وهو المادة غير المتوفرة بكثرة في الصحراء. كما تحتاج ينابيع أو جداول توفر تيارات مائية معقولة للتخلص من رواسب الطمي. وهذه الظروف ما كانت تتوفر إلا في بعض المناطق على امتداد الساحل القديم في تلك الأيام الخوالي. وباعتبار أن الساحل القديم في تلك الأيام يقع الآن بعيداً في عمق البر، فإن معظم الطين الذي نجده اليوم في الإمارات يأتي من رواسب في البر قبالة سواحل دبي وعجمان. وقد وجدت بنفسي طيناً رمادياً من نوعية ممتازة على امتداد الجانب الأعلى من خور دبي وفي منطقة الجداف، غير أنه لا يتوفر إلا بكميات قليلة جداً ويحتوي نسبة كبيرة من الملح تجعله غير مناسب للشي.

بعض أقدم الفخاريات المصنوعة محلياً جميلة جداً ومزخرفة بنماذج بسيطة مثل تلك التي وصفتها سابقاًَ. وكسر الفخار التي رأيتها مؤخراً لا تزيد سماكتها عن 3 مليمترات. لكن فخاريات حقبة وادي سوق (حوالي 700 قبل الميلاد) هي أكثر خشونة بكثير، كما أن كسر الفخار من القدور الأكبر حجماً تصل سماكها إلى 15 ميليمتر وخشنة جداً. لكن يبدو أن الناس قريباً من القرن الثامن عشر للميلاد استعادوا مهارات صنع الفخار السابقة حينما صنعوا فخارياتهم الرقيقة والجميلة المكتشفة في جلفار قرب رأس الخيمة. ولم يبدأ تزجيج الفخاريات محلية الصنع إلا في العصور الإسلامية. وفي أوقات لاحقة أصبح الفخار وحتى البورسلان يستوردان بحراً من أقاصي الشرق مثل الصين، إلا أنها كانت تعتبر رفاهيات مكلفة جداً.

الفخاريات التي كانت (ولا تزال) تصنع محلياً هي تلك القدور الضخمة التي تستخدم لخزن الحبوب من التي لا نزال نراها حتى اليوم في باحات المزارع الجبلية وخوابي المياه مكورة القعر. وطبعاً خوابي المياه مكورة القعر لا يمكن أن تقف مستقرة على الأرض، بل كانت تعلق على شجرة، بحيث يمكن للريح أن تهب على الماء المرتشح من خلال الفخار النفوذ. وهذا يجعل الماء داخل الخابية يبرد لتتوفر للناس شربة ماء بارد دوماً حتى في أيام الصيف الحارة.

أحد مراكز إنتاج الفخار كان يوجد في سهل وادي حقيل الرملي قرب رأس الخيمة، حيث كان صُناعه يجدون الطمي المناسب قريباً منه في مجاري مياه الأمطار في الوديان الجبلية. ومع انعدام الطلب على الأواني الفخارية المنزلية نتيجة ظهور منافساتها البلاستيكية، لم تجد مهارات صنع الفخار من يتعلمها بين الأجيال الجديدة الشابة ولم يعد هناك سوى بضعة مواطنين يعرفون قولبة قدر أو إيقاد تنور للشي.

وقد اختفت الآن أتونات الشي المحفورة في الأرض والتي كانت تستخدم حتى عشرين عاماً مضت مثلما اختفت المباني الحجرية التي كان يسكنها صناع الفخار.

تعتمد ورشات الفخار التي تعمل اليوم على عمال هنود وتنتشر معظمها حول السيجي ومسافي. وقد اخترت بشكل عشوائي واحدة منها تقع قرب الطريق مباشرة في ثوبان لزيارتها. في مدخل الورشة تقبع دجاجة فخارية فوق قاعدة وهي تغطي أذنيها بجناحيها كأنها نسخة دجاجية عن القرد الذي يقول لم أشاهد شيئاً، لم أسمع شيئاً، لم أقل شيئاً!. هناك خرج شاب اسمه فيجاي لاستقبالي. وحينما علقت على الدجاجة قال: "مجرد مزحة".

قال لي فيجاي أن الطين الذي يستخدمه مستورد في معظمه من إيران والهند، غير أن بعض الطين الجيد يأتي أيضاً من دبي وعجمان. أما التصاميم الزخرفية والتزيينية المستخدمة في تصنيعه فهي غالباً تصاميم هندية، على الرغم من أن فيجاي يستطيع استخدام أي تصميم يريده الزبون. وتشهد على ذلك تماثيل لشخصيات ملائكية بارتفاع خمسة أمتار من طين التيراكوتا طلبها أحدهم لعيد الميلاد لكنه لم يأت ليأخذها.

في الورشة الإسمنتية المعتمة كان عدة رجال يقولبون القدور على الدواليب. أحدهم كان يعجن الطين في عجانة كهربائية صغيرة وآخر كان ينقش التفاصيل على مجسم يقلد دلة قهوة دبي. أخبرني فيجاي أن العامل يستطيع أن يقولب مئة قدر أو شكل تزييني صغير في اليوم، غير أن القدور الكبيرة قد تستغرق يومين أو ثلاثة لاكتمالها. وكانت هناك صفوف فوق صفوف من القدور والأشكال والمواعين مصفوفة حتى تجف وهم ما قد يتطلب عدة أيام. ويظهر التأثير الهندي في مجموعة من الفيلة تقف في إحدى زوايا الورشة، فيما يوجد في وسطها قطيع كبير من الجمال تقف وجهاً لوجه كلها.

في إحدى الزوايا تنتصب بعض الأوعية المستقيمة الأولية التي لم ينته صنعها بعد. وعرفني فيجاي على طريقة تشكيلها، حيث يمسك الصانع بحجر مدور داخل الإناء فيما يضرب على الجانب الخارجي بقضيب خشبي.

مضينا سوية للخارج لنلقي نظرة على الأتونات. لقد هجروا التنور القديم الذي يعمل بالحطب ليستخدموا تنوراً يعمل بالديزل.

يقول فيجاي: "نستطيع الحصول على نتائج أفضل بكثير الآن. فحين كنا نستخدم الفرن الخشبي القديم لم نكن نستطيع أن نكون واثقين من النتائج، لأن درجة الحرارة لم تكن هي نفسها في كل أجزاء الفرن. فالأوعية التي في الأسفل كانت تشوى على النحو المطلوب، فيما تلك التي فوق لا تكون قد شويت بالكامل بعد، مما يعني أنها ستنكسر بسهولة. أما فرن الديزل فيصل لحرارة 900 إلى 1000 درجة مئوية ويعطي فخاراً قوياً كما نريد." والتقط مبخرة  كبيرة من أكوام الفخار التي تحيط بنا ونقرها بأصابعه لترن رنيناً واضحاً كأنها جرس. وقال مبتسماً: "هذا هو صوت الفخار المشوي جيداً!".

لكن كم ساعة يبقى الفخار في التنور؟

"24 ساعة لشي الفخار ثم 24 ساعة أخرى لتبريد التنور."

يورد فيجاي إنتاج ورشته للأسواق المحلية وبعض المحلات في المدن. ومؤخراً أصبحت بعض الفخاريات تصدر للولايات المتحدة.

وحينما سألته عن حجم مبيعات هذه الورشة، قال إن شهور الشتاء الستة هي التي تشهد مبيعات طيبة فيما مبيعات شهور الصيف منخفضة.

أكبر القدور في الورشة، وهي قدور ضخمة يصل ارتفاعها إلى صدري، تباع بمئتي درهم كما قال لي. ذكرت له ما حدث لي قبل فترة حينما اشتريت بعض الأواني الفخارية الكبيرة لاستخدامها في زراعة النباتات، لكنها بعد أسابيع من سقاية النبات تفككت. فقال لي فيجاي، فخوراً: "هذا لن يحدث مع قدورنا." ثم ما لبث أن أقنعني بشراء إناءين صغيرين للنباتات. حيث رضيت بالمجازفة بشرائهما بعشرة دراهم للواحد رغم أنهما قد يكونا قصيري العمر!

زيارتي التالية كانت لسوق الجمعة قرب مسافي، حيث تعرض عدة دكاكين قدوراَ من عدة ورش للفخار. في السوق كانت قدور قليلة فقط تحتفظ بلونها الطبيعي. أما الأخرى فملونة بألوان خضراء أو بيضاء وأحياناً تكون متعددة الألوان بفعل ريشة كثيرة المرح. وإلى جانب القدور، توجد نماذج لقلاع أسطورية بقباب مدببة القمة وبيوت متقنة وكأنها مصنوعة من خبز الزنجبيل. أما أقلها جاذبية فكانت تلك القدور السوداء والذهبية التي كانوا يلونوها برشاشات الأصبغة أمام ناظري.

سألت عن سعر بعض القدور القريبة شكلاً وحجماً من الاثنين الذين اشتريتهما للتو لأرى كم ستكون الأرباح في السوق. قال لي البائع: "عشرين درهماً،" وما إن استدرت دون أن أشتري حتى سمعته ينادي "... سنعطيك خصماً !"

لم يبد لي أن صناعة الفخار هذه منجم ذهب، على الأقل ليس لصُناعه وباعته في السوق.

وفيما أعود لسيارتي وقع نظري على صف من الأقدام الفخارية معروضة على الأرض. إنها تحف رخيصة جميلة – مالم تكن مرة أخرى مزحة...
 

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289