Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور نساء خلدهن التاريخ كلمة رئيس مجلس الإدارة

الصفـحـة الـرئيسيـة
 

 كلمـــــة رئيـــس مـــجــلـــــس الإدارة
 

مهــــرجـــــان دبــــي السينمـــــائـي الــدولـــي
 

كارثـــــــة الــعــــــــــراق
 

 مـاهـــو هــدف بــوش الحقيقـــي فــي الـعــــراق؟
 

الـخــــلاف حـــــول تـــراث عــــرفــات 
 

مهــــرجـــــان دبــــي لـلتســـــويــق ...
 

لقطــــاع السيـــــاحـــي فـــي دبــــي...
 

تــــرويــــض نـهــــر النـيــــل
 

لـــزهـــراوي...
 

مــن دبـــي إلـــى الطبيـعـــة فـــي رحلـــة نهـاريـــة
 

زمـــة السيـــر فـــي دبــــي ...
 

دبــــي تـحـتضــــن ريـــاضـــة الـــــرجبـــــي
 

أللحبتــــور للـــمشـــاريـــــع الــهـــندســيــــة

اخبـــار الحبتـــور

مـــــــن نحــــــن

الأعـداد المـاضيـة

اتصلـوا بنـا

 

 

يتعرض رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير لانتقادات متواصلة لدوره في توريط بلاده على الرغم منها في حرب العراق، وذلك بخلاف الرئيس الأميركي. ومع فشل التحالف في العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة التي نعلم الآن من تقرير مجموعة مسح العراق أنها قد أتلفت أوائل التسعينيات، وسقوط المزاعم حول صلات صدام حسين بأسامة بن لادن من التقرير الذي قدمته لجنة 11 سبتمبر، تتساءل أعداد متزايدة من الشعب البريطاني عن الدافع الذي أخذ القوات البريطانية إلى العراق.

 

لقد بلغت غضبة الشعب البريطاني حداً جعل مجموعة من أعضاء البرلمان يرجعون إلى قانون متقادم بهدف عزل طوني بلير لارتكابه "جرائم وجنح كبرى على علاقة بغزو العراق".

وفي تقرير تحت عنوان "قضية تنتظر إجابة"، وضعه عضو البرلمان آدم برايس، يقدم دليلاً يثبت بحكم الأمر الواقع أن بلير قد تلاعب عمداً بالمعلومات الاستخبارية بهدف خداع الشعب البريطاني والبرلمان بخصوص دعواه للحرب.

 

كما يدعي التقرير أن أفعال رئيس الوزراء قد قضت على سمعة الحكومة البريطانية المعروفة بالنزاهة في كل أنحاء العالم وأضرت بالأجهزة الاستخبارية وأفقدتها مصداقيتها وزعزعت الدستور بإضعافها للحكومة وحولت البرلمان إلى أضحوكة حينما يتعلق بدوره ممثلاً للشعب.

 

تبحث هذه المقالة في الكثير من التناقضات بين ما قاله قادة الغرب قبل الغزو وما نحن متأكدون اليوم من أنه كان حقيقة، وتترك للقارئ أن يحكم بنفسه إن كانت هناك فعلاً قضية بحاجة إلى إجابة من طوني بلير.

 

 بلير على صفيح ساخن

في 6 فبراير 2003 أجرى جيرمي باكسمان ومجموعة عادية من الجمهور مقابلة تلفزيونية مع طوني بلير في برنامج "أخبار المساء" على شاشة بي بي سي أيام الاستعدادات للحرب. وتحول اللقاء إلى تجربة مضنية لبلير الذي أخذ يتململ وكأنه على صفيح ساخن. أنقل لكم فيما يلي بضعة أسئلة وأجوبة بلير المراوغة عليها:

 

جيرمي باكسمان: لقد قلت يا رئيس الوزراء عن قرارات مجلس الأمن والعقوبات الدولية التي تلتها في عام 2000 بأنها قد نجحت في احتواء صدام حسين. فما الذي حدث بعد ذلك؟

 

طوني بلير: في الحقيقة أنا لم أقل ذلك. لقد قلت إنها احتوته إلى حد ما والحقيقة هي...

 

جيرمي باكسمان: عفواً يا رئيس الوزراء، لقد قلت في نوفمبر 2000 حرفياً "نعتقد أن العقوبات كانت فاعلة خلال السنوات العشر الماضية في احتواء صدام حسين."

(ملاحظة: في 15 مايو 2002 قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في شهادة أمام لجنة المشتريات في مجلس الشيوخ : "إن النظام العراقي لا يزال ضعيفاً عسكرياً بشكل واضح. إنه يفتقر للقدرة التي كانت لديه قبل 10 أو 12 سنة. لقد تم احتواؤه. ")

 

طوني بلير: طيب، دعني أؤكد لك أني في كل مرة سئلت عن هذا الأمر قلت بأنها قد احتوته إلى حد ما وأن الحقيقة هي أن نظام العقوبات كان قد بدأ بالتداعي. ولهذا السبب فإننا لاحقاً لتاريخ هذه المقولة التي تذكرها قد أجرينا سلسلة مطولة من المفاوضات لتشديد نظام العقوبات غير أن المفتشين الدوليين حينها كانو قد أخرجوا من العراق ولهذا ...

 

جيرمي باكسمان: لكن يا رئيس الوزراء ليس العراق هو من أخرجهم. هذا ليس صحيحاً أبداً. مفتشو الأسلحة غادروا العراق بعد أن أخبرتهم الحكومة الأمريكية بأنها ستبدأ بقصف البلد بقنابلها.

 

(ملاحظة: في 14 ديسمبر 1998، بعد يوم واحد من مغادرة المفتشين للعراق بطلب من الولايات المتحدة، بدأ الأمريكيون عملية ثعلب الصحراء).

 

جيرمي باكسمان: حين تصفُ شخصيةٌ عالمية كبيرة مثل نيلسون مانديلا رئيسَ الوزراء البريطاني بأنه ليس إلا وزيراً لخارجية أمريكا، ألا يشعرك هذا بالحرج؟

 طوني بلير: أكن احتراماً كبيراً لنلسون مانديلا. غير أني لا أحس بأنني أرتكب خطأً، ربما لا أقوم بشيء سهل لكن أعتقد أني أفعل الصواب. 

 

 

خلال ذلك اللقاء أصر بلير على أن القرار لم يتخذ بعد للذهاب إلى الحرب وأن أي قرار من هذا القبيل لن يتخذ إلا في حال رفض صدام حسين تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1441 وإعاقته عمل مفتشي الأسلحة الدوليين برئاسة هانز بليكس ومحمد البرادعي. وفي حال حدوث ذلك تعهد بلير باستصدار قرار دولي ثاني يعطي تفويضاً صريحاً بالغزو.

 

ومثلما نعرف الآن فقد طلب بليكس والبرادعي مزيداً من الوقت لاستكمال عمليات التفتيش بعد أن أثنيا على التعاون الذي يبديه النظام العراقي غير أن طلبهما قوبل بالرفض.

تعهد بلير باستصدار قرار دولي ثاني لم ينفذ. وبدلاً من ذلك قادت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا تحالفاً تكون في معظمه من دول مدفوعة بالرشوة أو بالخوف لتلهب السماء فوق بغداد خلال "عملية الصدمة

 والرعب" في مارس 2003. ما كانوا يستطيعون الانتظار أكثر. كان عليهم إدخال قواتهم المصفحة بالحديد إلى العراق قبل حلول الصيف اللاهب.

  

تحالف سري

في الحقيقة اتخذ بلير قراره بدعم جورج بوش في عزمه الإطاحة بصدام حسين بالقوة العسكرية بعد تسعة أيام فقط من هجمات 11 سبتمبر 2001. وأكد الاثنان قرارهما النهائي القاطع بشأن هذا التحالف السري في أبريل 2002 خلال زيارة بلير لمزرعة بوش في كراوفورد في تكساس وهو ما أكدته ديلي ميل في عنوان رئيسي صارخ لها يقول: "الكلب المدلل بلير يستعد لحرب العراق".

 

 في 4 إبريل 2004 نقلت أوبزيرفر عن كريستوفر ماير السفير البريطاني السابق في واشنطن تأكيده لهذا الأمر. تقول الصحيفة: "تبعاً لما يقوله كريستوفر ماير... الذي حضر الغداء مع بوش حينما كان بلير أول زعيم أجنبي يزور أميركا بعد 11 سبتمبر، فقد قال بلير لبوش إن عليه أن لا يشتت جهوده بعيداً عن الهدف الأولي للحرب على الإرهاب وهو التعامل مع طالبان والقاعدة في أفغانستان.

 "رد بوش قائلاً: أتفق معك يا طوني. علينا أولاً أن نتعامل مع هذا الأمر. لكن حين أنتهي من أفغانستان علينا العودة إلى العراق.

 

"يقول ماير: كان ذلك واضحاً، حين نعود للعراق لن نناقش مزيداً من العقوبات الذكية. وأمام احتمال حرب أخرى، كما يقول ماير لم يقل بلير شيئاً للاعتراض."

 اعتراف ماير يتماشى مع ما قاله ريتشارد كلارك، "قيصر الإرهاب" الأميركي السابق الذي وصف بوش قبل إصدار هيئة 11 سبتمبر لتقريرها بأنه كان مهووساً بالعراق بعد 11 سبتمبر.

 

هوس بوش العراقي يؤكده أيضاً كتاب بوب ودورد "خطة الهجوم". يؤكد ودورد أن بوش إبتداءً بأواخر ديسمبر 2001 قد إجتمع مراراً بالجنرال تومي فرانكس وحكومة حربه لتخطيط الهجوم الأمريكي على العراق على الرغم من أن المتحدثين باسمه واسم حكومته حينها كانوا يؤكدون علناً على أنهم كانوا يحاولون التوصل إلى حل دبلوماسي. وقالوا: إن الحرب هي الحل الأخير.

 

يصف ودورد نائب الرئيس ديك تشيني بأنه "قوة كبيرة دافعة" تتقدم دعاة الحرب داخل إدارة بوش ويقول إن تشيني قد أوجد "حمى" الإطاحة بصدام بالقوة.

 

وزير آخر سابق في حكومة بوش هو وزير الطاقة بول أونيل يدلي بدلوه في وصف هذه الحالة أيضاً. ويقول، متحدثاً عما حدث في أول إجتماع لمجلس الأمن القومي في عهد بوش: "من اللحظة الأولى سادت قناعة تامة أن صدام حسين زعيم سيئ يجب أن يرحل. وكان القضاء عليه هو الأولوية رقم واحد على جدول العمل عقب تسلم بوش للرئاسة، أي قبل ثمانية شهور من هجمات 11 سبتمبر." وما فاجأ أونيل هو أن أحداً في ذلك الإجتماع لم يجد أن من المناسب أن يسأل "لماذا صدام ولماذا الآن؟" 

رون ساسكند المراسل السبق لصحيفة وول ستريت جورنال في كتابه "ثمن الولاء" الذي اعتمد فيه على لقاءات مع أونيل وغيره من المسؤولين الذين حضروا ذلك الاجتماع، يقول إنه كانت هناك مذكرة سرية تم توزيعها عليهم عنوانها "خطة العراق بعد صدام" تتضمن قضايا مثل قوات حفظ السلام ومحاكم جرائم الحرب وتقاسم النفط العراقي.

 

كما حصل ساسكند على وثيقة أخرى أعدها البنتاغون بتاريخ 5 مارس 2001 عنوانها "المتنافسون الأجانب على عقود حقول النفط العراقية" تضمنت خريطة لمناطق واعدة للتنقيب. 

 

كان يناير 2003 هو الشهر الذي حدد في البداية موعداً للغزو غير أن بوش تخوف من أن حكومة بلير قد تسقط إن لم يصبح بالإمكان إقناع الجمهور البريطاني بالحرب ولهذا قرر تأجيل الحرب إلى 20 مارس.

 

وحين أصبح واضحاً عدم إمكان استصدار قرار دولي آخر نتيجة الموقفين الفرنسي والروسي بشكل خاص المعارضين للحرب، أعطى بوش بلير الخيار في أن يمتنع عن إشراك القوات البريطانية في العمليات الحربية وهو ما رد عليه بلير تبعاً لودورد بالقول

"لقد قلت لك إني معك، وأنا أعني ما أقول".

 

المشكلة التي كان يواجهها بلير هي أن وزراء بعينهم في حكومته وعدداً متزايداً من الأعضاء العماليين في البرلمان وحوالي ثلثي الجمهور البريطاني كانوا يعارضون البرنامج الأميركي بخصوص العراق. كانوا يطالبون بأشياء مقنعة.

 

أكاذيب واشنطن

كولن باول، أحد المعتدلين القلائل في إدارة بوش كان بحاجة للاقناع أيضاً كما يقول ودورد الذي يصف العلاقة بين تشيني وباول بأنها كانت متوترة جداً لدرجة أنهما كانا بالكاد يكلمان بعضهما.

 

ويقال إن باول حاول إثناء بوش عن غزو العراق قائلاً: "إنك ستصبح مالكاً لهذا المكان" في إشارة منه للمثل الشائع "إن كنت تستطيع كسره، فأنت تملكه".

 

 لكن حين طلب الرئيس شخصياً من باول أن يعرض دعوى الحرب أمام مجلس الأمن الدولي في فبراير 2003 ، وافق الأخير على مضض. فقد تحول الأمر إلى الإخفاق الذريع الأكبر في حياة باول التي كانت إلى  حينها متميزة وحولته إلى أضحوكة في الأوساط الدبلوماسية.

 

 تدرب باول على إلقاء مزاعمه ثم ألقاها بسلاسة مدعومة بصور وجداول ومحادثات التقطتها المخابرات ورسوم بيانية فارغة من أي مادة ملموسة ثبت فيما بعد أنها كلها خاطئة.

 

"مقطورات الأسلحة الجرثومية" تبين أنها لصناعة بالونات الأرصاد الجوية.

أنابيب الألمنيوم التي أصر باول على أنها لإنتاج أجهزة الطرد المركزي النووي أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها مستوردة للاستخدام في إنتاج الصواريخ.

 

 سعي العراق المزعوم لشراء خام اليورانيوم من النيجر كان يقوم على أوراق مزورة أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد ساعات من الكشف عنها أنها مزورة قطعاً.

 

كما تجاهل باول أيضاً تقريراً أعده السفير جوزيف ويلسون الذي سافر إلى النيجر بطلب من زوجته فاليري بلاين العاملة في السي آي أيه للتحقيق في الأمر. تقرير ويلسون أنكر مزاعم باول وحين تجرأ كاتب التقرير على كشف هذه الحقيقة، رد البيت الأبيض عليه في خطوة تنتهك القانون الأمريكي بالكشف عن أسم زوجته وعملها منهياً بذلك بحكم الأمر الواقع حياتها المهنية في الاستخبارات.

 

كرر جورج بوش كذبته هذه في خطاب حالة الاتحاد الذي وجهه إلى الأمة في يناير 2003، تاركاً لمرؤوسيه مهمة الإعتذار عن إدراج هذه الكذبة في الخطاب حين أصبح أمر تلفيقها شيئاً معروفاً للجميع.

 

وفيما يتعلق بتأكيدات باول على أن العراق كانت لديه أربعة أطنان من غاز في إكس، أغفل وزير الخارجية حقيقة أن معظم هذه الكمية قد أتلفت في التسعينيات تحت إشراف مفتشي الأمم المتحدة ولم يتطرق أبداً إلى الجهود الكبيرة التي بذلها العراقيون لإثبات أنهم قد أتلفوا ما تبقى منها بإجرائهم تحاليل كيماوية للتربة في المواقع التي أكد المفتشون أن غاز في أكس قد أتلف فيها.

 

ومهما كانت الحقيقة، فقد أكد الباحثون في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية البريطاني بأن أي مخزونات لغاز في أكس تعود لما قبل عام 1991 ستكون قد تفككت بشكل طبيعي وبالتالي لن تعود صالحة للاستخدام.

 

أما صور الفيديو التي قدمها باول لطائرة التجسس العراقية بدون طيار والتي تشبه نسخة محسنة من ألعاب الأطفال باعتبارها تهديداً كبيراً فقد سببت للحضور في مجلس الأمن ضحكات خانقة.

 

لكن الأضحوكة الأكبر كانت حديث باول عن معسكر للإرهاب في شمال العراق يتم فيه تصنيع غاز الرايسين ذلك السم الأكثر فتكاً بين السموم المعروفة للإنسان. وسرعان ما أوضح الإعلام حقيقة أن ذلك المعسكر كان موجوداً في القطاع الكردي من العراق خارج نطاق سيطرة صدام حسين وحين زار الصحفيون المكان، لم يجدوا فيه سوى بضعة رجال عجائز ومطبخاً ملوثاً بالبندورة المتعفنة.

 

قال باول: "لقد عثر على وثائق سرية في حديقة بيت أحد العلماء النويين العراقيين في بغداد" ووصف ذلك بأنه "برهان استخباراتي درامي." أما المفتشون الدوليون فقد قالوا عن الوثائق ذاتها إنها بقايا قديمة و"لامعنى لها" من برنامج مخفق ومعروف لهم تماماً لتخصيب اليورانيوم أواخر الثمانينيات.

  

التلفيق في داوننغ ستريت

لئلا يجد نفسه مهزوماً في سباق الهراء، أصدر مكتب طوني بلير في فبراير الملف العراقي الثاني وذلك بعد تبيان كذب المزاعم في الملف الأول الذي أصدره في سبتمبر السابق حول قدرة صدام حسين على إطلاق ما لديه من أسلحة دمار شامل ضد دول الجوار والمصالح البريطانية في غضون 45 دقيقة فقط من اتخاذ القرار بذلك. أما حقيقة أن زعم الدقائق الخمسة وأربعين كانت تشير فقط إلى الأسلحة الميدانية فقد أسقطت عمداً من الملف وأصبح أساتذة الكذب أو التلفيق في داون ستريت في دائرة التدقيق بعد أن أشار آندرو غاليغان الصحفي في البي بي سي إلى أن مصدراً رفيعاً في وزارة الدفاع قد ذكر له بأن ملف سبتمبر تضمن تدبيجاً كثيراً.

 

ومع أن غاليغان رفض تسمية مصدره، استطاعت وزارة الدفاع أن تصل إليه وتسرب اسمه إلى ماكينات الإعلام التي لا ترحم وكانت نهاية الدكتور ديفيد كيلي العالم الخجول في وزارة الدفاع هي أن ينتحر. وبلغت غضبة داوننغ ستريت على كبار المسؤوليين في البي بي سي حداً وصل إلى التخلص من غريغ دايك مديرها العام المحبوب شعبياً والصحفي الذي كان أول من كشف الأمر.

 

الملف الثاني تضمن مواداً منسوخة نسخاً مباشراً من رسالة ماجستير عمرها 12 عاماً نشرها الطالب الذي أعدها على الأنترنيت وهو ما تحول إلى إحراج أكبر من سابقه كما أقر وزير الخارجية جاك سترو.

 

غير أن كل هذه الكوميديا من الأغلاط لم تردع الحكومة البريطانية عن وضع يدها بيد بوش وعصبته الشرسة من المحافظين الجدد.

 

معظم المحللين العراقيين بمقدورهم تقديم تفسيرات كثيرة للهفة بوش للتخلص من صدام حسين. بعضهم يقول إنها قضية ثأر شخصي لمحاول الاغتيال المزعومة لأبيه بوش الأول دبرها الزعيم العراقي. وآخرون يقولون إن غزوة بوش مدفوعة بالرغبة في السيطرة على احتياطات العراق النفطية الكبيرة وإعطاء عقود الإعمار المربحة للمقربين من أعوان بوش. ويشير البعض إلى العقيدة المكنونة طويلاً عند المحافظين الجدد بخصوص الدمقرطة ويرون هيمنتهم على الشرق الاوسط جزءاً من استراتيجيتهم لبناء "نظام عالمي جديد". غير أن الساذجين منهم يعتقدون أن هذه الحرب كانت جزءاً أساسياً من "الحرب على الإرهاب".

 

لكن ماذا كانت وجهة نظر بلير؟ ما الذي جناه حين رمى بكل من على يسار الوسط إلى أقصى اليمين؟ إن الوحيدين القادرين على تقديم إجابة هم رئيس الوزراء وربما أولئك الأكثر قرباً منه. وكل ما بمقدورنا فعله نحن هو التخمين بأن بلير كان مستعداً للمجازفة بكل شيء، بما في ذلك سمعة بريطانيا المعروف عنها الإنصاف و التضحية بعلاقاتها في الشرق الأوسط والخليج ومكانتها في الإتحاد الأوربي مقابل تعزيز علاقته مع الجانب الآخر من الأطلسي.

  

الموت والخراب

هناك من يؤمنون بضرورة محاسبة بوش وبلير على خراب الديار الذي أحدثه في العراق. فمن ذا الذي كان يظن أن حديثاً على غداء بين زعيمين غربيين في 2001 يمكن أن يقود إلى مقتل 100 ألف مدني عراقي كما تقول مجلة لانسيت الطبية الشهيرة.

 

من ذا الذي تخيل حدوث تلك الانتهاكات البدنية والجنسية التي قام بها جنود أمريكيون في أبو غريب، تلك الجثث المتفحمة وهي تسحب من تحت أنقاض البيوت المدمرة بفعل ضربات صواريخ الحلفاء "الجراحية"، أو دموع 5500 يتيم عراقي يبكون آباءهم الذي لن يروهم بعدها؟

 

من ذا الذي توقع حدوث ما حدث في الفلوجة، مدينة الألف مسجد، التي سبق وخرج أهلها ضد الحكم الحديدي لصدام حسين، والتي تحولت إلى حمأة للموت والخراب، التي تركت جثث أهلها دون دفن في الشوارع لتصبح نهباً للقطط والكلاب الجائعة، التي ترك جرحاها ينزفون حتى الموت فيما منع الصليب الأحمر من دخولها؟

 من ذا الذي كان يظن مجرد الظن أن جنوداً أمريكيين يقتلون بأعصاب باردة مجاهدين جرحى وتلتقط عدسة كاميرا الفيديو أفعالهم، يقتلون مجاهدين مثل ذلك الرجل الذي كان يتعلق بأهداب الحياة على أرض مسجد في الفلوجة والآخر الذي سقط بين مبنيين حين أصابه رصاص جندي من المارينز ليتقدم آخر بكل فروسية ويجهز عليه؟

 مايكل واير مدير مكتب بغداد في مجلة تايم الذي كان ملحقاً بالجيش الأميركي خلال الهجمة على الفلوجة يصف حال العراق اليوم بأنها "كارثة مطبقة".

 

 يقول في حديث لإذاعة نيويورك العامة: "إن مجرد التفكير في السبب الذي جعل الغرب يدخل العراق يجعلني أصاب بالحيرة. ذلك أن أفضل مبرر يقدم لهذه الحرب هو أنها بشكل أو بآخر على علاقة بالحرب على الإرهاب. غير أن ما أخشاه، بعد ما رأيته في الفلوجة وفي كل العراق، إنه إذا كان هذا هو الإجراء الوقائي من الإرهاب فإنه فاشل. إننا نروج أو نربي أو نسبب ظهور الإرهاب بوجودنا هناك."

 

ولا يرى واير سوى أمل ضئيل في المستقبل القريب للعراق أيضاً. فحين سئل عن الآمال المعلقة على الإنتخابات العراقية المقبلة قال: "حسناً، ليعلقوا قدر ما يريدون من الآمال على هذه الإنتخابات. لا أرى ماهو النفع الذي ستقدمه لهم. أعني، ولأقلها الآن، بمقدورك تحديد أي موعد تشاء لها، لنقل أنه 30 يناير. بمقدورك إجراء انتخابات. وبالتأكيد ستبدو وكأنها انتخابات. لكن لن يكون بمقدورك أن تتوقع منها غير الزيف."

 

محاكمات زائفة

قضية العراق كانت زيفاً من البداية وحتى النهاية، فلنستعد لانتخابات زائفة لا تشارك فيها قطاعات كبيرة من البلاد ولمسلسل من المحاكمات الهزلية لأفراد من نظام صدام السابق تتوج بالمحاكمة الاستعراضية الأكبر لصدام نفسه الذي أمضى حتى الآن أكثر من عام دون أن يتمكن من الاتصال بمحامين.

 

وإليكم واحدة من أكثر النتائج مأساوية في كل هذا. يقول واير إن ما بدأ كنكتة تقول بأن صدام حسين إذا ما شارك في هذا السباق الانتخابي فقد يفوز، آخذ الآن بالتحول سريعاً إلى شيء واقعي.

 

 بوش وبلير، اللذان كانا أبعد ما يكون عن نشر الحرية والديمقراطية، قد فرضا الخوف والعسر وغياب الأمن والقانون العرفي على الشعب العراقي. بالتأكيد إن هناك قضية مطلوب منهما تقديم الإجابات عنها، إن لم يكن هنا في الحياة الدنيا، ففي الآخرة أمام السلطان الأعلى الذي يزعم كلاهما محبته وتقديسه.

 

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289