الخميس، 10 أكتوبر 2024

المسلمون لا يجب أن يعتذروا للإرهابيين

بقلم ليندا س. هيرد

© Shutterstock
© Shutterstock

تحميل 1.6 مليار مسلم في العالم مسؤولية الفظائع التي ترتكبها أقلية صغيرة تدّعي أنها تتشاركهم العقيدة الإيمانية تحوَّل من ممارسة ينتهجها أقصى اليمين إلى اتجاه سائد في المجتمعات الغربي

 

يطلب من‭ ‬المسلمين‭ ‬باستمرار‭ ‬أن‭ ‬ينأوا‭ ‬بأنفسهم‭ ‬عن‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنهم‭ ‬يشكّلون‭ ‬أكثرية‭ ‬ضحايا‭ ‬الإرهاب‭. ‬وفقاً‭ ‬للمجلة‭ ‬الألمانية‭ "‬دير‭ ‬شبيغل‭"‬،‭ ‬عدد‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬قتلهم‭ ‬تنظيم‭ "‬القاعدة‭" ‬أكبر‭ ‬بثمانية‭ ‬أضعاف‭ ‬من‭ ‬أعداد‭ ‬غير‭ ‬المسلمين‭. ‬لقد‭ ‬أورد‭ "‬المركز‭ ‬الوطني‭ ‬الأمريكي‭ ‬لمكافحة‭ ‬الإرهاب‭" ‬عام‭ ‬2011‭ ‬أن‭ "‬نصيب‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬الذين‭ ‬سقطوا‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬إرهابية‭ ‬تراوح‭ ‬بين‭ ‬82‭ ‬و97‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الخمسة‭ ‬الماضية‭". ‬لماذا‭ ‬يُتوقَّع‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬يشكّلون‭ ‬الهدف‭ ‬الأساسي‭ ‬للإرهاب‭ ‬أن‭ ‬يعتذروا‭ ‬عن‭ ‬ممارسات‭ ‬قتلة‭ ‬عديمي‭ ‬الرحمة‭ ‬يشوّهون‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أعظم‭ ‬العقائد‭ ‬الإيمانية‭ ‬في‭ ‬العالم؟

بعد‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬رجل‭ ‬فرنسي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬تونسي‭ ‬باستخدام‭ ‬شاحنة‭ ‬سلاحاً‭ ‬لدهس‭ ‬أبرياء‭ ‬تجمّعوا‭ ‬لمشاهدة‭ ‬عرض‭ ‬للألعاب‭ ‬النارية‭ ‬في‭ "‬برومناد‭ ‬ديزانغليه‭" ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬نيس‭ ‬الفرنسية،‭ ‬نشر‭ ‬مستشار‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬للأمن‭ ‬القومي،‭ ‬اللفتنانت‭ ‬جنرال‭ ‬مايكل‭ ‬فلين،‭ ‬التغريدة‭ ‬الآتية‭:‬

‭"‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأربع‭ ‬والعشرين‭ ‬المقبلة،‭ ‬أتحدّى‭ ‬’القادة‘‭ ‬العرب‭ ‬والفرس‭ ‬أن‭ ‬يتقدّموا‭ ‬ويعلنوا‭ ‬أن‭ ‬أيديولوجيتهم‭ ‬الإسلامية‭ ‬مريضة‭ ‬ويجب‭ ‬علاجها‭".‬

يا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬جهل‭ ‬مطبق‭! ‬ليس‭ ‬#الإسلام‭ ‬أيديولوجيا؛‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬العقيدة‭ ‬الإيمانية‭ ‬الأسرع‭ ‬نمواً‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬منفّذ‭ ‬الهجوم‭ ‬مدمناً‭ ‬على‭ ‬الكحول،‭ ‬وكان‭ ‬يتعاطى‭ ‬المخدرات،‭ ‬وزير‭ ‬نساء‭ ‬يضرب‭ ‬زوجته،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬يتردد‭ ‬إلى‭ ‬المساجد‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الفاشل‭ ‬يشبه‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬المسلمين‭ ‬الورعين،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬عام‭. ‬الإرهابيون‭ ‬المحليو‭ ‬المنشأ‭ ‬الذين‭ ‬شنّوا‭ ‬هجمات‭ ‬في‭ ‬#فرنسا‭ ‬وبلجيكا‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الطينة‭ ‬الدنيئة‭ ‬والمجرمة‭ ‬نفسها‭.‬

تنطّح‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬سابقاً،‭ ‬نيوت‭ ‬غينغريتش،‭ ‬مطالباً‭ ‬بإخضاع‭ ‬المسلمين‭ ‬لاختبارات‭ ‬لمعرفة‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بالشريعة،‭ ‬كي‭ ‬يتم‭ ‬ترحيلهم‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭. ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬ما‭ ‬علاقة‭ ‬الشريعة‭ ‬بالإرهاب،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتكبّد‭ ‬عناء‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬الملفات‭ ‬الشخصية‭ ‬لمنفّذي‭ ‬اعتداء‭ ‬بوسطن،‭ ‬أو‭ ‬ثنائي‭ ‬سان‭ ‬برناردينو،‭ ‬أو‭ ‬القاتل‭ ‬المخبول‭ ‬في‭ ‬أورلاندو؛‭ ‬فجميعهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬الملتزمين‭ ‬بمعايير‭ ‬السلوك‭ ‬الإسلامي،‭ ‬ولا‭ ‬بالشريعة‭. ‬عنونت‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية‭: "‬غينغريتش‭ ‬يحوّل‭ ‬الإسلاموفوبيا‭ ‬إلى‭ ‬فن‭".‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬وقع‭ ‬هجوم‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬أوروبا،‭ ‬تخصص‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬أياماً‭ ‬متواصلة‭ ‬من‭ ‬البث‭ ‬للحديث‭ ‬عنه،‭ ‬وتمتلئ‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬دائماً‭ ‬بمشاعر‭ ‬التعاطف؛‭ ‬وتُنكَّس‭ ‬الأعلام‭ ‬فوق‭ ‬المباني‭ ‬الحكومية،‭ ‬ويقف‭ ‬النوّاب‭ ‬دقيقة‭ ‬صمت‭ ‬في‭ ‬البرلمان،‭ ‬وتُضاء‭ ‬المعالم‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬العالمية‭ ‬بألوان‭ ‬علم‭ ‬البلد‭ ‬المنكوب‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬التضامن‭. ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نشهد‭ ‬قط‭ ‬على‭ ‬إضاءة‭ ‬هذه‭ ‬المعالم‭ ‬بألوان‭ ‬العلم‭ ‬العراقي‭ ‬أو‭ ‬الأفغاني،‭ ‬وأنا‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لن‭ ‬يحدث‭ ‬أبداً‭.‬

الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬كانت‭ ‬تروّعهم‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬الاقتراحات‭ ‬المتعصّبة‭ ‬بمنع‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬إخضاع‭ ‬المسلمين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬للمراقبة،‭ ‬باتوا‭ ‬متحمّسين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬الأحوال،‭ ‬أو‭ ‬متقبّلين‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭. ‬يُسجَّل‭ ‬ارتفاع‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الهجمات‭ ‬على‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يكشف‭ ‬مظهرهم‭ ‬بوضوح‭ ‬انتماءهم‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وتسود‭ ‬مشاعر‭ ‬البارانويا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬إرغام‭ ‬الركّاب‭ ‬على‭ ‬الترجّل‭ ‬من‭ ‬الطائرة‭ ‬لارتكابهم‭ "‬خطيئة‭" ‬التكلم‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭.‬

من‭ ‬أبرز‭ ‬الأمثلة‭ ‬عن‭ ‬البارانويا‭ ‬المناهضة‭ ‬للإسلام‭ ‬المعاملة‭ ‬الهمجية‭ ‬التي‭ ‬لقيها‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬إماراتي‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬شرطيين‭ ‬مسلّحين‭ ‬في‭ ‬آفون‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬أوهايو‭. ‬فقد‭ ‬توجّه‭ ‬أحمد‭ ‬المنهالي‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتلقّي‭ ‬العلاج‭ ‬بعد‭ ‬إصابته‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الجلطات‭ ‬الدماغية‭. ‬وقد‭ ‬اضطُرّ‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬المكان‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يقيم،‭ ‬وقصد‭ ‬فندق‭ "‬فيرفيلد‭ ‬إن‭ ‬أند‭ ‬سوتس‭" ‬لحجز‭ ‬غرفة‭. ‬

وعندما‭ ‬قيل‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬الفندق‭ ‬محجوز‭ ‬بالكامل،‭ ‬توجّه‭ ‬إلى‭ ‬الباحة‭ ‬الأمامية‭ ‬للاتصال‭ ‬بفنادق‭ ‬أخرى‭ ‬عبر‭ ‬هاتفه‭ ‬الجوال‭. ‬تخيّلوا‭ ‬دهشته‭ ‬عندما‭ ‬تقدّم‭ ‬عناصر‭ ‬مسلحون‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬نحوه‭ ‬وأرغموه‭ ‬على‭ ‬الانبطاح‭ ‬أرضاً‭ ‬وكبّلوه‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتداء‭ ‬ملابس‭ ‬عربية،‭ ‬واقتناء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهواتف‭ ‬الجوالة،‭ ‬وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬الادّعاء‭ ‬بأنه‭ ‬سُمِع‭ ‬يتعهد‭ ‬بالولاء‭ ‬لتنظيم‭ "‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭"‬،‭ ‬والسبب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬والد‭ ‬عامل‭ ‬الاستقبال‭ ‬في‭ ‬فندق‭ "‬فيرفيلد‭" ‬وشقيقته‭ ‬اتصلا‭ ‬بشرطة‭ ‬الطوارئ‭ ‬ولفّقا‭ ‬روايةً‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬مخيّلتهما‭.‬

عندما‭ ‬تأكّدت‭ ‬الشرطة‭ ‬من‭ ‬هوية‭ ‬المنهالي‭ ‬وأوراقه‭ ‬الثبوتية،‭ ‬انهار‭ ‬هذا‭ ‬الأخير‭ ‬ونُقِل‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭. ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة،‭ ‬نصحت‭ ‬الإمارات‭ ‬العربية‭ ‬المتحدة‭ ‬رعاياها‭ ‬بعدم‭ ‬ارتداء‭ ‬الزي‭ ‬الوطني‭ ‬أثناء‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ "‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬سلامتهم‭"‬،‭ ‬واستدعت‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬الإماراتية‭ ‬نائب‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬هذه‭ "‬المعاملة‭ ‬المسيئة‭".‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬التفجيرات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬وسوريا‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وأماكن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والتي‭ ‬تحدث‭ ‬بوتيرة‭ ‬شبه‭ ‬شهرية،‭ ‬سوى‭ ‬بالنذر‭ ‬اليسير‭ ‬من‭ ‬التغطية‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬وفي‭ ‬الصفحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬للصحف،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬بين‭ ‬الضحايا‭ ‬مواطنون‭ ‬غربيون،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬كينيا‭ ‬وتونس‭ ‬وبنغلاديش،‭ ‬ففي‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬تحظى‭ ‬المأساة‭ ‬بتغطية‭ ‬أوسع‭.‬

في‭ ‬منتصف‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬لقي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خمسمئة‭ ‬شخص‭ ‬مصرعهم‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد؛‭ ‬قلّة‭ ‬من‭ ‬المشاهدين‭ ‬والقرّاء‭ ‬في‭ ‬#لندن‭ ‬أو‭ ‬نيويورك‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بهذه‭ ‬المجزرة‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬حول‭ ‬العاصمة‭ ‬جوبا‭. ‬تُظهر‭ ‬هذه‭ ‬النزعة‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬المسائل‭ ‬بحسب‭ ‬هوية‭ ‬الضحايا،‭ ‬وتعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬لأولئك‭ ‬الذين‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬حياتهم‭ ‬هي‭ ‬الأهم‭.‬

في‭ ‬الواقع،‭ ‬جميع‭ ‬السلطات‭ ‬الدينية‭ ‬العليا‭ ‬تقريباً‭ ‬وممثّلي‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬رفعوا‭ ‬الصوت‭ ‬عالياً‭ ‬ضد‭ ‬المتطرفين‭ ‬وأيديولوجياتهم‭ ‬المنحرفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بصلة‭ ‬إلى‭ ‬دين‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والتسامح،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬تمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬ولا‭ ‬يلتفت‭ ‬إليها‭ ‬أحد‭.‬‭ ‬في‭ ‬ديسمبر،‭ ‬أصدر‭ ‬70000‭ ‬رجل‭ ‬دين‭ ‬مسلم‭ ‬فتوى‭ ‬ضد‭ ‬المنظمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬العالمية،‭ ‬منها‭ ‬تنظيم‭ "‬القاعدة‭" ‬وتنظيم‭ "‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭". ‬لكن‭ ‬بالكاد‭ ‬جاءت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأساسية‭ ‬على‭ ‬ذكر‭ ‬الخبر‭.‬

من‭ ‬المفارقات‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬صنّفت‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬ومصر‭ ‬جماعة‭ "‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭" ‬–‭ ‬المعروفة‭ ‬بروابطها‭ ‬مع‭ "‬القاعدة‭" ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬المجموعات‭ ‬البغيضة‭ - ‬في‭ ‬خانة‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬رفضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬القيام‭ ‬بالخطوة‭ ‬نفسها‭. ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العام‭ ‬2016،‭ ‬أقرّت‭ ‬اللجنة‭ ‬القضائية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الأمريكي‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬مطروحاً‭ ‬على‭ ‬الكونغرس‭ ‬لتصنيف‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية،‭ ‬لكنه‭ ‬تعثّر‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭. ‬حتى‭ ‬فترة‭ ‬غير‭ ‬بعيدة،‭ ‬كان‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يوجّه‭ ‬دعوات‭ ‬إلى‭ ‬قياديين‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ "‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭" ‬لزيارة‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭. ‬وأعلنت‭ ‬بريطانيا‭ ‬أنه‭ ‬يحق‭ ‬لأولئك‭ ‬القياديين‭ ‬والمروّجين‭ ‬لهم‭ ‬طلب‭ ‬اللجوء‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬فيما‭ ‬أصدرت‭ ‬اللجنة‭ ‬البرلمانية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬العموم‭ ‬مؤخراً‭ ‬تقريراً‭ ‬تثني‭ ‬فيه‭ ‬على‭ "‬#الإسلام‭ ‬السياسي‭" ‬وتلمّع‭ ‬صفحة‭ ‬الإخوان‭.‬

 

المسؤولون‭ ‬الوحيدون‭ ‬عن‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬يتسبّب‭ ‬بها‭ ‬الإرهاب‭ ‬هم‭ ‬الإرهابيون‭ ‬أنفسهم‭ ‬وأسيادهم‭ ‬ومموّلوهم‭. ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقدّم‭ ‬الاعتذار،‭ ‬فهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬بزور‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬المجموعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬بكل‭ ‬وقاحة‭ ‬للقتال‭ ‬بالوكالة‭ ‬عنها‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬لتنظيم‭ "‬القاعدة‭" ‬وجود‭ ‬قبل‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬عمدت‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ (‬سي‭ ‬آي‭ ‬أيه‭) ‬إلى‭ ‬تجنيد‭ ‬إرهابيين‭ ‬وتدريبهم‭ ‬في‭ ‬باكستان‭. ‬لقد‭ ‬وُلِد‭ ‬التنظيم‭ ‬المسمّى‭ "‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭" ‬من‭ ‬رحم‭ ‬اجتياح‭ ‬العراق‭ ‬واحتلاله‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬كان‭ ‬التنظيم‭ ‬يُعرَف‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بتنظيم‭ "‬القاعدة‭ ‬في‭ ‬العراق‭"‬،‭ ‬وكانت‭ ‬قيادته‭ ‬تتألف‭ ‬بصورة‭ ‬شبه‭ ‬حصرية‭ ‬من‭ ‬ضباط‭ ‬سابقين‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬عهد‭ ‬صدام‭ ‬حسين،‭ ‬وقد‭ ‬طُرِدوا‭ ‬من‭ ‬مناصبهم‭ ‬وسُجِنوا‭ ‬في‭ ‬معسكر‭ ‬بوكا‭ ‬الأمريكي‭.‬

حان‭ ‬الوقت‭ ‬كي‭ ‬تعتذر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬السابقون‭ ‬في‭ ‬الائتلاف‭ ‬للعراقيين‭ ‬ويعوّضوا‭ ‬عليهم‭ ‬لشنّهم‭ ‬حرباً‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬معلومات‭ ‬استخباراتية‭ ‬خاطئة،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مصرع‭ ‬زهاء‭ ‬مليون‭ ‬عراقي‭ ‬وأدّى‭ ‬إلى‭ ‬تأجيج‭ ‬الانقسامات‭ ‬المذهبية‭ ‬التي‭ ‬أشعلت‭ ‬الكراهية‭ ‬والعنف‭ ‬الذي‭ ‬يعيث‭ ‬خراباً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬تمدَّد‭ ‬إلى‭ ‬#سوريا‭ ‬المجاورة‭. ‬والمحزن‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬صبّت‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منحها‭ ‬شرعية‭ ‬لإيران‭ ‬وتعاونها‭ ‬العسكري‭ ‬مع‭ ‬الميليشيات‭ ‬العراقية‭ ‬الموالية‭ ‬لطهران‭ ‬والخاضعة‭ ‬لقيادة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭.‬

ل‭ ‬يمكن‭ ‬تبرير‭ ‬الإرهاب‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬أعذار‭ ‬له‭ ‬بأي‭ ‬طريقة‭ ‬من‭ ‬الطرق‭. ‬فالأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يصل‭ ‬بهم‭ ‬الانحطاط‭ ‬إلى‭ ‬قطع‭ ‬رؤوس‭ ‬خصومهم‭ ‬أو‭ ‬حرقهم‭ ‬أو‭ ‬دفنهم‭ ‬أحياء‭ ‬أو‭ ‬وضعهم‭ ‬في‭ ‬أقفاص‭ ‬وإغراقهم‭ ‬في‭ ‬المياه،‭ ‬فقدوا‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬اعتبارهم‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الجنس‭ ‬البشري‭. ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬أقرّ‭ ‬العالم‭ ‬بأن‭ ‬مجنِّدي‭ ‬الإرهابيين‭ ‬يتذرّعون‭ ‬بالظلم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خداع‭ ‬ضعفاء‭ ‬العقول‭ ‬ومَن‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬اضطرابات‭ ‬نفسية‭ ‬وإغوائهم‭ ‬بالانضمام‭ ‬إلى‭ ‬معسكرهم‭.‬

إذا‭ ‬كانت‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬جادّة‭ ‬بشأن‭ ‬اجتثاث‭ ‬الإرهاب،‭ ‬يجب‭ ‬علاجه‭ ‬من‭ ‬جذوره‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بوضع‭ ‬الضمادات‭ ‬على‭ ‬عوارضه‭. ‬إن‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬خطاب‭ ‬شعبوي‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬تعزيز‭ ‬شعبية‭ ‬السياسيين‭ ‬لدى‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬التي‭ ‬رضخت‭ ‬لسياسة‭ ‬الخوف‭.‬

ينبغي‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬بذل‭ ‬جهود‭ ‬متضافرة‭ ‬لإحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬#سوريا‭ ‬والعراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬ووضع‭ ‬حد‭ ‬لمعاناة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬كل‭ ‬الآمال‭ ‬معلّقة‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ليتسلّم‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬بصفته‭ "‬قائد‭ ‬العالم‭ ‬الحر‭". ‬عندما‭ ‬تسود‭ ‬العدالة،‭ ‬تتراجع‭ ‬البؤر‭ ‬التي‭ ‬تشكّل‭ ‬أراضي‭ ‬خصبة‭ ‬للإرهابيين‭ ‬وتختفي‭ ‬من‭ ‬الوجود‭.‬

 
تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم