الخميس، 03 أكتوبر 2024

الدولة الاسلامية تبقى لغزا

بقلم ليندا س. هيرد

© Shutterstock

في حين أن تنظيم "القاعدة" لم يكن اسماً مألوفاً قبل 11 سبتمبر 2001، كانت أصوله "الأفغانية العربية" وقيادته الأساسية واضحة للعيان. بيد أن ولادة ما عُرِف بدايةً بـ"الدولة الإسلامية في العراق والمشرق" (داعش) التي ظهرت على الساحة العالمية عام 2014، وأنشطتها والتنظيمات التابعة لها، لا تزال لغزاً يثير نظريات ومؤامرات غير مدعومة ببراهين. ليندا س. هيرد تنظر في بعض هذه النظريات التي تستحق التوقف عندها... 

يعتبر مجلس العلاقات الخارجية أن أصول "الدولة الإسلامية" تعود ربما إلى "ما بعد الاجتياح الأمريكي للعراق عام 2003"، عندما قام المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي – سفّاح أكثر منه إسلامي ملتزم – بالاصطفاف مع مجموعته الجهادية إلى جانب تنظيم "#القاعدة"، ليصبح اسم التنظيم الذي يتزعّمه "#القاعدة في العراق". لقي الزرقاوي مصرعه في هجوم جوي، وقد غيّر الأشخاص الذين تولّوا رئاسة التنظيم بعده، الاسم ليصبح تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق".

يعرض مارتن شولوف في مقال له في صحيفة "الغارديان" لنظرية أخرى تستند إلى ما كشفه أبو محمد، أحد كبار القادة في تنظيم "الدولة الإسلامية"، بأن التنظيم أبصر النور داخل معسكر بوكا، وهو عبارة عن سجن في الصحراء في العراق، "على مرأى ومسمع من السجّانين الأمريكيين".

يروي أبو محمد أن لقاءه الأول بأبو بكر الغدادي الذي نصّب نفسه خليفة، كان في معسكر بوكا، حيث كان يُعتبَر معتقلاً موثوقاً يُسمَح له بالوصول إلى الأقسام الأخرى في المعسكر. يقول إن البغدادي كان هادئاً وله شخصية مميزة، فيما يصفه بأنه أشد همجية إلى حد كبير من الزرقاوي، مضيفاً: "كان موضع احترام شديد من الجيش الأمريكي"، وقد أخلي سبيله عام 2004. يؤكّد أبو محمد: "كان معسكر بوكا بمثابة مصنع. لقد صنعنا جميعاً، وكوّن عقيدتنا".

قال المعتقل السابق عادل جاسم محمد لقناة "الجزيرة" إن "المتطرفين كانوا يتمتعون بحرية تلقين المعتقلين الشباب... رأيتهم يعطون دروساً عبر استخدام الألواح الخشبية التي نجدها عادةً في قاعات التدريس، وكانت تلك الدروس تتمحور حول كيفية استخدام المتفجّرات والأسلحة، وتنفيذ عمليات انتحارية". وأشار إلى أن هؤلاء الأشخاص وجدوا سهولة في التواصل من جديد بعد الإفراج عنهم.

نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن ضابط أمريكي سابق قوله: "بالعودة إلى الوراء، لعل استقدام الجهاديين والمتمردين إلى المكان نفسه ومنحهم الوقت الكافي للتعارف، هو الخطأ الأكبر الذي وقعنا فيه".

يشير الموقع الإلكتروني Drudge Report إلى أنه "حتى مع تدفق آلاف المقاتلين الأجانب، تقريباً جميع القادة في تنظيم الدولة الإسلامية هم ضباط عراقيون سابقون، بينهم أعضاء من اللجان العسكرية والأمنية التي كانت تعمل في الخفى... لقد حملوا معهم إلى التنظيم خبرتهم العسكرية، وبعضاً من مخططات البعثيين السابقين، فضلاً عن شبكات التهريب التي أنشئت لتجنّب العقوبات في التسعينيات، والتي تساهم الآن في تسهيل تجارة النفط لحساب تنظيم الدولة الإسلامية". يقول عضو سابق في التنظيم أن العراقيين لا يقاتلون، بل "يرسلون المقاتلين الأجانب إلى الجبهات الأمامية".

التمويل

تشرح مجلة "الإيكونوميست" كيف أن "الدولة الإسلامية" هي التنظيم الإرهابي الأكثر ثراء: "خلافاً للتنظيمات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك تنظيم #القاعدة في العراق، يعتمد تنظيم #داعش على التمويل الذاتي في شكل أساسي بدلاً من الاتكال على الداعمين الأثرياء (على الرغم من نظريات المؤامرة المتعددة في المنطقة التي تدّعي أن أمريكا أو إيران أو إسرائيل تموّل التنظيم)... القسم الأكبر من التمويل يؤمّنه التنظيم من العائدات النفطية التي يحصل عليها من الحقول الخاضعة لسيطرته في غرب العراق وشرق سوريا. يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن التنظيم كان يكسب مليونَي دولار أمريكي من العائدات النفطية في اليوم، قبل بدء الهجمات الجوية".

المفاجئ هو أن التحالف الذي تقوده #الولايات_المتحدة لم يقصف تلك الحقول النفطية قبل التدخل العسكري الروسي، بذريعة أن أن النفط هو ملك الشعب. أما في ما يتعلق بالروابط مع إسرائيل، فقد تساءلت أقلام عدة، لماذا لا تستهدف الدولة الإسلامية إسرائيل، أو لماذا لا تهاجم إسرائيل الدولة الإسلامية؟

لدى الرئيس بوتين رأي مغاير. فقد أعلن العام الماضي، خلال قمة مجموعة العشرين، أنه تشارك مع نظرائه في مجموعة العشرين معلومات استخباراتية عن تمويل "الدولة الإسلامية"، قائلاً: "لقد تبيّن لنا أن هذا المال تؤمّنه 40 دولة بينها أعضاء في مجموعة العشرين".

أوردت صحيفة "دايلي إكسبرس" الناطقة باللغة الأردية في باكستان، أن يوسف السلفي، أحد القادة الباكستانيين المزعومين في تنظيم "الدولة الإسلامية"، اعترف لأجهزة الاستخبارات الباكستانية أن التنظيم يحصل على التمويل عن طريق #الولايات_المتحدة من أجل تجنيد الشباب الراغبين في القتال في سوريا. إذا كان ذلك صحيحاً، فنحن إذاً أمام تكرار للسياسة التي انتهجتها #الولايات_المتحدة في أفغانستان عندما دعمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أيه) الجهاديين لمحاربة المحتلين السوفيات.

من يشتري النفط المسروق من "الدولة الإسلامية"؟

تدّعي #الولايات_المتحدة أن النظام السوري يشتري النفط الذي هو في الأصل ملكٌ له! نقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول في وزارة الخزانة الأمريكية قوله بأن نفط "الدولة الإسلامية" يذهب إلى النظام، في حين "يصل قسمٌ منه إلى المناطق الكردية، وقسمٌ آخر إلى تركيا". يتّهم الرئيس بوتين تركيا بالتورط في تجارة النفط غير الشرعية. غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحدّاه بأن يثبت مزاعمه قائلاً إن روسيا وليس تركيا هي التي تشتري النفط من تنظيم "الدولة الإسلامية". 

وقد طُرِح السؤال: لماذا لم تُقصَف قوافل الشاحنات التي تنقل النفط سوى في الأشهر القليلة الماضية؟

نشرت صحيفة "العربي الجديد" مقالاً تُوجَّه فيه أصابع الاتهام إلى المهرّبين الأتراك والأكراد الذين ينقلون النفط إلى خارج سوريا والعراق لبيعه إلى إسرائيل عن طريق سماسرة بأسعار متدنّية جداً.

من أين يحصل تنظيم "#داعش" على الأسلحة؟

يسلّط مقال بقلم جوليا هارت وآر جيفري سميث نُشِر على الموقع الإلكتروني لمجلة "فورين بوليسي"، الضوء على تقرير من إعداد منظمة Conflict Armament Research جاء فيه أنه جرى العثور في ساحات المعارك على عدد كبير من الأسلحة التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي هي في شكل أساسي أسلحة أمريكية وروسية الصنع. وتشير تقارير أخرى إلى أنهم يشترون الأسلحة من السوق السوداء أو أن الأسلحة التي ترسلها #الولايات_المتحدة إلى "الثوار المعتدلين" في سوريا تنتهي في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية".

في السياق عينه، زعمت مجلة "فورين بوليسي" أن تنظيم "الدولة الإسلامية" سرق الآلاف من مدرعات "هامفي" الأمريكية الصنع من القوى الأمنية العراقية، وأن الحكومة العراقية تقدّمت بطلب إلى البنتاغون لتسليمها مزيداً من هذه الآليات.

ورد في تقرير رفعته الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن الدولي في نوفمبر 2014، أنه جرى تهريب أسلحة حديثة إلى "الدولة الإسلامية" عن طريق تركيا. ليس هناك شك في أن تركيا غضّت النظر عن أنشطة "الدولة الإسلامية" على أراضيها إلى أن تحوّل الأمر مصدر إحراج لها على الساحة الدولية، والآن بعدما تشدّدت في إجراءاتها، تحوّلت إلى هدف للإرهاب.

الإرباك سيد الموقف

تحيط الضبابية بكل ما يتعلق ببدايات وصعود التنظيم الذي سيطر بصورة مفاجئة على مساحات شاسعة في العراق وسوريا من دون أن يلقى معارضة تُذكَر. وتحيط الضبابية أيضاً بـ"الخليفة البغدادي" الذي قيل عنه في عدد كبير من المقالات إنه "جاسوس لدى الموساد"، وإن والدَيه يهوديان، واسمه الحقيقي هو سايمون إليوت، بالاستناد إلى مزاعم صادرة عن المخبر إدوارد سنودن الذي كان يعمل في وكالة الأمن القومي الأمريكية، وكذلك عن الاستخبارات الإيرانية. غالباً ما تنشر هذه التقارير صوراً للبغدادي في حياته السابقة برفقة امرأة في مكان أشبه بالحانة.

نظراً إلى ندرة الأدلة الدامغة، تقتضي الحكمة التعامل بحذر شديد مع كل ما نقرأه أو نسمعه حتى تنجلي الحقيقة إلى العلن. في الانتظار، ستبقى "الدولة الإسلامية" وداعموها، في نظر القسم الأكبر منّا، لغزاً يلفّه الغموض الشديد.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم