الثلاثاء، 10 ديسمبر 2024

نبذة تاريخية عن الإمارات العربية المتحدة - الجزء 2 الولاءات القبلية عصب الإمارات العربية المتحدة

بقلم إيرين ماك كافرتي

Illustrations by Guillermo Munro Colosio
Illustrations by Guillermo Munro Colosio

في المقال الثاني من سلسلة مقالاتنا عن تاريخ الإمارات العربية المتحدة، نكمل اللمحة التي بدأناها عن قبائل المنطقة قبل أن تتّحد معاً تحت راية الإمارات العربية المتحدة. ونتطرّق في ما يأتي إلى الساحل المتصالح

في العدد السابق من مجلة الشندغة، تحدّثنا عن بعض القبائل التي كانت تقيم في محيط أبو ظبي وكان يجمع بينها ولاء كبير ولفتنا إلى أنها كانت في غالبيتها نصف بدوية، ولذلك كانت تمضي أشهراً عدّة في منطقة معيّنة، ثم تنتقل إلى أخرى في أوقات مختلفة من السنة بحثاً عن عمل.

إزاء هذا الواقع، وكما تشير الكاتبة فراوكه هيرد-باي في كتابها "من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة"، كانت السياسة في المنطقة تهتم في شكل عام بفرض السيطرة على الشعب وليس على الأراضي التي لم تكن لديها حدود واضحة.

وتقول أيضاً إنه على الرغم من أنه كان لحكومة الهند البريطانية حضور هنا في مطلع القرن، إلا أنها كانت تتفادى عادةً التدخّل في السياسة القبلية، وأحد الأسباب هو أنها كانت معقَّدة جداً: كانت ولاءات القبائل كبيرة، ولم تستطع المجموعات المختلفة الخضوع لحكم قائد مسيطر واحد.

بيد أن هيرد-باي تُحدّد ثلاث مجموعات مختلفة إنما متكافلة في تلك المرحلة: مجموعات أبو ظبي بما في ذلك المناطق الحضَرية في قريتَي ليوا والبريمي اللتين تقعان داخل البلاد؛ ومجموعات دول المصالحة في الشمال الشرقي المعروفة بالأمبراطورية القاسمية بسبب الوجود الطاغي والطويل للقاسميين الذين لا يزالون يحتفظون بحضور قوي هناك حتى يومنا هذا؛ والأراضي الأمامية الغربية للجبال التي كانت تضم قريتَي البريمي ودايد والتي أصبحت جزءاً من سلطنة عمان.
بعدما تطرّقنا إلى المجموعة الأولى من القبائل في منطقة أبو ظبي في المقال الأوّل، ننتقل الآن للحديث عن المجموعة الثانية أي تلك التي كانت تقيم في دول المصالحة في الشمال الشرقي.

كان معظم هذه القبائل يبدّل ولاءاته، فيقسم الولاء لشيوخ مختلفين في أوقات مختلفة، ويحصل بذلك على مكافآت مالية. وكان بإمكان الشيوخ في المقابل الاعتماد على الدعم من تلك القبائل في حال حدوث نزاع. كان هذا العامل مهماً نظراً إلى غياب القوة البشرية بسبب حياة الترحال التي يعيشها البدو.

كانت عشيرة النعيم الأكثر عدداً في ذلك الوقت، وكانت بالتالي الأقوى، إذ وصل عدد أفرادها إلى نحو خمسة آلاف بعد الحرب العالمية الثانية. وكانوا ينقسمون إلى ثلاث قبائل مختلفة: البوخريبان والخواطر والبوشمس، وكانوا نصف بدو ونصف حضر. كانوا يعيشون في شكل عام في عجمان، وانتشروا لاحقاً إلى محافظة البريمي، وشكّلوا جزءاً كبيراً من السكّان الحضر في الشارقة.

وكان بدو العشيرة يعيشون أيضاً في أجزاء من عُمان. وبما أن عشيرة النعيم منتشرة على نطاق واسع، طُرِحَت مسألة ولائها لعمان في العام 1937 بعد توقيع سلطان مسقط اتفاقاً مع شركة امتيازات النفط.

وقد دفع هذا بغالبية شيوخ النعيم إلى الموافقة على الخضوع لحكم عمان. لكنهم غيّروا رأيهم بعد ذلك بوقت قصير، وأكّدوا استقلالهم عبر منح الامتيازات النفطية بأنفسهم. وكانت الذروة في ما عُرِف بـ"خلاف البريمي" الذي أسفر عن تدخّل الملك السعودي، وتمركز القوات السعودية في قرية البريمي وفي حماسه في العام 1952.

وفي هذه الأثناء، كانت قبيلة البوشمس التي تشكّل العنصر البدوي الأساسي في عشيرة النعيم قد أرست هويّة منفصلة خاصّة بها. لكن أقلّية من أفراد القبيلة استقرّت في واحات ومناطق ساحلية مهمة - ولا سيما الحمرية والحيرة التابعتين للشارقة.

صحيح أن النعيم لم يكونوا متّفقين مع جيرانهم، ولا سيما مع بني كعب وبني قتب وآل بوفلاح، لكن قبيلة البوشمس كانت استثناءً؛ فقد كانت تتمتّع عادةً بعلاقات جيّدة مع القبائل الأخرى في المنطقة، بما في ذلك قبيلتا دورو وبني قتب.

ومن القبائل المهمة الأخرى في الساحل المتصالح قبيلة البلوش من الظاهرة. في مطلع القرن العشرين، كانوا يتاجرون بشكل أساسي مع دبي وأبو ظبي. ونتيجةً لذلك كانت تربطهم علاقة جيّدة ببني ياس في أبو ظبي، وبآل بوفلاح في البريمي.

لكن الولاءات القبلية شهدت إعادة اصطفاف في العقد الأول من القرن الماضي، مما تسبّب بخلاف بين بلوش المازم وحماتهم السابقين، بني قتب. وقد لجأ البلوش إلى زايد بن خليفة للحصول على المساعدة.

وفي هذه الأثناء، طلبت قبيلة بني قتب الحماية من حاكم أم القيوين، راشد بن أحمد. وقد أمكن تفادي الحرب في اللحظة الأخيرة بفضل اجتماع قادة الدول المتصالحة في الخوانيج قرب دبي في العام 1906، والذي أسفر عن اتفاق مكتوب بين القبائل المختلفة عن مناطق نفوذ الحكّام.

كان بني قتب وبني كعب قبيلتَين مهمّتين في المنطقة الداخلية في الساحل المتصالح. وعلى غرار قبيلة النعيم، كانتا تنتميان أيضاً إلى قبيلة الغافري. لكن نادراً ما كانت القبائل الثلاث تتّفق.

في الواقع، المرّة الوحيدة التي بدت فيها متّفقة كانت في أربعينيات القرن العشرين ولفترة وجيزة، عندما شعرت أنه قد يكون من المفيد لها التوصّل إلى اتفاق حول النفط.

قبيلة بني قتب أصغر عدداً من بني كعب، لكنها كانت ذات أهمية. إنها أكثر بدوية في تركيبتها، وغالباً ما كانت تخوض نزاعات قبلية في مطلع القرن العشرين، مما أدّى إلى خضوعها للحكم في أم القيوين في العام 1906.

في العام 1907، حصل انشقاق بين حكّام أم القيوين وحكّام أبو ظبي، مما أسفر عن تدخّل الحكومة البريطانية التي وضعت حداً لخلاف كاد يتسبّب باندلاع حرب.

لاحقاً، أنشأ القسم الشمالي من بني قتب مقراً له قرب دايد. وحاول حاكم دبي أيضاً بناء علاقات ودّية مع القبيلة في مطلع الأربعينيات.

إذاً وفي شكل عام كانت الولاءات القبلية مهمّة دائماً، إلا أنها ازدادت أهمّية عند اكتشاف النفط في المرحلة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. دامت الحرب بين السلطنة والإمام منذ تلك الحقبة حتى العام 1959 وطالت كل من كانوا يعيشون في المنطقة.

عندما اندلعت أيضاً الحرب بين دبي وأبو ظبي في العام 1945، اهتزّت الولاءات المعتادة. على النقيض من أبو ظبي، لم يكن هناك عدد كبير من البدو في دبي، ولذلك اضطُرَّت إلى تجنيد المرتزقة. وقد دامت حالة الحرب هذه حتى العام 1948 عندما بدأت شركة النفط تستخدم الاتفاقات التي وقّعتها قبل الحرب.

ومجدداً في العام 1954، مع وفاة الإمام محمد بن أحمد بن عبدالله الخليلي وما أعقبها من تدهور للعلاقات إلى درجة الحرب المفتوحة بين الإمام الجديد وسلطنة عمان، تقدّمت مسألة الولاءات القبلية إلى الواجهة.

بيد أن ترسيم الحدود في جبل حفيت والتي اعترف بها السلطان وحاكم أبو ظبي في مايو 1959 أرسى نوعاً من الاستقرار، إذ باتت القبائل المستقلّة في المنطقة تجد صعوبة أكبر في قلب الموازين.

ترقّبوا في العدد المقبل، الأمبراطورية القاسمية المتعدّدة القبائل.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم