الجمعة، 06 ديسمبر 2024

التهليل حول ما حدث في كوريا الشمالية سابق لأوانه

بقلم ليندا س. هيرد

Shutterstock ©

يبدو‭ ‬ظاهرياً‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬أون‭ ‬تحوّل،‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة،‭ ‬من‭ ‬ذئب‭ ‬يعوي‭ ‬ويكشف‭ ‬عن‭ ‬مخالبه‭ ‬إلى‭ ‬جرو‭ ‬صغير‭ ‬متلهّف‭ ‬لإرضاء‭ ‬الآخرين‭. ‬ينفخ‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬صدره‭ ‬متباهياً‭ ‬بأنه‭ ‬تمكّن‭ ‬من‭ ‬تركيع‭ "‬رجل‭ ‬الصاروخ‭". ‬لكن‭ ‬أمعنوا‭ ‬النظر‭ ‬جيداً‭ ‬تحت‭ ‬الواجهة،‭ ‬وانظروا‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬الصورة‭ ‬الوردية،‭ ‬فتدركون‭ ‬أن‭ ‬نزع‭ ‬النووي‭ ‬من‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬الكورية‭ ‬عملية‭ ‬محاطة‭ ‬بتعقيدات‭ ‬جمّة،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تشرح‭ ‬ليندا‭ ‬س‭. ‬هيرد‭.‬

يعتقد‭ ‬المنقادون‭ ‬خلف‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬معبودهم‭ ‬يستحق‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تغريداته‭ ‬العدوانية‭ "‬النارية‭ ‬والغاضبة‭"‬،‭ ‬والعقوبات‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬والتي‭ ‬يظنّون‭ ‬أن‭ ‬لها‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬جرّ‭ ‬كيم‭ ‬إلى‭ ‬طاولة‭ ‬السلام‭.‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬الكورية‭ ‬الشمالية‭ ‬تعرضت‭ ‬لتضييق‭ ‬العزلة‭ ‬عليها،‭ ‬وللضغوط‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الشديدة،‭ ‬لكن‭ ‬لولا‭ ‬استعداد‭ ‬بيجينغ‭ ‬للتقيد‭ ‬بالعقوبات‭ ‬القاسية‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬بيونغ‭ ‬يانغ،‭ ‬عبر‭ ‬قيامها‭ ‬بتعليق‭ ‬واردات‭ ‬الفحم‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬الخام‭ ‬والمكرَّر،‭ ‬لما‭ ‬شعرت‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬بتأثير‭ ‬العقوبات‭.‬

إن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬جائزة،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تذهب‭ ‬في‭ ‬رأيي‭ ‬إلى‭ ‬زعيمَي‭ ‬الكوريتين‭ ‬اللذين‭ ‬أرسيا‭ ‬أسس‭ ‬الانفراج‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الألعاب‭ ‬الأولمبية‭ ‬الشتوية‭ ‬في‭ ‬بيونغ‭ ‬تشانغ،‭ ‬والتي‭ ‬شارك‭ ‬فيها‭ ‬رياضيون‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬تحت‭ ‬أنظار‭ ‬مسؤولين‭ ‬كوريين‭ ‬شماليين‭ ‬وشقيقة‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬أون‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬جذّابة‭ ‬في‭ ‬الصور‭.‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬ترامب‭ ‬أبدى‭ ‬غضبه‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬رئيس‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬مون‭ ‬جيه‭-‬إن،‭ ‬لمدّ‭ ‬اليد‭ ‬إلى‭ ‬نظيره‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭. ‬فقد‭ ‬غرّد‭: "‬تكتشف‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬لهم،‭ ‬إن‭ ‬محادثات‭ ‬التهدئة‭ ‬مع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬لن‭ ‬تنجح،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬سوى‭ ‬شيئاً‭ ‬واحداً‭!" ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬هدّد‭ ‬بسحب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬ثنائي‭ ‬للتجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭.‬

وقد‭ ‬تُوِّجت‭ ‬تجربة‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬الأولمبية‭ ‬باجتماع‭ ‬تاريخي‭ ‬بين‭ ‬الزعيمَين‭ ‬أُقيم‭ ‬في‭ "‬منزل‭ ‬السلام‭" ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬المنزوعة‭ ‬السلاح‭. ‬تبادل‭ ‬الرجلان‭ ‬التحيّة‭ ‬كما‭ ‬الإخوة‭. ‬وفيضٌ‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬الابتسامات‭ ‬والمصافحات‭ ‬والعناقات‭.‬

وُجِّهت‭ ‬دعوةٌ‭ ‬إلى‭ ‬كيم‭ ‬لعبور‭ ‬الخط‭ ‬الحدودي‭ ‬نحو‭ ‬أراضي‭ ‬دولة‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عدوّةً‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬عليها‭ ‬زعيم‭ ‬كوري‭ ‬شمالي‭ ‬منذ‭ ‬64‭ ‬عاماً،‭ ‬عندما‭ ‬وُقِّعت‭ ‬اتفاقية‭ ‬هدنة‭ ‬لإسكات‭ ‬المدافع‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬دولةٍ‭ ‬منقسمة‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام،‭ ‬سادت‭ ‬عملياً‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬تفصل‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬الواحدة‭ ‬وتتسبّب‭ ‬باشتداد‭ ‬التشنجات‭.‬

‭"‬إن‭ ‬بين‭ ‬الكأس‭ ‬والشفة‭ ‬مزالق‭ ‬كثيرة‭"‬،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬إعلان‭ ‬بانمونجوم‭ ‬الذي‭ ‬وقّعه‭ ‬الرجلان،‭ ‬أنهما‭ ‬يرحّبان‭ ‬بصدق‭ ‬بانطلاق‭ ‬حقبة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬والسلام‭ ‬والازدهار‭ ‬مع‭ ‬التطلّع‭ ‬إلى‭ ‬التوحّد‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬دولة‭ ‬كورية‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬خالية‭ ‬تماماً‭ ‬من‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭.‬

تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬جيدة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لكن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إقناع‭ ‬كيم‭ ‬جونغ‭ ‬أون‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬الرادع‭ ‬النووي،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬كبرياء‭ ‬وبهجة‭ ‬له،‭ ‬مسألة‭ ‬مختلفة‭ ‬تماماً‭.‬

صحيح‭ ‬أنه‭ ‬يقول‭ ‬إنه‭ ‬مستعد‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شروط‭ ‬مسبقة،‭ ‬وإن‭ ‬قدراته‭ ‬النووية‭ ‬ستكون‭ ‬مطروحة‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬البحث،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إظهار‭ ‬حسن‭ ‬نيّته،‭ ‬تعهّد‭ ‬بإغلاق‭ ‬منشأة‭ ‬الاختبارات‭ ‬النووية‭.‬

وصحيح‭ ‬أنه‭ ‬كشف،‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أُفيد،‭ ‬لنظيره‭ ‬الكوري‭ ‬الجنوبي‭ ‬أنه‭ ‬مستعد‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬برنامجه‭ ‬النووي‭ ‬شرط‭ ‬أن‭ ‬تتعهّد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بإنهاء‭ ‬الحرب‭ ‬الكورية‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬رسمي،‭ ‬وأن‭ ‬تقطع‭ ‬وعداً‭ ‬بعدم‭ ‬الاجتياح‭.‬

علاوةً‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬هو‭ ‬مستعد‭ ‬للقاء‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الياباني‭ ‬شينزو‭ ‬آبي،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تساوره‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬شكوك‭ ‬شديدة‭ ‬بشأن‭ ‬الأجواء‭ ‬بين‭ ‬الكوريتين‭ ‬التي‭ ‬تحوّلت‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها‭ ‬تقريباً،‭ ‬من‭ ‬جليدية‭ ‬إلى‭ ‬مشمسة‭.‬

ما‭ ‬يُجاهر‭ ‬به‭ ‬كيم‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُصدَّق،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬وأنه‭ ‬يصدر‭ ‬عن‭ ‬ديكتاتور‭ ‬لا‭ ‬يتردّد‭ ‬في‭ ‬اغتيال‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬أسرته‭ ‬وتجويع‭ ‬شعبه،‭ ‬والذي‭ ‬أطلق‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬قليلة‭ ‬صواريخ‭ ‬باتجاه‭ ‬#اليابان‭ ‬وهدّد‭ ‬بقصف‭ ‬غوام‭ ‬بالأسلحة‭ ‬النووية‭. ‬ولعل‭ ‬السبب‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬فعلاً‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يُصدَّق‭.‬

الوقت‭ ‬هو‭ ‬الكفيل‭ ‬بتبيان‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭. ‬لقد‭ ‬وافق‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وارداً‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭ ‬سابق‭. ‬سيجتمع‭ ‬هذان‭ ‬الشخصان‭ ‬الزئبقيان‭ ‬كممثّلَين‭ ‬عن‭ ‬قوّتين‭ ‬نوويتين‭. ‬يمتلك‭ ‬كلاهما‭ ‬أوراق‭ ‬مقايضة‭ ‬مهمة‭. ‬فأياً‭ ‬يكن‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬ستسلكه‭ ‬المفاوضات،‭ ‬سوف‭ ‬يكون‭ ‬كيم‭ ‬قد‭ ‬اكتسب‭ ‬هيبة‭ ‬كلاعب‭ ‬مهم‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭. ‬أما‭ ‬ترامب‭ ‬فيحذّر‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تجرِ‭ ‬المباحثات‭ ‬وفقاً‭ ‬لما‭ ‬يريده‭ ‬هو،‭ ‬فسوف‭ ‬ينسحب‭ ‬منها‭.‬

عند‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التفاصيل‭ ‬الجوهرية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬شخصية‭ ‬الجرو‭ ‬الوديع‭ ‬التي‭ ‬يظهر‭ ‬بها‭ ‬كيم‭ ‬مؤخراً،‭ ‬إلى‭ ‬نبرتها‭ ‬الذئبية‭ ‬المعهودة‭. ‬من‭ ‬الحماقة‭ ‬الاعتقاد‭ ‬بأنه‭ ‬سيضع‭ ‬نفسه‭ ‬وسلالته‭ ‬تحت‭ ‬رحمة‭ ‬نزوات‭ ‬رئيس‭ ‬أمريكي‭. ‬لقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬أخلّ‭ ‬المسؤولون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بتعهداتهم‭ ‬المكتوبة‭.‬

يحلو‭ ‬لوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬أن‭ ‬تصوّر‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬بأنها‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬نكثت‭ ‬بالاتفاق‭ ‬الذي‭ ‬أُبرِم‭ ‬مع‭ ‬إدارة‭ ‬#كلينتون‭ ‬عام‭ ‬1994،‭ ‬بوساطة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬جيمي‭ ‬كارتر‭ ‬الذي‭ ‬حال‭ ‬تدخله‭ ‬دون‭ ‬اندلاع‭ ‬نزاع‭ ‬واسع‭ ‬النطاق‭. ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬كارتر‭ ‬رئيس‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬آنذاك‭ ‬كيم‭ ‬إيل‭ ‬سونغ‭ ‬بأنه‭ ‬رجل‭ "‬صلب‭ ‬وذكي‭".‬

جرى‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬تعهّدَ‭ ‬الزعيم‭ ‬المحبوب‭ ‬آنذاك،‭ ‬بموجبه،‭ ‬بتفكيك‭ ‬منشآته‭ ‬الخاصة‭ ‬بتصنيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬النووية‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬قدرها‭ ‬خمسة‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬أمريكي،‭ ‬و500000‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الإمدادات‭ ‬النفطية‭ ‬سنوياً،‭ ‬ومواد‭ ‬غذائية،‭ ‬ومفاعلَين‭ ‬نووين‭ ‬يعملان‭ ‬بواسطة‭ ‬المياه‭ ‬الخفيفة‭ ‬ولا‭ ‬تشملهما‭ ‬جهود‭ ‬مكافحة‭ ‬الانتشار‭. ‬

وعندما‭ ‬لم‭ ‬تتبلور‭ ‬تلك‭ ‬المحفزات‭ ‬وتسلك‭ ‬طريقها‭ ‬نحو‭ ‬التحقق،‭ ‬اتّهمت‭ ‬بيونغ‭ ‬يانغ‭ ‬إدارة‭ ‬#كلينتون‭ ‬بالإخلال‭ ‬بالاتفاق،‭ ‬واستأنفت‭ ‬بناء‭ ‬منصّات‭ ‬إطلاق‭ ‬الصواريخ‭ ‬ومخابئ‭ ‬التخزين‭. ‬ثم‭ ‬تسلّم‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬سدّة‭ ‬الرئاسة،‭ ‬فأدرج‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ "‬محور‭ ‬الشر‭"‬،‭ ‬والباقي‭ ‬معروف‭.‬

في‭ ‬الحقيقة،‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬ترامب‭ ‬الحنكة‭ ‬الديبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬كارتر‭. ‬يُخشى‭ ‬أن‭ ‬يُقدم‭ ‬على‭ ‬تصرّف‭ ‬متهوّر،‭ ‬فيزيد‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬

في‭ ‬غياب‭ ‬حد‭ ‬أدنى‭ ‬من‭ ‬الثقة،‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬بالإمكان‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬رصيد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬التقيد‭ ‬بالاتفاقات‭ ‬سيئ‭ ‬جداً‭. ‬ففي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬شهراً،‭ ‬انسحب‭ ‬من‭ "‬الشراكة‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭ ‬الهادئ‭"‬،‭ ‬ويهدّد‭ ‬بالانسحاب‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬لأمريكا‭ ‬الشمالية‭ (‬نافتا‭)‬،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬سحب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬اتفاق‭ ‬باريس‭ ‬للمناخ‭ ‬ذ‭ ‬وقد‭ ‬يعمد‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني‭.‬

إذا‭ ‬تخيّلنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬للحظة‭ ‬مكان‭ ‬كيم،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬ضرباً‭ ‬من‭ ‬الجنون‭ ‬أن‭ ‬يتخلّى‭ ‬عن‭ ‬قوته‭ ‬الرادعة،‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬بصدام‭ ‬حسين‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المعلوم‭ ‬أنه‭ ‬دمّر‭ ‬أسلحته‭ ‬النووية‭ ‬والكيميائية‭ ‬والبيولوجية‭ ‬عام‭ ‬1991،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬حلّ‭ ‬بمعمر‭ ‬القذافي‭ ‬الذي‭ ‬تخلّى‭ ‬عن‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬لتكون‭ ‬مكافأته‭ ‬الاغتيال‭.‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬يؤدّي‭ ‬تمثيليةً‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تمكُّنه‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬ضمانات‭ ‬راسخة‭ ‬حول‭ ‬استمرارية‭ ‬حكمه‭ ‬وتمامية‭ ‬دولته‭. ‬يقول‭ ‬كلاماً‭ ‬معسولاً،‭ ‬ويُنظَر‭ ‬إليه‭ ‬دولياً‭ ‬من‭ ‬منظار‭ ‬إيجابي‭. ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يصدّق‭ ‬كلمة‭ ‬واحدة‭ ‬مما‭ ‬يتفوّه‭ ‬به‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬يُغيّر‭ ‬رأيه‭ ‬عشوائياً،‭ ‬ويُحيط‭ ‬نفسه‭ ‬بصقور‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الحرب‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬المحافظين‭ ‬الجدد‭.‬

البلد‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬منحه‭ ‬التطمينات‭ ‬التي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليها‭ ‬هو‭ ‬#الصين‭ ‬التي‭ ‬أُبقيَت،‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬خارج‭ ‬المعادلة‭. ‬لقد‭ ‬هدأت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬بيونغ‭ ‬يانغ‭ ‬والصين‭ ‬مؤخراً‭. ‬فالصين‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬عازلاً‭ ‬قوياً‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬24‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭ ‬أمريكي‭ ‬يتمركزون‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الترسانة‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الصواريخ‭ ‬والدبابات‭ ‬الأمريكية‭.‬

مع‭ ‬انضمام‭ ‬#الصين‭ ‬إلى‭ ‬الركب‭ ‬وإبدائها‭ ‬جهوزية‭ ‬لقبول‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬تحت‭ ‬مظلتها‭ ‬النووية،‭ ‬ومع‭ ‬تقديم‭ ‬تنازلات‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لإنهاء‭ ‬التدريبات‭ ‬العسكرية‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬بصمتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إعادة‭ ‬توحيد‭ ‬كوريا‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬النووي،‭ ‬واقعاً‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬لكنني‭ ‬لن‭ ‬أحبس‭ ‬أنفاسي‭.‬

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم