من يخشى جورج سوروس؟

بقلم ليندا إس. هيرد

كثيراً ما تترادف كلمتا "شاذ" و "ملياردير". وعلى سبيل المثال، كان جان بول جيتي من أغنى رجال العالم، إلا أنه مع ذلك كان بخيلاً جداً لدرجة أنه ركب في منزله جهاز هاتف يعمل بحصالة النقود لاستخدام ضيوفه. كما أنه رفض دفع فدية عندما اختطفت عصابة حفيده، وكانت نتيجة ذلك أن أعيد له الولد بعد قطع المختطفين لإحدى أذنيه. كذلك، قرر صانع الأفلام الملياردير هوارد هيوز أن يعتزل البشر والدنيا ورفض قص شعر أو أظافره فيما كان يقوم على خدمته خدم يلبسون القفازات. أما بيل غيتس فيهب أمواله بالسرعة التي يكسبها. كما يعرض ريتشارد برانسون حياته وأوصاله للخطر مرة بعد أخرى عابراً المحيط الأطلسي بالمناطيد.

إلا أن هناك مليارديراً آخر يهوى زرع الخوف في قلوب الساسة وهز الأسواق المالية بين الفينة والأخرى. إنه جورج سوروس، الذي وصف مرة بأنه "الرجل الذي كسر بنك إنكلترا." واليوم، يأتي على رأس قائمة ألد أعداء الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش.

يعتبر جورج سوروس لغزاً. ومحاولة فهم شخصيته مهمة أصعب من حفظ دليل الهاتف. ظاهرياً، يمثل الرجل شبكة من المتناقضات. وبعد الإطاحة باقتصادات بعض الدول، ها هو يحاول أيضاً الإطاحة بجورج دبليو بوش. اليوم، يترد اسمه في وسائل الإعلام لقيامه باستثمار ملايين الدولارات في شركة ديك تشيني القديمة "هاليبيرتون"، التي حققت أرباحاً طائلة من وراء غزو العراق فيما يقوم في الوقت نفسه بالتبرع بملايين الدولارات للحركات المناوئة للحرب مثل حملة "تقدموا".

تقريع بوش
توقع سوروس الورطة الأمريكية في العراق في كتابه "فقاعة التفوق الأمريكي"، حيث يلوم الرئيس بوش على تجاهله لنصائح قادة القوات المسلحة والخبراء السياسيين. ويقول: "إنها حرب بوش. ويجب أن يتحمل المسؤولية عنها. إنها حربه الخاطئة التي شنها بطريقة خاطئة...وعلى الرغم من غطرسته التكساسية، فإن جورج دبليو بوش غير مؤهل ليكون القائد الأعلى لنا."

وينتقد سوروس بالدرجة نفسها من القوة المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية الذين يتهمهم باستغلال هجمات 11 سبتمبر لتوسيع وتطبيق هدفهم القديم بتحقيق الهيمنة الكاملة على العالم. ويصفهم في كتابه بأنهم "حفنة من المتطرفين ينقادون وراء نسخة بدائية من الداروينية الاجتماعية."

في 2003، قال سوروس بأن هزيمة بوش هي "الهدف الرئيسي في حياتي"، وأشار إلى انتخابات 2004 بأنها "مسألة حياة أو موت".

وأردف قائلاً: "إن أمريكا في ظل بوش تشكل خطراً على العالم، وأنا مستعد لأوظف أموالي في خدمة هدفي المعلن هذا". وفعلاً، فقد تعهد بأن يضحي بكامل ثروته لصالح أي شخص يضمن له رحيل بوش عن الحكم.

في 2004، ساهم مالياً في حملة هوارد دين والمرشحين الديموقراطيين الآخرين. وبالنسبة لانتخابات 2008، فهو يدعم حملة باراك أوباما، على الرغم من أن أقوال سوروس المعلنة بما في ذلك مساواته لحكومة بوش مع الرايخ الثالث من المحتمل أن تضرأيضاً بحظوظ السيناتور أوباما.

لا ولاء قبلياً
على ذمة مدير مكتب تلفزيون سي إن إس في القدس، يفكر سوروس بدعم لوبي جديد يساري في الولايات المتحدة يتضمن جماعات "أمريكيون من أجل السلام الآن" و"التحالف اليهودي من أجل العدالة والسلام" و"منتدى السياسة الإسرائيلية". وهذه الجماعات تعمل في إعطاء عملية السلام في الشرق الأوسط أولوية قصوى وتمثل ثقلاً موازناً للمنظمات اليمينية المساندة لإسرائيل مثل حركة إيباك. وقد وصفت صحيفة جيروسالم بوست اللوبي الجديد بأنه "معاد لإسرائيل".

ينظر إلى سوروس على أنه معاد لإسرائيل، وغالباً وصفه اليمينيون بأنه "يهودي كاره لنفسه" منذ اعتبر إسرائيل عام 2003 مسؤولة عن ظهور الحركة المعادية للسامية بسبب ردها العنيف على المقاومة الفلسطينية.

وسوروس يؤمن بأن "الشعب الفلسطيني يتوق للسلام" كما أنه يشجب الحكومة الإسرائيلية لعدم تعزيزها موقف الرئيس محمود عباس والإصلاحيين الفلسطينيين. وفي "فقاعة التفوق الأمريكي"، يوجه سوروس اللوم إلى كل من آرييل شارون وياسر عرفات في انهيار عملية السلام.


بل إن سوروس لا يمانع شمول نفسه في لعبة توجيه اللوم والاتهام حيث قال ذات مرة امام حشد يهودي غاضب بأن الأثرياء اليهود أمثاله قد ساهموا في ظهور الحركة المعادية للسامية حينما أعطوا المصداقية للمقولات القديمة القائلة بأن اليهود يحكمون العالم بالوكالة.

يقول مايكل كاوفمان، كاتب سيرة سوروس، "المليونير الملهم"، بأن الهوية اليهودية لجورج سوروس لا تعبر عن نفسها "بمعنى الولاء القبلي لليهود الذي يجعله يؤيد إسرائيل".

ولا يعتبر سوروس بعيداً عن إثارة الجدل فدائماً ما كان الجدل والخلاف زاده اليومي.

الأربعاء الأسود
قيل إن سوروس في 1992، استطاع تحقيق ربح يزيد عن مليار دولار أمريكي في يوم واحد عرفه الغالم بالأربعاء الأسود على حساب بريطانيا.

كان ذلك اليوم هو الذي انسحبت فيه بريطانيا من آلية تسعير صرف العملات الأوروبية والتي كان شرطاً للانضمام للعملة الأوروبية الموحدة والتي ربطت العملات الأوروبية بما فيها الجنيه الإسترليني بالمارك الألماني. وفي ذلك الوقت كانت معدلات التضخم في بريطانيا أعلى بفارق كبير منها في ألمانيا. يومها توقع سوروس والمضاربون الآخرون في فوريكس وكانوا على صواب بأن قيمة الجنيه ستنخفض مقابل المارك، وباعوا ما لديهم من جنيهات ليشتروها من الجديد بأسعار أقل لاحقاً.

يومها ردت الحكومة البريطانية بزهامة رئيس الوزراء جون ميجر على ذلك برفع سعر الفائدة إلى 12% وباستثمار المليارات في شراء الجنيه الاسترليني من الأسواق لدعم سعره. ولكن بالسرعة نفسها التي كانت تشتري بها الحكومة البريطانية الجنيه، كان سوروس وأصدقاؤه يبيعون. وهكذا فشلت حكومة ميجر. وفي 16 سبتمبر من عام 1992 لم يكن أمام بريطانيا إلا الخروج من آلية سعر الصرف الأوروبية وتثبيت قيمة الجنيه الاسترليني.

يومها لخصت إحدى المجلات على صفحتها الأولى ما حدث بعنوان يقول "الاغتصاب الاقتصادي على حسب مدخرات الطبقة العاملة البريطانية".

انهيار العملة الآسيوية
بعدها بخمس سنوات، في 1997، تعرض سوروس وصندوقه التحوطي لانتقادات قاسية لتسببه بانهيار العملة التايلندية، البات، فحين توقع المضاربون أن البات سيتراجع أمام الدولار قاموا ببيعه مقابل شراء الدولار.

وعلى الرغم من أن المصرف المركزي في تايلاند استخدم احتياطياته من العملة الأجنبية لدعم البات، غير أن البات كان قد عوم فعلاً وتسبب ذلك في هزة مالية سرت في الأسواق الآسيوية كلها. ويومها قيل إن محافظ مدينة بانكوك عقب على ما حدث بقوله: "ألا يخجل من نفسه، من رؤيته لبؤسنا نتيجة أفعاله الشريرة؟ إنه يستأهل ضربة شديدة على أم رأسه".

أما رئيس وزراء ماليزيا السابق، مهاتير محمد، فقال عن سوروس بأنه "أبله" واتهمه باستهداف الرينجيت الماليزي لدوافع سياسية. ويعتقد مهاتير بأن سوروس قام عن قصد بالتسبب في تخفيض قيمة العملات الآسيوية للانتقام من الدول الأعضاء في منظمة آسيان لقبولها عضوية حكومة ميانمار العسكرية فيها.

هناك بعض الإشاعات التي تقول إن سوروس قد ساهم في تراجع قيمة الدولار عن طريق دعمه لليورو.

غير أن سوروس الذي ينظر إليه عادة بأنه الرجل الذي يحول كل مايلمسه إلى ذهب، لم يكن رابحاً على الدوام. وفي 1998، خسر سوروس على ما يقال ملياري دولار أمريكي نتيجة انخفاض الروبل الروسي. وفي 2000، تعرض لخسائر لم يتسرب حجمها نتيجة انخفاض أسهم شركات التقنية. كما تعرض لغرامة مالية فادحة أمام المحاكم الفرنسية في 2002 نتيجة استخدامه معلومات حصل عليها بطريقة غير مشروعة في تحقيق مكاسب في أسواق الأسهم.

ولكن بشكل عام فقد أتت فطنته المالية ثمارها ومنحته ثروة تقدر بحوالي سبعة مليارات دولار وربما أكثر. ومعظم هذه الثروة أتت من صندوقه التحوطي الذي حقق عوائد بمعدل 30 في المئة سنوياً بين 1969 و1999. وبعبارة أخرى، لو أن شخصاً ما استثمر 100.000 دولار أمريكي في صندوق التحوط هذا عام 1969، لأصبحت ثروته 420 مليون دولار أمريكي عام 2000.

رجل التبرعات الضخمة
أولئك الذين احترقوا بنيران جورج سوروس يتهمونه بأنه عديم الضمير، إلا أنه كان في الواقع مشهوراً بتبرعاته السخية منذ السبعينيات عندما قام بتحمل نفقة الطلاب السود من جنوب أفريقيا في جامعة كيب تاون وقدم الدعم المالي لعدد من الجماعات المناوئة للاتحاد السوفياتي كما كان يدعم بسخاء حركة تضامن في بولندا.

وفي وقت لاحق، قام بمساعدة عدد من مسلمي البوسنة المدنيين عن مؤسسة المجتمع المفتوح ومؤسسة سوروس التي أسسهما وعدد من فروعهما، وتعهده بتقديم 50 مليون دولار للتخفيف من الفقر في أفريقيا وقدم مئات الملايين للجامعات ومشاريع البحث العلمي. ويعتقد أيضاً بأن محمد يونس الحائز على جائزة نوبل وبنك غرامين قد استفادوا من كرمه.

ويقال بأن هناك 20 مؤسسة تابعة لمؤسسة سوروس ناشطة اليوم في جمهوريات الاتحاد السوقياتي السابق، إضافة إلى 30 فرعاً آخراً في دول أخرى. وتقول هذه الفروع بأنها "مكرسة لبناء وصيانة البنية التحتية والمؤسسات في مجتمع منفتح".

ويقال أيضاً بأن مؤسسة المجتمع المفتوح قد ساعدت على إنجاح ثورة الورود في جورجيا، إلا أن سوروس ينكر مثل هذا القول ويصفه بأنه مجرد مبالغة.

السنوات الأولى
لا شك بأن ارتباط سوروس الطبيعي بأوروبا الشرقية ينبع من أن مسقط رأسه هي العاصمة المجرية بودابست حيث ولد عام 1930 باسم جيورجي شوارتز. ونظراً للتهديدات المتزايدة ضد اليهود، قامت العائلة بتغيير اسمها إلى اسم سوروس، وقد قال جورج سوروس مرة بأن عائلته لم تكن مرتاحة من خلفيتها اليهودية.

وبعض أفراد عائلته تحولوا فيما بعد إلى الديانة المسيحية. وخلال مقابلة له مع برنامج "60 دقيقة"، صرح سوروس بأنه لاديني. كما وصفه مقربون منه بأنه "علماني متزمت".

عندما أحتل الألمان المجر في 1944، أرسله والده الذي كان يعمل كاتباً، ليعيش مع زوجين مسيحيين ويدعي بأنه حفيدهما لإنقاذه من التصفية.

كانت تلك خطوة حكيمة. وفي عام 1947، هرب سوروس من قمع الشيوعية إلى لندن حيث درس في كلية لندن للاقتصاد وعمل نادلاً وحمالاً في محطات القطارات وصانع دمى لتمويل نفقات إقامته في لندن. وأخيراً، تمكن من العثور على وظيفة ملائمة لإمكانياته لدى بنك استثماري.

أعجب سوروس بالنظام الصحي البريطاني على إثر معالجته بدون مقابل من كسر في ساقه، حيث كان يشعر بالمرارة من أن الوكالات اليهودية لم تقدم له المساعدة اللازمة خلال فترة الضيقة المالية.

وفي عام 1956 أحب سوروس الحلم الأمريكي والقيم الأمريكية، ورحل عن بريطانيا إلى الولايات المتحدة.

وقد قال ذات مرة: "لقد اخترت أمريكا لتكون وطني لأنني أقدر الحرية والديموقراطية والحريات المدنية والمجتمع المنفتح. وعندما جنيت من المال ما يزيد على حاجتي وحاجة عائلتي أسست مؤسسة مهمتها دعم مبادئ وقيم المجتمع الحر والمنفتح."

سرعان ماوجد سوروس في الولايات المتحدة عملاً في تجارة الأسهم والسندات المالية والعملات. ومن ثم عمل لدى عدة شركات كمحلل مالي قبل أن يتسلم منصب نائب رئيس شركة آرنولد و إس بليشرويدر.

صندوق الكم
كان سوروس متلهفاً لتأسيس شركة خاصة به وقام في بدايات السبعينيات بتأسيس شركة استثمار خاصة إضافة إلى صندوق الكم المشهور الذي كان وراء معظم ثروته.

هذا الصندوق، الذي أتاح الفرصة للمستثمرين المقامرة على ارتفاع وانخفاض الأسهم والسندات والعملات، غالباً ماكانت يوصف بالاأخلاقية لأن لعبته كانت ممارسة الضغط على أسعار العملات لصالح المضاربين.

ومعروف عن سوروس بأنه كان يرد على مثل هذه الاتهامات بقوله "بصفتي مشاركاً في السوق، لا يتعين علي أن أهتم بنتائج أعمالي". كذلك، كان سوروس ينكر دوماً الاتهامات بأن ميوله الخيرية والإنسانية كانت مدفوعة بالشعور بالذنب أو برغبته في بناء علاقات عامة جيدة له.

وعن ذلك يقول: "إن الأسواق وجدت لتتيح الفرصة للأفراد للسعي وراء احتياجاتهم الخاصة وجني الربح. السوق فعلاً اختراع عظيم ولا أريد بالتالي أن أقلل من قيمة ذلك، لكن الأسواق لم تنشأ لتلبية الاحتياجات الاجتماعية."

ويعتقد بأنه سوروس قدم هبات يبلغ إجماليها 5 مليارات دولار، أغلبها كان يذهب لتمويل قضايا الحرية والديموقراطية. ودائماً ما كان يقول بأنه ماكان باستطاعته منح الأموال مالم يربحها أولاً.

نجم اليسار
برز جورج سوروس مؤخراً كنجم من نجوم اليسار بسبب موقفه المعادي لبوش. كذلك، فإن الجناح اليساري يقدر أيضاً حملاته ضد التفرقة العنصرية ومناصرة المجموعات الناشطة في العمل الاجتماعي. ويؤمن سوروس جداً بمبدأ الحدود المفتوحة وحق الهجرة وزيادة الضرائب ورفع الإنفاق الحكومي والقتل الرحيم، إلا أنه يعارض بقوة عقوبة الإعدام.

ولكن مقابل طموحه اللامحدود وآراؤه القوية وإمكانيات المالية، هناك أمر واحد مايزال مستعصياً عليه وهو عدم تمكنه من الوصول إلى رئاسة الولايات المتحدة بسبب كونه أمريكياً بالتجنس وليس بالولادة. وبموجب الدستور الأمريكي يجب أن يكون المرشح للرئاسة مولوداً لأبوين أمريكيين. وعلى سبيل المثال فإن حاكم ولاية كاليفورنيا، آرنولد شفارزينيغر، يخضع أيضاً لهذا القيد الدستوري نفسه.

ولابد أن الجناح اليميني سعيد لعدم إمكانية وصول سوروس للبيت الأبيض حتى لوكان اسمه جورج. ولكن في واقع الأمر، فإن الرجل الذي يوصف بأنه "المواطن الأمريكي الوحيد الذي لديه سياسته الخارجية الخاصة به" والذي يستطيع أن يقلب الموازين الاقتصادية ويحطم البنوك ويغير الحكومات لا يقل نفوذه وهو خارج البيت الأبيض عن نفوذه فيما لو دخله.
 

 

 

 

أعلى


 

 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289