كفى تقريعاً لأمريكا

ما عاد بالإمكان أن تفتح التلفزيون على أي قناة عربية اليوم دون أن يطل عليك محللون وسياسيون سابقون وقادة عسكريون متقاعدون وهم يشتكون ويلومون أمريكا والغرب. ودوماً ما تجد هؤلاء وهم يصورون الشرق الأوسط على أنه ضحية المحافظين الجدد وجشع الشركات والأعمال العدوانية.

في عالم الأساتذة المختصين هؤلاء تجدنا دوماً نكتفي بموقع المتفرج البريء. الصراعات التي تفور في المنطقة ليست من صنع أيدينا كما يقولون. كل شيء هو نتيجة لأفعال أمريكا. غير أن قلة منهم يخرج لنا بحلول عملية لما نحن فيه.

حتى لا نجافي الإنصاف، يتعين القول إن الولايات المتحدة تستحق الكثير من السخط الذي تتعرض له سياساتها المغلوطة في الشرق الأوسط.

ولا أدل على ذلك من أن استطلاعاً للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية مؤخراً، شمل 26 ألف شخص في 25 دولة، توصل لنتيجة مفادها أن 49 في المئة من البشر يعتبرون أن الولايات المتحدة تقوم بدور سلبي في العالم. والمفاجئ هو أن المواقف من الولايات المتحدة كانت أكثر سلبية في دول مثل ألمانيا وفرنسا وإندونيسيا.

لكن إليكم بالخبر الأكثر إثارة للاهتمام: حوالي 57 في المئة من الأمريكيين لا يوافقون على طريقة إدارة حكومة بلادهم للحرب في العراق.

طيب، نحن نعلم أن الولايات المتحدة قد تخبطت طويلاً في العراق، غير أن هذا يجب ألا يعني أن كل ما تقترحه الولايات المتحدة أو حليفاتها هو شيء سلبي بالضرورة.

لقد بلغت هذه الظاهرة حداً من التأزم والسوء لدرجة جعلتنا نعيش حالة تقوم على مبدأ: هم ونحن. وهذا ما دفع ببعض الدول العربية إلى التقليل بعض الشيء من دفء علاقاتها مع الغرب والشروع في البحث هنا وهناك عن أصدقاء جدد.

في 25 يناير الحالي نشرت وكالة رويترز للأنباء تقريراً بعنوان: "دول الخليج تشهد تحولاً عن الأصول الأمريكية." ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أننا يجب أن نحدد بدقة ما نريد، لأنه قد يحدث فعلاً.

علينا أيضاً أن نطرح على أنفسنا بعضاً من الأسئلة. هل لدينا النية حقاً لفصم عرى أو إضعاف تحالفاتنا مع القوة العظمى في العالم؟ وإن كنا مستعدين فعلاً للقيام بمثل هذه الحماقة، فما الذي يمكن أن تكون عليه التبعات الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية؟

يا حبذا لو كان بمقدور دول مجلس التعاون الخليجي أن تتخذ لنفسها موقعاً محايداً ومنفصلاً عن غيره من المواقف كما هي حال سويسرا. المشكلة هي أن هذا الخيار ليس بمتناولنا. الله أعطانا نعمة- أو نقمة كما قد يقول البعض- النفط التي يلهث وراءه العالم كله. الكل يريد أن تكون له حصة في هذه الثروة ونحن بحاجة لأن نحميها. وحقيقة الأمر هي أننا غير قادرين على حمايتها.

لذا، سواء أحببنا الأمر أم لم نحب، نحن مضطرون للتعاون مع قوة خارجية صديقة، على الأقل إلى حين أن نتمكن من امتلاك القدرة العسكرية والتقنية للوقوف على أرجلنا دون مساعدة من أحد.

أياً كانت عيوب الولايات المتحدة فهذه الدولة هي القوة العظمى في العالم. وفي المقابل، هناك مدعون، دول تطمح لأن تتمكن من الوقوف في وجه الغرب ولهذا تجدها الآن وهي تعمل على ترهيبنا. غير أن تحدياتهم هشة، كما أن رؤاهم للعالم وعقائدهم وأجنداتهم ليست هي رؤانا ولا عقيدتنا ولا أجندتنا بأي حال من الأحوال.

وإذا أردتم الصراحة إلى الدرجة المؤلمة، إذا ما قررت أمريكا والغرب أن يرموا بنا بعيداً عنهم فستجدنا من فورنا نقول لهم "عودوا لنا، فقد غفرنا كل ما سلف."

إن لم نعد قادرين على الاستفادة من الأقمار الصناعية الأمريكية، على سبيل المثال، فاتصالاتنا ستنقطع. وإن توقف الغرب عن توريد قطع الغيار لنا، فطائراتنا ستبقى في عنابرها ومستشفياتنا سيأكلها الصدأ.

بل إننا إن تعمدنا أن نضر بالاقتصاد الأمريكي، سنكون في النهاية نضر بأنفسنا لأن اقتصادياتنا مترابطة ومعتمدة على بعضها وخصوصاً أن عملاتنا مربوطة بالدولار الأمريكي.

أعتقد أن الوقت قد حان للتوقف عن الخطابة المعادية لأمريكا وللعمل مع الغرب بدلاً من العمل ضده.

حين تتوفر الإرادة المخلصة، نستطيع أن نعمل بجد معاً من أجل الخلوص إلى عراق يعيش بسلام ولا يتعرض أهله للتميز الطائفي. بعملنا معاً نستطيع أن نمد يد العون للبنان من أجل مداواة جراح الحرب والانقسامات. وبالعمل معاً أيضاً يمكننا أن نركز جهودنا من أجل إقامة الدولة الفلسطينية.

تحقيق هذا يتطلب تغييراً جوهرياً في مشاعرنا. نعم، صحيح أننا تعرضنا للأذى وأنه فعل ذلك لن يكون سهلاً علينا، لكن لنتذكر هذا. في يناير 2009 سيأتي شاغل جديد للبيت الأبيض، وسواء كان جمهورياً أو ديمقراطياً سيكون هناك تغيير في السياسة.

لقد أثبت الجمهور الأمريكي توقهم لتبني اتجاه جديد في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر 2006 كما أن المرشحين للانتخابات الرئاسية يعكسون هذا المزاج الشعبي الجديد في خطاباتهم التي تسبق حملاتهم الانتخابية. وهؤلاء يتحدثون واحداً تلو الآخر عن الحاجة للدبلوماسية وإتباع سياسة كسب العقول والقلوب تجاه هذا الجزء من العالم. وفي هذا المسعى، علينا ألا نحرق سفننا ونقطع طريق الرجعة أبداً.

وفي سياق ذلك، من المفيد أن نتذكر الأشياء الطيبة التي قامت بها الولايات المتحدة في العالم وأن ننظر إلى السنوات القليلة الأخيرة وكأنها خروج عن النص.

بواقعية، نحن بحاجة لبعضنا البعض، ولهذا دعونا نتحلى بما يكفي من الشجاعة لنمد لواشنطن يد الصداقة. علينا أن نعبر لها عن اهتماماتنا ومطالبنا بما يتطلبه الأمر من شفافية وخبرة مع التأكيد لها على أن أي طرقة جديدة للتعامل بين بعضنا البعض لا يمكن لها أن تكون طريقاً باتجاه واحد.

حين تكون منطقتنا معرضة لمثل هذا القدر من المخاطر وحين يكون مستقبل أبنائنا على المحك، فإن التقدم للأمام يتطلب منا نهجاً ناضجاً وواعياً وليس تفكيراً يقوم على التظلمات والرغبة في الانتقام.

وإليكم بمفتاح القضية: كيف ينظر أحدنا إلى مستقبل بلده؟ هل يريد أن يعيش في اقتصاد حر يوفر له حرية اختيار طريقة حياته؟

إذا كان الجواب بنعم، فلا غنى لنا عن الغرب. هذا هو جوهر المسألة. إننا نقف على مفترق طرق. علينا أن نتخذ قرارات صعبة. والمسؤولية ملقاة علينا جميعاً لنقرر بحكمة وصواب.

خلف أحمد الحبتور
 

 

 

 

أعلى


 

 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289