Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور أم عــمـــــــــــــارة كلمة رئيس مجلس الإدارة

 الصفـحـة الــرئيسيـة

 كلمة رئيـس مجلــس الإدارة

 مهـرجان دبي الـسيـنـمــائـي

 الـــمـهــــنــة الـــخـــــطــــرة

 ســـوريـة تــحـت الــحـصــار

 الــــبــتـــراء وتــد مـــــــــــر

 مـنـزل فـريـد عـائـم في دبـي

 معــرض دبـــي لــلــطــيـران

 الإدريـــســــــــــــي

 أم عــمـــــــــــــارة

 جـــبــــــــل حـفـيــت

 رحلة مشــــوقة فـي تــاريخ..

 بـطـولة الـحـبـتــورالـدولـيـة..

  لحبتـــــــــور للـــمشــاريــــع

 اخبـــار الحبتـــور

 مـــــــن نحــــــن

 لأعـداد المـاضيـة

 اتصلـوا بنـا

في غابر الزمان وقبل أن يعرف الإنسان تدوين التاريخ حفظاً لآثاره من النسيان، نشأت وازدهرت مدينتان وسط الصحراء: كانت الأولى متوارية في جبل صخري فيما انتصبت الأخرى وسط صحراء مترامية. ولم يكن أحد يعلم بوجود المدينتين حتى تم اكتشافهما عن طريق الصدفة من قبل بعض المستكشفين الذين وقفوا مندهشين أمام أطلالهما الرائعة خلال رحلاتهم في الصحراء. كان كل ما في هذه الأطلال يدل على ما تمتع به سكان هاتين المدينتين الغامضتين من بذخ ورفاهية. فمن أين أتت تلك الثروة التي جعلت بإمكان سكان هاتين المدينتين أن يعيشوا حياتهم في تلك الرفاهية وما جعلهم يعمدون إلى بناء مثل هذه المدن الرائعة التي لا تجد نظيراً لها في هذا العالم؟ في الوقت الحاضر، يعمل علماء الآثار بمعاولهم في هذه الأطلال الرائعة للكشف عن أسرارهما، ولقد تمكن علماء الآثار أن يتبينوا التاريخ المدهش لهاتين المدينتين اللتين تمتعتا بسلطان ونفوذ كبيرين في زمانهما.  

تقع مدينة البتراء في الصحراء الأردنية وتمتد على طول الوادي الذي يبدأ من خليج العقبة ويصب في البحر الأحمر في قلب جبل ضخم بعيداً عن أعين العالم الخارجي. للوهلة الأولى يشعر المرء بصعوبة الوصول لهذه المدينة. وإذا ما خطط أحد ما للذهاب إلى آثار البتراء فعليه أن يسلك شقاً ضيقاً بين الصخور، وما يلبث هذا الشق أن يبدأ بالالتفاف والتعرج لمسافة ميل حتى يضيق أكثر فأكثر ليصبح على عرض الشخص الذي يمر من خلاله، تحت صخور الجبال التي تهدد المسافر بالسقوط عليه من كل اتجاه وتحجب عنه نور الشمس. وبعد ذلك، وأخيراً يتسنى للمسافر الذي كاد أن يتخلى عن أمله في رؤية المدينة أن يلقي النظرة الأولى على الأعمدة الضخمة والمهيبة المنحوتة في الجبل الصخري من خلال فتحة في نهاية الممر. وفجأة ينبثق ضوء شمس ساطع على المسافر الذي يجد نفسه أمام مشهد مثير يحبس الأنفاس لمدينة ضخمة تتكون من بيوت وأبنية رائعة منحوتة في قلب الجبل. للوهلة الأولى يكاد المرء لا يصدق أنه قد وصل إلى واحدة من أقدم المدن الرومانية القديمة والتي نسيت لفترة طويلة من العالم الخارجي. وبشيء من التدقيق والتمحيص، فإنه يجد على الرغم من ذلك أن أسلوب بناء هذه المدينة المهيبة يشبه الفن المعماري الذي كان متبعاً عند الرومان، فهناك تفصيل متقن في خصائصه، وتقع المدينة في جوف كتلة جبلية في وادٍ منعزل في الأردن في مكان غير مكانه وزمان غير زمانه.  

ووفقاً لعلماء الآثار فإن الأبنية الخيالية في مدينة البتراء غير العادية ربما يكون قد تم بناؤها وسكنت في القرن الأول والثاني قبل الميلاد. ويمكن اعتبار الخزينة واحدة من أكبر وأهم المباني في المدينة لأنه يوجد على قمتها جرة منحوتة يعتقد أنها كانت تملأ بالذهب. وفي الواقع فإن هذا الاعتقاد أقوى وأقرب للتصديق لأن الجرة تكثر فيها ثقوب الرصاص من قبل سارقي الخزائن الذين كانوا يبحثون عن الذهب.  

خلف الخزينة يوجد هناك وادٍ ضيق يقود الزائر إلى مدينة البتراء الرئيسية المملوءة بمئات المباني والمعابد والقبور. بعض البيوت تظهر عادية تماماً، والبعض الآخر مزين بالمسلاّت والأعمدة والأفاريز التي شيدت بأساليب متنوعة. لقد قاومت هذه المدينة تأثير الزمن في تخريبها والرياح القاسية التي حملت على مر القرون حبات الرمل الناعمة التي أتلفت تفاصيل المنحوتات الخارجية على الأبنية، لكن ما يعوض هذا التآكل الألوان المشرقة التي تشهدها المدينة خلال أوقات مختلفة من اليوم. فمن بعيد ترى المدينة تكتسي اللون الوردي وكلما اقتربت من الأبنية أصبح اللون أصفر ذهبياً أو أرجوانياً فاتحاً. ومن بعيد تبدو وكأنها رسوم ضخمة لأبنية وأعمدة منحوتة كما لو أن فناناً مبدعاً قام بتلوينها بفرشاة كبيرة مسقطاً ألواناً ساطعة على لوحة زيتية ضخمة.  

ظلت البتراء غير معروفة للعالم لمدة تقارب الألف سنة، ربما باستثناء رجال القبائل البدوية الذين كانوا يمرون من ذلك الطريق حتى تم اكتشافها من قبل يوهان لودفيج بيركهاردت (مكتشف سويسري) الذي قام بعد دراسته للغة العربية برحلة عبر الأراضي العربية عام   1809 بمفرده، حيث خطط لكشف أسرار هذه المنطقة المجهولة للعالم الخارجي. وحيث أنه كان يتفهم ثقافة المسلمين وأسلوبهم في الحياة فقد تنكر بزي عربي واتخذ اسم إبراهيم ابن عبد الله كاسم مستعار له لتسهيل رحلته في الأراضي العربية. وقد اكتسب بيركهاردت خلال دراساته معلومات كبيرة حول الإسلام وشعائره واطلع عليها بشكل دقيق حتى لا يشك به أحد أو ينكشف أمره بأنه غير مسلم بين القبائل العربية. وكان يوهان لودفيج قد أمضى في وقت سابق مدة عامين في سوريا يزور آثارها ومدنها القديمة، وفي طريقه إلى فلسطين سمع بأمر مدينة مذهلة تقبع داخل الجبال في وادي الأردن، (يعتقد العرب بوجود قبر النبي هارون شقيق النبي موسى عليه السلام على هضبة بالقرب من المدينة المحجوبة عن العالم الخارجي).    أنأأن أاأناتبيلسبيل 

و كخدعة من بيركهاردت أخبر دليله بأنه يريد أن يضحي بقربان على قبر النبي هارون، القبر الذي كان قريباً من موقع الآثار. وبعد محاولات لإقناع الدليل قبل هذا بأن يرشده إلى المكان. فشقوا طريقهم في قلب الصحراء القاسية، بيركهاردت يقود قربانه ويرافقه الدليل وهما يسيران خلال الوادي الذي يقود إلى مدينة البتراء. وعند الوصول إلى المدينة صعق بيركهاردت لعظمة وروعة المدينة ثم ما لبث أن تغلب على رهبته ووقف ليتفحص تفاصيل عدة جبال في المدينة، وقام سراً بوضع ملاحظاته ورسوماته على مفكرة كانت معه. ومع مضي الوقت وصل إلى سفح الجبل الذي يضم قبر النبي، كان الظلام حالكاً فقام بتضحية قربانه في أسفل الجبل ورجع إلى المخيم دون أن يضطر للصعود إلى القمة.  

نشر كتاب بيركهاردت عام 1822 بعد خمس سنوات من مماته في مصر، إلا أنه قبل نشر الكتاب تم اكتشاف مدينة البتراء مرة أخرى من قبل مكتشفين أوروبيين، وهو اكتشاف أحدث صدى كبيراً في الغرب. وفي الوقت الحالي تعد البتراء الوجهة المفضلة للسائحين والمغامرين والعلماء الباحثين. أما بالنسبة لعلماء الآثار فقد قدمت المدينة لغزاً ساحراً لأن تشييد المباني تم بواسطة نحتها في الصخور وبصورة متأثرة بأسلوب العمارة في المباني القديمة التي وجدت في سوريا ومصر واليونان وروما. منذ العام 1958 وبفضل العمل الحثيث من قبل المنقبين  البريطانيين جرى الكشف عن ثقافة وتاريخ غير عاديين لشعب كان في يوم من الأيام يسكن هذا المكان. 

يعود الفضل في بناء البتراء إلى الأنباط، إلا أنه قبل الأنباط كان يعيش في هذه المنطقة شعب يدعى الآدوميين الذين كانوا في حالة عداء دائم مع الدول المجاورة لهم. واحتل الآدوميون جزءاً هاماً من المنطقة التي كانت عند تقاطع عدة طرق تجارية مهمة واستفادوا بشكل كبير من القوافل التجارية التي كانت تمر عبر طرقهم. ويعتقد بأن الآدوميين هزموا من قبل اليهود بقيادة الملك سليمان الذين بسطوا سيطرتهم على هذه المنطقة لمدة مائتي عام. بعد ذلك قام البابليون بغزو اليهود وأخذوهم أسرى. وبدأ الآدوميون الذين طُردوا من هذه المنطقة بالتحرك لإعادة احتلال الأراضي التي كانت فيما مضى خاضعة لسيطرتهم. ومع ذلك فقد تم اجتياح هذه المنطقة مرة أخرى لكن هذه المرة من قبل الأنباط وهم قبيلة بدوية ينحدرون من أصول عربية. تعايش الأنباط مع الأدوميين في حياة أكثر استقراراً. وفي عام 300 قبل الميلاد كان الأنباط قد حققوا السيطرة التامة على المنطقة وبنوا لأنفسهم مستعمرة حضرية، حيث قاموا بنحت أحيائهم السكنية ومبانيهم وقبورهم في الصخور بجانب الجبال. وفي أوج ازدهارهم في القرن الأول قبل الميلاد كان يعيش في مدينة البتراء مايقارب 30.000 نسمة، كان يحكمهم ملك منذ العام 168 قبل الميلاد وأنشأوا دولة تمثل ديمقراطية، حيث كان الملك عرضة للمحاسبة عن كل أفعاله.  

كانت المياه نادرة في هذه المنطقة وعليه فإن لها أهمية كبرى. وكان الناس في البتراء يعبدون إلهة  تدعى "العزة" وهي إلهة الينابيع والماء. وقد استخدم الأنباط الماء المتوفر لديهم بحرص لزراعة أراضي الصحراء المحيطة بهم لتنمية البتراء حتى تصبح واحة على مدار السنة، وكانوا يتكلمون لغة تشبه الآرامية. أنتج الأنباط أواني فخارية جميلة ومباني عظيمة تأثر معظمها فيما بعد بالأسلوب الروماني. في بداية القرن الأول الميلادي أصبحت مدينة البتراء مركز التجارة مجدداً بسبب الحروب الدائمة بين مصر وسورية. وخلال وقت قصير أصبح الأنباط أثرياء وأقوياء بما في الكفاية ليبسطوا سيطرتهم على المنطقة التي وصلت إلى شمال دمشق. ولكونهم زادوا ثراءً تحسن أسلوب حياتهم، وهو ما انعكس بدوره على الديكورات الفخمة الموجودة على قبور الأنباط الجدد. وكان أحد الأبنية يفوق الأبنية الأخرى بأناقته وفخامته وهو "الدير" الذي كان بارتفاع 138 قدماً ومنحوتاً بعمق الجبل وأمامه منبسط كبير وتمارس فيه الشعائر الدينية وهي عبارة عن تقديم بعض القرابين من البشر والحيوانات.  

في عام 196 ميلادية ألحق الرومان البتراء بأراضيهم وأصبحت مقاطعة رومانية. وكان الأنباط قد حققوا أرباحاً كبيرة من التجارة الرومانية والهندية والعربية التي كانت تتم على أراضيهم. إلا أن استيلاء الرومان على البتراء جعلهم يسيطرون على هذه  الطرق. وقد بدأ الرومان ببناء وتشييد أبنيتهم الخاصة في البتراء وأقاموا في المدينة مدرجاً يتسع 4000 متفرج كما قاموا بتشييد معبد "قصر البنت" وهو البناء الوحيد الذي ما زال قائماً في قلب المدينة حيث كان يقع السوق الكبير. وفي هذا المكان كانت القوافل تقايض القوافل الأخرى القادمة من الغرب بالتوابل والعاج والعنبر والقماش. واستمرت البتراء مركزاً تجارياً مهماً لمدة قرنين آخرين من الزمن. وبعد ذلك تضاءلت أهميتها مع استمرار بعض المدن في الشمال مثل تدمر بجذب التجارة إليها.  وبالتدريج غادر التجار وغادرت معهم جيوش الرومان التي كانت مهمتها حماية الطرق التجارية. وبعد تحول الإمبراطورية الرومانية إلى الديانة المسيحية، حظيت البتراء بمطرانية  وتحولت بعض أبنيتها إلى كنائس. لكن المدينة التي حكمها البيزنطيون فقدت مجدها السابق ولم يتبق منها إلا الأطلال.

وقبل وصول الحكم الإسلامي في القرن السابع الميلادي، تعرضت البتراء لهزة أرضية قوية جعلت سكانها يهجرون المدينة بشكل كامل. لكن غموض التفاصيل وعدم التدوين الواضح لتاريخ الأنباط شكلا لغزاً عصياً أمام من يحاول فهم دلالة بعض آثار مدينة البتراء ويكاد يكون من المستحيل حل الخفايا التي مازالت تلف هذه المدينة.

على بعد ثلاثمائة ميل من شمال مدينة البتراء تقع مدينة تدمر الحافلة حالياً بالآثار. وبالمقارنة مع البتراء فإن هذه المدينة قائمة على الأرض وواضحة للعيان من بعد أميال في الصحراء الشاسعة. فعلى بعد 140 ميل تقريباً شرق دمشق، تقف صفوف الأعمدة وبقايا الأبنية التي اندثرت كحارس صامت على الماضي ولطالما وقف الزوار مأخوذين على مر القرون بالآثار الضخمة والعظيمة لهذه المدينة.  

ترجع عظمة تدمر على الأغلب إلى القرن الثاني الميلادي عندما وصلت إلى ذروة ازدهارها كمركز تجاري. وعلى كل حال تشير السجلات الحديثة الناجمة عن أعمال التنقيب عن الآثار إلى أن تاريخها يعود إلى عام 2000 قبل الميلاد عندما كانت هذه المدينة عبارة عن واحة تدعى "تدمر" وهو الاسم الأصلي لاسم "بالميرا" الذي أعطاه الرومان للمدينة بعد احتلالها. ولآلاف السنين كان يسكن هذه المنطقة قبائل البدو العربية التي بدأت في الاستقرار كطريقة للعيش. وكانت في ذلك الوقت تتكلم لغة الآراميين وهم قبيلة سامية تنحدر من أصول عربية. ولقرون مضت كانت تدمر مدينة بسيطة وناجحة. وبعد ذلك تحولت المدينة في القرن الأول الميلادي متأثرة بالرومان لمدينة تمتلك العظمة والفخامة التي يمكن إدراكها بين أوابدها في الوقت الحاضر. ومع نمو التجارة لمسافات بعيدة بدأت المدينة باستقطاب التجار من بلاد فارس والهند والصين من جهة الشرق والفينيقيين من الغرب، حيث كان باستطاعة التجار في نقطة الالتقاء الملائمة أن يقوموا بتبادل العاج والتوابل والحرير والذهب والمجوهرات وبذلك يوفرون على بعضهم الوقت والجهد المبذول في السفر البعيد من خلال طرق التجارة الأخرى. فرض شعب تدمر ضريبة على التجار وأعطوهم مكاناً ليزاولوا تجارتهم فيه وزودوهم بالماء العذب والسكن مما انعكس على سكان المدينة بالرخاء والازدهار، وهو ما أعطى مدينة تدمر لقب المدينة الأولى في المنطقة وباتت تعرف باسم "مدينة التجار".  

يمكن الاستدلال على ثروة التدمريين من خلال بقايا الزخارف على التماثيل التي تجسد المرأة التدمرية والتي مازالت موجودة، والثروات الهائلة التي بددت لتزيين قبور الموتى التي تعود لأغنياء المدينة. أما بالنسبة للآخرين فقد كانوا يدفنون في قبور في الصحراء. وكانت توضع عليها حجارة متواضعة لتمييزها. ويعتبر صف الأعمدة العظيم الذي بني في القرن الثاني للميلاد السمة البارزة للمدينة، ويتألف هذا الصف من أكثر من سبعمائة عمود، طول كل عمود 29 قدماً، توج بقرانص معقدة التصميم. وكان يحتضن الشارع الرئيسي للمدينة والمزدحم بالمحلات التجارية والمكاتب.  

وبالقرب من نهاية صف الأعمدة يوجد هناك آثار معبد بعل العظيم، الإله الأعلى لتدمر. في هذا المكان قدم الكهنة قرابين من الحيوانات لأوثان أكبر وأصغر الآلهة الموجودين في المعبد وأقاموا الولائم المنتظمة على شرفهم. وقد استمرت المدينة بالازدهار بدعم من الرومان لمدة من الوقت، وهو ازدهار يضاف إلى ازدهارها السابق. وبعد ذلك وفي منتصف القرن الثالث الميلادي، قام الفرس بغزو سوريا ونجحوا في قطع كافة الطرق التجارية إلى تدمر فلم يكن لدى سكان تدمر  إلا أحد خيارين، إما الإذعان لشروط العدو أو مقاتلته بدون مساعدة الرومان. في هذه المرحلة دخل اوديناثيوس وهو عضو بارز من مجلس الشيوخ في تدمر إلى ساحة الأحداث ليتعامل مع هذه الأزمة. حاول أن يتوصل إلى السلام مع الفرس لكن جميع محاولاته قوبلت بالرفض، وفي نهاية المطاف أمر بتجهيز جيش لمقاتلة الفرس وقام بحشد الجنود من كافة أنحاء سوريا وشكلهم وفق نظام عسكري ليقوم بعد ذلك بمهاجمة الفرس بقوة وهزمهم بشكل حاسم من ثم نصب نفسه ملكاً لتدمر، وبمساعدة منه استعادت روما تأثيرها على الشرق الأوسط واعترفت بتدمر دولة مستقلة.  

لم يستمر حكم اوديناثيوس لفترة طويلة فقد تم اغتياله عام 268م وخلفته زوجته الجميلة زنوبيا التي حكمت تدمر نيابة عن ابنها القاصر فالاباثيوس، ويقول المؤرخون القدامى بأنها كانت امرأة غير عادية تتصف بالشجاعة والذكاء. فقد كانت فارسة خبيرة وكانت تطمح إلى بناء امبراطورية خاصة بها. وقد قررت زنوبيا أن تحرر تدمر من تأثير الرومان عليها، فسارت باتجاه أنطاكية عام 271م واستولت على أهم ميناء على البحر الأبيض المتوسط. ومن ثم أرسلت جيشها إلى  مصر فحققت نصراً في هذه الحملة ومنحت ابنها لقب اغسطس وهو لقب كان يستعمله امبراطور الرومان وبدأت بسك عملتها الخاصة.  

في هذا الوقت كانت روما تحكم من قبل امبراطور جديد وهو اورليان والذي قام فيما بعد بتسوية الخلافات الحدودية مع ألمانيا فسار بجيشه إلى أنطاكية لكبح التهديد المتنامي والقوة المتزايدة لتدمر وإلحاق الهزيمة بجيش زنوبيا الذي كانت يتمركز هناك. بعد معاناة كانت إلحاق الهزيمة بالجيوش الرومانية في متناول اليد وعلى بعد ثمانين ميلاً من تدمر انسحبت زنوبيا بسرعة مع كبار قادتها إلى المدينة وبدأت بتحصين أسوارها.

عندما وصل الإمبراطور الروماني إلى تدمر وجد المدينة محصنة بشكل جيد، وقد طلبت  زنوبيا من الفرس مساعدتها لمواجهة جيش الرومان إلا ذلك لم يحصل.  

جهز الإمبراطور اورليان جيشه لحصار طويل لتدمر وعرض على زنوبيا السلام مقابل نفيها إلا أنها رفضت. وقد تطاول الحصار، وفيما كان الرومان قد نظموا خطوط تموينهم، كان سكان تدمر يتعرضون للمجاعة. وفي ذلك الوضع اليائس، قررت زنوبيا أن تهرب تحت جناح الظلام على ظهر جمل عربي، وتعبر الخطوط الرومانية حول المدينة. وقد نجحت في الوصل لنهر الفرات قبل أن تلحق بها سرية من خيالة الرومان الذين أرسلوا لتعقبها.

بعد وقوع زنوبيا في الأسر، استسلم أهالي تدمر. ودخل الإمبراطور الروماني المدينة وقتل بعض الشخصيات الهامة في المدينة وأقام محاكمة ضد زنوبيا. وخوفاً على حياتها وحياة ابنها، أنحت زنوبيا باللائمة على مستشاريها في مغامراتها العسكرية الطائشة ضد الإمبراطورية الرومانية. وجرى تنفيذ حكم الإعدام بمستشاريها فيما أنقذت زنوبيا حياتها وحياة ابنها.  

يروي بعض المؤرخين أن زنوبيا انتحرت لأنها لم تستطع تحمل الإذلال الذي تعرضت له بعد هزيمتها، بينما يقول البعض أنها أخذت إلى روما في موكب النصر، وقد ازدانت بكافة جواهرها الملكية على يديها وقدميها مع قلادة ذهبية حول عنقها، وجميع هذه الحلى والجواهر موصولة إلى قيود من ذهب. وفي روايات تاريخية أخرى نرى أن الإمبراطور أورليان زوجها من عضو مجلس شيوخ روماني حيث عاشت حياة هادئة مع عائلتها حتى وافاها الأجل.  

في هذه الأثناء أعاد شعب تدمر تنظيم صفوفه في محاولة أخرى لنيل استقلاله عن الحكم الروماني، لكن سرعان ما وضعت روما نهاية لهذه الانتفاضة، إلا أن الإمبراطور الروماني أباح هذه المدينة أمام النهب والسلب. وبعد أن منيت تدمر بهذه الهزيمة العسكرية، تراجعت أهميتها بسرعة سواء كمدينة أو مركز تجاري. 

في القرن السابع تمكن المسلمون بسهولة من الانتصار على المدينة وحاولوا الحصول على حجارة المباني المدمرة فيها لاستخدامها في إنشاءاتهم الخاصة. وشيئاً فشيئاً خسرت مدينة تدمر أهميتها بالنسبة للمسلمين واستمرت حالها على هذا المنوال حتى هجرها المقيمون فيها.  

عندما وصل رحالة الغرب إلى تدمر في القرن السابع عشر وجدوا قبيلة صغيرة من العرب تعيش وسط أطلال المدينة في أكواخ من الطين، حيث بني مسجد في معبد بعل وكان ما يزال قائماً حتى العام 1929. أما هذه الأيام فلم يبق من مقيم في تدمر سوى علماء الآثار الذين يحاولون بمعاولهم أن يجمعوا أشتات تاريخ مدينة كانت فيما مضى مدينة عظيمة. 

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289