شكّل وثائقيان عُرِضا مؤخراً على إحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية اختراقاً في الصحافة الأمريكية.
يوم الأحد 21 أبريل ثم الأحد 28 أبريل، استحقّ برنامج Sixty Minutes على قناة "سي بي إس" الأمريكية وسام الاستحقاق، في رأيي على الأقل، تقديراً لشجاعته الصحافية.
ففي 21 أبريل، عرضت القناة تقريراً حياً ومتوازناً عن المحنة التي تتسبّب بها إسرائيل للمسيحيين في بيت لحم. وقد بُثّ الوثائقي على الرغم من الاحتجاجات الشديدة التي عبّر عنها السفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل ب. أورين، والعديد من الأمريكيين المتفانين في ولائهم لإسرائيل قبل عرضه. فقد علموا بطريقة ما عن عرض التقرير وأرسلوا ما يزيد عن 29000 رسالة احتجاجية وصل عدد كبير منها قبل عرض الحلقة.
صوّر الوثائقي بيت لحم مثل سجن في الهواء الطلق مع جدران عالية وحواجز تفتيش يديرها جنود إسرائيليون، ولم يبقَ في المدينة سوى حفنة قليلة من المسيحيين.
تمتدّ شبكة من الطرقات السريعة العصرية في مختلف أنحاء فلسطين، بما في ذلك مدخل بيت لحم، لكن إسرائيل تسمح فقط لليهود باستخدامها. أما غير اليهود، مثل العرب الذين عاشت عائلاتهم هناك طوال قرون، فعليهم أن يعبروا الحواجز التي أنشأها الإسرائيليون، مما يجعل الرحلة طويلة جداً إلى درجة أن قطع مسافة 12 ميلاً إلى القدس يستغرق نصف نهار.
هذه الحواجز والمعاملة العدائية أدّت إلى تراجع أعداد المسيحيين في بيت لحم التي كان يطغى عليها الوجود المسيحي، بنسبة 98 في المئة منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين قبل 50 عاماً. وقد حاول السفير الإسرائيلي في مقابلة مع مراسل "سي بي إس"، بوب سايمون، إلقاء اللوم على المسلمين وتحميلهم مسؤولية الانخفاض في عدد المسيحيين في بيت لحم، لكن شهوداً آخرين ناقضوا هذا الكلام. فقد قال أحدهم إنه لا يعرف مسيحياً واحداً غادر المدينة بسبب السلوك المسلم تجاهه.
الوثائقي هو واحدا من أولى البرامج المتوازنة، إن لم يكن أول برنامج متوازن تبثّه وسيلة إعلامية أمريكية كبرى عن الحياة في بيت لحم تحت الاحتلال الإسرائيلي. لقد قامت دولة إسرائيل بسرقة فلسطين شبراً تلو الآخر بصورة غير قانونية وغير أخلاقية، من دون أي اعتراض جدّي من الحكومة الأمريكية التي هي المتبرِّعة الأساسية بالأموال لإسرائيل. وهذا يجعل أمريكا متواطئة في الجرائم الإسرائيلية. إذعان قوّتنا العظمى لإسرائيل حالة شاذّة وغريبة سوف تحيّر المؤرّخين في المستقبل.
في 28 أبريل، بثّ برنامج Sixty Minutes تقريراً صريحاً ومثيراً للصدمة بالدرجة نفسها عن إجراءات التعذيب القصوى التي سمح الرئيس الأمريكي باستخدامها بعد أحداث 11 سبتمبر، وأدارها طاقم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أيه). وقد كُشِفَت المعلومات على لسان الضابط المتقاعد في السي آي أيه، خوسيه رودريغز، في مقابلة مع مراسلة محطة "سي بي إس"، ليسلي ستال. وقال إن السجين الذي تعرّض للتعذيب، خالد شيخ محمد، يُشتبَه بأنه العقل المدبّر لهجمات 11 سبتمبر.
تعرّض محمد للتعذيب عن طريق الإيهام بالغرق أكثر من 180 مرة، بموافقة الرئيس الأمريكي. وكانوا يُطيلون دائماً جلسات التعذيب هذه. وبحسب رودريغز، حُرِم محمد أيضاً من الطعام، مما أدّى إلى خسارته 80 باونداً من وزنه، فضلاً عن عجزه عن النوم، ففي إحدى المرّات لم يتمكّن من النوم طيلة سبعة أيام متواصلة.
لم يُدلِ محمد بأي اعترافات خلال التعذيب سوى تزويد مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بمعلومات كان قد حصل عليها سابقاً من دون اللجوء إلى التعذيب.
يروي رودريغز أن محمد قال في إحدى المرات إنه سيفضح الأمر "في نيويورك"، في إشارة كما أظن إلى أنه كان يتوقّع في ذلك الوقت أن يُحاكَم بتهمة القتل الجماعي في محكمة فدرالية في نيويورك. لكنه نُقِل بعد ذلك إلى سجن خليج غوانتانامو بمحاذاة كوبا.
يقول رودريغز إن التعذيب لم يكن يُمارَس إلا بعد الحصول على موافقة دورية واضحة وصريحة على المستوى الرئاسي من إدارة جورج دبليو بوش. عندما قاطعته مراسلة "سي بي إس"، قال باقتضاب "نحن لا نفعل ذلك من تلقاء أنفسنا. حسناً، فعلناه".
في الدقائق الأخيرة، من المقابلة، طرحت عليه ستال سؤالاً بلاغياً "هل يُغيّر هذا ما نحن عليه؟" فعلى الرغم من أن الرئيس أوباما حظر استخدام التعذيب عن طريق الإيهام بالغرق، إلا أنه يوافق على أساليب قصوى أخرى لتأكيد السلطة الرئاسية.
والأسوأ، في نظري، هو الحق الممنوح للرئيس بأن يأمر بقتل أي شخص، ولو كان مواطناً أمريكياً، يعتبر أنه يشكّل تهديداً للأمن القومي، ومن دون اتّباع الإجراءات القانونية. وقد استخدم أوباما تلك السلطة لإصدار الأوامر بقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، ولاحقاً رجلَين يمنيين كلاهما مواطنان أمريكيان.
ربما يرحّب معظم الأمريكيين بمقتل الثلاثة، لكن هل يمكن وضع حدود لسلطة القتل الاستثنائية هذه التي يتمتّع بها شخص واحد هو الرئيس؟
هل يُغيّر هذا كله ما نحن عليه؟ الجواب هو نعم، ويا للأسف.
بول فيندلي عضو سابق في الكونغرس الأمريكي من 1961 إلى 1983، مقيم قي جاكسونفيل في ولاية بنسلفانيا. كتابه الأخير هو بعنوان Speaking Out: A Congressman's Lifelong Fight against Bigotry, Famine and War (التكلّم جهاراً: النضال المستمر الذي يخوضه عضو في الكونغرس ضد التعصّب والمجاعة والحرب).