الخميس، 05 ديسمبر 2024

الإسلاموفوبيا الجزء الثاني

بقلم بول فيندلي

Shutterstock ©
Shutterstock ©

في العدد الأخير من الشندغة، تطرقّ عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فيندلي، إلى نشأة الأفكار النمطية الموجَّهة ضد الإسلام. فقد كتب أن الإسلاموفوبيا، أو رهاب الإسلام، بدأت تتفشّى في الولايات المتحدة منذ العام 1948 ، عندما رفُِع العلم الإسرائيلي لأول مرة فوق الأراضي الفلسطينية. وتوقف عند الطريقة التي تعاطى بها الرؤساء الأمريكيون، من الرئيس هاري ترومان إلى الرئيس ليندون جونسون، مع المسألة. وفي الجزء الثاني، يتابع في الإطار عينه بدءا من الرئيس ريتشارد نيكسون...

أنقذ #الرئيس_الأمريكي_ريتشارد_نيكسون الذي تسلّم الحكم خلفا لليندون ب. جونسون، إسرائيل من العدوان المصري في العام 1973، لكن سرعان ما أعطى تعليماته لوزير الخارجية هنري كيسنجر من أجل إعداد خطط تهدف إلى إرغام إسرائيل على التوصّل إلى سلام مع جيرانها العرب. وقد أشار كيسنجر إلى هذه المخططات في مذكّراته، لكن في العام 1983، قال لي زميلي السابق، ريتشارد تشيني، الذي أصبح لاحقاً نائبا للرئيس، إنه لم يجد أية سجلات عن هذه الخطط عندما كان كبير الموظّفين في إدارة الرئيس جيرالد فورد. لقد اختفت عندما جرفت فضيحة واترغايت معها السنتَين الأخيرتين من رئاسة نيكسون. وقد أعلن فورد الذي تسلّم الرئاسة بعد استقالة نيكسون، عن خطط لإعادة تقييم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. لكنه عدل عن رأيه عندما تلقّى رسالة تحمل توقيع 76 سيناتوراً اعترضوا على إعادة التقييم. وكانت الرسالة من إعداد وتنسيق لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك) التي تُعتبَر اللوبي الإسرائيلي الأساسي في الولايات المتحدة. وفي عهد جيمي كارتر، بلغت قيمة المساعدات السنوية لإسرائيل ثلاثة مليارات دولار، لتصل إلى أكثر من أربعة مليارات في عهد #الرئيس_بيل_كلينتون. [Speaking Out: Paul Findley, Lawrence Hill Books, pp 259-270].

بحلول ذلك الوقت، كانت إسرائيل قد اكتسبت تأثيراً غير مسبوق على المجتمع الأمريكي، بفعل مجموعات اللوبي المتمرّسة والسيطرة على وسائل الإعلام الكبرى. وكانت تمارس ترهيباً كبيرا إلى درجة أنه لم تكن هناك أية مساحة للنقاش العام حول التوسّع الإسرائيلي غير المشروع في فلسطين المحتلة. تحت حجاب هذا الصمت، وبتحفيز من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، تبرّعت كل الإدارات الأمريكية ومجالس الكونغرس منذ كينيدي، بمساعدات هائلة وغير مقيّدة لإسرائيل. تتحدّث معظم وسائل الإعلام الأجنبية عن هذا السخاء وتنتقده، لكنه يمرّ مرور الكرام في الولايات المتحدة.

في خريف 1982، مع وصول رونالد ريغان إلى الرئاسة، شنّت إسرائيل عدواناً همجياً على العاصمة اللبنانية #بيروت حيث كان يقع مقرّ ياسر عرفات، زعيم "منظمة التحرير الفلسطينية". دمّرت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية أجزاء واسعة من #بيروت وضواحيها، مستخدمةً أسلحة زوّدتها بها الولايات المتحدة. لم يؤدِّ القصف إلى مقتل عرفات أو يدفع بـ"منظمة التحرير الفلسطينية" على الفور إلى مغادرة الأراضي اللبنانية، بل أودى بحياة ما يزيد عن 16000 عربي معظمهم من المدنيين المسلمين، أي أكثر بخمسة أضعاف من حصيلة القتلى في هجمات 11 سبتمبر التي وقعت بعد 20 عاماً في الولايات المتحدة. وبين هاتَين المجزرتين المروّعتين، أعلن زعيم المتمردّين، أسامة بن لادن، في رسائل متلفزة عدّة، أنه قرّر، لدى مشاهدة سقوط مبان شاهقة في #بيروت في العام 1982، أنه على العرب أن ينتقموا بتدمير مبانٍ شاهقة في منهاتن. لم يعيروا اهتماماً كبيرا لتصريحاته في أمريكا. كنت في ذلك الوقت أمضي آخر أسابيع لي في الكونغرس. وما إن توقف القتل في #بيروت حتى صوّتُّ في #مجلس_النواب_الأمريكي ضد الهبة التي أُرسِلت على وجه السرعة إلى إسرائيل، وبلغت قيمتها 150 مليون دولار أمريكي، بما أتاح لها أن تعيد بناء مخزونها الحربي من أموال المكلّفين الأمريكيين. وقد شعر معظم زملائي ببهجة عارمة لدى إقرار الهبة، لكنه كان يوم حداد وإحراج بالنسبة إلي.

ثمة ما يدعو إسرائيل فعلاً إلى القلق على مستقبلها. ولعل التهديد الأكبر لبقائها كدولة يهودية يتمثّل في النزعات الديموغرافية ، وتحديدا في أعداد الفلسطينيين التي ترتفع بسرعة داخل الأراضي التي تسيطر عليها: أولا، غالباً ما ينجب الفلسطينيون ثمانية إلى عشرة أولاد، أي إن العائلة الفلسطينية تساوي أربعة أضعاف معظم العائلات اليهودية. وهكذا قد تتمكّن الأجيال المقبلة من الفلسطينيين من تحقيق الإصلاحات المنشودة، عندما يشكّلون غالبية واضحة من إجمالي السكّان؛ ثانيا، تتمتّع الطوائف المتشدّدة ضمن الأكثرية اليهودية في إسرائيل، بامتيازات كبيرة وتُكلف الدولة كثيرا. فهم يحظون بدعم كامل من الدولة، كما أنهم معفيون من العمل والخدمة العسكرية. وعائلاتهم مشابهة في حجمها للعائلات الفلسطينية، ما يعني أنها تلقي بعبء مادّي متزايد على كاهل المواطنين الآخرين. وهم يتمتّعون بمكانة متميزة بفضل حنكتهم في العمل السياسي.

من جهته، امتثل الرئيس جورج دبليو بوش، وهذه نقطة تُسجَّل في رصيده، بأحكام "قانون صلاحيات الحرب للعام 1973" كانت المساهمة في إعداد القانون وإقراره من أبرز المحطات التشريعية في مسيرة الكونغرس الأمريكي، والهدف منه الحد من الحروب التي يشنّها رؤساء الولايات المتحدة.

عندما تولّى باراك أوباما سدّة الرئاسة، راودني الأمل بأن يباشر بوضع حد لانحياز السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل. يكفي اتّخاذ خطوات ولو صغيرة في هذا الاتجاه للحد من مشاعر العداء للولايات المتحدة في مختلف أنحاء العالم، ومن تململ المسلمين الأمريكيين، والتخفيف قليلا من البؤس الذي يطارد الفلسطينيين باستمرار. يُسجل له أنه أنهى الإجراءات الحربية الأمريكية في العراق، ووعد بأن يضع قريبا حداً للإجراءات الحربية في أفغانستان، لكن إدارته ركّزت أيضا على توسيع نطاق الأعمال الحربية في بلدان إسلامية أخرى، بينها باكستان واليمن، من دون الحصول على موافقة الكونغرس. وقد تعهّد مرارا وتكراراً، وبشغف شديد، تقديم دعم غير مشروط إلى إسرائيل على الرغم من قيامها ببناء مستوطنات غير قانونية في فلسطين المحتلة بوتيرة متسارعة، وهي جريمة مستمرّة تثير غضب المسلمين في مختلف أنحاء العالم وتتسبّب بإهانة شديدة. الديمقراطيون والجمهوريون على السواء يرتجفون خوفا. لم يُطلق أي رئيس منذ دوايت د. أيزنهاور، تحدّيا فعليا في وجه إسرائيل واللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. سوف يستهجن المؤرخون في المستقبل الدور المكلف والخانع الذي تقبل حكومتنا برمّتها بتأديته من دون أن يُسمَع لها أيّ اعتراض أو شكوى.

يتجاهل أوباما حقيقة مهمّة: يستطيع أي رئيس أن يكبح الإرهاب من دون طلقة واحدة في أي مكان على الإطلاق. فكل ما يحتاج إليه هو القيام بخطوة مقنعة من أجل إنهاء التعصّب في سياستنا الخارجية في الشرق الأوسط. صحيح أن الكونغرس خاضع بالكامل لإسرائيل، وعاجز عن إطلاق الإصلاح. لكن الرئيس ليس عاجزا. بغض النظر عن القانون العام الذي ينص على تخصيص مساعدات سنوية محدّدة لإسرائيل، يستطيع أي رئيس أن يُصدر مرسوما تنفيذيا يقضي بتعليق كل المساعدات إلى إسرائيل بصورة نهائية، معلّلاً ذلك بالمقتضيات التي يفرضها الأمن القومي. إنه يملك "منبرا قوياً" يستطيع استخدامه كي يشرح خطوته للشعب الأمريكي، وأنا على يقين من أنه سيحصل على دعم كبير جدا من شأن إعلان من هذا القبيل أن يؤدّي إلى تغيير في الحكومة الإسرائيلية، وإلى إذعان القادة الجدد للمطالبات الأمريكية بوقف العدوان الإسرائيلي لفلسطين. سوف يُحيّي العالم الرئيس الأمريكي الذي سيظهر في صورة صانع السلام، وسوف يتنفّس الصعداء. وبذلك يمكن أن تصبح فلسطين قريبا دولة مستقلة وقابلة للحياة بكل معنى الكلمة، ويتلاشى تنظيم "القاعدة". لكن للأسف، لا أرى آي آمال، حتى في المستقبل البعيد، بأن تتمتّع الرئاسة الأمريكية بالحكمة والشجاعة اللازمتين للتصرّف على هذا النحو.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم