التاريخ الجيولوجي للإمارات
بقلم ماريجك جونغبلود


يثير التكوين الجيولوجي للإمارات اهتمام الباحثين حيث ما يزال بإمكانهم مشاهدة بقايا أحداث موغلة في القدم أعطت كوكب الأرض الشكل الذي نراه عليه الآن، وذلك نتيجة لقلة الغطاء النباتي والطريقة التي تقدمت بها عملية الحت والتعرية.
القشرة الأرضية التي تشكل الطبقة الخارجية الصلبة للأرض ليست كتلة واحدة بل هي مفككة ومنقسمة إلى أجزاء تعرف بالصفائح التكتونية. وهذه الصفائح ليست ثابتة في مكانها بل هي تتحرك منجرفة بفعل حركة "التيارات" في الطبقة المنصهرة التي تحتها. والصفائح تتحرك لتقترب أو تبتعد عن بعضها وتسمى هذه العملية بالحركة التكتونية.
يصنف الجيولوجيون الإمارات العربية المتحدة ضمن ما يعرف بالصفيحة العربية والتي تضم الخليج العربي وسلسلة جبال زغروس في إيران وشبه الجزيرة العربية. وطوال الجزء الأكبر من تاريخها الجيولوجي كانت الصفيحة العربية جزءاً مما يعرف بالقارة الأفروعربية.
قبل حوالي 500 مليون عام من الآن، في العصر الكامبري، كان معظم الجزيرة العربية مغطاة ببحار ضحلة تبخرت بفعل حرارة الجو مع مرور الزمن تاركة وراءها طبقة رسوبية ملحية سميكة. ثم شهدت الصفيحة التكتونية الأفروعربية نتيجة انجرافها ومرورها قريباً من القطب الجنوبي، عصراً جليدياً قبل 400 مليون عام.
وشهدت المنطقة العربية لاحقاً المزيد من التثني والتصدع. وغمرت البحار المنطقة مرة أخرى  أوائل العصر الطباشيري (قبل حوالي 130 مليون عام). ثم في المحيط الاستوائي (بحر التيثيس) الذي كان يفصل الصفيحة الأفروعربية عن الصفيحة الأوروبية، ترسبت طبقات سميكة والدولوميت. وهذه الصخور التي تشكلت بين أواخر العصر البيرمي وأواخر العصر الطباشيري هي التي توجد فيها الآن مخزونات النفط في الإمارات، والذي تشكل من كميات هائلة من الماد العضوية (طحالب وعضويات مجهرية أخرى) التي ترسبت طبقات فوق أخرى في تلك البحار الاستوائية الدافئة في تلك الأزمان. وفيما كانت تلك الرسوبيات تدفن تحت طبقات أعمق مع الوقت تفككت بفعل الحرارة لتتحول إلى نفط وغاز.
وشهدت مستويات سطح البحر في الحقب التاريخية المبكرة إلى الوسيطة (65-23 مليون عام) ارتفاعات وانخفاضات متعاقبة لسطح البحر مما أدى إلى تغطية المنطقة بمياه استوائية دافئة بشكل دوري قبل أن تصبح المنطقة لاحقاً مستقرة تكتونياً وتبدأ بالانفصال عن إفريقيا على امتداد صدع البحر الأحمر قبل حوالي 25 مليون عام ولا تزال تتحرك حالياً نحو الشمال بمعدل 5 سنتيمترات سنوياً. ومع تقدمها شمالاً وانزلاقها إلى تحت الصفيحة الأوروآسيوية، تشكلت جبال زغروس في إيران. وهكذا أخذ ينغلق مضيق هرمز واختفت الأنحاء الغربية من بحر التيثيس، لتتشكل في الحوض المتراجع بسرعة طبقات سميكة من الرسوبيات الملحية والجصية. وهذا الاصطدام سبب ثنية ضخمة من الطبقات الكلسية في الإمارات والدليل على ذلك تمكن رؤيته في جبل حفيت وجبل فياح.
ثم ارتفع ساحل الإمارات فوق سطح البحر أواخر العصر الميوسيني وأوائل البليوسيني (5-2 مليون عام) وامتلأ الخليج العربي بالماء مرة أخرى قبل حوالي 4 ملايين عام. وتؤكد الأدلة الأحفورية على وجود وديان نهرية كبيرة أواخر العصر الميوسيني غرب أبوظبي في سهوب واسعة من السافانا تعيش فيها الفيلة والزرافات ووحيدات القرن وغيرها الكثير من الحيوانات.
 وقبل حوالي 8000 عام سمح تراجع مستوى سطح البحر بهبوب الرمال على أبوظبي من جانب السعودية وهكذا أصبح مناخ شبه الجزيرة العربية أكثر جفافاً على نحو متواصل.
معظم المحيطات فيها سلسلة جبال بركانية على امتداد محورها. وهذه السلاسل في وسط المحيطات مرشحة دوماً لآن تنفصم مشكلة قشرة أرضية جديدة في قاع المحيط ، أو ما تسمى القشرة المحيطية، نتيجة للنشاط البركاني. وهكذا يبدأ جانبا السلسلة الجبلية حول الصدع بالتحرك مبتعدين عن بعضهما وهي العملية التي تسمى تمدد قاع البحر.
في أواخر العصر الطباشيري بدأت تحدث حركة ناتجة عن النشاط البركاني في ذلك الجزء من بحر التيثيس الذي لازال موجوداً شرق كتلة اليابسة العربية. وهذا النشاط هو الذي أدى إلى دفع الصهارة البركانية القاتمة والكثيفة من البراكين تحت البحر إلى الأعلى لتصبح فوق حافة الكتلة العربية مشكلة، إلى جانب الصخور من الطبقة التي تحتها، تلك السلسلة بالغة السماكة من صخور الأوفيوليت التي تشكل الآن النوع الرئيسي للصخور الموجودة في جبال حجر.
وصخور الأفيوليت هذه حاضرة دائماً في مركز التمدد، وتوفر لعلماء الجيولوجيا نافذة نادرة للتعرف منها على أنواع الصخور التي يتكون منها باطن الأرض. كما أن صخور الأوفيوليت في جبال حجر هي الأضخم في العالم حيث تشكل واحدة من أماكن قليلة يمكن فيها دراسة هذه الصخور التي تنتمي إلى القشرة الأرضية البحرية على اليابسة.

شطآن المحيط القديم انثنت وتحولت إلى جبال أيضاً، وهذه هي التلال الكلسية المتضمنة للمستحاثات والتي تفصل بين السهول الحصوية وسلسلة جبال حجر.
عوامل الحت والتعرية من أمطار ورياح أزالت الكثير من قمم الجبال فيما كانت الأمطار الغزيرة تنهمر على الجبال مشكلة ودياناً عميقة على جوانبها وسهولاً حصوية عند سفوحها.

الرمال
الرمال التي تغطي الإمارات من سواحل الخليج العربي وحتى الصحارى القاحلة في الربع الخالي هي نتاج جيولوجي أحدث عهداً من الطبقات الصخرية المختزنة للنفط في كتلة اليابسة العربية القديمة. وهذه الرمال تشكلت بفعل أزمان طويلة من الحت والتعرية في بيئة قاحلة. وهذه الطبقات الرملية تغطي الطبقات الصخرية المختزنة للنفط والغاز والتي لا تظهر على وجه الأرض وإنما نعلم عنها عن طريق الحفر.
تختلف التكوينات الرملية عن بعضها في الإمارات سواء باللون أو بالتكوين الكيميائي تبعاً لمصدرها.
في المناطق القريبة من البحر تكون الرمال بيضاء حيث تتشكل من كربونات الكالسيوم الناتجة عن الرسوبيات الكربونية وأصداف البحر والحيود المرجانية.
وحين نتعمق أكثر في قلب اليابسة تكون الرمال عبارة عن بلورات كوارتزية وهي عبارة عن المنتج النهائي المستقر كيميائياً لمعظم أنواع الصخور. وتكتسب هذه الرمال ألواناً مختلفة تبعاً للشوائب التي يتضمنها تشكيلها البلوري. وعلى سبيل المثال ينتج اللون الأحمر للرمال عن وجود ثاني أكسيد الحديد في الكوارتز.
أما الرمال السوداء فتنتج عن الصخور البركانية في جبال حجر. وهناك نوع فريد من الرمال البيضاء ذات الشكل الكروي الكامل من النوع الكلسي تتشكل في ممرات المد والجزر بين الجزر. 

الكثبان الرملية
من ناحية المبدأ تتشكل الكثبان الرملية وفق قوة واتجاه الريح التي تأتي بالرمال معها. ولكن حين نأخذ بالحسبان التفاصيل الدقيقة للعملية، نكتشف أننا لا نعرف الكثير عن عملية تشكل الكثبان الرملية.
 
وتتراوح أحجام الكثبان الرملية بين تلك التي تقاس بالأمتار والعملاقة التي تشكل جروفاً تصل إلى عدة كيلومترات طولاً. هذا إضافة إلى العروق التي تتباين طولاً بين بضع سنتيمترات ومئة سنتيمتر.

هناك ثلاثة أشكال رئيسية للكثبان الرملية تتكون وفق قوة واتجاه الريح ونوع الرمال في المنطقة.

الكثبان الهلالية تأخذ شكل هلال مع جانب محدب شديد الانحدار في الجانب غير المواجه للريح وجانب مقعر أقل انحداراً في الجانب الذي تهب منه الريح. وهذه الكثبان تتشكل غالباً في المناطق التي تقل فيها الرمال نسبياً وتمكن رؤيتها في السهول الحصوية والمسطحات الملحية.
أما الكثبان العرضية فهي امتدادات من التلال الرملية التي تتعامد مع اتجاه هبوب الريح. وتكون هذه الكثبان متوازية مع بعضها الواحد تلو الآخر وتفصل بينها مسطحات من الرمال. وفيها أيضاً يكون الجانب غير المواجه للريح شديد الانحدار فيما الجانب المواجه للريح قليل الانحدار. ومعظم الكثبان في الإمارات هي من هذا الشكل وبعضها شديد الارتفاع (حتى 150 متر) مثل تلك التي في صحراء ليوا.

وأخيراً هناك الكثبان الطولية، أو التي تدعي بكثبان السيف،التي تمتد متوازية مع اتجاه الريح. الطريقة التي تتشكل فيها هذه الكثبان غير واضحة تماماً، ولكن يعتقد أنها تشكلت خلال العصر الجليدي الأخير حينما كانت الرياح أقوى بكثير مما هي عليه الآن. ولا توجد هذه الكثبان في الإمارات سوى في أقصى الجنوب الغربي من البلاد ومن هناك تمتد نحو عمق الربع الخالي.
الصحارى في وسط وغرب الإمارات فيها كثبان رملية طولية قديمة غربية شرقية بشكل أو بآخر. إلى وجود نمط أحدث عهداً يتموضع فوقها بامتداد شرقي غربي.
وبطبيعة الحال من الممكن وجود أكثر من شكل للكثبان الرملية في المكان الواحد بحيث يصعب تحديد أي من الأشكال هو.
تشكلت كبرى الكثبان الرملية في الإمارات خلال آخر عصر جليدي عرفته الأرض، قبل حوالي 1800 عام من الآن. حينها ساهمت جبال الجليد في ظهور الكثبان نتيجة للرياح القوية التي كانت تهب في المنطقة الضيقة بين الجبهة الجليدية وخط الاستواء. كما أن انخفاض مستوى سطح البحر نتيجة تجمد المياه في ذلك العصر قد سبب جفاف الخليج العربي معرياً بذلك الكميات الهائلة من الرسوبيات في قاعه مما جعل الرياح تحملها معها.

اتجاه الرياح السائد في الإمارات حالياً هو من الشمال الغربي، وبالتالي فإن الكثبان الرملية النشطة غالباً ما تكون ممتدة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي فيما الجانب المنحدر للكثبان يواجه الجنوب الغربي.
في غرب إمارة أبوظبي هناك منطقة وجدت فيها أنهار في منطقة سافانا مدارية خلال الحقبة الميوسينية (6-8 ملايين عام قبل الآن). وهناك يمكن العثور على مستحاثات لكثير من الحيوانات والنباتات التي لم تعد موجودة في الإمارات الآن وذلك في المنطقة التي تعرف باسم تشكيل بينونة. وقد قام علماء الجيولوجيا هناك بأبحاث مكثفة أحدثه كان برعاية مشروع المسح الأثري لجزر أبوظبي وهيئة البيئة في أبوظبي. وعثر خلال هذه الدراسات على 51 مستحاثة بعضها لقرود وأفراس النهر وتماسيح وفيلة. ووجود مستحاثات لهذه الفيلة ذات الأصل الإفريقي هي دليل على وجود معبر بري بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية حتى خمسة ملايين عام مضت.

أما في شرق البلاد فيمكن العثور على مجموعة مختلفة تماماً من المستحاثات وذلك في سلسلة الجبال ذات التشكيل الثلثي الممتدة بالتوازي السفوح الغربية لجبال حجر. وهذه المناطق كانت شطآناً قبل أن تنثني وترتفع بفعل تمدد قاع البحر نتيجة للنشاط البركاني في قاع المحيطات.
أماكن عديدة مثل جبل بوحيص وجبل الحوية وجبل فياح، وهي كلها نتاجات لما يعرف باسم تشكيل سمسمة، تتضمن مستحاثات متنوعة لمخلوقات مثل قنافذ البحر وبطنيات الأقدام والأصداف ذات المصراعين. ومن بين 45 نوعاً من قنافذ البحر التي عثر على مستحاثاتها في تشكيل سمسمة، هناك 14 لم يسبق للعلماء أن عرفوها من قبل ولهذا فقد أطلقت عليها أسماء الأماكن التي وجدت فيها أو أسماء الأشخاص الذين عثروا عليها (على سبيل المثال قنفذ هيترودياديما بوحيصينسيس وقنفذ كوديوبسيس ليمانيا- والأخير سمي كذلك على اسم صديق لكاتبة هذه السطور).
أحد بطنيات الأقدام التي عثر على مستحاثاتها هو أكتيونيليد الذي انقرض قبل أكثر من 50 مليون عام وتوجد مستحاثاته بأعداد كبيرة أحياناً في المنطقة. ومن المخلوقات البحرية الأخرى هناك الصدفة المصراعية الغريبة ذات الشكل المخلبي والتي انقرضت نهاية الحقبة الطباشيرية، قبل حوالي 70 مليون عام.
جبل حفيت هو الأكبر بين هذه الجبال الحاملة للمستحاثات ويرتفع 1300 متر فوق سطح البحر ويوجد إلى الجنوب مباشرة من مدينة العين راسماً الحدود بين الإمارات وعمان. وتمكن رؤيته بسهولة من الفضاء. من الأسفل يبدو للناظر مثل "حوت على الشاطئ" مثلما وصفه ويلفريد ثيسجر ذات مرة. وفيما ينحدر سفحه الغربي بزاوية تتراوح بين 25 و30 درجة نجده على الجانب الشرقي أكثر انحداراً بكثير. ويحظى جبل حفيت باهتمام خاص من دارسي الجيولوجيا لأن قشرته الخارجية متآكلة بحيث تكشف عن كل الطبقات الأرضية المكونة له بسهولة من على السطح.
وبلغة الجيولوجيين يقدم جبل حفيت نمطاً محلياً لتشكيلين جيولوجيين رئيسيين: تشكيل حفيت وتشكيل سينا. التشكيلان غنيان بمستحاثات البلانكتون الذي يعيش في عمق البحر ويدعى فورانيميرا. وعند سفح الجبل قريباً من المكان الذي يمر به الطريق من فجوة صناعية، تمكن مشاهدة مستحاثات المرجان والمحار والرخويات الأخرى وعلى نحو أقل قنافذ البحر وهدبيات الأرجل وأطراف السرطانات. ومن المستحاثات التي يختص بها الجبل هناك النوموليت. وهي تأخذ شكل قطع صخرية رقيقة ومدورة بحجم العملة المعدنية وغالباً ما تكون مقوسة نوعاً ما وحين تكسر تبدو في مقطعها بنية واهية من خطوط مدورة وطولية. وهذا النوموليت هو بقايا عضويات وحيدة الخلية منقرضة حالياً.
والإمارات لا تثير اهتمام الجيولوجيين لكونها مكان مميز للعثور على المستحاثات فحسب، بل ولدراسة الصخور والخامات المعدنية أيضاً. ففي جزيرة صير بني ياس، اندفعت كتلة ملحية من النواة الداخلية للأرض إلى السطح حاملة معها صخوراً موغلة في القدم من باطن الأرض. وتمكن مشاهدة (بل ولمس) إحدى هذه الصخور التي تعود إلى 620 مليون عام مضت في متحف الشارقة للتاريخ الطبيعي.
 
وفي جبال حجر، تكثر الصخور الجميلة والملونة التي تثير اهتمام الباحثين مثل الشرت الصواني والميكا والكوارتز والغرانيت والكالسيت. وكان النحاس متوفراً بكميات كبيرة كافية لتعدينه، وهذا ما أعطى المنطقة شهرتها أيام البرتغاليين. وكان هذا الخام يوضع عادة في الأواني الفخارية ذات القاعدة المدورة الصغيرة، ثم يتم تسخين الأواني لحرارة عالية تكفي لصهر النحاس وجمعه من القعر بكسر الإناء بعد تبريده بحيث يمكن الحصول على الصبة النحاسية فيه. ويمكن الآن العثور على بقايا حفر مناجم النحاس وتلال بقايا خام النحاس بعد تعدينه في مختلف أرجاء جبال حجر.
 
إن أولئك الذين يتمتعون بالبصيرة الكافية لمشاهدة الطبيعة يستطيعون أن يجدوا في كل ناحية وركن من الإمارات مفاجآت جديدة وفرصاً لاكتشاف أشياء لم تكن معروفة من قبل أحياناً.       
 

 

 

 

أعلى


 

 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289