بصراحة، لا تبارحني فكرة أن هناك عقلاً مدبّراً يخطّط لإضعاف #مصر وإحداث شرخ بين المصريين وشعوب #الخليج العربي. وأخشى من أن المؤامرة تسلك طريقها نحو النجاح، وإذا لم نتوخَّ الحذر، سوف تؤتي ثمارها قريباً. لا يسعني سوى التكهّن حول هوية الجهة التي تحرّك الخيوط في الخفاء.
يجب كبح جماح الخلافات بين #القاهرة ومجلس التعاون الخليجي قبل أن يحدث الشقاق بينهما – لأن ذلك سيكون كارثةً ذات أبعاد تاريخية تنذر بانهيار العالم العربي الذي يعاني حالياً من التفكّك.
من شأن مجلس التعاون الخليجي أن يخرج سليماً من الأزمة من دون تداعيات تُذكَر بفضل قوته الاقتصادية والعسكرية. لكن لا يمكن قول الشيء نفسه عن #مصر التي تحمل على كاهلها مسؤولية ما يقارب المئة مليون نسمة والعدد في تزايد، والتي تلقي احتياجاتها الأساسية بضغوط على اقتصاد البلاد الهش. ينبغي على #مصر الامتناع عن اتخاذ خطوات قد تتسبّب بنفور بينها وبين أصدقائها الحقيقيين في مجلس التعاون الخليجي.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب صديقان تحرّكهما مصالحهما الشخصية والآنية ولن يترددا في التخلي عن #مصر في الأزمنة العصيبة. لا يقرّ أي من الجانبَين رسمياً بوجود خلاف، لكن لا يمكن التظاهر بأنه ليس هناك فتور في العلاقات بعد الحماسة الشديدة التي سادت عندما أطلق الفنان الإماراتي حسين الجسمي أغنيته "بُشرة خير" احتفاءً بالشعب #المصري والتي انتشرت بكثافة عبر موجات الأثير، وعندما بادر قادة #الخليج بكل طيبة خاطر إلى منح الأموال لمساعدة المصريين على تجاوز محنتهم، بدافع مشاعر الحب الأخوي الخالص لهذا البلد الذي وصفه العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بأنه "أكبر من أن يفشل".
لا شك في أن هناك بعض الخلافات في السياسات، لا سيما في ما يختص بالمسألة السورية، وصحيحٌ أنه لدى #مصر ودول #الخليج أولويات متباينة في موضوع التهديدات الوجودية. فالمعركة الأساسية التي تخوضها #القاهرة هي ضد الإرهاب والأيديولوجيات المتطرفة، في حين أن مجلس التعاون الخليجي يضع #إيران وعملاءها في صدارة قائمة الأعداء الخطيرين، وهو محق تماماً في ذلك.
التعهّد الذي أطلقه الرئيس #المصري عبد الفتاح السيسي بإعادة جزيرتَي تيران وصنافير في البحر الأحمر إلى #السعودية، والذي تأخّر تنفيذه بسبب الاحتجاجات العامة والتحدّيات القانونية، مسألة حسّاسة أخرى، إلا أنه من المطمئن أن الحكومة ومجلس النواب المصريَّين صادقا على تسليم الجزيرتَين إلى المملكة العربية #السعودية والتنفيذ رهن صدور حكم بهذا الخصوص عن المحكمة الإدارية العليا في البلاد.
لكن يجب ألا يُسمَح بأن تؤدّي تلك الخلافات التي انبثقت من ظروف متفاوتة، إلى تفريقنا في حين أنه تجمع بيننا مصالح مشتركة كثيرة وتاريخٌ عريق من الأخوّة والاحترام المتبادل.
لطالما لقي مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي ترحاباً وحفاوة في #مصر. لقد زرتها مرات عدة في الأعوام الأخيرة، وأشعر دائماً بأنني في دياري أتقاسم الخبز مع أصدقاء أعزّاء أعرفهم منذ السبعينيات، وبعضهم قلقون بقدري من أجواء التشنّج بين #مصر ودول #الخليج. يشعرون بالأسى الشديد فيما يتفرّجون بعجزٍ على تدهور العلاقات بين بلداننا الذي طرأ فجأةً بين ليلة وضحاها.
ليست هناك مشاعر ضغينة على مستوى الأفراد، على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام تسعى بطريقة غير مسؤولة إلى تأجيج العداوة بدلاً من العمل على رأب المشكلات الصغيرة المتصوَّرة. يصرّ كتّاب المقالات على الحديث عن إساءات للعزّة الوطنية، ويعمل مقدّمو البرامج الحوارية على إلهاب المشاعر والانفعالات.
من المؤكد أنه لن يكون أحد رابحاً في حال خرج هذا الخلاف عن السيطرة. فكرة الطلاق ليست واردة على الإطلاق. تحتاج #مصر إلى خبراتنا، ودعمنا الديبلوماسي، واستثماراتنا بقدر ما نرغب نحن في أن تكون دولة قوية ومستقرة.
فكّروا ملياً في الأمر! لقد خسرنا #بغداد ودمشق وبيروت أمام النفوذ الفارسي. نخوض معارك دامية لإنقاذ صنعاء، ونقدّم خلالها تضحيات هائلة. هل ترغب #مصر جدياً في عزل نفسها عنّا من أجل كسب الودّ الروسي و/أو الإيراني؟ هذا هو الكابوس الذي أخشاه، أن تقع دولة عربية أخرى تحت السيطرة الإيرانية، وهو ما يمكن أن يحدث في حالة #مصر إذا وجدت نفسها في ضائقة مادّية شديدة. أليس هذا بالضبط ما يصبو إليه أعداؤنا – تفكّك العالم العربي وانهياره؟
أتصوّر البهجة العارمة التي سيشعر بها الأئمة في قم، أو اليمينيون في الكنيست الإسرائيلي، أو المحافظون الجدد في الكونغرس الأمريكي، وهم يتفرّجون علينا نسدّد الضربات لأمننا المشترك؛ بعبارة أخرى نقوم بالمهمة بدلاً عنهم.
ينبغي على جميع الحكومات المعنية أن تضغط بشدة على المكابح للحؤول دون حدوث تصعيد في الأقوال أو الأفعال. فمن أجل معالجة المشكلات، الحاجة هي إلى قلوب مفتوحة، وعقول منفتحة، وحوار صريح ومباشر بين رؤساء الدول بهدف إعادة ضبط العلاقات، ليس فقط بدافعٍ من البراغماتية إنما أيضاً لأن هوياتنا مترابطة انطلاقاً من رابط ثقافي متين لا ينفصم.
لا يمكنني أبداً أن أنسى أساتذتي المصريين الذين ساهموا في قولبة عقلي الفتيّ أو شعور العزّة والفخر بهويتي العربية الذي كان يراودني عند الاستماع إلى خطب الرئيس جمال عبد الناصر الأسبوعية عبر الإذاعة، ذلك الرجل الذي ألهمنا كي تبقى رؤوسنا مرفوعة ونفوسنا مستقلّة عندما كانت تلك الرؤوس والنفوس على وشك أن تُسحَق تحت الأقدام. مهما حاولنا، لا يمكننا أن نمحي من ذاكرتنا الجماعية أغاني أم كلثوم أو عبد الحليم حافظ.
من شأن قطع العلاقات أن يتسبّب بالمشقات والصعوبات لمصر. حدث ذلك سابقاً عندما وقّع الرئيس #المصري أنور السادات سلاماً مع #إسرائيل، ما أثار غضباً عارماً وكانت النتيجة نقل مقر جامعة الدول العربية من #مصر إلى #تونس. أنا على يقين من أن المصريين سيشعرون بالندم، بعدما وقفت بلادي، الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب #القاهرة في السرّاء والضراء، تماماً كما فعلت #السعودية والكويت والبحرين تقليدياً.
كلّي أملٌ بأن يسود أصحاب العقول المتّزنة لوضع حد لمؤامرات أعدائنا. يجب ألا نسمح لأحد أبداً بزرع التفرقة بيننا من أجل تحقيق مآربه عملاً بمبدأ "فرّق تسد". فمن خلال المسامحة والتفهّم المتبادل لمخاوف الطرف الآخر، وبمعونة الله سبحانه وتعالى، سوف نمضي معاً نحو الأمام لرفع التحدّيات التي يخبّئها لنا المستقبل.