لقد أكّد نبيه بري، زعيم حركة "أمل" الشيعية اللبنانية الذي يتولى رئاسة مجلس النواب اللبناني منذ عام 1992، الشكوك التي لطالما راودت عدداً كبيراً من اللبنانيين. فبدلاً من أن يكون مسؤولاً رفيعاً يمثّل مختلف الطوائف والمذاهب ووسيطاً محترماً بين "حزب الله"، عميل إيران المتشدد في #لبنان، و فريق 14 آذار / تيار "المستقبل"، وصم راية "حزب الله" على جبينه بطريقة واضحة وصريحة يستحيل محوها.
ففي خطاب ألقاه بري أمام الآلاف يوم الأربعاء 31 أغسطس في الذكرى السنوية لتغييب الإمام موسى الصدر، أحد مؤسّسي حركة "أمل"، ورفاقه في #ليبيا قبل 38 عاماً، استمعنا إلى عرض العضلات المعتاد ضد إسرائيل، وكان الخطاب منحازاً جداً إلى درجة خُيِّل إلينا أن أمين عام "حزب الله"، حسن نصرالله، هو مَن كتبه.
في حين انتقد بري الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي على "أسوأ أنواع الخطف..."، أعرب عن اعتقاده بأن الصدر، المولود في مدينة قم الإيرانية عام 1928، لا يزال حياً. إذا كان يصدّق ذلك فعلاً، لا بد من طرح علامات استفهام حول قدراته العقلية؛ لكنه سعى على الأرجح إلى إرضاء الحشود عبر إيهامها بأن المؤسّس سيظهر ذات يوم مع لحية تصل حتى ركبتَيه.
لقد نُسِجت مجموعة من نظريات المؤامرة حول اختفاء الإمام، وكل واحدة منها أكثر غرابةً من سابقتها. عام 2008، وجّه #لبنان أصابع الاتهام إلى القذافي، لكن #ليبيا أنكرت الاتهامات مؤكّدةً أن الصدر وأعضاء الوفد المرافق له غادروا البلاد على متن طائرة متوجّهين إلى روما مع التلميح إلى أنه ربما وقع ضحية صراع شيعي على النفوذ. تبدو هذه النظرية أكثر منطقية من القول بأن الصدر الذي كان ليبلغ الآن 88 عاماً، مختبئ في مكان ما أو مسجون، أو أن القذافي قتله على خلفية اختلافات فقهية في الرأي.
كان القذافي غريب الأطوار، لكنه لم يكن كيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، الذي ينفّذ حكم الإعدام بحق المسؤولين في بلاده لمجرد جلوسهم مترهّلين في كراسيهم. لم يكن لدى الزعيم الليبي أي دافع للتخلص من الصدر. الأجدى بحركة "أمل" أن تبحث في عقر دارها لمعرفة مَن هي الجهة المستفيدة من اختفاء زعيمها السابق.
ما يقلقني أكثر هو تأييد بري للدعوة التي أطلقها "حزب الله" من أجل إنشاء نظام سياسي جديد يقوم على التمثيل النسبي، ما يعني ضرب عرض الحائط بـ"اتفاق الطائف" الذي يفرض توزيع المقاعد في مجلس النواب اللبناني بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين مع تعزيز صلاحيات رئيس الوزراء السنّي على حساب رئيس الجمهورية الماروني.
يعاني #لبنان من الركود السياسي، ورئاسة الجمهورية شاغرة بسبب تمسّك "حزب الله" بوصول ميشال عون، الرئيس السابق لـ"التيار الوطني الحر" الذي يُعتبَر رأس الحربة في فريق 8 آذار والذي وقّع مذكرة تفاهم مع الحزب.
لطالما ردّدتُ بأنه ينبغي على #لبنان التخلص من نظامه الطائفي البائد الذي ورثه عن المحتل الفرنسي؛ وفي معظم البلدان في العالم – لا سيما تلك التي لا تعاني من مشكلات مذهبية – يُعتبَر التمثيل النسبي الذي يمنح الأحزاب السياسية مقاعد في البرلمان بالتكافؤ مع التصويت الشعبي، عملياً وناجحاً. غير أن الخطر الحقيقي بالنسبة إلى السنّة والمسيحيين والدروز في #لبنان هو أنه بإمكان "حزب الله" وحلفائه السياسيين أن يحصدوا، على مستوى البلاد ككل، ما يزيد عن نصف الأصوات فيحصلون على أكثر من خمسين في المئة من المقاعد في مجلس النواب.
قال نبيه بري: "النسبية هي العلاج الأنجع لآفاتنا الوطنية، والآلية التي يمكن أن تنقلنا إلى المواطنية بدلاً من الانعزال والتعصب". ما يقصده هو أنه من شأن تسليم السيطرة إلى "حزب الله" وحركة "أمل" وحلفائهما أن يؤدّي إلى إسكات المعارضين.
يتناقض تمسكّه بالتمثيل النسبي مع الالتزام الذي كان قد قطعه عام 2014 عندما طمأن اللبنانيين آنذاك: "لن يتغير تقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين في #لبنان في أي ظرف من الظروف"، زاعماً أنه يتحدث باسم #الشيعة والسنّة والدروز.
من الجوانب المقلقة الأخرى في خطاب بري الانفعالي التهديد الذي أطلقه ضمناً بزعزعة الاستقرار الهش أصلاً في #لبنان إذا لم تسر الأمور كما يشاء هو.
قال بري: "دعونا نوقف العبثية السياسية... في وجه القوى التي تواصل انقلابها على الحياة السياسية"، مضيفاً: "سنلجأ إلى سلطة الشعب إذا دعت الحاجة". القوى التي يتحدث عنها هي الأحزاب السياسية التي تعترض على وصول عون إلى سدّة الرئاسة، ويبقى السؤال ماذا يقصد بـ"سلطة الشعب" بالمقارنة مع قرار الشعب الذي يمكن تفسيره بأنه يُقصَد به الاستفتاء الشعبي؟
يفتقر هذا الكلام إلى الشفافية. هل يتحدث عن احتجاجات مشروعة في الشوارع أو عن ليّ الأذرع من خلال الاستعانة بالميليشيات الشيعية المسلّحة؟ إذا كان المقصود لي الأذرع، فهو يثير بذلك شبح الحرب الأهلية، وهذا آخر ما يحتاج إليه #لبنان على ضوء الانقسامات في البلدان المجاورة التي كانت بمثابة دعوة مفتوحة لدخول تنظيم "الدولة الإسلامية" وسواه من المجموعات الإرهابية المتطرفة إلى الأراضي اللبنانية.
التهديدات التي وجّهها بري إلى إسرائيل لن تقضّ مضجع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو وتجعله يرتجف خوفاً، لكن كان من الضروري إثارة المسألة كمدخل لتجديد التزامه بما يُسمّيه "المعادلة الماسية" في بلاده – أي الالتزام بدولة قوامها الجيش-الشعب-المقاومة ["حزب الله"/ميليشيا "أمل"].
قال بري: "نزع سلاح المقاومة قبل إزالة التهديد الإسرائيلي هرطقة"، وهذا الكلام يعني فعلياً أن ذلك لن يتحقق أبداً. لن تختفي إسرائيل في القريب العاجل، وما دام #لبنان خاضعاً لسيطرة كيان مسلّح مدعوم من إيران، غالب الظن أن السلام لن يتحقق في حياتنا ولا في حياة مَن سيأتون بعدنا.
أصبح "حزب الله" وحركة "أمل" واحداً. يتشارك بري ونصرالله العرش بتكليف من طهران. في يوليو الماضي، ناشد بري السعودية وسواها من الدول العربية "تصحيح" علاقاتها مع إيران التي وصفها بأنها ضرورة اقتصادية. ووجّه أيضاً انتقادات لاذعة إلى المملكة العربية السعودية لقيامها بتعليق المساعدات إلى الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي المخترَقة من "حزب الله"، ولفرضها عقوبات على شركات وأفراد على صلة بالحزب.
لقد تصرّفت الرياض بالطريقة المناسبة. في أبريل الماضي، توجّه رجل الدين الشيعي العراقي المثير للجدل مقتدى الصدر، الذي يتولى رئاسة تنظيمَين ميليشياويين، إلى بيروت حيث اجتمعا بنصرالله.
وبحسب الوكالة الوطنية للإعلام في #لبنان، وصل مقتدى الصدر إلى بيروت يوم الأربعاء الماضي. يبدو أن هذه الزيارة تتزامن أيضاً مع وصول وفد حوثي رفيع المستوى كان قد توجّه قبل بضعة أيام إلى بغداد حيث التقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي اعترف بهم "ممثّلين عن #اليمن"، ومارس ضغوطاً عليه.
وكذلك التُقِطت صور للزوار الحوثيين في العراق مع زعيم "كتائب الإمام علي" وهو يضحك مهدّداً بسحق السعوديين وتحويلهم هباءً منثوراً. يشير تقرير غير مؤكّد إلى أن الصدر والوفد الحوثي يعقدان لقاءات مع نصرالله في جنوب #لبنان برفقة أعضاء من ميليشيات "الحشد الشعبي" العراقية. من الواضح أن #لبنان تحوّل رسمياً إلى موئل إيراني للمجرمين #الشيعة الذين يشنّون حرباً ضد السنّة.
ما دام المسؤولون الإيرانيون يطلقون الشتائم بحق السعوديين ويتباهون بسيطرة إيران على العواصم العربية، ومنها بيروت، لن يكون هناك انفراج في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران قبل أن يبدأ الأئمة الإيرانيين بالتصرف من موقع الجيران الصالحين وليس من موقع المعتدين.
انتُخِب بري في مطلع العام الجاري رئيساً للبرلمان العربي – الذي أُنشئ في إطار الجامعة العربية ليكون صوت المواطنين العرب العاديين – لمدّة ثلاث سنوات. هو لا يستحق هذا المنصب لأن ولاءاته ليست للعرب بل للإيرانيين.
في يونيو، كتب الصحافي إميل خوري: "تواصل إيران خطتها من أجل التسبب بفراغ سياسي شامل في #اليمن" بهدف شلّ الدولة كي يصبح بإمكان "حزب الله" السيطرة عليها؛ قد يكون محقاً تماماً في كلامه، ويبدو أن بري يمهّد الطريق لتنفيذ المخطط.
بعدما لف بري نفسه بعلم "حزب الله"/العلم الإيراني، أعتقد أن الوقت قد حان ليصنّفه مجلس التعاون الخليجي بأنه "شخص غير مرغوب فيه". يجب منعه من زيارة الدول الأعضاء في المجلس ومن المشاركة في الاجتماعات التي تُعقَد بين ممثلين عن #لبنان ودول الخليج على المستويات كافة.
أشعر بأسى عميق حيال الشعب اللبناني وأقلق على مصير وطنهم، هذا البلد الذي استحوذ على فؤادي منذ أول زيارة قمت بها إلى هناك في مطلع السبعينيات. بانتظار أن يجد الشعب اللبناني طريقة لانتزاع بلاده من المخالب الإيرانية، ستستمر الغيوم الداكنة التي تحول دون ازدهار #لبنان سياسياً واقتصادياً وديبلوماسياً في التعتيم على مستقبله. بالنسبة إلي، أنا الذي أمضيت في السابق أياماً رائعة في #لبنان خلال فصل الصيف، وآمنت بشعبه، واحتفلت بنجاحاته، ولم أتردّد في الاستثمار في مستقبله، ما يجري هو واحد من أتعس الوقائع في حياتي!