الخميس، 05 ديسمبر 2024

المحور التركي الروسي الإيراني يشكل تهديداً خطيراً

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

الرئيس التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬#أردوغان‭ ‬الذي‭ ‬أصدر‭ ‬أوامره‭ ‬بإسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬حربية‭ ‬روسية‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬نوفمبر‭ ‬الماضي‭ ‬ووجّه‭ ‬وابلاً‭ ‬من‭ ‬الإهانات‭ ‬إلى‭ ‬نظيره‭ ‬الروسي،‭ ‬يسمّي‭ ‬الآن‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬#بوتين‭ "‬صديقه‭ ‬العزيز‭".‬

لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬#بوتين‭ ‬يبتسم‭ ‬في‭ ‬سرّه،‭ ‬لكنه‭ ‬يلعب‭ ‬لعبة‭ ‬الصداقة‭ ‬المثيرة‭ ‬للضحك‭ ‬هذه‭ ‬لأنها‭ ‬تصبّ‭ ‬في‭ ‬مصلحته‭. ‬فهو‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬احتضان‭ ‬الأتراك‭ ‬له‭ ‬يؤدّي‭ ‬إلى‭ ‬تشنّج‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أنقرة‭ ‬وحلفائها‭ ‬الغربيين‭. ‬وبحسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظره،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬حلف‭ ‬شمال‭ ‬الأطلسي‭ (‬الناتو‭) ‬يمثل‭ ‬نقطة‭ ‬إيجابية‭ ‬لمصلحته‭.‬

يدرك‭ ‬الثعلب‭ ‬الروسي‭ ‬الماكر‭ ‬بالتأكيد‭ ‬أن‭ ‬انتقامه‭ ‬من‭ ‬#تركيا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بعد‭ ‬حادثة‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬–‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬بنشر‭ ‬نظام‭ ‬صواريخ‭ ‬أرض‭-‬جو‭ ‬متطور‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬والذي‭ ‬يتسبّب‭ ‬بعرقلة‭ ‬الحملة‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬#تركيا‭ ‬ضد‭ ‬المجموعات‭ ‬الكردية‭ ‬–‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬#أردوغان‭ ‬لكسب‭ ‬الودّ‭ ‬الروسي‭.‬

قبل‭ ‬بضعة‭ ‬أيام،‭ ‬وصل‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬التركي‭ ‬مولود‭ ‬جاووش‭ ‬أوغلو‭ ‬إلى‭ ‬#طهران‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إبرام‭ ‬ميثاق‭ ‬تعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬#تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬وروسيا‭ ‬لإنهاء‭ ‬النزاع‭ ‬في‭ ‬#سوريا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬كانت‭ ‬تسلك‭ ‬حتى‭ ‬تاريخه‭ ‬مسارات‭ ‬متناقضة‭ ‬في‭ ‬الملف‭ ‬السوري‭.‬

على‭ ‬غرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬ووزير‭ ‬خارجيته‭ ‬جون‭ ‬كيري‭ ‬اللذَين‭ ‬تفوّق‭ ‬عليهما‭ ‬#بوتين‭ ‬بالحيلة‭ ‬في‭ ‬#سوريا،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬معيب،‭ ‬توقّف‭ ‬#أردوغان‭ ‬عن‭ ‬الإصرار‭ ‬على‭ ‬وجوب‭ ‬رحيل‭ ‬الرئيس‭ ‬السوري‭ ‬بشار‭ ‬#الأسد،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يطالب‭ ‬بانسحاب‭ ‬إيران‭ ‬ومجموعاتها‭ ‬الإرهابية‭.‬

لقد‭ ‬اختفت‭ ‬حماسته‭ ‬للعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬#سوريا‭ ‬حرة‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬نير‭ ‬أحد‭ ‬الأنظمة‭ ‬الأكثر‭ ‬همجية‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر،‭ ‬وحلّ‭ ‬مكانها‭ ‬عزمه‭ ‬على‭ ‬إبادة‭ ‬الأكراد‭ ‬السوريين‭ ‬والعراقيين‭ ‬الذين‭ ‬تجمعهم‭ ‬روابط‭ ‬بـ‭"‬حزب‭ ‬العمال‭ ‬الكردستاني‭" ‬الانفصالي،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الأكراد‭ ‬الذين‭ ‬تمدّهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالسلاح‭ ‬والمشورة‭ ‬لمواجهة‭ "‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭".‬

من‭ ‬قبيل‭ ‬الصدفة‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬ليست‭ ‬صدفة،‭ ‬شنَّ‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬السوري،‭ ‬في‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية،‭ ‬حملة‭ ‬قصف‭ ‬ضد‭ ‬البلدات‭ ‬والمدن‭ ‬الخاضعة‭ ‬لسيطرة‭ "‬وحدات‭ ‬حماية‭ ‬الشعب‭" ‬الكردية‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬البلاد‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬التحذيرات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬قد‭ ‬شُنَّت‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬#تركيا‭.‬

أقل‭ ‬ما‭ ‬يُقال‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المحور‭ ‬الوليد‭ ‬يشكّل‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬كبيراً‭ ‬لحلفاء‭ ‬#تركيا‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬ولأحد‭ ‬أصدقاء‭ ‬#أردوغان‭ ‬المفضّلين‭ ‬الجدد،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭. ‬لقد‭ ‬بذل‭ ‬#أردوغان،‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قصارى‭ ‬جهده‭ ‬لرأب‭ ‬الجسور‭ ‬مع‭ ‬#إسرائيل‭ ‬متراجعاً‭ ‬عن‭ ‬التعهّد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أطلقه‭ ‬بوجوب‭ ‬رفع‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬قبل‭ ‬استئناف‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدَين‭.‬

رحّبت‭ ‬#إسرائيل‭ ‬بالانفراج‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬حليفة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬آلة‭ ‬عسكرية‭ ‬قوية‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬مع‭ ‬أمريكا‭ ‬وبعض‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬والأردن‭ ‬لتطهير‭ ‬#سوريا‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬#الأسد‭ ‬ومن‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬تقاتل‭ ‬إلى‭ ‬جانبه،‭ ‬أي‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬وميليشيات‭ "‬حزب‭ ‬الله‭"‬،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إرهابيي‭ "‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭".‬

لكن‭ ‬الآن‭ ‬بعدما‭ ‬انتقلت‭ ‬أنقرة،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬إلى‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬وانضمّت‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬روسية‭-‬شيعية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬#الأسد‭ ‬في‭ ‬السلطة،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيسدّد‭ ‬ضربة‭ ‬قاضية‭ ‬لتلك‭ ‬الشراكة‭ ‬المتجدّدة‭ ‬مع‭ ‬#إسرائيل‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬تشارُك‭ ‬الاستخبارات‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تدهورت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬#تركيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬أدنى‭ ‬مستوياتها‭ ‬منذ‭ ‬المحاولة‭ ‬الانقلابية‭ ‬الفاشلة‭. ‬تُظهر‭ ‬استطلاعات‭ ‬الرأي‭ ‬أن‭ ‬غالبية‭ ‬الأتراك،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬يتولّون‭ ‬مناصب‭ ‬رفيعة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬ووسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنه‭ ‬إما‭ ‬كانت‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ (‬سي‭ ‬آي‭ ‬أيه‭) ‬على‭ ‬علم‭ ‬بوقوع‭ ‬الانقلاب‭ ‬وإما‭ ‬كانت‭ ‬المحرِّضة‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الداعية‭ ‬والملياردير‭ ‬فتح‭ ‬الله‭ ‬غولن‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬المنفى‭ ‬الطوعي‭. ‬كان‭ ‬قرع‭ ‬طبول‭ ‬الاتهامات‭ ‬مُصِمّاً‭ ‬للآذان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬شعر‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬مضطراً‭ ‬إلى‭ ‬إصدار‭ ‬نفي‭ ‬علني‭ ‬بأنه‭ ‬ليست‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أي‭ ‬علاقة‭ ‬بالأمر‭.‬

يريد‭ ‬#أردوغان‭ ‬رأس‭ ‬عدوّه‭ ‬اللدود‭ ‬على‭ ‬طبق،‭ ‬وإذا‭ ‬رفضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تقديمه‭ ‬له‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬الأدلّة‭ ‬الدامغة،‭ ‬لا‭ ‬يهدّد‭ ‬الرئيس‭ ‬التركي‭ ‬فقط‭ ‬بحدوث‭ ‬تدهور‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدَين،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬بمنع‭ ‬استخدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لقاعدة‭ ‬إنجرليك‭ ‬الجوّية‭ ‬لأغراض‭ ‬عسكرية‭.‬

وقد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬اختبرت‭ ‬واشنطن‭ ‬التي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بأسلحة‭ ‬نووية‭ ‬تكتيكية‭ ‬في‭ ‬قاعدة‭ ‬إنجرليك،‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تترتّب‭ ‬عن‭ ‬إغلاقها‭. ‬ففي‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي،‭ ‬أغلقت‭ ‬أنقرة‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬فوق‭ ‬إنجرليك،‭ ‬وبحسب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬صحيفة‭ "‬جيروزاليم‭ ‬بوست‭"‬،‭ ‬احتُجِز‭ "‬1500‭ ‬عنصر‭ ‬في‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬عائلاتهم‭" ‬داخل‭ ‬القاعدة‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬محتجّون‭ ‬أتراك‭ ‬مناهضون‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يدوسون‭ ‬الأعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الخارج‭. ‬والآن‭ ‬يطالب‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ‭ ‬والمعلقون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬نقل‭ ‬نحو‭ ‬50‭ ‬سلاحاً‭ ‬نووياً‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭ ‬نظراً‭ ‬إلى‭ ‬المخاطر‭ ‬المحدقة‭ ‬بها‭.‬

إزاء‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسلك‭ ‬التطورات‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬مسارَين‭ ‬اثنين‭. ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الانصياع‭ ‬لمطالب‭ ‬#أردوغان‭. ‬من‭ ‬المزمع‭ ‬أن‭ ‬يزور‭ ‬نائب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬أنقرة‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء؛‭ ‬وقد‭ ‬صرّح‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أن‭ ‬تتصدّر‭ ‬قضية‭ ‬غولن‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭ ‬المطروح‭ ‬للنقاش‭. ‬وكذلك‭ ‬سوف‭ ‬يتوجّه‭ ‬مسؤولون‭ ‬من‭ ‬وزارتَي‭ ‬الخارجية‭ ‬والعدل‭ ‬الأمريكيتين‭ ‬إلى‭ ‬#تركيا‭ ‬قريباً‭ ‬لمتابعة‭ ‬التحقيقات‭.‬

تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضاً‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬وجّه‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬انتقادات‭ ‬علنية‭ ‬إلى‭ ‬#تركيا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬نزعتها‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬سلطوية،‭ ‬وحملات‭ ‬التطهير‭ ‬التي‭ ‬تشنّها‭ ‬بلا‭ ‬هوادة،‭ ‬وسعيها‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬العمل‭ ‬بعقوبة‭ ‬الإعدام،‭ ‬كانت‭ ‬عبارات‭ ‬الشجب‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬خجولة‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬معدومة‭.‬

يلمّح‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحوّل‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬#أردوغان‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران‭ ‬هو‭ ‬مؤامرة‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬نفوذ‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والناتو‭. ‬ويقول‭ ‬آخرون‭ ‬إنه‭ ‬يحاول‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬حبل‭ ‬رفيع‭ ‬لأنه‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬أوراقه‭ ‬بالكامل‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬وحلفائها‭ ‬العرب‭ ‬السنّة‭ ‬لكنه‭ ‬حريص‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬التحوّط‭ ‬في‭ ‬رهاناته‭ ‬عبر‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالمعسكر‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬روسيا‭.‬

قبل‭ ‬وقت‭ ‬غير‭ ‬بعيد،‭ ‬كان‭ ‬#أردوغان‭ ‬يحظى‭ ‬بحفاوة‭ ‬شديدة‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬بوصفه‭ ‬قائد‭ ‬بلد‭ ‬شقيق،‭ ‬شخصاً‭ ‬يمكن‭ ‬الوثوق‭ ‬به‭ ‬ليقف‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬السنّي‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تحالفاته‭ ‬الجديدة‭ ‬الغريبة‭ ‬وانعطافاته‭ ‬الصادمة‭ ‬بدأت‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬طعنة‭ ‬في‭ ‬الظهر‭.‬

هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬المقلق،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الفظائع‭ ‬المستمرة‭ ‬التي‭ ‬يتعرّض‭ ‬لها‭ ‬السوريون‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لهم‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬ليست‭ ‬ناجمة‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬قيادة‭ ‬أوباما‭ ‬الضعيفة‭ ‬إنما‭ ‬أيضاً‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬استعداد‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬للوفاء‭ ‬بوعودهم‭ ‬وإنقاذ‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬الديكتاتور‭ ‬وأزلامه‭ ‬في‭ "‬حزب‭ ‬الله‭".‬

لا‭ ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أحصي‭ ‬عدد‭ ‬المقالات‭ ‬التي‭ ‬ناشدت‭ ‬فيها‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬و‭/‬أو‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬قطع‭ ‬رأس‭ ‬الأفعى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أضعافاً‭ ‬مضاعفة‭. ‬ضقت‭ ‬ذرعاً‭ ‬من‭ ‬إصدار‭ ‬التحذير‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬والتي‭ ‬تذهب‭ ‬كلها‭ ‬أدراج‭ ‬الرياح‭. ‬لطالما‭ ‬ردّدت‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ستعقد‭ ‬صفقة‭ ‬كبرى‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال‭ ‬يبدو‭ ‬بعيد‭ ‬المنال‭.‬

بصراحة،‭ ‬نفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬في‭ ‬#سوريا‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬ميليشيات‭ ‬موالية‭ ‬لإيران‭ ‬وتحظى‭ ‬بموافقة‭ ‬الحكومة،‭ ‬بذبح‭ ‬السنّة‭ ‬وتدمير‭ ‬منازلهم‭ ‬وأعمالهم‭.‬

أما‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬جهتها‭ ‬فقد‭ ‬تحلّت‭ ‬بالالتزام‭. ‬قرن‭ ‬#بوتين‭ ‬القول‭ ‬بالفعل‭ ‬موظِّفاً‭ ‬أمواله‭ ‬وسلاحه‭ ‬الجوي‭ ‬تحقيقاً‭ ‬لمآربه،‭ ‬وربما‭ ‬خُدِع‭ ‬#أردوغان‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالجهة‭ ‬التي‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬الفوز‭ ‬سيكون‭ ‬حليفها‭.‬

يقشعرّ‭ ‬بدني‭ ‬إزاء‭ ‬المسار‭ ‬الذي‭ ‬سلكته‭ ‬الأمور‭. ‬يصافح‭ ‬أوباما‭ ‬الأئمة‭ ‬المتآمرين‭ ‬الضالعين‭ ‬في‭ ‬حمام‭ ‬الدم‭ ‬السوري،‭ ‬ويصف‭ ‬السعودية‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬السنّية‭ ‬بالاستغلاليين،‭ ‬وقد‭ ‬اختار‭ ‬سحب‭ ‬المستشارين‭ ‬العسكريين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬التحالف‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬فيما‭ ‬ينظر‭ ‬المشترعون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬لحظر‭ ‬مبيعات‭ ‬الأسلحة‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭. ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المحور‭ ‬التركي‭-‬الروسي‭-‬الإيراني‭-‬السوري‭ ‬فيصبح‭ ‬واضحاً‭ ‬تماماً‭ ‬أن‭ ‬غيوماً‭ ‬تتكدّس‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬وتنذر‭ ‬بعاصفة‭ ‬قوية‭.‬

متى‭ ‬سنتعلّم‭ ‬دروس‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭! ‬إما‭ ‬تُقضَم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬السنّية‭ ‬جغرافياً‭ ‬أو‭ ‬يُلقى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬أتون‭ ‬الصراعات‭ ‬المذهبية‭ ‬أو‭ ‬يجري‭ ‬إضعافها‭ ‬اقتصادياً‭. ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مخطط‭ ‬أكبر‭ ‬لتدمير‭ ‬السعودية‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬ومصر‭ ‬والأردن؟‭ ‬إياكم‭ ‬والاعتقاد‭ ‬أنهم‭ ‬لن‭ ‬يحاولوا‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الآن‭ ‬بعدما‭ ‬ابتعدت‭ ‬#تركيا‭ ‬عن‭ ‬الكتلة‭ ‬العربية‭ ‬السنّية‭ ‬غير‭ ‬الرسمية‭! ‬لا‭ ‬يهتم‭ ‬الغرب‭ ‬سوى‭ ‬بتحقيق‭ ‬مصالحه‭ ‬الخاصة،‭ ‬وبفضل‭ ‬أوباما،‭ ‬حصل‭ ‬الملالي‭ ‬على‭ ‬جرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الزخم‭ ‬والتعويم‭.‬

أخشى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬يحصل‭ ‬تحت‭ ‬المظلة‭ ‬الأمريكية‭. ‬الأمر‭ ‬معقّد،‭ ‬وثمة‭ ‬خفايا‭ ‬كثيرة،‭ ‬لكن‭ ‬الأحجية،‭ ‬غير‭ ‬المكتملة‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬تشير‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاه‭. ‬سوف‭ ‬ينكشف‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭.‬

مجدداً،‭ ‬أناشد‭ ‬قادتنا‭ ‬عدم‭ ‬الوثوق‭ ‬بأحد‭ ‬وعدم‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكنا‭ ‬وتُشاركنا‭ ‬رؤيتنا‭ ‬ومخاوفنا‭. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتحرك‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬الأقرب‭ ‬بطريقة‭ ‬استباقية‭ ‬ديبلوماسياً‭ ‬وعسكرياً‭. ‬ماذا‭ ‬حلّ‭ ‬بالقوة‭ ‬العربية‭ ‬المشتركة‭ ‬مثلاً؟‭ ‬يقول‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬المصري‭ ‬سامح‭ ‬شكري‭ ‬إنها‭ ‬قيد‭ ‬الإنشاء،‭ ‬لكن‭ ‬لماذا‭ ‬تستغرق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬كي‭ ‬تبصر‭ ‬النور؟

كفانا‭ ‬سيراً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬نحو‭ ‬الجحيم‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬تحضيره‭ ‬لنا‭! ‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬تعزيز‭ ‬قدراتنا‭ ‬الدفاعية،‭ ‬وتوحيد‭ ‬جيوشنا،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬الاقتضاء،‭ ‬تجهيز‭ ‬بزّاتنا‭ ‬العسكرية‭. ‬عندما‭ ‬نبدأ‭ ‬بالاعتماد‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬التمسّك‭ ‬بأهداب‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬نصبح‭ ‬نحن‭ ‬وأحبّاؤنا‭ ‬أكثر‭ ‬أماناً‭.‬

 
تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم