الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024

سوء التقدير الغربي ثمنه باهظ جداً

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

مما لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الخطأ‭ ‬الأكبر‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وشركاؤها‭ ‬الأوروبيون‭ ‬هو‭ ‬إهمالهم‭ ‬لسوريا‭. ‬عندما‭ ‬تخلى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬باراك‭ ‬أوباما‭ ‬عن‭ ‬الخط‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وضعه،‭ ‬وأدار‭ ‬ظهره‭ ‬لاحقاً‭ ‬للمعارضة‭ ‬السورية‭ ‬الشرعية‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالجيش‭ ‬السوري‭ ‬الحر،‭ ‬كُتِب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬البؤس‭ ‬الشديد‭ ‬الذي‭ ‬يفوق‭ ‬التصوّر‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تلوح‭ ‬أي‭ ‬نهاية‭ ‬في‭ ‬الأفق‭.‬

يتباهى‭ ‬المسؤولون‭ ‬الأمريكيون‭ ‬بأن‭ ‬تنظيم‭ ‬#داعش‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬هروب،‭ ‬وبأنه‭ ‬يفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬استولى‭ ‬عليها‭ ‬سابقاً‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬والعراق،‭ ‬مضيفاً‭ ‬أنه‭ ‬لهذا‭ ‬السبب،‭ ‬يُصدر‭ ‬التنظيم‭ ‬أوامر‭ ‬لأتباعه‭ ‬بقتل‭ ‬الأمريكيين‭ ‬والأوروبيين‭ ‬عبر‭ ‬استخدام‭ ‬أي‭ ‬سلاح‭ ‬متوفر‭ ‬لديهم‭. ‬يتم‭ ‬ترحيل‭ ‬المشكلة،‭ ‬تماماً‭ ‬كما‭ ‬يحصل‭ ‬مع‭ ‬ملايين‭ ‬السوريين‭ ‬والعراقيين‭ ‬النازحين،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬معالجتها‭ ‬واستئصالها‭ ‬من‭ ‬جذورها‭.‬

شُنَّ‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬غير‭ ‬العادلة،‭ ‬والمفارقة‭ ‬هي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المرة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬فيها‭ ‬حاجة‭ ‬ماسّة‭ ‬إلى‭ ‬التدخل‭ ‬العسكري‭ ‬لإنقاذ‭ ‬مئات‭ ‬آلاف‭ ‬الأرواح‭ ‬والحؤول‭ ‬دون‭ ‬تشريد‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬انكفأ‭ ‬الرئيس‭ ‬أوباما‭ ‬ولم‭ ‬يحرك‭ ‬ساكناً‭.‬

الرابحان‭ ‬الوحيدان‭ ‬هما‭ ‬إيران،‭ ‬الدولة‭ ‬الأولى‭ ‬الراعية‭ ‬للإرهاب،‭ ‬ودميتها‭ ‬السورية‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬تركيا‭ ‬إلى‭ ‬رأب‭ ‬العلاقات‭ ‬معه‭ ‬بعد‭ ‬الانفراج‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬موسكو‭. ‬اللافت‭ ‬أيضاً‭ ‬هو‭ ‬صمت‭ ‬القيادات‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬الفظائع‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬مع‭ ‬خفوت‭ ‬الدعوات‭ ‬المطالِبة‭ ‬برحيل‭ ‬الأسد‭.‬

لو‭ ‬تحلّى‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬بالخصال‭ ‬القيادية‭ ‬وحشد‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬خلفه،‭ ‬لما‭ ‬تدفّقت‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬السوريين‭ ‬إلى‭ ‬الشواطئ‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وعلى‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬العراقيين‭ ‬كانوا‭ ‬ليبقوا‭ ‬موحّدين‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬بوش‭ ‬لم‭ ‬يُقدم‭ ‬على‭ ‬اجتياح‭ ‬#العراق‭.‬

أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬العائلات‭ ‬الفقيرة‭ ‬الهاربة‭ ‬من‭ ‬القصف‭ ‬والجوع‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬شكّل‭ ‬تدفق‭ ‬اللاجئين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬غطاءً‭ ‬للإرهابيين‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تصرفاً‭ ‬حكيماً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬#ألمانيا‭ ‬والنمسا،‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬بلدان‭ ‬أخرى،‭ ‬استقبال‭ ‬اللاجئين‭ ‬بأذرع‭ ‬مفتوحة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إجراء‭ ‬التدقيق‭ ‬اللازم‭.‬

فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬يُلقي‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بمهارات‭ ‬لغوية‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬الحائزين‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬علمية‭ ‬معتمدة،‭ ‬بعبء‭ ‬على‭ ‬اقتصادات‭ ‬البلدان‭ ‬المضيفة،‭ ‬وفي‭ ‬حالات‭ ‬كثيرة،‭ ‬إنهم‭ ‬موضع‭ ‬كره‭ ‬من‭ ‬السكّان‭ ‬المحليين‭ ‬أو‭ ‬يثيرون‭ ‬الخوف‭ ‬لدى‭ ‬هؤلاء‭ ‬السكان‭. ‬يملك‭ ‬المهنيون‭ ‬حظوظاً‭ ‬أكبر‭ ‬بأن‭ ‬يتم‭ ‬استيعابهم‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬لكن‭ ‬سوريا‭ ‬بحاجة‭ ‬إليهم‭ ‬تحديداً‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إعمارها‭.‬

في‭ ‬رأيي،‭ ‬كان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يمكثوا‭ ‬في‭ ‬بلادهم‭ ‬تحت‭ ‬حماية‭ ‬قوات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬والمناطق‭ ‬المحظورة‭ ‬الطيران‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬بإمكانهم‭ ‬العودة‭ ‬بأمان‭ ‬إلى‭ ‬منازلهم‭. ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إنفاق‭ ‬المليارات‭ ‬على‭ ‬اتفاقات‭ ‬مقايضة‭ ‬مع‭ ‬أنقرة‭ ‬وعلى‭ ‬رعاية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأجدى‭ ‬تخصيص‭ ‬تلك‭ ‬المبالغ‭ ‬لإنشاء‭ ‬مناطق‭ ‬آمنة‭ ‬داخل‭ ‬سوريا‭.‬

وصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬ميونخ‭ ‬لقضاء‭ ‬اجازة‭ ‬قصيرة‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬مواطن‭ ‬ألماني‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬إيراني‭ ‬في‭ ‬الثامنة‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬داخل‭ ‬مركز‭ ‬تجاري‭ ‬والتسبّب‭ ‬بمقتل‭ ‬تسعة‭ ‬أشخاص‭ ‬سبعة‭ ‬منهم‭ ‬مسلمون‭. ‬تجوّلت‭ ‬في‭ ‬المدينة‭ ‬مع‭ ‬أصدقائي‭ ‬حيث‭ ‬تأمّلنا‭ ‬المعالم‭ ‬الجميلة‭ ‬والمناظر‭ ‬الرائعة‭ ‬وأُعجِبنا‭ ‬بقدرة‭ ‬ميونخ‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬بهجة‭ ‬العيش‭ ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬عُرِفت‭ ‬بها‭.‬

الألمان‭ ‬شعب‭ ‬هادئ‭ ‬بطبعه،‭ ‬وأبناء‭ ‬ميونخ‭ ‬الودودون‭ ‬مصمّمون‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬السماح‭ ‬لقتلة‭ ‬مجانين‭ ‬بحرمانهم‭ ‬من‭ ‬نمط‭ ‬عيشهم‭ ‬الهانئ‭. ‬لكنني‭ ‬أخشى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهجمات‭ ‬ضد‭ "‬أهداف‭ ‬ناعمة‭" ‬باتت‭ ‬تحظى‭ ‬بالقبول‭ ‬لدى‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وكأنها‭ ‬الحالة‭ ‬السويّة‭ ‬الجديدة‭. ‬هل‭ ‬سيأتي‭ ‬يوم‭ ‬تجفّ‭ ‬فيه‭ ‬الدموع‭ ‬وتتبلّد‭ ‬المشاعر‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬وابل‭ ‬الأخبار‭ ‬السيئة؟

خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬المنصرمة،‭ ‬استأجر‭ ‬فرنسي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬تونسي‭ ‬شاحنة‭ ‬ودهس‭ ‬بها‭ ‬أشخاصاً‭ ‬كانوا‭ ‬يحتشدون‭ ‬في‭ ‬برومناد‭ ‬ديزانغليه‭ ‬في‭ ‬نيس‭ ‬للاحتفال‭ ‬بعيد‭ ‬الاستقلال‭ ‬الفرنسي،‭ ‬وفجّر‭ ‬انتحاري‭ ‬سوري‭ ‬نفسه‭ ‬خارج‭ ‬مهرجان‭ ‬موسيقي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬أنسباخ‭ ‬الألمانية‭. ‬وهاجم‭ ‬لاجئ‭ ‬أفغاني‭ ‬بفأسٍ‭ ‬ركّاباً‭ ‬على‭ ‬متن‭ ‬قطار‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬فورتسبورغ،‭ ‬وكذلك‭ ‬شنّ‭ ‬طالب‭ ‬لجوء‭ ‬سوري‭ ‬هجوماً‭ ‬بالفأس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬رويتلينغن‭ ‬الألمانية،‭ ‬ما‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬امرأة‭ ‬وإصابة‭ ‬خمسة‭ ‬آخرين‭ ‬بجروح‭.‬

مؤخراً،‭ ‬أرغم‭ ‬إرهابيان‭ ‬ينتميان‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬#داعش‭ ‬كاهناً‭ ‬كاثوليكياً‭ ‬على‭ ‬الركوع‭ ‬قبل‭ ‬ذبحه‭ ‬في‭ ‬بلدة‭ ‬سانت‭ ‬إتيان‭ ‬الهانئة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬فرنسا‭. ‬المثير‭ ‬للدهشة‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬المهاجمَين‭ ‬كان‭ ‬يخضع‭ ‬للمراقبة‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬من‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬أمر‭ ‬بهذا‭ ‬الصدد‭.‬

لا‭ ‬مفرّ‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬بالواقع‭: ‬هذه‭ ‬الأفعال‭ ‬الشنيعة‭ ‬ارتكبها‭ ‬أشخاص‭ ‬يدّعون‭ ‬أنهم‭ ‬مسلمون‭. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تصنيف‭ ‬أيٍّ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المخلوقات‭ ‬العديمة‭ ‬الرحمة‭ ‬واللاإنسانية‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬المسلمين‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للكلمة‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجسّده‭ ‬الإسلام؛‭ ‬إنهم‭ ‬منحرفون‭ ‬لا‭ ‬يميّزون‭ ‬بين‭ ‬مسلم‭ ‬وغير‭ ‬مسلم‭ ‬عندما‭ ‬يزرعون‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭.‬

جميعهم‭ ‬تقريباً‭ ‬هم‭ ‬مجرمون‭ ‬وتجّار‭ ‬مخدرات‭ ‬معروفون‭ ‬وليسوا‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الميول‭ ‬الدينية‭ ‬الواضحة‭. ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلث‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لقوا‭ ‬مصرعهم‭ ‬في‭ ‬نيس‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬المسلمين،‭ ‬ويجب‭ ‬ألا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬حياتهم‭ ‬أو‭ ‬بُتِرت‭ ‬أعضاؤهم‭ ‬بسبب‭ ‬الهجمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬أكبر‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬أتباع‭ ‬الأديان‭ ‬الأخرى‭.‬

كل‭ ‬هجوم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬هدية‭ ‬إلى‭ ‬الأحزاب‭ ‬العنصرية‭ ‬المنتمية‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬اليمين‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭. ‬تزداد‭ ‬مشاعر‭ ‬الغضب‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الإخفاقات‭ ‬الأمنية‭.‬

إذا‭ ‬اكتسب‭ ‬اليمين‭ ‬المتشدّد‭ ‬نفوذاً‭ ‬وطبّق‭ ‬أجنداته‭ ‬المثيرة‭ ‬للانقسام،‭ ‬سينقلب‭ ‬السكان‭ ‬بعضهم‭ ‬على‭ ‬بعض‭. ‬وفرنسا‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬شعبية‭ ‬الرئيس‭ ‬هبوطاً‭ ‬شديداً،‭ ‬معرّضة‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬خاص‭ ‬لقيام‭ ‬السياسيين‭ ‬باستغلال‭ ‬مشاعر‭ ‬الخوف‭ ‬والكراهية‭.‬

إذاً‭ ‬هل‭ ‬مواطنو‭ ‬الدول‭ ‬المتضررة‭ ‬محقّون‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬السلطات؟

غنيٌّ‭ ‬عن‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬الملامة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬الفاعلين‭ ‬وأسيادهم‭ ‬ومموّليهم‭ ‬ومجنّديهم‭. ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬يرتكبونها‭ ‬لا‭ ‬تُغتفَر،‭ ‬وفيها‭ ‬إساءة‭ ‬كبيرة‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬الاسلامي‭.‬

بيد‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬شكّلت‭ ‬عاملاً‭ ‬مساهِماً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬المسمومة،‭ ‬ما‭ ‬يعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬المرحلة‭ ‬السابقة‭ ‬عندما‭ ‬احتضنت‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‭ (‬سي‭ ‬آي‭ ‬أيه‭) ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الغربية‭ ‬جماعة‭ "‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭" ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬وأطاحت‭ ‬بمحمد‭ ‬مصدق،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬المنتخَب‭ ‬ديمقراطياً‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وتخلّت‭ ‬عن‭ ‬الشاه،‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬الخميني‭ ‬من‭ ‬المنفى‭.‬

خلال‭ ‬الثمانينات،‭ ‬درّبت‭ ‬الـ‭"‬سي‭ ‬آي‭ ‬أيه‭" ‬المقاتلين‭ ‬العرب‭ ‬لمحاربة‭ ‬السوفيت‭ ‬في‭ ‬أفغانستان،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬تُتَّهم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وحلفاؤها‭ ‬بإقامة‭ ‬تحالفات‭ ‬مشبوهة‭ ‬مع‭ ‬المتشدّدين‭. ‬لقد‭ ‬أجّجت‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬والعراق‭ ‬التعصّب‭ ‬المذهبي‭ ‬ومشاعر‭ ‬العداء‭ ‬للغرب‭.‬

تسبّبت‭ ‬الهجمات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بواسطة‭ ‬الطائرات‭ ‬بدون‭ ‬طيار،‭ ‬بمقتل‭ ‬آلاف‭ ‬المدنيين‭ ‬الباكستانيين‭ ‬والأفغان‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬العالم‭ ‬ضيراً‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬معهم‭ ‬وكأنهم‭ ‬مجرد‭ ‬أضرار‭ ‬جانبية‭. ‬لنكن‭ ‬صادقين‭ ‬مع‭ ‬أنفسنا‭. ‬لم‭ ‬تفشل‭ ‬الحرب‭ ‬المسمّاة‭ "‬حرباً‭ ‬على‭ ‬#الإرهاب‭" ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬اجتثاث‭ ‬#الإرهاب‭ ‬وحسب،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تغذيته،‭ ‬مخلّفةً‭ ‬وراءها‭ ‬طابوراً‭ ‬طويلاً‭ ‬من‭ ‬الآباء‭ ‬والإخوة‭ ‬والأبناء‭ ‬الغاضبين‭.‬

من‭ ‬الأسئلة‭ ‬الأساسية‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تجول‭ ‬في‭ ‬خواطر‭ ‬الناس‭: ‬لماذا‭ ‬المواطنون‭ ‬الفرنسيون‭ ‬المتحدرون‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬شمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬مصمّمون‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬وطنهم‭ ‬الأم‭ ‬أو‭ ‬وطنهم‭ ‬بالتبني؟‭ ‬الواقع‭ ‬القاسي‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتهميش‭ ‬والتمييز‭ ‬في‭ ‬مجالَي‭ ‬الفرص‭ ‬الوظيفية‭ ‬والسكن‭.‬

لقد‭ ‬عُزِلوا‭ ‬في‭ ‬مساكن‭ ‬دون‭ ‬المستوى،‭ ‬ويُعامَلون‭ ‬بطريقة‭ ‬تجعلهم‭ ‬يشعرون‭ ‬وكأنهم‭ ‬غرباء‭. ‬وصفهم‭ ‬كبار‭ ‬السياسيين،‭ ‬ومنهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬السابق‭ ‬نيكولا‭ ‬ساركوزي،‭ ‬بأنهم‭ "‬العدو‭ ‬من‭ ‬الداخل‭". ‬إنهم‭ ‬مضطهَدون،‭ ‬وضعفاء‭ ‬العقول‭ ‬بينما‭ ‬هم‭ ‬فريسة‭ ‬سهلة‭ ‬للمتطرفين‭ ‬المسلحين‭ ‬وأيديولوجياتهم‭ ‬الانتقامية‭ ‬المتعطِّشة‭ ‬للدماء‭.‬

تحوَّل‭ ‬#الإرهاب‭ ‬الى‭ ‬وباء‭ ‬شاملاً‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬محصّناً‭ ‬ضده،‭ ‬وهذه‭ ‬الفوضى‭ ‬العارمة‭ ‬التي‭ ‬تؤثّر‭ ‬في‭ ‬ملايين‭ ‬الأشخاص‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬السطح‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭. ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬سريعة‭. ‬ولسوء‭ ‬الحظ،‭ ‬لم‭ ‬تضع‭ ‬الدول‭ ‬المعنيّة‭ ‬استراتيجية‭ ‬موحّدة‭ ‬بالتنسيق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استئصال‭ ‬#الإرهاب‭ ‬وإحلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬المضطربة،‭ ‬ليتمكّن‭ ‬السوريون‭ ‬والعراقيون‭ ‬من‭ ‬استئناف‭ ‬حياتهم‭ ‬بصورة‭ ‬طبيعية‭ ‬واستعادة‭ ‬كرامتهم‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يقدّمونه‭ ‬إليهم‭ ‬هو‭ ‬الضمادات‭.‬

في‭ ‬غياب‭ ‬التصميم‭ ‬الدولي‭ ‬الموحَّد‭ ‬حول‭ ‬الهدف،‭ ‬ستبقى‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬تزداد‭ ‬سوءاً‭. ‬ليتني‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أختم‭ ‬مقالي‭ ‬بنفحة‭ ‬تفاؤلية،‭ ‬لكن‭ ‬للأسف،‭ ‬لا‭ ‬تلوح‭ ‬أي‭ ‬بارقة‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬الأفق‭.‬

 
تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم