بدأت أشتم رائحة مخطط بغيض يتم التحضير له، وفي حال كنت محقّاً في توجّسي، فهذه خيانة لتطلعات الشعب السوري، وخنجر يُغرَز في ظهر السوريين الأبطال الذين ناضلوا ببسالة من أجل حريتهم. ثمة مؤشرات بأن #واشنطن وحلفائها يتحركون بحسب القاعدة الآتية: "إذا لم تستطع التغلب عليهم، انضم إليهم".
في مواجهة المشقّات الاقتصادية والهجمات الإرهابية، يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستعداً للنسيان والمسامحة. كاد يركع أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين للتوسّل إليه من أجل رأب العلاقات مع #روسيا، والتي كانت قد انقطعت بعد قيام #تركيا عن سابق تصوّر وتصميم بإسقاط طائرة حربية روسية.
وعلى الرغم من أنه أقسم إنه لن يقيم أبداً علاقات من جديد مع إسرائيل ما لم يتم رفع الحصار عن #غزة، قبّل بنيامين نتنياهو وتصالح معه بعد خلاف استمر ستة أعوام على خلفية قيام إسرائيل بمهاجمة مركب تركي كان يسعى إلى خرق الحصار.
لكنني شعرت بالصدمة والهول عندما سمعت عن تغيير ثالث في موقف أردوغان يلوح في الأفق.
يشنّ أردوغان هجوماً عنيفاً على النظام السوري منذ اندلاع الانتفاضة المدنية عام 2011 – وهو محق في ذلك. فقد شبّه الرئيس بشار الأسد بـ"هتلر"، وأعلن قبل أسابيع أن عدوه السوري اللدود "إرهابي أكثر تقدّماً من تنظيم #داعش". وحذّره أيضاً من أن نهايته ستكون مشابهة لنهاية #معمر_القذافي في ليبيا، كما أنه دعم بعضاً من المجموعات المعارضة الأكثر سوءاً بهدف تغيير النظام في #سوريا.
بحسب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، تفكّر القيادة التركية في رأب العلاقات مع النظام السوري، مضيفاً: "إنه هدفنا الأعظم والذي لا عودة عنه: بناء علاقات جيدة مع #سوريا والعراق... قمنا بتطبيع العلاقات مع #روسيا وإسرائيل. وأنا على يقين من أننا سنطبّع العلاقات مع #سوريا أيضاً. كي تنجح المعركة ضد الإرهاب، يجب أن يعمّ الاستقرار من جديد في #سوريا والعراق". هكذا إذاً!
بما أن الإرهابيين الذين حظيوا من قبل بالرعاية الطبية في المستشفيات التركية "لأسباب إنسانية" يعضّون الآن اليد التي عالجت إخوانهم، لم يعد مهماً أن نظام الأسد مسؤول عن مقتل 400000 من أبناء شعبه.
في غضون ذلك، يتودّد البيت الأبيض إلى موسكو أملاً في تشكيل تحالف عسكري مشترك للقضاء على "جبهة النصرة"، فرع تنظيم "القاعدة" في #سوريا، والتي وصفتها صحيفة "الواشنطن بوست" بأنها القوة الثورية الأنجح ضد النظام، فضلاً عن المجموعات المتطرفة الأخرى.
بالطبع، لا مكان للإرهابيين في #سوريا أو أي بلد آخر، وأنا لا أعارض في المبدأ شنّ حملة جوية أمريكية-روسية مشتركة، إلا أن هدفها الأساسي يجب أن يكون قوات النظام التي قصفت أحياء بكاملها وحوّلتها أنقاضاً غارقة بالدماء.
إذا أبصرت هذه الشراكة النور، فسوف يخرج الأسد منتصراً، هو الذي كشف لإحدى المحطات التلفزيونية الأسترالية في وقت سابق هذا الشهر أن الولايات المتحدة ليست عدوة #سوريا، وأن البلدان الغربية تتعامل مع بلاده عن طريق قنوات خلفية.
قال الأسد: "يهاجموننا سياسياً ثم يرسلون مسؤولين للتعامل معنا تحت الطاولة. لكن إذا سألتهم ينكرون الأمر. ونحن سوف ننكره، لكنه موجود في الواقع عن طريق قنوات خلفية".
من اللافت أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لم يعد يصرّ على أنه ينبغي على الأسد التنحي، وفقدت مطالب رئيسه زخمها. تتعزّز الشكوك لدى شريحة من السوريين بأن إدارة أوباما تعاملت برفق مع النظام السوري لأنها اعتبرت أنه الأفضل بين زمرة من السيّئين.
السؤال المطروح هو إذا كانت الولايات المتحدة وتركيا وروسيا شركاء جدداً في ما أعتبره جريمة حقيقية. إذا شعرت قوات المعارضة المؤلّفة في شكل أساسي من السنّة بأن هناك مؤامرة لتعويم الأسد، سوف تفقد حماستها. ما الذي سيدفعهم إلى التضحية بحياتهم من أجل قضية خاسرة؟ خوفاً من الانتقام، سيكون خيارهم الوحيد الهروب مع عائلاتهم بحثاً عن ملاذ آمن.
آمل بأن أكون على خطأ، لكن إذا بقي الأسد في السلطة، سوف تتراجع إلى حد كبير أعداد السنّة في #سوريا – وهذا ما بدأ يحدث فعلاً. كما العراق، ستقع #سوريا تحت السيطرة الشيعية، وتخضع لدائرة النفوذ الإيراني في المنطقة. تنجح إيران، بالاشتراك مع #روسيا، في تطهير #سوريا من الوجود السنّي، وتحظى هذه الاستراتيجية الآن بالموافقة من الولايات المتحدة وإيران وحلفائها في الغرب .
سوف تتبدّد أحلام ملايين اللاجئين السوريين في #تركيا ولبنان والأردن ومصر والعراق، بالعودة إلى ديارهم.
لقد اكتشف أكثر من مليون لاجئ سوري موزّعين في مختلف أنحاء أوروبا أنه غير مرغوب فيهم، وأنهم موضع ريبة وخشية. عدد كبير من اللاجئين الذين ابتهجوا لدى وصولهم إلى ألمانيا تحطّمت أفئدتهم عندما وجدوا أنه لا أمل أبداً بأن يُسمَح لعائلاتهم بالانضمام إليهم.
تنظر #تركيا في منح الجنسية لثلاثمئة ألف سوري من الأثرياء أو من ذوي التحصيل العلمي المتقدّم أو المؤهلات العالية. ويُعاد توطين لاجئين آخرين، لا سيما الألمع والأفضل بينهم، في الغرب حيث سيُعاملون معاملة مواطنين من الدرجة الثانية، وينصبّ عليهم غضب المجموعات اليمينية المتشدّدة. هؤلاء هم شريان الحياة الذي يجب أن يُبنى عليه مستقبل #سوريا.
السوريون شعبٌ أبي. أمنيتهم القصوى هي العودة إلى ديارهم لاستئناف حياتهم. لم يختاروا أن يكونوا لاجئين يُعامَلون كإحصاءات وليس ككائنات بشرية. ليس ذنبهم أنهم باتوا مضطرين إلى الكفاح من أجل البقاء والصمود في ظل ظروف قاسية جداً في معظم الأحيان، حيث لم يعد بإمكان أولادهم الذهاب إلى المدرسة، وهم محرومون من كل شيء ما عدا الرعاية الطبية الأساسية. لقد أصابت الصدمة أجيالاً بكاملها، وسوف يعاني الأطفال والشباب باستمرار من أجل التخلص من الندوب التي انطبعت في ذاكرتهم.
لقد فشل ما يُسمّى بالمجتمع الدولي في وضع حد لهذا النزاع. عجزت القوى الكبرى عن إنهائه. والنتيجة هي أننا أمام قنبلة موقوتة – شتات جديد على طريقة الشتات الفلسطيني إنما على نطاق أوسع بكثير ومع تداعيات أكبر بأشواط. لن يتخلّى السوريون عن هويتهم وأرضهم، شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين؛ معاناتهم وخسائرهم الجماعية هي الإرث الذي سينقلونه إلى أحفادهم وأحفاد أحفادهم خلال العقود المقبلة.
المأساة هي أن إنقاذ #سوريا كان ممكناً لو أن المجتمع الدولي تحلّى بالعزيمة وتوحّد حول الهدف. سقط مئات آلاف الضحايا عبثاً، وتعرّض نصف السكان تقريباً للتهجير. لكن كل البلدان المعنية، وعدد كبير منها شارك بإرادته في حروب غير شرعية، نأت بنفسها عن الالتزام بخوض معركة عادلة من أجل حماية الأبرياء من القتل، ويبدو أن بعض تلك البلدان يصافح الآن القاتل في الخفاء.
لا يسعنى سوى أن أناشد القادة ذوي الضمير الحي التدخّل سريعاً قبل أن تصبح الاتفاقات السرّية مع الشيطان مبرَمة ونهائية. يجب أن يرحل الأسد كي يتمكّن الأحياء من إعادة الإعمار، وكي لا تضيع تضحيات الشهداء سدىً.
لا بد من أن خالد بن الوليد رضي الله عنه، وهو قائد عسكري لامع من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم دافع عن بلاد ما بين النهرين في وجه الغزو الفارسي وسحق قوات الاحتلال البيزنطية في #سوريا، يتقلّب في قبره. ما أحوجنا اليوم إلى الشرفاء والشجعان!