حتام سنستمر في خداع أنفسنا معتقدين أن ولاءات #لبنان هي للعالم العربي! فخلال اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب عُقِد مؤخراً في إطار الجامعة العربية، بناءً على طلب من #المملكة_العربية_السعودية، لمناقشة الإجراءات الواجب اتخاذها رداً على "الأعمال الإرهابية" التي تقوم بها إيران وأعمالها العدائية ضد السعودية، بدا جلياً أن بيروت تقف إلى جانب العدو.
فقد تجاهل #لبنان الدعوة التي وجّهها أمين عام الجامعة العربية، نبيل العربي، إلى جميع وزراء الخارجية لـ"اتخاذ موقف جماعي قوي واضح بمطالبة إيران بوقف جميع صور التدخلات في شؤون #الدول_العربية"، وامتنع عن التصويت على قرار يدين الممارسات الإيرانية الخطيرة، والذي حظي بالدعم من جميع الدول الأعضاء الأخرى.
إن فشل #لبنان في التكاتف مع أشقائه العرب خير دليل على أن استقلاله سُحِق تحت الحذاء الإيراني. هذا الوضع المؤسف أمر معلوم، لكن الآن بعدما أعلنت بيروت بوضوح عن موقف منحاز لإيران، لم يعد هناك مجال للشك؛ لقد بات الأمر بحكم المؤكّد.
سوف يُستتبَع البيان الصادر عن الاجتماع بتشكيل لجنة تضم ممثّلين عن السعودية #والإمارات_العربية_المتحدة والبحرين ومصر، مع العلم بأن هذه البلدان إما قطعت علاقاتها مع إيران وإما عمدت إلى خفضها؛ ومهمة اللجنة رصد الأزمة واقتراح مزيد من الإجراءات ضد طهران، في حال اقتضت الضرورة. وسوف تُجري السعودية أيضاً محادثات مع حلفائها العرب حول الخطوات المستقبلية.
لقد صُدمت وشعرت بخيبة أمل عندما علمت بالموقف اللبناني الذي اتُّخِذ على ما يبدو على خلفية إدانة البيان لـ"حزب الله"، عميل إيران في #لبنان، بسبب تدخلّه السافر في الشؤون الداخلية لمملكة #البحرين.
نُقِل عن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل قوله: "البيان الذي صدر بحق #البحرين لا يعبر عن موقف الحكومة اللبنانية وسياستها ولا الجهة السياسية التي أمثّلها [التيار الوطني الحر العوني]". لست أفهم لماذا يتورّط بعض المسيحيين الموارنة مع عملاء إيران إلا إذا كانوا يسعون خلف مآربهم الخاصة.
قال باسيل الذي سبق أن تسلّم حقائب وزارية في حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري، القياديَّين في تحالف 14 آذار: "لا يختلف موقف #لبنان الضمني عن موقف #الدول_العربية في بيانها، لناحية عدم التدخل في شؤون #البحرين. لكن أن يصدر بيان يُفسَّر أنه ضد #لبنان أو ضد فريق من اللبنانيين، فطبعاً أعترض عليه...".
وصبّ باسيل مزيداً من الزيت على النار قائلاً: "يجب أن يُسجَّل أن هذا البيان طُرِح بخلاف الأصول المتبعة في الجامعة وميثاقها، لكننا لم نرغب في إثارة هذه النقطة، لأننا لا نريد أن تحصل مشكلة مع أي دولة عربية". يا لها من بادرة "لطيفة وذكية" من قبله! الحقيقة هي أن أي تلميح من هذا القبيل من جانبه كان ليُجابَه بالرفض من جميع الدول الأعضاء التي كانت ستجهز عليه بالضربة القاضية، وهو يعلم ذلك جيداً.
وتابع مشتكياً من أن المساعدات العربية الموعودة لم تأتِ بعد. بعبارة أخرى، يُسيء إلى #الدول_العربية التي دأبت تقليدياً على مساعدة #لبنان، ويتوقّع منها في الوقت نفسه تقديم مليارات الدولارات لدعم حكومة معطّلة عاجزة عن إيجاد حل لمشكلة جبال النفايات المتحلّلة، ومجلس نواب فشل منذ أكثر من 18 شهراً في التوصّل إلى إجماع لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وجيش تنقصه الفعالية وتسيطر عليه ميليشيات إيرانية.
قدّمت #المملكة_العربية_السعودية هبة قدرها مليار دولار إلى الجيش اللبناني عام 2014، وفي أبريل من العام الماضي، تم تسليم الدفعة الأولى من الأسلحة والمعدات العسكرية الفرنسية الصنع إلى الجيش اللبناني بموجب اتفاق أبرمته السعودية مع شركات فرنسية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وذلك بهدف إعادة بناء "جيش لبناني قادر على الاستجابة للمستجدات الأمنية الجديدة".
من وجهة نظري، يحتاج الجيش اللبناني إلى الحس الوطني أكثر من حاجته إلى الأسلحة. فكما أن الحياة السياسية معطّلة بسبب الابتزاز من "حزب الله"، تسلّل الحزب إلى المؤسسة العسكرية ويعمد إلى وضع العصي في الدواليب مانعاً الجيش من أداء واجبه كما يجب. لا تستطيع كل أموال العالم أن تشتري حب الوطن وتزرعه لدى الأشخاص الذين يقع على عاتقهم حمايته من الكيانات المعادية داخل البلاد أو خارجها.
صحيح أن #لبنان يرزح تحت الأعباء المالية المترتبة عن تدفّق أعداد هائلة من اللاجئين السوريين، فضلاً عن اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في البلاد. لكن صحيح أيضاً أنه لو لم يقدّم "حزب الله" وأسياده في إيران الدعم لنظام الأسد الإجرامي، لربما كان ذلك النظام لينهار قبل أعوام عدة عندما كانت هناك معارضة حيوية تتحيّن الفرصة لتشكيل حكومة تسيير أعمال تمهيداً لإجراء انتخابات.
ليس لتدخّل "حزب الله" العسكري في سوريا أي علاقة بتأمين المصالح اللبنانية، بل يتم بناءً على أوامر الملالي الإيرانيين. يتحمّل الحزب مسؤولية المساهمة في النزوح الواسع للسوريين الهاربين من قنابل النظام، وكذلك مسؤولية تحويل #لبنان هدفاً للجماعات الإرهابية.
يؤكّد جبران باسيل أن #لبنان يعتمد سياسة عدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى. إذا كان ذلك صحيحاً، فهذه السياسة هي مجرد حبر على ورق لأن الميليشيا التي يدافع عنها باسيل ضربت عرض الحائط بها خدمةً لأسيادها.
لقد أعرب رئيس كتلة تيار "المستقبل"، سعد الحريري، عن أسفه أزاء امتناع بلاده عن التصويت، في بيان صادر عن مكتبه الصحافي جاء فيه: "امتناع وزير خارجية #لبنان عن التصويت على القرار لا يعبر عن رأي غالبية اللبنانيين الذين يعانون من التدخل الإيراني في شؤونهم الداخلية". أصدّق كلامه.
لدي عدد كبير من الأصدقاء اللبنانيين، وأعتقد أن جميعهم تقريباً سيحتفلون باليوم الذي سيختفي فيه "حزب الله" عن وجه الأرض. يسمّون أنفسهم عرباً أو مشرقيين، إنما بالتأكيد لا يعتبرون أنفسهم فرساً. معظم اللبنانيين الذين أعرفهم يعشقون بلادهم والنعَم التي وهبها إياها الله عز وجل، لكن المنظومة السياسية والعسكرية تستمر، للأسف، في إحباط تطلّعهم إلى رؤية #لبنان يحقق الازدهار كما في أيام العز في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات قبل اندلاع الحرب الأهلية وتعطيلها عجلة التقدّم في البلاد.
يجب أن يتحلّى اللبنانيون الأخيار بالشجاعة والحزم لطلب المساعدة من أجل قطع اليد الإيرانية التي تخنق مستقبل أولادهم. وفي غضون ذلك، أود أن أناشد السعودية التوقّف عن إرسال الأموال إلى #لبنان، لأنه قد ينتهي بها الأمر بسهولة في ملىء جيوب الميليشيات الإيرانية. علاوةً على ذلك، يتعيّن على الجامعة العربية أن تعيد النظر في عضوية #لبنان بانتظار أن يصبح جاهزاً للإعلان بوضوح عن الجهة التي يقف فيها.