كلمة خلف أحمد الحبتور، رئيس مجلس إدارة #مجموعة_الحبتور
في المؤتمر السنوي الرابع والعشرون لصنّاع السياسات الأمريكي-العربي
العلاقات الأمريكية-العربية عند مفترق طرق:هل من مسارات نحو الأمام؟
واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية، الخميس 15 أكتوبر 2015
من تنظيم المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية في مبنى ريغان ومركز التجارة الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حضرات السادة في المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية،
السيدات والسادة الكرام،
صباح الخير.
أودّ أن أستهلّ كلمتي بالتوجّه بالشكر إلى المجلس الوطني للعلاقات الأمريكية-العربية بقيادة الدكتور جون ديوك أنطوني - الرئيس المؤسِّس والرئيس التنفيذي - على الدعوة التي وجّهها إلي للتحدّث أمام المؤتمر السنوي الرابع والعشرين لصنّاع السياسات الأمريكي-العربي. أشكركم على استضافتي!
في مواجهة ما يحدث في عالمنا، ليس من موضوع أنسب من ذاك الذي اختير لمناقشته في المؤتمر الحالي: "مستقبل العلاقات الأمريكية-العربية".
تقف العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية عند منعطف أساسي. على امتداد عقود من الزمن، أثبت التحالف بين الولايات المتحدة والدول العربية، لا سيما دول مجلس التعاون الخليجي، أنه ذو أهمية بالغة للاستقرار والازدهار والسلام في المنطقة والعالم. لا يمكننا أن ننكر، لا بل نقرّ بامتنان بأننا أفدنا إلى حد كبير من معارفكم وخبراتكم طوال عقود. بحسب مكتب المندوب التجاري الأمريكي، يبلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي مئات مليارات الدولارات الأمريكية سنوياً. يشكّل الأمريكيون في الإمارات العربية المتحدة واحدة من أكبر الجاليات الغربية في بلادنا؛ إذ يبلغ عددهم نحو خمسين ألف نسمة.
لكن ما فعلته الإدارات الأمريكية السابقة للعالم العربي، لا سيما للسنّة، خلال العقد المنصرم، يترك بصمة سوداء على تاريخ هذه الأمة العظيمة. لقد دعمت أمريكا آية الله الخميني وساهمت في صعوده للحلول مكان الشاه الذي كان صديقها المفضّل. واجتاحت إدارة جورج دبليو بوش العراق بناءً على مزاعم واهية.
وبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، سلّموا البلاد إلى إيران على طبق من فضّة، وتحوّلت هذه الدولة العربية التي كانت عظيمة في السابق ومهداً للحضارة، إلى أرض خصبة للإرهاب. لا أستطيع فهم لماذا تقف إدارة أوباما إلى جانب أعدائنا المشتركين ومخطّطهم التوسّعي في منطقتنا.
نشهد حالياً على امتناع الولايات المتحدة عن القيام بأي تحرّك حاسم في مواجهة واحد من أكثر المجرمين همجية في القرن الحالي وهو بشار الأسد، وفي مواجهة تنامي نفوذ إيران، راعية الإرهاب في العالم... والأهم من ذلك، تغاضي الولايات المتحدة عن المأساة الفلسطينية المستمرة.
تتعرّض المعاناة اليومية لإخواننا وأخواتنا الفلسطينيين للتهميش؛ ونادراً ما نسمع عنها في الأخبار اليومية. لكن وزارة الخارجية الأمريكية سارعت إلى إصدار بيان يوم الاثنين الموافق (12 أكتوبر) "تُدين فيه بشدّة الهجمات الإرهابية على المدنيين الإسرائيليين التي أسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين".
لا أتعامل أبداً باستخفاف مع موت إنسان، أي كان فلسطينياً أو إسرائيلياً. لكن حقيقة الأمر هى أن القوات الإسرائيلية تقتل عائلات فلسطينية بكاملها يومياً، حتى إنها تحرقهم في منازلهم، ولم تستنكر السلطات الأمريكية يوما تلك الأعمال الإجرامية.
لن أطيل الكلام أكثر اليوم عن المسألة الفلسطينية. أترك هذه القضية في عهدتكم، أيها السيدات والسادة، لتفكّروا في ما يُميِّز شخصاً عن الآخر؟ اتّخاذ القرارات! إنها القدرة على اتخاذ خيارات صعبة عندما يعجز الباقون عن ذلك. هذا هو جوهر القيادة! وهذا ما نفتقر إليه اليوم!
نواجه حالياً أحد أكبر التحدّيات في زماننا، والذي يتمثّل في مسألة اللاجئين حول العالم. وفقاً للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، بلغ عدد اللاجئين والنازحين داخلياً أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية. وقد وصلت الكلفة السنوية لهذا النزوح، بحسب "مركز مراقبة النزوح الداخلي"، نحو مئة مليار دولار.
ليس مفاجئاً أن عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص يتركّز في الشرق الأوسط، لا سيما في العراق وسوريا. فثلث اللاجئين في العالم قادمون من هذين البلدَين. واحد وعشرون في المئة من اللاجئين في العالم هم سوريون. لقد فاق عدد النازحين السوريين 9.5 مليون شخص، أي نحو نصف الشعب السوري، من رجال ونساء وأطفال. إنها مأساة إنسانية!
توجّه مئات آلاف السوريين اليائسين إلى أوروبا، مجازفين بحياتهم من أجل الحصول على فرصة لعيش حياة أفضل. وغالب الظن أن هذا التسونامي من الأشخاص المحبطين البائسين لن ينحسر في وقت قريب. هل تعتقدون أنهم يريدون حقاً مغادرة بلدهم؟ ومنازلهم؟ والابتعاد عن أفراد أسرتهم؟ لا! لكن ليس أمامهم من خيار. إنه ملاذهم الأخير، وقد فقدوا الأمل كلياً.
لسوء الحظ، الاستقبال الذي يلقاه اللاجئون في بعض البلدان الأوروبية ليس أفضل بكثير من الظروف التي يهربون منها. ويرفض بعض القادة الأوروبيين استقبال اللاجئين السوريين خوفاً من تهديد التاريخ المسيحي.
إنها لخيبة أمل حقيقية أن نسمع مثل هذا الكلام يصدر عن قادةٍ أوروبيين في القرن الحادي والعشرين. ليس مقبولاً على الإطلاق أن يُرفَض السوريون بسبب معتقداتهم الدينية! التمييز فاضح لا يرحم!
لست هنا لتوجيه أصابع الاتهام، بل لأقول لأولئك الذين يؤجّجون مشاعر الكره ضد اللاجئين البائسين في المخيمات، إنهم يهاجمون العدو الخطأ. فعدوّهم ليس النساء والأطفال الذين يبحثون عن ملاذ بعيداً من رئيس متعطّش للدماء.
أنتهز هذه الفرصة لأحيّي البابا فرنسيس على دعوته إلى الرأفة باللاجئين السوريين في أوروبا. بدلاً من التعامل مع هذه الأزمة المتفاقمة، هذه المأساة الإنسانية، لماذا لا نتعامل مع مصدر المشكلة؟ نبحث عن حلول لمعالجة تداعياتها، بدلاً من استئصالها من جذورها.
لو تم التعامل مع بشار الأسد بالطريقة المناسبة عام 2011، أو عندما استخدم الأسلحة الكيميائية ضد الشعب السوري عام 2013، لما كنا نواجه الآن أزمة عالمية بهذا الحجم.
ألم يُحدّد الرئيس أوباما خطاً أحمر لنظام الأسد وجميع الأطراف على الأرض، عندما استُخدِم غاز السارين وسواه من الأسلحة الكيميائية؟
بعد كل ما حلّ بالسوريين حتى الآن، ألا تعتبر الولايات المتحدة والعالم أنه جرى تجاوز "الخطوط الحمراء الإنسانية"؟ بعد عامَين، وعلى الرغم من الاستخدام المتواصل للأسلحة الكيميائية في سوريا، لا يزال العالم عاجزاً عن القيام بأية خطوة والوفاء بوعوده. أليست خمس سنوات كافية كي يتحرك المجتمع الدولي؟
لا يُقدّم قادة العالم سوى حلول مؤقتة من خلال الخطط التي يضعونها لاستقبال اللاجئين في بلدانهم، لكن يجب أن تعلموا أن السوريين لا يريدون أن يكونوا لاجئين في أوروبا، لا رغبة لهم في ذلك، لا بل رفضهم لهذا الواقع أقوى من التردّد الأوروبي في استضافتهم! ما يريدونه هو العودة إلى ديارهم.
يجب إنشاء "منطقة آمنة" داخل الأراضي السورية، حيث يستطيع السوريون الاحتماء من الجزّار الأسد فيما يجري البحث عن حلول - منطقة آمنة يحميها حلف شمال الأطلسي (الناتو).
ويجب اقتياد المجرم بشار الأسد أمام المحكمة الجنائية الدولية. لا يمكن التفاوض مع الأسد. ولا يجب منحه مخرجاً سهلاً! بل يجب محاكمته عن كل الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه. عليه أن يدفع الثمن لتسبّبه بإزهاق أرواح أكثر من 350000 شخص بريء!
هذا ما يريده السوريون منكم! إذا لم تُنفَّذ العدالة على الأسد، لن يُغفَر لكم أبداً.
يجب ألا ننسى أن سوريا ليست البلد الوحيد الذي يعاني من الاضطرابات في الشرق الأوسط. فالعراق ولبنان واليمن ليست بحال أفضل. والقاسم المشترك بين كل هذه المشكلات هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
تركت إيران بصماتها الخبيثة في مختلف أنحاء المنطقة عبر دعم المجموعات الإرهابية، مثل "حزب الله" في لبنان، والجماعات المسلحة في العراق، ومؤخرا الحوثيين في اليمن.
إذا نجحت إيران في التسبّب بكل هذه الاضطرابات والأضرار على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، فما الذي يضمن أنها لن تتسبّب بمزيد من الأذى بعد رفع العقوبات؟
تدعم إيران الإرهاب رسمياً. لا تدعم فقط المجموعات الإرهابية الشيعية إنما أيضاً المجموعات السنّية، مثل تنظيم "القاعدة". هذا ليس افتراضاً، بل واقع مذكور في تقارير رسمية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية.
الأهم من ذلك، ينظر النظام الإيراني إلى الولايات المتحدة بأنها "الشيطان الأكبر"، ويتورّط - منذ عقود - في الإرهاب المموَّل من الدولة ضد أمريكا وحلفائها في المنطقة. لقد حدث هذا كلّه على الرغم من العقوبات المفروضة على إيران. تخيّلوا ما سيحدث في حال رُفِعت العقوبات!
إذا اعتُبِر بلد عربي ما عدائياً تجاه الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي، يُهاجَم من دون تردّد. لكن من جهة أخرى، تعامل هذه الإدارة "عدوّها المفضّل" مستخدمةً قفازاً مخملياً بدلاً من القبضة الحديدية التي يستحقّها.
أظهرت كل من الولايات المتحدة وإيران التزاماً استثنائياً بالتوصّل إلى اتفاق نووي، وقد جرى الاتفاق على إطار عمل نووي. من السهل أن نفهم استعداد إيران للمساومة بعدما سدّدت لها العقوبات ضربات قويّة. لكن المحيّر هو السؤال ما الذي دفع بإدارة أوباما إلى بذل جهود قصوى لمصافحة العدو المخضرم للولايات المتحدة.
سوف يؤدّي الاتفاق النووي بين مجموعة "5+1" وإيران إلى تمكين هذه الأخيرة وزيادة ثروتها بعد رفع العقوبات الاقتصادية. يقول الرئيس أوباما إن ثروة إيران الجديدة سوف تُستخدَم لتحسين حياة الإيرانيين، بدلاً من تمويل "حزب الله" والحوثيين الشيعة في اليمن، أو سواهم من مسبّبي الاضطرابات تحت الجناح الإيراني. وحدهم السذّج يصدّقون ذلك.
بحسب تقرير أوردته صحيفة "دايلي تلغراف"، يسيطر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي على "أمبراطورية مالية" تُقدَّر قيمتها بـ95 مليار دولار. هذا كافٍ لندرك أنه ليست لدى إيران أية نيّة بإعطاء الأولوية لاحتياجات شعبها بدلاً من التركيز على تمويل عملائها الذين يتسبّبون بالمشكلات والاضطرابات في المنطقة.
يمارس الأئمة الإيرانيون القمع بحق الأقليات الدينية والإثنية منذ تسلّمهم السلطة عام 1979. انظروا كيف يعاملون عرب الأهواز في إقليم عربستان المحتل الذي يطلقون عليه الآن اسم خوزستان.
على الرغم من أن إقليم عربستان يؤمّن 80 في المئة من احتياجات إيران النفطية ونصف احتياجاتها من الغاز، يتعرّض عرب الأهواز للاضطهاد والقمع بصورة يومية. إنهم محرومون من حقوق الإنسان الأساسية. تتعرّض هويتهم للتدمير. ويُرغَمون على الدراسة باللغة الفارسية هذا إذا حالفهم الحظ بدخول المدرسة، حيث لا تتعدّى حظوظ الصبيان بالالتحاق بالمدرسة نسبة 50 في المئة، والفتيات نسبة 20 في المئة.