الجميع يتحدّثون عن أزمة اللاجئين التي تجتاح #أوروبا؛ الجميع ما عدا جامعة الدول العربية. حتى الآن، لم تقل الكثير عن الموضوع، وعلى حدّ علمي، ليست لديها أية خطة للمساعدة في التخفيف من حدّة المشكلة. لماذا لم يتم الإعلان من جانبها حتى هذه اللحظة عن عقد قمة طارئة؟ لماذا لا نسمع أصواتاً من العواصم العربية تقترح حلولاً؟ ربما قد وُضِعت لافتة على باب الجامعة العربية كُتِب عليها "في عطلة مفتوحة"!
لماذا لا يعقد أمين عام جامعة الدول العربية، الدكتور نبيل العربي، اجتماعات أزمة مع وزراء الخارجية للدول الاعضاء ويقوم بجولات في المنطقة من أجل إيجاد حلول للحؤول دون معاملة السوريين والعراقيين أسوأ من معاملة الكلاب الشاردة، إذ يُتوقَّع منهم التعبير عن امتنانهم كلما قُدِّمت إليهم قنينة ماء من حينٍ لآخر؟
لا شك في أنه يرى محنتهم. المحظوظون منهم يملكون خيَماً أو شراشف. لكن معظمهم يفترشون الأرصفة، ولا يتمكّنون من الاغتسال طيلة أيام أو ربما أسابيع. تضع النساء مواليدهنّ في الشارع. تعاني الأمّهات من النقص في حليب الأطفال. وليس لدى مرضى السكّري من جهاز تبريد أو ما شابه يحتفظون فيه بالإنسولين. يقول كثرٌ إن المال الضئيل الذي كان بحوزتهم، قد سُرِق منهم ومعه هواتفهم الجوّالة.
أقل ما يجدر بالجامعة العربية فعله هو إيجاد مأوى مؤقّت للسماح لهؤلاء النازحين العيش بكرامة، مع ممارسة ضغوط قوية على المجتمع الدولي لمعالجة الأسباب الفعلية خلف هذه الهجرة الجماعية.
نتمسّك نحن العرب دائماً بعزّتنا وشرفنا ونخوتنا، لكن أين العزّة والشرف والنخوة في تصرّف الجامعة العربية المخجل التي تقف مكتوفة اليدَين فيما يتم اقتياد إخوتنا العرب من مكان إلى آخر وكأنهم بيادق على رقعة شطرنج؟
تتمتّع بلداننا بالثروات، ولديها أراضٍ، لذلك لا عجب في أن الأوروبيين يتساءلون أكثر فأكثر "أين العرب؟" تتألّف الجامعة العربية من 22 بلداً، بيد أن اثنَين من أفقر بلدانها - الأردن ولبنان - يتحمّلان الوطأة الأكبر لتدفّق اللاجئين.
الغالبية العظمى من اللاجئين هم من السوريين الفارين من الحرب والإرهاب والذين يقدر عددهم بمئات الآلاف. يمشون بخطى متثاقلة، وقد أنهكهم الخوف والإرهاق، أملاً في إيجاد مكان ما على وجه الكرة الأرضية حيث يمكنهم أن يعيشوا فيه بسلام آمنين. بدلاً من ذلك، يصطدم الآلاف منهم بالأسلاك الشائكة، وشرطة مكافحة الشغب التي تقف لهم بالمرصاد مستخدمةً الهراوات والغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه. يجب أن يكون لديك قلب من حجر كي لا تتأثّر بالإذلال والمشقّات التي يتكبّدها هؤلاء الأشخاص.
إنه لأمر مؤسف وغير مقبول أن نرى في #أوروبا وفي القرن الحادي والعشرين، مشاهد لمدرّب كرة قدم سوري معروف يحمل ابنه الصغير ويقع أرضاً بعدما عرقلته مصوّرة صحافية قاسية القلب، أو لرجلٍ بائس يحمل طفله الذي يسيل الدم من رأسه، أو لأطفال يختنقون بسبب الغاز المسيل للدموع أو يتمدّدون أرضاً في حالة غيبوبة في الأرض المهجورة غير الخاضعة لأية دولة بين صربيا والمجر. ألم يحملونا على الاعتقاد بأننا لن نشهد أبداً من جديد على مثل هذه الأمثلة عن قساوة الإنسان تجاه أخيه الإنسان، ولا سيما تجاه النساء والأطفال، في الأراضي الأوروبية؟
في المقابل، هناك دول أوروبية، لا سيما ألمانيا والنمسا والسويد، تفتح أبوابها وتفعل كل ما بوسعها للتعامل بأفضل الطرق الممكنة مع هذا التدفّق الهائل للبشر، حتى في الوقت الذي ترفض فيه دول أخرى إطلاق تسمية "اللاجئين" على الأشخاص المذعورين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان.
فالبلدان التي لا ترغب فيهم تسمّيهم "مهاجرين غير شرعيين" أو "عصابات" أو "غوغائيين"، وتعتبر أن قدومهم هو بمثابة "اجتياح"، ومن ينجحون في دخول تلك البلدان يتعرّضون للملاحقة مثل المجرمين.
قال أمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، إنه يشعر بالصدمة إزاء المعاملة التي يلقاها اللاجئون، مضيفاً: "هذا غير مقبول". وطلب البابا فرنسيس من جميع الأبرشيات أو المؤسسات الكاثوليكية استقبال عائلة لاجئة واحدة على الأقل، إلا أنه يواجه تمرّداً في بعض الأوساط التي تردّد بأن "لاجئ اليوم قد يصبح إرهابي الغد".
لقد أظهرت المستشارة الألمانية أنجيلا مركل خصالاً قيادية نموذجية. فهي تدعو، إلى جانب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر، إلى إنشاء منظومة كوتا واسعة النطاق في الاتحاد الأوروبي تُلزِم الدول الأعضاء باستيعاب اللاجئين وفقاً لإمكاناتها بالاستناد إلى إجمالي الناتج المحلي وإحصاءات البطالة. لكن هذا الاقتراح قد لاقى معارضة شديدة من قبل المجر والجمهورية التشيكية وبولندا وسلوفاكيا المهدّدة بخسارة تمويلها من الاتحاد الأوروبي.
تُهدّد هذه الأوضاع بالقضاء على معاهدة شينغن التي تتيح حرّية التنقّل بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومن شأن الاتهامات التي تتراشق بها البلدان الأوروبية المتجاورة ذات الآراء المتباينة جداً أن تتسبّب بتصدّعات دبلوماسية حادّة.
يقول بشار الأسد إن الغرب هو الملام الوحيد في أزمة اللاجئين لأنه قام بتسليح المعارضة. بطبيعة الحال، سيقول أي شيء لرفع اللوم عنه. لو أصغى إلى شعبه وتنحّى من السلطة في العام 2011 بدلاً من ذبح السوريين، لما وقعت كل هذه المآسي والفوضى.
ليس أحدٌ برّاءً من هذا كلّه، وفي مقدّمهم باراك أوباما الذي سمح، بسبب افتقاره إلى حسن القيادة، للنزاع السوري بأن يتفاقم ويتحوّل إلى مستنقع من الإرهاب. لقد درّبت الولايات المتحدة ما يُسمّى بالمقاتلين المعتدلين، إلا أنه لم يبقَ سوى خمسة منهم في الميدان. ليس خمسة آلاف أو خمسمئة، بل فقط خمسة عناصر يتنقّلون مع أسلحتهم.
ومن جهتهم، اكتفى القادة الأوروبيون بإلقاء الخطب وحضور القمم والاجتماعات. وتخوض تركيا لعبةً مزدوجة، مستخدمةً تنظيم "داعش" ذريعة لقتل أعدائها الأكراد. أما في ما يتعلق بالعالم العربي... فماذا عساني أن أقول! لا أعرف تماماً ما يجري خلف الكواليس، لكن بحسب الظاهر على السطح، وفيما عدا دول الخليج العربي ولبنان والاردن، يبدوا أن معظم القادة العرب يضعون غشاوةً على عيونهم في ما يختص بالمسألة السورية.
بعد موجات تدفّق اللاجئين إلى #أوروبا وقيام روسيا بإرسال تعزيزات من الأسلحة إلى سوريا في خطوةٍ قد تنذر بتدخّل عسكري روسي واسع النطاق، تحرّكت الأمم المتحدة وأرسلت مبعوثها إلى دمشق لمناقشة مقترحات السلام. كما أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يبدو منفتحاً على إجراء نقاشات مع نظيره الروسي حول الحلول العسكرية.
الى متى سنستمر في الاعتماد على القوى الخارجية لإنقاذنا؟ فعلنا عين الصواب عندما تدخّلنا في اليمن حيث نجحنا في إضعاف المتمرّدين الحوثيين. حان الوقت كي يُحوِّل التحالف العربي أنظاره نحو سوريا. يحتاج العالم العربي إلى اتّحاد قوي وواسع الحيلة يملك تفويضاً من مختلف الدول الأعضاء للتحرّك كلما تعرّض السلام والأمن في منطقتنا للتهديد، وإلا لن يكون سوى مجرد مجلس ضخم وباهظ التكلفة يديره كتبة.
نحتفل قريباً بعيد الأضحى مع العائلة والأصدقاء، ونستمتع بالوجبات الشهيّة والرفقة المسلّية، في حين أن مئات آلاف السوريين هم تحت رحمة الدول الأوروبية من دون مأكل ولا مأوى، ومستقبلهم في مهبّ الريح والمجهول. كفى! لقد حان الوقت لتفيق الجامعة العربية من سباتها، وتبدأ العمل من أجل تغيير دفة الأمور وإعادة إ