السبت، 20 أبريل 2024

مغازلة أوباما لإيران تثير الشكوك

بقلم خلف أحمد الحبتور

تتراكم الأدلة التي تثبت أنه لا يمكن الوثوق بالبيت الأبيض بإدارة أوباما للحفاظ على مصالح دول #الخليج أو حلفائهم العرب. في حال اعتُبِرت دولة عربية ما معادية للولايات المتحدة أو للمجتمع الدولي، تتم مهاجمتها من دون تردّد. من جهة أخرى، تعامل الإدارة الأمريكية الحالية "عدوتها المفضّلة" بقفّاز من حرير بدلاً من معاملتها بقبضة من حديد كما تستحق. مما لا شك فيه أن هذه الإدارة تبدو موالية لإيران.

المفاوضات مع طهران بتحفيز من الولايات المتحدة من أجل الحد من برنامج التخصيب النووي الإيراني، أتت بثمارها. لقد أبدى الطرفان التزاماً استثنائياً وجرى التوصّل إلى اتفاق إطار نووي. من السهل أن نفهم استعداد إيران لتقديم تنازلات بعدما سدّدت لها العقوبات ضربة قاسية جدا. لكن المحيِّر هو لماذا بذلت إدارة أوباما جهوداً حثيثة لمصافحة البلد الذي يناصب الولايات المتحدة العداء منذ وقت طويل.

يتصرف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكأنه يقوم بمهمة عمره، حتى في الوقت الذي لا يزال المرشد الأعلى علي خامنئي يهتف "الموت لأمريكا" فيما المفاوضات مستمرة. لم يضطرب كيري على الإطلاق، بل شوهِد يتأبط ذراع نظيره الإيراني محمد ظريف، وكأنه يجتمع من جديد بصديق قديم من أيام الدراسة.
يضاف إلى مشاعر الحب الجيّاشة هذه، تحيّة وجّهها أوباما عبر مقطع فيديو مصوَّر إلى الشعب الإيراني لمناسبة العام الفارسي الجديد. فقد حضّ إيران على انتهاز هذه اللحظة التي تشكّل "فصلاً جديداً في تاريخ إيران ودورها في العالم". لست قلقاً من "دور إيران في العالم" بل من دورها في الشرق الأوسط الذي حصل على جرعة زخمٍ والذي تتطلّع من خلاله إلى إنشاء أمبراطورية فارسية جديدة.

ثم الشهر الماضي، حذفت إيران وذراعها اللبناني، "حزب الله"، بطريقة غريبة من قائمة "التهديدات الإرهابية الصادرة عن الاستخبارات الوطنية الأمريكية - في الوقت الذي يتورّط فيه الحرس الثوري الإيراني ومقاتلو "حزب الله" مع نظام الأسد في سوريا، وفيما تعيث الميليشيات الحوثية الشيعية المدعومة من إيران خراباً في اليمن!!!
والأكثر إثارة للدهشة هو الأنباء الواردة بأن سلاح الجو الأمريكي يؤمّن حالياً التغطية لعدوان تقوده إيران على تكريت، قلب السنّة النابض في العراق للقضاء على إرهابيي "الدولة الإسلامية" في المدينة. وقد عبّر جون ستيوارت، مقدِّم برنامج "دايلي شو"، خير تعبير عن هذا الوضع الشاذ قائلاً: "إيران هي... لن أقول حليفتنا، بل لنقل رفيقتنا في المعركة". إنها معركة قادها على الأرض الجنرال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس"، الذي قالت عنه صحيفة "الغارديان" إنه "يدير العراق سراً".

إنه لأمر غريب فعلاً أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما يمضي قدماً من دون أن يتأثّر بالهواجس المشروعة لأصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مغتاظ جداً ويحاول بشتى الطرق منع التوصل إلى ما يسمّيه "اتفاق سيئ" معتبراً أن إبرام الاتفاق يجب أن يكون مربوطاً بتغيير إيران سلوكها العدواني. لا أكنّ أي ودّ لرئيس الوزراء الإسرائيلي، لكن تشاء الأقدار أن تلتقي إسرائيل والدول العربية السنّية على الموجة نفسها في موضوع التهديد الإيراني.

يحظى نتننياهو بالدعم من بعض أعضاء الكونغرس الذين يقترح عدد قليل منهم حلولاً متطرّفة. فعلى سبيل المثال، ينصح السناتور جون ماكين إسرائيل علناً بأن "تتحوّل دولة مارقة" – فتقصف إيران وترغم الولايات المتحدة على التحرّك دفاعاً عنها. كما وقّع 47 سناتوراً جمهورياً رسالةً حذّروا فيها من أن ولاية الرئيس أوباما تشارف على نهايتها، ومن أي اتفاق يجري توقيعه من دون دعم الكونغرس قد يمزّقه خلفه، في مؤشر إضافي عن استياء الجمهوريين.

السعودية وحلفاؤها العرب السنّة مستاؤن أيضاً لأنه لم يتم إطلاعهم على تفاصيل هذا الانفراج المحتمل في العلاقات. وقد عبّر وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، مؤخراً عن موقف المملكة: "يستحيل منح إيران اتفاقات لا تستحقها"، في حين اتهم هذه الأخيرة بتنفيذ "سياسات عدوانية، والتدخل في بلدان المنطقة"...
وقد ردّ أوباما بشنّ حملة لإقناع مجلس التعاون الخليجي بدعم الاتفاق مع إيران. فقد اتّصل بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وبالشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة، لدعوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي من أجل مناقشة الاتفاق مع إيران خلال قمة في كامب ديفيد. كان الأجدى به توجيه هذه الدعوة قبل انتهاء المفاوضات التمهيدية، وليس بعد حصول الواقعة.

دولنا المجاورة لإيران، وليس الولايات المتحدة أو أوروبا، هي التي تقع في خط النيران الإيراني. لو كانوا حلفاءنا حقاً، لأعطوا أولوية لمطالبنا؛ بدءاً من اعتراف الغرب بتسمية #الخليج العربي، بدلاً من #الخليج الفارسي، نظراً إلى أن المساحة التي تغطّيها سواحل الدول العربية أكثر بثمانين في المئة من تلك التي تغطّيها السواحل الإيرانية. يُعامَل مجلس التعاون الخليجي وكأنه مجرد تابع ثانوي بدلاً من أن يكون لاعباً وشريكاً أساسياً، وهذا ليس مهيناً وحسب إنما خطير أيضاً.

في حال قبِل قادة مجلس التعاون الخليجي دعوة أوباما، أحضّهم على الوقوف جبهةً موحّدة عبر اختيار رئيس دولة واحد لتمثيل الجميع في كامب ديفيد. أرفض فكرة أنه يكفي أن يومئ الرئيس الأمريكي بإصبعه كي يذعن الجميع لأوامره؛ فملوكنا وأمراؤنا وشيوخنا وسلاطيننا ليسوا ألعوبة في يده جاهزين لتنفيذ أوامره على الفور. فضلاً عن ذلك، أياً تكن المقاربة التي سيقرّر مجلس التعاون الخليجي اعتمادها لحماية مصالحنا، يجب أن يظهر تصميماً مطلقاً وراسخا. آمل بأن ينجح الكونغرس في وضع حد لهذا الغباء، لكن في حال لم يتحقّق ذلك، يجب أن نحصل على الحق في أن نعيّن بأنفسنا مفتّشين عرب عن الأسلحة لمراقبة عمل" الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

إذاً دعونا نحلّل ما يجري.
إدارة أوباما جاهزة لا بل تبدي رغبة ليس في استعداء إسرائيل وحسب، إنما أيضاً استعداء حلفائها العرب الأساسيين، فضلاً عن شريحة واسعة في الكونغرس، من أجل إبرام اتفاق يجعل من إيران دولة على العتبة النووية بعد عشر سنوات، موعد انتهاء مدّة الاتفاق. عند تحليل الأكلاف والفوائد، يتبين أن الولايات المتحدة ستخسر أكثر مما تكسب. فهل من قطبة مخفيّة لم نتنبّه لها؟

عند جمع قطع الأحجية، تظهر صورةٌ تثبِّت ما كان سابقاً مجرد تكهنات - وهو أن العمل جارٍ على فرض صفقة جيوسياسية كبرى على حساب الدول ذات الأكثرية السنّية التي يضحّي بها الرئيس أوباما الواحدة تلو الأخرى.

إذا كان جورج دبليو بوش قد سلّم العراق إلى إيران، فأوباما قدّمه مغلّفاً في علبة هدية مع ربطة جميلة. والقصة نفسها تتكرّر في سوريا. فالمساعدات الأمريكية للمعارضة التي تتألف في أكثريتها من السنّة بدأت تبدو وكأنها خدعة كبيرة فيما أعلن جون كيري الشهر المنصرم أنه مستعدّ للتكلم مع الأسد وجهاً لوجه. حتى الآونة الأخيرة، كان البيت الأبيض يعامل مصر التي تحارب الإرهاب في مدنها وفي شبه جزيرة سيناء، وكأنها دولة منبوذة، فيما يستمر في التودّد إلى "الإخوان المسلمين".

لا يُخفى على أحد أنه خلال بداية مسيرة أوباما الرئاسية، أشارت بعض وسائل الإعلام الأمريكية إلى أن الرئيس أوباما الذي كان والده الكيني وزوج والدته الأندونيسي مسلمَين، قد لا يكون مسيحيا. حسناً، قبل بضعة أيام، شاهدت ضيفاً ضمن برنامج في إحدى التلفزيونات العربية يقول إن الرئيس الأمريكي ينتمي سراً إلى المذهب الشيعي. بالتأكيد لن أذهب إلى هذا الحد، لكنني أقول إن سياسات البيت الأبيض في الشرق الأوسط تبدو وكأنها أُخِذَت مباشرةً من كتب الملالي.

نحن معتادون على التعامل مع إدارات أمريكية أكثر احتراماً لحلفائها العرب، في حين أن هذه الإدارة يحرّكها أفراد مثل جون كيري ونائب الرئيس جو بايدن اللذين يحملان لواء القضية الإيرانية منذ عقود؛ ولعل تعيينهما لم يكن مجرد مصادفة. لقد تعهّد أوباما، منذ حملته الانتخابية، بإجراء محادثات مع الإيرانيين. ولذلك من الطبيعي ربما أن يُعيّن الرئيس في إدارته أشخاصاً يفكّرون بالطريقة نفسها.

المسألة ليست في الانتماء الديني للرئيس الأمريكي. يحترم الإسلام على حد سواء المسيحيين واليهود الذين يعتبرهم أهل الكتاب. ورجاءً لا تسيئوا فهمي وتعتبروا كلامي هذا تهجّماً على العرب الشيعة؛ إنهم إخوتنا ونتشارك معهم الديار نفسها. أنا أنتقد فقط الأفراد الذين يكنّون الولاء لأشخاص مزيّفين في قم، ولا سيما الأشخاص الذين يدبّرون المكائد للإطاحة بحكوماتنا.

خلاصة القول، ينبغي على القادة العرب أن يتنبّهوا للمؤامرات والمكائد التي تحاك ضدهم، وأن يبذلوا قصارى جهدهم لتحقيق الاستقلال السياسي والعسكري، وإقامة تحالفات جديدة. من شأن القوة العربية المشتركة المطروحة حالياً على طاولة النقاش أن تشكّل خطوة أولى جيدة للذود عن أمننا وسلامة أراضينا عندما يتعرّضان للتهديد من قوة داعمة للإرهابيين تطمح إلى تحقيق الهيمنة ويفرش لها البيت الأبيض السجاد الأحمر.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم