لطالما ناشدتُ العالم العربي لسنوات، ولا سيما قادة دول مجلس التعاون الخليجي، إنقاذ العراق واليمن من الوقوع في أيدي إيران. فعلى غرار سوريا #ولبنان، أصبح هذان البلدان اللذان يشكّلان قلب العالم العربي وكانا يتمتّعان بالعزّة والإباء في السابق، تحت سيطرة المرشد الأعلى الإيراني عملياً. وهذه ليس مبالغة. فكلامي هذا ليس مدعوماً بالكثير من الأدلّة الواقعية وحسب، بل إن شخصيات إيرانية بارزة أقرّت فعلياً بذلك. كما أن أطماع الإيرانيين لا تتوقّف عند هذا الحد.
فقد صرّح وزير الاستخبارات السابق ومستشار الرئيس الحالي للشؤون العرقية والأقليات الدينية، علي يونسي، في منتدى عام في مطلع هذا الشهر: "الشرق الأوسط برمته إيراني..."
قبل عقود، كنت لأتجاهل هذا الكلام معتبراً أنه مجرد تفكير بالتمنّي مثير للسخرية، لكن الوضع مختلف الآن، ولا يجب الاستخفاف أبداً بمثل هذه التصريحات. فقد نجح الحوثيون المدعومون من إيران بالسيطرة على الجزء الأكبر من اليمن، ووفقاً للتقارير، لا ترسل إليهم طهران الأسلحة علناً عبر الجو وحسب، بل تعهّدت الحكومة الإيرانية أيضاً بتأمين النفط لعملائها الحوثيين لمدة عامٍ كامل فضلاً عن إجراء دراسة جدوى لبناء محطات توليد للطاقة. لقد بات اليمن يشكّل تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار على حدود السعودية.
في غضون ذلك، حوّل الحرس الثوري الإيراني - الذي يضع مع مقاتلي "حزب الله" يده بيد نظام الأسد في القتال ضد مجموعات المعارضة - أنظاره نحو العراق حيث يتواجد الان مسؤولون كبار من الحرس الثوري الإيراني للإشراف على الجيش العراقي الذي يتعاون مع الميليشيات الشيعية العراقية لتحرير محافظة الأنبار ذات الأكثرية السنّية من إرهابيي "الدولة الإسلامية".
قال هادي العامري، وهو من قادة التنظيمات العراقية شبه العسكرية التي تحارب من أجل استعادة تكريت، مسقط رأس صدام، لمحطة "سي إن إن" إنه فخورٌ بأن يعلن للعالم أنه "لدينا مستشارون إيرانيون"، مضيفاً: "من يضعون ثقتهم بالتحالف الدولي لتحرير العراق هم كمن يسعون خلف سراب". كما أن حاكم كركوك، الدكتور نجم الدين كريم، قال لمحطة "سي بي إس نيوز": "إذا كانت إيران تساعدنا بأية طريقة من الطرق، لا أرى مبرّراً لرفض هذه المساعدة".
إياكم أن تتخيّلوا للحظة أن أولئك "المستشارين" الإيرانيين - أو الجنود الإيرانيين - سيحزمون أمتعتهم ويعودون إلى ديارهم ما إن تنتهي مهمتهم، كما يريد رئيس الوزراء العراقي أن يصوّر الأمور. فهذا الأخير ليس محط ثقة. إليكم ما قاله علي يونسي في هذا الصدد: "في الوقت الحالي، ليس العراق معقل حضارتنا وحسب، بل إنه أيضاً مركز هويتنا وثقافتنا وعاصمتنا، وهذا صحيح الآن كما في السابق... لا يمكن فصل الجغرافيا الإيرانية عن الجغرافيا العراقية".
وقد حاول علي لاريجاني، مستشار الأمن القومي الإيراني، أن يخفّف من وطأة هذه التصريحات، فاعتبر في حديث مع إحدى القنوات التلفزيونية الكويتية، أنه أسيء فهم الرسالة التي وجّهها يونسي، مدّعياً أنه "طرح فقط مسألة الانسجام الثقافي". لسوء حظ لاريجاني، هذه المحاولة الضعيفة لتلميع المعنى الذي قصده يونسي لن يكتب لها النجاح.
أودّ هنا أن أستشهد هنا بفقرة من مقالٍ لي نُشِر في سبتمبر من العام الماضي بعنوان: "غاب القط الأمريكي، فالعب أيها الفأر الإيراني": "المخطط واضح مثل عين الشمس، لكن من يدفنون رؤوسهم في الرمال لا يريدون أن يروه. جلّ ما أتمنّاه هو أن يفكّروا ملياً في الكلام الذي صدر عن عضو مجلس الشورى الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرّب من المرشد الأعلى علي خامنئي.
فقد كشف عن مناورات الملالي وحيَلهم خلال كلمة ألقاها مؤخراً أمام مجلس الشورى قال فيها إن إيران تمر هذه الأيام بمرحلة ‘الجهاد الأكبر’ التي تتطلب استراتيجية خاصة وتعاملاً حذراً، متباهياً بأن ‘ثلاث عواصم عربية أصبحت الآن بيد إيران وتابعة للثورة الإيرانية الإسلامية’. أضاف زاكاني أن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية".
يجب أن أعترف بأنني أخطأت في نقطة واحدة. ليست أمريكا منشغلة بأمور أخرى ، بل إنها متواطئة. في مطلع مارس الجاري، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال مارتن ديمبسي، إن التدخّل الإيراني في العراق قد يكون أمراً إيجابياً.
لقد تنبّهت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي مؤخراً للتهديد. فقبل بضعة أسابيع، طلب وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، من نظيره الأمريكي جون كيري إرسال قوات برية لمحاربة تنظيم "داعش" في العراق بسبب الخطر المحدق الذي قد يقود إيران إلى "السيطرة على العراق".
لكن مخاوف الأمير سعود الفيصل ذهبت أدراج الرياح. يدرك الرئيس أوباما أن الناخبين الأمريكيين ليسوا متحمّسين لرؤية بلادهم تتورّط في حروب جديدة في الشرق الأوسط، وهو ايضاً لا يرغب في إثارة غضب الإيرانيين في الوقت الذي تُجرى فيه حاليا مباحثات حسّاسة بشأن وضع حد للبرامج النووية الإيرانية. وقد تخلّت الولايات المتحدة في شكل أساسي عن مسؤولياتها تجاه البلد الذي اجتاحه جورج دبليو بوش عام 2003، وسلّمت تلك المسؤوليات إلى إيران التي تكنّ لها العداء منذ وقت طويل. إنه فعلا لأمر مشين.
باختصار، لقد أُطلِقت يد طهران بما يُتيح لها تعزيز استراتيجيتها الأيديولوجية والجغرافية التي تهدف إلى وضع الشرق الأوسط بأسره تحت راية الجمهورية الإسلامية الحمراء والبيضاء والخضراء. نشهد على أمبراطورية فارسية جديدة تتمدّد تحت أنظارنا. فسوريا والعراق واليمن #ولبنان هي الآن باتت مجرد دول تدور في الفلك الفارسي، في حين لا تزال البحرين من الأهداف الأساسية لطهران.
يحاول لاريجاني الآن استمالة دول الخليج، بدءاً من الكويت، لحملها على القبول بالهيمنة الإيرانية. وقد شدّد خلال اجتماع عقده مؤخراً مع أمير الكويت في العاصمة الكويتية، على "الروابط الثقافية والتاريخية الهائلة" بين البلدَين. ومن هناك، توجّه إلى قطر حيث دعا إلى تعزيز أواصر العلاقات البرلمانية. آمل بألا ينخدع قادة هاتين الدولتين الخليجيتين بكلام لاريجاني. ليس الاسترضاء الحل المناسب.
من شأن أية شرعية دولية تحصل عليها إيران في حال نجاح المفاوضات مع "مجموعة 5+1" وما ينجم عن ذلك من رفع للعقوبات واستئناف للعلاقات الدبلوماسية الكاملة، أن يؤدّي إلى تعزيز خزائن المال الإيرانية، وثقة إيران بنفسها ونفوذها الجيوسياسي.
وها هو جون كيري يخبرنا للتو بأن الولايات المتحدة قد نفضت يدَيها من محاولة تحرير سوريا من النظام الأكثر قمعية وهمجية في تاريخها. كل الدماء التي أريقت؛ وكل المعاناة التي تحمّلها السوريون ذهبت ادراج الرياح. لماذا؟ لأن إدارة أوباما جاهزة، بحسب كيري، لإطلاق محادثات السلام من جديد، على أن تشمل هذه المرة الرئيس السوري نفسه، شريك إيران في الجريمة!!
يجب ألا يبقى العرب مكتوفي الأيدي أمام كل ما يجري. نحن نملك السلاح والقوة الجوية والمال والرجال والأجهزة الاستخباراتية اللازمة من أجل الدفاع عن أراضينا. دول الخليج مهدّدة في شكل خاص. لطالما حذّرت مراراً وتكراراً في مقالاتي من أنه سيأتي يومٌ يتحوّل فيه العراق وإيران إلى دولة شيعية كبرى واحدة تصوّب أنظارها نحو دول مجلس التعاون الخليجي.
قبل بضع سنوات، هدّدت إيران بإغلاق مجالها الجوي أمام شركات الطيران التي تستخدم تسمية "الخليج العربي"، وبإغلاق مضيق هرمز في حال تعرّضها للهجوم. لو نُفِّذَت تلك التهديدات من جانب إيران وكذلك من جانب سوريا والعراق واليمن الخاضعة للسيطرة الإيرانية، لأصبح المواطنون والمقيمون في دول مجلس التعاون الخليجي رهائن مقيّدين عن السفر بحرية.
ماذا حلّ بنا؟ كنّا نتمتع بالعزّة والإباء؛ كانت قلوبنا تنبض بالمشاعر الوطنية العربية. هل ننتظر الإيرانيين كي يحتلوا أرضنا أيضاً؟ هل نقف مكتوفي الأيدي حتى يتم انتزاع كرامتنا منا وانتهاك حرمة منازلنا؟
لا يمكننا أن نظلّ متردّدين ومرتعدين في وجه التمدّد الإيراني. يجب أن نتحلّى بالصدق ، لا أن نخاف من الإعلان على الملأ من هم أعداؤنا الحقيقيون. يجب أن نتسلّح بالتصميم والإرادة ونستخدم قوتنا كاملةً لقطع رأس الأفعى.
في 23 مارس الجاري، يُتوقَّع من القمة العربية أن تطرح على رأس جدول أعمالها فكرة إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة لتنفيذ مهمات للتدخّل في حالات الطوارئ. لطالما دعوت إلى تشكيل مثل هذه القوة، لكن الوقت يداهمنا ويجب المبادرة فوراً إلى إنشائها، وغير ذلك لن يعود لها أي نفع عندما يندفع الحصان الإيراني. الفرصة سانحةٌ أمامنا كي نوجّه رسالة موحّدة إلى قم بأن أسد شبه الجزيرة العربية فتح عينَيه وكشّر عن أنيابه.