زار كولن دولينغ، الطالب في كلية إيلينوي دبي مؤخراً، بعدما فاز بالمرتبة الثانية في مسابقة الحبتور الإنشائية. ومن الواضح أن المدينة واهلها تركا انطباعاً أخر عليه
"إلى أين أنت ذاهب؟" كان الجميع يبادرونني بهذا السؤال كلما قلت لهم إنني فزت بجائزة لحصولي على المرتبة الثانية في مسابقة الحبتور الإنشائية في كلية إيلينوي. والجائزة هي فرصة لا تتكرّر في العمر: رحلة مدفوعة التكاليف لمدّة تسعة أيام إلى دبي مدينة فريدة من نوعها وأسرعها نمواً على وجه الأرض في الإمارات العربية المتحدة.
طوال فترة إقامتي هناك، تمتّعت بوسائل ترف تليق بالملوك. مارست السباحة في مناخ تبلغ فيه الحرارة نحو 80 درجة مئوية، وقفزت فوق الكثبان الرملية في رحلة سفاري في الصحراء، وتزلّجت على المنحدرات المغطّاة بالثلوج في مركز تجاري ضخم، وشاهدت كمّية هائلة من الذهب في أزقّة دبي القديمة، وسرّحت نظري في المدينة من مركز المراقبة في برج خليفة الذي يُعَدّ أطول مبنى في العالم.
هذه الرحلة التي قادتني إلى النصف الآخر من العالم كانت مختلفة عن كل ما اختبرته حتى الآن، وقد أسرت مدينة دبي مخيّلتي بطرق ستبقى مطبوعة في ذاكرتي. وأحاطني مضيفي، خلف الحبتور، بلطفه وسخائه الشديدَين.
لكن فيما كنت أتّجه للصعود إلى متن الطائرة عائداً إلى دياري، كان تفكيري كلّه منصباً على ما قاله لي أحد الأصدقاء الكثر الذين تعرّفت إليهم خلال إقامتي في دبي. فقد قال بكل بساطة "عندما تعود إلى ديارك، أخبر أصدقاءك بأننا لسنا سيّئين".
كان الهدف من المسابقة الإنشائية أن يحاول الطلاب "ردم الهوّة بين الغرب والشرق الأوسط".قبل إجراء بحوث عن الموضوع، لم تكن لدي أي فكرة عن الانقسامات التي تفصل بين المنطقتَين. وكانت الأفكار النمطية المجحفة والآراء الفاترة، وأجرؤ حتى على القول، الخوف من العالم العربي، تغشي بصيرتي.
على غرار معظم الأمريكيين الآخرين، كان كل ما أعرفه عن الشرق الأوسط أو أعتقد أنني أعرفه مستمدّ مما أشاهده عبر شاشات التلفزة أو سمعته يردد من الأفواه. إذا سألني أحد عن نظرتي إلى المنطقة، كنت لأستحضر على الأرجح صور الرجال الغاضبين الذي يحملون رشاشات “أيه كيه 47” ويفجّرون المباني، أو اللباس التقليدي يغطي المرأة من الرأس إلى أخمص القدمين.
يُخجلني القول بأنني تعرّضت، على غرار كثر سواي، للتضليل وتزوير الحقائق. وفقاً للوثائقي Inside Islam (داخل الإسلام) حول الآراء الأمريكية عن الدين الإسلامي، لقد حصر الإعلام الأمريكي الذي يستقي منه معظم الأمريكيين الأخبار، تركيزه بأقلّية ضئيلة وهامشية من المتطرّفين.
يرد في الوثائقي أن ما يزيد عن 57 في المئة من المسلمين الذين يظهرون في الإعلام الأمريكي يُصوَّرون بأنهم مقاتلون في حين أن هؤلاء لا يشكّلون سوى واحد في المئة من مجموع المسلمين.
حسن حظي، أتيحت لي الفرصة كي أشبع فضولي عن منطقة الشرق الأوسط. وخلال الرحلة، استطعت لقاء أشخاص من مختلف أنحاء العالم نظراً إلى الطابع الكوزموبوليتاني الذي تتمتّع به دبي. فقد التقيت مجموعة واسعة من الجنسيات، بما في ذلك إماراتيون وهنود وإيرانيون وأفغان وجزائريون ولبنانيون وإنجليز وروس ومصريون وصرب وأستراليون، وغيرهم الكثير. بدا أن الثقافة الأصلية للأشخاص هنا ليست مهمّة. فمن الواضح أن سكّان دبي يبنون معاً مدينة يستطيع كل واحد منهم أن يعتزّ بها.
وهكذا وجدت نفسي في منطقة من العالم يخشاها عدد كبير من الأمريكيين، لكنني رأيت أنها تشبه كثيراً ما قرأته في كتب التاريخ عن أصول الولايات المتحدة. روى لي أحد الأشخاص الذين رافقوني في رحلتي كيف ترك عائلته في الهند وجاء إلى دبي سعياً وراء العمل والفرص التي تتيحها. وقد وجد عملاً في أحد الفنادق الكثيرة في المدينة، ويرسل الآن المال باستمرار إلى أسرته.
لا شك في أن المستوطنات الأمريكية الأولى ليست مثل الصحراء في الشرق الأوسط، لكن الثروات والكفاءات التي وجدتها في دبي تشبه كثيراً ما عرفته الولايات المتحدة في مراحلها الأكثر ديناميكية.
والاختلاف كبير جداً بين الأمس واليوم، فالانتماء إلى أمريكا يفرض الآن شروطاً معيّنة مثل تحدّث الإنجليزية كلغة أساسية أو اتّباع معتقد ديني مقبول في الغرب. ربما يمكننا أن نتعلّم من أبناء دبي الذي يبنون مدينة قد تثير حتى غيرة جورج واشنطن وتوماس جيفرسون، مع العلم بأنه ليس هناك مكان مثالي في العالم.
فيما يزداد العالم ترابطاً يوماً بعد يوم، من الأهمّية أن ينفتح الأمريكيون ويكتسبوا معارف عن البلدان والثقافات والمجتمعات الأخرى، من أجل وضع حد للأفكار النمطية التي تسيطر على عقولنا منذ وقت طويل جداً. أشجّع الجميع على السفر إلى الخارج واستكشاف الأماكن التي تثير فضولهم. قد تتفتح أعيونكم كما تنورت بصيرتي في هذه الرحلة المدهشة.
وإن كنتم تفكّرون في الذهاب إلى دبي، يسرّني كثيراً أن أكون بمثابة دليل لكم. يجب أن تعلموا أن الناس هناك ليسوا سيّئين، لا بل إنهم من الأشخاص الأكثر ودّاً وطيبة الذين التقيتهم في حياتي. أنا محظوظ جداً بالصداقات التي بنيتها معهم؛ إنها مصدر اعتزاز كبير لي.