ما الذي ينتظره “أصدقاء الشعب السوري”؟ هل ينتظرون غرق نهر بردى في دمشق بالدماء قبل أن يبادروا إلى التحرك؟ لقد فات أوان عقد المؤتمرات، وقرارات مجلس الأمن الدولي التي لا طائل منها، وإيفاد المبعوثين إلى دمشق. ما جدوى الكلام والناس يموتون يومياً؟ وما فائدة الإستنكار والإدانة ومدينة حمص تُقصَف منذ أسابيع؟
حماه هي الأخرى تحاصرها قوات “الاحتلال” الحكومية، وباتت الآن معزولة بالكامل عن الخارج مع انقطاع خطوط الهاتف والإنترنت. يقبع سكانها داخل منازلهم، وهم عاجزون عن الخروج لشراء الطعام أو طلب المساعدة الطبية. يقول ناشطون إن القوات السورية تطلق النار على عائلات بكاملها بعد أن تجعلهم يصطفون أمامها وكأنها تنفّذ فيهم حكم الإعدام.
يُظهر شريط فيديو نُشِر على الإنترنت جثّتَي رجل وامرأة في أحد الأحياء الزراعية، وبجانبهما جثث أولادهما الخمسة، والذي كان أصغرهم عمره عشرة أشهر. كم يذكّرنا هذا بالفظائع التي ارتكبها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية. من كان ليتخيّل أن أدوات النظام السوري ستنحدر إلى هذا المستوى من الحضيض؟
ولم يفهم العالم أنه لا ملاذ للأبرياء ما دام نظام الأسد يحتفظ بالسلطة إلا بعد مقتل الصحافيَّين الأجنبيين في صحيفة “صنداي تايمز”، المراسلة ماري كولفن والمصوّر الفرنسي ريمي أوشليك، عندما تعرّض منزلهما الآمن في حمص للقصف. لا شك في أن موتهما كان مأسوياً، فقد كانا متفانيين في عملهما بحثاً عن الحقيقة. لكن خلافاً لسكان حمص الذين لا يملكون مكاناً آخر يقصدونه، اختارا بنفسيهما تعريض حياتهما للخطر.
لقد انقضى 11 شهراً على انطلاق الانتفاضة السورية للمطالبة بالتحرّر من القمع، ولا يزال المجتمع الدولي يكتفي بالتمتمة تعبيراً عن التعاطف من دون اتخاذ أي خطوات ملموسة لمنع النظام السوري من ارتكاب المزيد من المجازر ضد الإنسانية. على النقيض من الليبيين الذين استجيبت استغاثاتهم، لقد تم التخلي عن الشعب السوري ليواجه مصيره.
بعد الموقف الأخلاقي الحازم الذي اتّخذته أنقرة، كنا نتأمل بأن تقوم تركيا بإستخدام قوتها العسكرية لإطاحة الأسد، لكن يبدو أن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عاجز عن ترجمة خطابه القوي إلى أفعال.
والقوى الغربية تبدو عاجزة أيضاً. فما دامت تصرّ على سلوك طريق الأمم المتحدة، ستبقى أيديها مكبّلة بالفيتو الذي تستخدمه كل من الصين وروسيا في مجلس الأمن، هذين البلدَين اللذين يصمّان آذانهما عن معاناة الشعب السوري من أجل مصالحهما الجيوسياسية والاقتصادية.
تريد الأمم المتحدة أن توحي لنا بأنها تقوم بأمر مفيد، ولذلك عيّنت أمينها العام السابق كوفي عنان مبعوثاً خاصاً إلى دمشق. يا لها من مضيعة للوقت! لا شك في أنه لدى عنان نوايا حسنة، لكن من يتخيّل أن بإمكانه التخفيف من قبضة الأسد على السلطة فهو واهم. فإذا كان الأمين العام الحالي للأمم المتحدة مجرد بيروقراطي لا يتمتع بأي مهارات مقنعة في التواصل، ما هي الحظوظ التي يملكها سلفه عنان الذي لم يتمكن من إحداث تغيير يذكر في العالم خلال ترؤسه للمنظمة الدولية؟
لن تكون الأمم المتحدة فعالة إلا عندما يُمنَح أمينها العام سلطة حقيقية، ويُجرَّد الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن الدولي من حق النقض (الفيتو). وينطبق الأمر عينه على الجامعة العربية. فأمينها العام نبيل العربي مكبّل بالآراء المتعارضة داخل الجامعة؛ وجل ما يستطيع فعله هو أن يطلب من مجلس الأمن الدولي الدعوة إلى وقف إطلاق النار. يا لها من دعابة، فقد قُتِل ما يزيد عن 7000 سوري حتى الآن، فيما يتجاهل الرئيس السوري هذه النداءات من الأصدقاء والأعداء على السواء.
يجب أن يقود الأمم المتحدة والجامعة العربية أشخاصٌ يتمتّعون بخصال قيادية حقيقية وبالسلطة لاتّخاذ القرارات، لا مجرّد موظفين لا يملكون أي صلاحيات. لقد أظهر العربي أنه يفتقر إلى الحكمة وصواب الرأي في مواقف عدّة ليس أقلّها تعيين فريق أول سوداني مثير للجدل لرئاسة بعثة المراقبين العرب إلى سوريا؛ ومهمة إسناد مهمة الوساطة إلى الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي فشل ذريع آخر.
نحن لسنا بحاجة إلى رؤساء صوريين توافقيين على رأس تلك الهيئات لا سيما وأن المخاطر تحدق بعالمنا من كل حدب وصوب. نريد قادة حقيقيين قادرين على التواصل كما يجب بلغتهم الأم ولغات أخرى أيضاً، ولا سيما الإنجليزية. لا نريد ذكوراً بل رجال بكل معنى الكلمة.
لقد فقد بشار الأسد كل مصداقية. ولم يبقَ أمامه سوى مخرج وحيد، وهو الرحيل. القائد الذي يقتل شعبه لا يستطيع أن يكون ممثّلاً لهم. ينبغي أن ينظر إليه كمحتلّ ومغتصب للسلطة ويتحتم الإطاحة به واعتقاله. وبعد كل الدماء التي تلطّخت بها يداه، لا أريد أن أراه مقتولاً، بل يجب أن يُجَرّ أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي إلى جانب زمرته الفاسدة وأعوانه وأفراد أسرته الحديثو النعمة، من أجل إحقاق العدالة التي لطالما أنكرها على كل من تجرّأ على الوقوف في وجهه.
يوم الجمعة الماضي، اجتمع ممثّلون عن العديد من البلدان الغربية والعربية يطلقون على أنفسهم اسم “أصدقاء الشعب السوري” وبينهم ممثّلون عن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وقطر والسعودية والجامعة العربية - في تونس، وتمحور موضوع النقاش الأساسي حول سبل إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين الذين يحتاجون إليها، مثل إنشاء ممرات إنسانية آمنة.
أولاً، أعترض على المكان الذي انعقد فيه المؤتمر. لماذا وقع الاختيار على تونس التي تديرها حكومة جديدة لم تثبت أهليتها بعد في التعامل مع الرهانات السياسية ذات المستوى العالي في الشرق الأوسط؟ ثانياً، ما تريده المعارضة السورية هو أسلحة ثقيلة وفرض منطقة لحظر الطيران، وليس مواد غذائية.
البطل الحقيقي في نظري هو وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي يدعم تسليح مقاتلي المعارضة السورية، وهو على ما يبدو قد ضاق ذرعاً من الكلام العقيم مثلي تماماً. فقد انسحب من مؤتمر تونس احتجاجاً على “عدم فاعلية” المندوبين. وسأل الأمير “هل من العدل تقديم المساعدات وترك السوريين لآلة القتل؟” ويطالب وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بتشكيل قوة عربية ودولية لحفظ السلام في سوريا، وهو ما أدعو إليه منذ أشهر.
فلنثبت للقوى التي تتدخّل في شؤوننا أننا نستطيع تدبّر أمورنا بأنفسنا. إذا دخل جيش يـتألف فقط من قوات عربية إلى سوريا بدعم من الجامعة العربية، فسوف يلقى ترحيبا من غالبية السوريين الذين ستعلو أصواتهم فوق الاعتراضات الروسية والصينية. إنها لحظة تاريخية لنا. عسى أن تنتهزها السعودية وقطر وكل دولة عربية تعتبر نفسها صديقة حقيقية لسوريا.
لقد أصمّ الرئيس الأسد آذانه عن النداءات والاقتراحات العربية، لكن مهما بلغت غطرسته، لا يستطيع أن يتجاهل غضبنا الجماعي.