كشف تقرير مقلق للغاية صدر مؤخراً عن وكالة "أسوشييتد برس" من أن "بريطانيا وأمريكا ترغبان في منح ممر آمن - وحتى العفو - للرئيس السوري بشار الأسد كجزء من جهود دبلوماسية لعقد مؤتمر برعاية الأمم المتحدة في جنيف"، مقلق جداً.
لا يستحق الرئيس الأسد الرأفة. إنه همجي بقدر الزعيم الصربي البوسني السابق رادوفان كارادزيتش والجنرال الصربي السابق راتكو ملاديتش اللذين يُحاكَمان بتهمة ارتكاب إبادات جماعية وجرائم حرب. فمنذ عام ونيّف، يقصف جيشه المنازل بالدبابات والمروحيات، في ما يشبه وحشية الخمير الحمر في كمبوديا الذين لم يقيموا أي اعتبار للحياة البشرية.
وقد مارس هذا الجيش التعذيب والقتل والتشويه بحق المدنيين بما في ذلك الأطفال. لقد تعرّض الملايين للترويع والترهيب. وأُجبِر عشرات الآلاف على الهروب إلى البلدان المجاورة أو هُجِّروا من منازلهم. قد يكون الأسد متعلماً ولبقاً وعذب اللسان، لكن خلف الظاهر المنمَّق، فإنه أكثر وحشية من والده حافظ الأسد.
تخيّلوا الغضب العارم الذي كان لينفجر لو أن كارادزيتش وملاديتش كانا قد حصلا على العفو؛ لم يكن آنذاك من الوارد أبداً تركهما حرّين طليقين. وهل يُعقَل مكافأة الأسد على الفظائع التي ارتكبها؟ لا بد من أن الهمجية تسري في جينات تلك العائلة. ما زلت أرتعد كلما تذكّرت كيف سحق حافظ الأسد انتفاضة في مدينة حماه في فبراير 1982.
فقد أصدر أوامره لشقيقه رفعت بتطهير المنطقة من المقاومين مهما كلّف الأمر، فلم يتوانَ الأخير عن تنفيذ الأوامر بحماسة شديدة، مما أسفر عن مقتل 40000 شخص في هذه العملية معظمهم من الأبرياء.
قساوة بشار الأسد ووحشيته، ولامبالاته أمام معاناة شعبه على يده هو، وصمة عار على جبين كل عربي. يستصرخ إخوتنا وأخواتنا في سوريا العالم العربي كي يتدخّل؛ إنهم يتوسّلون إنقاذهم. وقد عرضت شاشات التلفزيون ما صنعته يدا الأسد، فرأينا الأجساد الصغيرة للأطفال الذين قتلهم "الشبيحة" العلويون لمعاقبة أهلهم المعارضين.
لكن حتى الآن، لم يردّ أي بلد عربي على تلك المناشدات بتقديم مساعدة عملية، بإستثناء السعودية وقطر اللتين تقومان، بحسب صحيفة "الغارديان"، بتسليح الجيش السوري الحر والمساهمة في تمويله. لكن للأسف، ليس هذا كافياً.
لدي الجيش السوري الحر قوة دفاعية، ولكنها بالطبع ولا تضاهي أبداً قوة هؤلاء القتلة المأجورين النظاميين المدرّبين جيداً والمدجّجين بالسلاح الذين يعملون تحت إمرة الأسد. تزويدهم بالمال والسلاح ليس سوى البداية، لكنه لن ينجح في قلب الميزان لصالح من يطالبون بوضع حد للنظام الديكتاتوري.
ربما تساعدنا مثل هذه المبادرات إلى حد ما على الشعور براحة الضمير، وعلى النوم في شكل أفضل ليلاً. لكن دعونا لا نخدع أنفسنا. تمرّ سوريا الأن في أسوأ أزمة في تاريخها. إلى متى ستستمر الدول العربية في الاكتفاء بالإجراءات الشكلية من دون الجوهر؟
تقاعسنا وصمة عار على جبيننا. يشتكي العرب باستمرار من القوى الأجنبية التي تتدخّل في شؤونهم، لكنهم لا يُظهرون استعداداً لحل مشاكلهم بأنفسهم.
قد يتذمّرون خلف الأبواب، لكنهم يحجمون عن اتخاذ قرارات واضحة أو خطوات جريئة، ويفضّلون إظهار وجه محايد للعالم الخارجي. أنا أشعر بالعار لأن قادتنا بارعون في الكلام، لكن عندما يحين وقت الحسم، نادراً ما ينتقلون إلى الفعل والتنفيذ.
وهذا بيدو محيّر فعلاً نظراً إلى أنه لدينا سياسيون وخبراء استراتيجيون شديدو الذكاء، وجيوش وقوات جوية وبحرية فاعلة، وتكنولوجيات ونظم اتّصالات متطوّرة جداً. نتصرّف وكأننا أشخاص مشلولون نجلس عاجزين فيما ننتظر بقلق وترقّب القوى الغربية لتتّخذ القرارات بالنيابة عنا، تماماً كما فعلت في مطلع القرن العشرين. لقد ولّت تلك الأيام.
وانتهى زمن الإستعمار. نحن أحرار ومستقلّون الآن... أم هل نحن كذلك فعلاً؟ إذا لم نعد خاضعين فعلاً لسلطة القوى المهيمنة، فلماذا تقف حكوماتنا على الهامش وتسمح للولايات المتحدة وبريطانيا بالتدخّل في الشؤون العربية؟ ما الذي يمنح هذين البلدَين الحق في تأمين خروج مجرم مسؤول عن ارتكاب مجازر مريعة بحق شعبه؟ إلا إذا كنّا فعلا جبناء أو ضعفاء جداً بحيث لا يمكننا إدارة مشاكلنا بأنفسنا، فنحن لا نستحق إذاً الاستقلال؛ وقد يصل بنا الأمر إلى حد دعوة القوى الإستعمارية السابقة إلى إدارة شؤون حياتنا بالنيابة عنا.
ربما ألامس حدود التهكّم، لكنني بدأت أفقد صبري. لطالما وصفت نفسي بأنني عربي أبيّ، إلا أنني أرى أننا لا نزال نخضع لسيطرة الغرب، ولذلك أفقد يوماً بعد يوم اعتزازي بانتمائي إلى الأمة العربية الأكبر. الخروج الوحيد الذي يجب أن يحصل عليه الأسد هو تذكرة ذهاب من دون إياب إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. لقد خسر هو وزوجته وأولاده والتابعين له حتى والدته حقهم في التفاوض على انتقال سياسي أو المشاركة في محادثات برعاية الأمم المتحدة.
ليس جديراً بالرأفة على الإطلاق إلا إذا سمحت عائلات الضحايا السوريين بذلك. يبدو الرئيس مبارك قدّيساً بالمقارنة معه. سوف يكون من الظلم أن يُشاهَد الأسد يتسوّق مع زوجته الأنيقة ويشتريان أفخم الماركات في شارع سان أونوري في باريس، فيما يلفظ الرئيس المصري السابق أنفاسه الأخيرة خلف القضبان.
لا بد من الإشارة إلى أن إدارة أوباما أنكرت مؤخراً أي نيّة لها بتأمين خروج الرئيس السوري من البلاد، لكن نادراً ما يكون هناك دخان من دون نار. من المعلوم أن الرئيس أوباما يتعرّض للضغوط للتدخّل لأسباب إنسانية.
ومن المعلوم أيضاً أنه لا يرغب في مواجهة موسكو وبكين اللتين تدعمان الأسد سعياً منهما إلى الحفاظ على مصالحهما الخاصة في المنطقة على حساب الشعب السوري. يعتبر أوباما أن السماح للأسد بالخروج من البلاد، كما فعل الرئيس التونسي السابق بن علي، قد يكون أهون الشرّين.
قبل أن يصبح هذا الاحتمال أمراً واقعاً، ينبغي على رؤساء الدول العربية أن يوجّهوا إلى واشنطن ولندن رسالة واضحة لا لبس فيها مفادها: لا تتدخّلوا في شؤوننا! نحن المسؤولون عن تنظيف الأوساخ في منطقتنا. وإلا نكون قد أغمضنا عيوننا عن دموع الأطفال السوريين، ولنمحُ عندئذٍ كلمة العالم العربي من أذهاننا ونحني رؤوسنا أكثر فأكثر أمام أسيادنا في واشنطن ولندن.