في الحقيقة إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لا تنقصه الوقاحة. فقد وجّه دعوات إلى قادة مجلس التعاون الخليجي، لحضور القمّة السادسة عشرة لحركة عدم الانحياز التي ستُعقَد في طهران من 26 إلى 31 أغسطس المقبل. آمل، ولأسباب عدّة، أن يرفض زعماء الدول الخليجية تلبية هذه الدعوة، لكن هذا وحده لا يكفي، بل يجب أن يمتنعوا أيضاً عن إرسال من ينتدبهم، ولو على مستوى متدني من التمثيل.
فلنوقف هذه المهزلة. لا يخفى على أحد أن الود مفقود بين دول مجلس التعاون الخليجي والجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب وقوف طهران خلف الانتفاضة الشيعية في البحرين، هذا البلد العربي الذي كانت تطالب إيران بضمه في الماضي.
ويوجّه الرئيس الإيراني انتقادات لاذعة للسعودية حول مسائل متعدّدة، كما أنه نكأ مؤخراً الجرح الإماراتي النازف جرّاء احتلال بلاده لجزر تابعة للإمارات العربية المتحدة، وذلك عندما قام بزيارته الاستفزازية إلى جزيرة أبو موسى في خطوة أثارت استنكاراً شديداً في أبو ظبي والرياض والمنامة. وقد استدعت دولة الإمارات سفيرها في طهران احتجاجاً على هذه الزيارة. بدلاً من دعوة قادتنا إلى قمة عدم الانحياز، على الحكومة الإيرانية أن تعيد إلينا في الحال جزرنا التي سرقها الشاه في السبعينيات، هذا إذا كانت تريد فعلاً رأب الصدع مع دول الخليج.
أولاً، الخلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران أعمق بكثير من ذلك. فالشعوب العربية الخليجية غير راضية عن تحوّل العراق إلى بلد يدور في الفلك الإيراني، أو عن سيطرة مجموعة من خارج إطار الدولة على الحكم في لبنان بواسطة الأموال والأسلحة الإيرانية.
علاوةً على ذلك، يستخدم الإيرانيون حالياً الثروة من أجل كسب ود الإخوان المسلمين الذين يسيطرون على مجلس الشعب في مصر للإنضمام إلى صفّهم؛ وفي اسوأ الإحتمالات، إذا نجح هذا المخطّط، فسيحول دون تمكّن مصر من استعادة مكانتها كدولة قيادية في العالم العربي، بل على العكس ستصبح موضع شبهات من القوى الغربية التي لن تهدر وقتها في وضع مصر على لائحة الاستهداف.
إذاً ما الجدوى من الاستمرار في التظاهر بالود مع طهران؟ فلنعلنها صراحة ودون مواربة أن إيران ليست دولة صديقة، ويجب ألا نخاف من الإقرار بذلك أو من اتخاذ الموقف الصائب. يجب أن يمتنع قادتنا عن الجلوس إلى الطاولة نفسها مع من يعملون ضدنا أو عن مصافحة أشخاص ملطّخي الأيدي.
ثانياً، تدافع إيران، إلى جانب روسيا والصين، بقوّة عن الرئيس السوري بشار الأسد الذي يقوم جيشه بذبح الأبرياء العزّل من الرجال والنساء والأطفال السوريين ويبتر أعضاءهم ويمارس ضروب التعذيب بحقهم منذ عام ونيّف. لقد شاهد الجميع صوراً مروِّعة عن الدمار والمجازر المستمرّة في سوريا، ودول مجلس التعاون الخليجي محقّة في موقفها الموحّد الداعي إلى التحرّك لوقف هذه المأساة الإنسانية بمختلف الوسائل، أو الداعم لتحرّك يحظى بموافقة الجامعة العربية والأمم المتحدة.
غني عن القول أن الرئيس بشار الأسد تلقّى أيضاً دعوة لحضور قمة حركة عدم الانحياز، وهذا سبب إضافي كي يفكّر قادة الخليج ملياً قبل اتخاذ القرار بالمشاركة. حيث أنه من شأن ظهور زعماء الدول الخليجية أو ممثّلين عنهم في صور إلى جانب الديكتاتور السوري الذي تلطّخت أيديه بالدماء، أن يوجّه الرسالة الخطأ إلى شعوبنا وإلى العالم بأسره.
ثالثاً، لست متأكداً إذا ما كان على دول مجلس التعاون الخليجي الأستمرار في عضويتها في حركة عدم الانحياز. قبل كل شيء التسمية "عدم الانحياز" مغلوطة إذ تولّد انطباعاً بأن كل بلد مستقل سياسياً في حين أن الدول الأعضاء الـ120 تقف صفاً واحداً في وجه القوى الغربية ولا سيما عندما يصبّ ذلك في مصلحتها.
في مختلف الأحوال، لم ترقَ الحركة إلى مستوى المثل العليا التي وضعها فيدل كاسترو في العام 1979 وهي ضمان "استقلال البلدان غير المنحازة وسيادتها وسلامة أراضيها وأمنها"، والنضال "ضد الإمبريالية والأستعمار والعنصرية ومختلف أشكال العدوان الأجنبي والاحتلال والسيطرة والتدخّل والهيمنة، وكذلك ضد سياسة القوى والكتل العظمى".
صحيح أن الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز تمثّل نحو 55 في المئة من سكّان العالم، بيد أن الحركة لم تنجح في الحؤول دون تعرّض أعضائها مثل أفغانستان والعراق، للغزو. لا بل إن بعض الدول الأعضاء في الحركة على غرار أذربيجان وجمهورية الدومينيكان وهندوراس، ساهمت بشكل كبير في التحالف عبر إرسال قوات أو تأمين دعم إضافي له، مما يشكّل خرقاً واضحاً لمبادئ الحركة ومنها "الاحترام المتبادل لسيادة الدول الأعضاء الأخرى وسلامة أراضيها"، و"عدم الاعتداء المتبادل" و"التعايش السلمي".
وكذلك قدّمت أذربيجان وبنغلاديش (وكلتاهما عضوان في حركة عدم الانحياز) قوّات مسلّحة وسفناً حربية على التوالي لمهاجمة أفغانستان التي تنتمي أيضاً إلى الحركة، في العام 2001. الحقيقة هي أن البلدان التي تدّعي تبنّي المبادئ التي تأسّست عليها حركة عدم الانحياز، هي أبعد ما تكون عن الحياد وعدم الانحياز، ولا تشبه على سبيل المثال النموذج السويسري المعروف بحياده التام.
رداً على الدعوة التي وجّهتها إيران إلى قادة مجلس التعاون الخليجي للمشاركة في قمة حركة عدم الانحياز وفي ما يتعلق بوجوب قبولها أو رفضها، أتمنى عليهم وبكل احترام التوقف عند المقولة الحكيمة الذي كتبها الأغريقي إيسوب "الصديق المشكوك به أسوأ من العدو المؤكد. فلندع الشخص يحدّد مكانه، ثم نتعامل معه على هذا الأساس".