الخميس، 12 ديسمبر 2024

المسيحية في الأمارات العربية المتحدة: ثقافة و تاريخ

بقلم جوانا أندروز

© Shutterstock

يشكل المسيحيون اليوم خمسة في المئة فقط من سكان الشرق الأوسط و يعزي التراجع في اعدادهم الى تدني معدلات المواليد و الأضطربات السياسة هما من العوامل المساهمة. في أطار سلسة التواصل بين الأديان تحدثت جوانا أندروز مع القس أندرو طومبسون كبير القساوسة في كنيسة سانت أندروز الأنجيليكانية في أبو ظبي و بادرته بالسؤال عن المسيحية في الأمارات العربية المتجدة.

تدرّج القس أندرو طومبسون )حائز على وسام الأمبراطورية البريطانية برتبة عضو "إم بي إي"( كاهناً في كنيسة إنجلترا في أكسفورد، وتمت سيامته في كاتدرائية دربي. يحمل شهادات في العلوم السلوكية والدراسات الإسلامية، وألّف كتباً عدّة عن المسيحية.

يسلّط كتابه الأخر "المسيحية في الإمارات العربية المتحدة: ثقافة وتاريخ" الضوء على التسامح الديني في الإمارات السبع. تسامح و التفاهم قال سعادة السفير البريطاني السابق لدى دولة الإمارات دومينيك جيرمي: "بصفتي سفيراً للمملكة المتحدة التي تعتز كثيراً بتراثها وهويتها اللذين يتميّزان بتعدّد الأديان، يسرني أن أدعم هذا العمل. احتضان الإمارات للمسيحية وعدد كبير من الأديان الأخرى إرث رائع تركه ]المغفور له[ الشيخ زايد من خلال سعيه إلى بناء مجتمع منفتح ومتسامح". في مقدمة الكتاب، يستشهد سمو الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي سابقاٍ، ويشغل حالياً منصب وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع بدولة الإمارات، بآية من القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" ]سورة الحجرات: 13 [، مضيفاً أن الهدف هو أن "يتواصل الناس في ما بينهم ويعيشوا معا في سام ووئام  وتابع: "عملت دولة الإمارات بهذه الوصية منذ تأسيسها.

 فقد وحّدت بن الشعوب من مختلف الأديان، ووجدت أرضية مشتركة بن من ينحدّرون من تقاليد دينية مختلفة، وصقلت القيم الجوهرية التي تلتقي حولها كل الأديان. تعتبر دولة الإمارات التي باتت تحتل مكانة قيادية في المنطقة وتمارس تأثراً عالمياً، أن الأشخاص الصادقين في إيمانهم يتقاسمون رؤية مشركة، وأن كل الأديان تزود الناس بالراحة والأمل والإلهام في عالم معقد وصعب". لطالما افتخرت دولة الإمارات بتسامحها، فالحرية الدينية متجذرة في دستور البلاد. تنص المادة 32 من الدستور على ما يأتي: "حرية القيام بالشعائر الدينية طبقاً للعادات المكفولة، على ألا يخل ذلك بالنظام العام، أو ينافي الآداب العامة".

 لكن للأسف ليس هذا النموذج معملا على المنطقة بكاملها. يقول القس طومبسون إن أكبر خطر تواجهه الكنيسة في العالم هو الخطر الذي يُحدق بالعرب المسيحيين في الشرق الأوسط، مضيفاً "يواجه المسيحيون العرب في فلسطين ومصر والعراق صعوبات جمّة". ويرى طومبسون أن "بعض التحديات مشتركة بين المسيحيين وأبناء الديانات الأخرى في المنطقة، مثل انعدام الأمن المستشري، والفقر، والنقص في البنى التحتية، وفساد الأنظمة، وغياب الفرص التعليمية... بيد أن انتماءهم المسيحي غالباً ما يؤدّي إلى تعرّضهم لإضطهاد المفارقة هي أنه يُنظَر إلى المسيحية بأنها دين غربي، ولذلك يسود اعتقاد بأن المسيحيين العرب يتعاطفون مع السياسة الخارجية الغربية، وبالتالي يجب اعتبارهم أعداء. لكن طومبسون يعلّق: "هذا مخالف للحقيقة تماماً". ويتابع: "يجب أن يتذكّر المسلمون والغرب أن اللشرق الأوسط هو مهد المسيحية، وأن الدين المسيحي ليس بالتالي غريباً عن المنطقة. يجب الإقرار بأن المسيحيين العرب يعانون، شأنهم في ذلك شأن العرب جميعاً، من تداعيات عدم الإستقرار في الحكم أو القمع الذي تمارسه الحكومات، وكذلك من السياسات الخارجية المعادية. باختصار، يجب العودة إلى قومية عربية راسخة تتبنّى التعددية حيث تلقى كل الأقليات العربية ترحيباً وتحظى بالحماية".

الخصوبة و الأضطهاد و الهجرة تقف أسباب كثيرة خلف تراجع أعداد المسيحيين في الشرق الأوسط، أبرزها تدنّي معدل المواليد بالمقارنة مع شرائح السكان الأخرى. فقد انخفضت أعداد المسيحيين من نحو 20 في المئة من سكان المنطقة في مطلع القرن العشرين إلى خمسة في المئة فقط اليوم. ومن غير المرجّح أن تتحسّن الأمور قريباً، بحسب طومبسون الذي يقول: "من العوامل الأساسية التي أدّت إلى تناقص أعداد المسيحيين العرب في الشرق الأوسط الهجرة. يغادر المسيحيون العرب أوطانهم بحثاً عن تعليم أفضل وعن تحسين نمط حياتهم وحياة أولادهم". في المملكة المتحدة، وجّه اللورد كاري، رئيس أساقفة كانتربري سابقاً، تحذيراً العام الماضي، من أن المسيحية في بريطانيا تقف على مسافة جيل واحد فقط من الانقراض إذا لم تبادر الكنائس إلى تحقيق اخراق دراماتيي في استقطاب الشباب إلى الديانة من جديد. يقول طومبسون إن كلام اللورد كاري يكشف الإفلاس الروحي لبريطانيا ما بعد الحداثية: "تشدّد تأثرات النهضة والتنوير والحداثة على أن المنطق البريئ هو المبدأ الذي يقود إلى الحقيقة، ما أدّى إلى تعظيم الأنا الفردية وعبادتها، وبالتالي إلى انهيار التماسك المجتمعي في كل المجالات من العائلة وصولاً إلى المجتمع الأوسع.

ويلفت إلى أن هناك تعطّشاً روحياً شديداً في أوروبا يظهر من خلال الاستهلاك الواسع لمنتجات معيّنة على غرار الكتب الروحية "للمساعدة الذاتية"، واليوغا، وتمارين التأمّل، مضيفاً: "الفارق هو أن الأشخاص يسعون إلى لقاء الله بمفردهم وليس في مجموعات. لقد استُبدِلت العبادة الجماعية بسعي فردي خلف تجربة روحية حقيقية. أهمية العائلة، واحترام كبار السن، والتجارب الدينية المشركة من الأمور التي يمكن أن يُعيد الغرب تعلّمها من جديد من الشرق الأوسط". مفاهيم خاطئة يروي القس طومبسون، في كتابه، أنه عندما يُخبر الناس في المملكة المتحدة أنه قائد مسيحي يعمل في الخليج العربي، يتكرّر رد الفعل نفسه، إذ يُخيّل إليهم أن عمله صعب ومحفوف بالمخاطر. فعل السبيل لتغير هذه العقلية؟ يجيب طومبسون: "كل شيء مرتبط بالتعليم الإيجابي واللقاءات الإيجابية. يساعد التعليم (يجب عدم خلطه مع التبشير أو الأنجلة) على فهم ‘الآخر’ ويحدّ من الجهل. واللقاءات التي تعزّز لاحرام المتبادل جزء أساسي في هذا المسار. ثمة مجموعة كبيرة ومتنوّعة جداً من الميادين التي يمكن أن تحصل هذه اللقاءات من خلالها، مثل الأعمال، والرياضة، والموسيقى، والأفلام والطعام. يضيف: "من شأن الدور الذي تؤدّيه العلاقات بين الأديان من خلال الحوار، أن يساهم في تسهيل هذا المسار. يجب أن يتم الحوار عند مختلف مستويات المجتمع، من القادة الدينين مروراً بالأكاديمين وصولاً إلى تعزيز التجارب التأسيسية في أوساط الشباب والصغار، فهذا أساسي لبناء صداقات وتعزيز التفاهم المتبادل. أخيراً، يجب استخدام وسائل الإعلام لترويج ‘أخبار جيدة’ والكشف عن بدائل للعنف والأحكام المسبقة".

 سلام لا ارهاب يوجّه طومبسون أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام في صعود ارهاب الإلاام أو الإسلاموفوبيا: "توقّع علاء الاجتماع ذلك في إطار نمط أوسع من المجتمعات التي تتفكّك، في الاقتصاد العالمي، إلى هويات أصغر. نشهد بصورة مستمرة على إعادة تكوين ‘الدول القومية’ وإعادة ترسيم الحدود، ما يعني أن الأشخاص يبحثون عن هوية تتجاوز كل هذه الأمور الزمنية. وهذا مؤاشر عن نمو في الدين

  والروحانية - والنزاع ينشأ نتيجة هذه المنافسة". يتابع: "لست ممن يعتقدون بحتمية ‘صدام الحضارات’ الذي تحدّث عنه صاموئيل هانتنغتون، لكن النزاعات مقلقة، ووسائل الإعلام التي تصبح متاحة على نطاق أوسع، مسؤولة إلى حد كبير عن استمرار ارهاب الإسلام وتفشّيه". مجتمع داعِم لكن هناك بوادر أمل. فحكاية المسيحية في الإمارات هي حكاية صداقة وخدمات متبادلة تثلج القلوب. يقول طومبسون: "أروي هذه القصة بتفصيل أكبر في كتابي عن المسيحية في الإمارات.

لقد رسمت الإرساليات الحديثة في مطلع القرن العشرين المسار من خلال تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للسكان... ومن نتائج ذلك تعزيز الإرادة الطيبة ما جعل المجتمعات المسيحية موضع ترحيب، وأُتيح لها بناء دور للعبادة". يقول إن الحكومة الإماراتية لا تزال تتعامل حتى يومنا هذا بسخاء مع المسيحيين (وأبناء الديانات الأخرى) من خال تأمين أراضٍ لبناء مزيد من دور العبادة، وعبر دعم المبادرات الحوارية. ختاماً، ينصح طومبسون الدول الأخرى بأن تقتدي بالإمارات العربية المتحدة: "لدى الإمارات قصة رائعة تستحق أن تتشاركها مع العالم. ففي حين تشهد بلدان أخرى معاناة شديدة بسبب النزاعات بين الطوائف المختلفة، نجحت السلطات الإماراتية في تجسيد التسامح والصداقة على نطاق واسع. وهذا يستحق التنويه ومشاركته مع المجتمع الدولي.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم