قال ويليام شكسبير في السطر الأول من مسرحيته الليلة الثانية عشرة، "إذا كانت الموسيقى غذاء الحب، فلنستمر في العزف". لكن ربما كانت للموسيقى قوة أكبر، كما اكتشفت أمل العقروبي في فيلمها الوثائقي الحائز على جائزة، "أنشودة العقل"، الذي يوثّق مسيرة صبيَّين مصابَين بمرض التوحّد في #الإمارات العربية المتحدة، محمد البالغ من العمر 19 عاماً، وخليفة، ابن الستة أعوام. يتحدّث الفيلم عن التقدّم الذي أحرزاه خلال ثلاثة أشهر من العلاج بالموسيقى، الذي لطالما اعتُبِر وسيلة ناجحة لتغيير سلوك الأشخاص الذين يعانون من التوحّد.
التوحّد مرض معقّد يعوِّق نمو الشخص وتطوّره، وتظهر عوارضه في الأعوام الثلاثة الأولى من حياة الطفل. يؤثّر في قدرة الشخص على التواصل والتفاعل مع الآخرين. بحسب "جمعية التوحد الأمريكية"، "يُحدَّد التوحّد بمجموعة معيّنة من أنماط السلوك، ويُسمّى ‘اضطراب طيف التوحّد’ الذي يؤثّر في الأفراد بطرق ودرجات مختلفة".
لقد كشفت الدراسات أن الأولاد المصابين بالتوحّد يُظهرون مزيداً من التعبير العاطفي والانخراط الاجتماعي خلال جلسات العلاج بالموسيقى بالمقارنة مع الجلسات من دون موسيقى.
تقول العقروبي إن الموسيقى أدّت دوراً أساسياً في نمو خليفة: "منحته فرصة التعبير عن نفسه ومشاعره بعد وفاة والده. أصبح أكثر ميلاً إلى الاختلاط الاجتماعي، وأقل حساسية تجاه الضجيج المرتفع، وأكثر ثقة بنفسه إلى حد كبير".
أما بالنسبة إلى محمد، فقد سبق أن خضع للعلاج بالموسيقى، ولذلك كانت التأثيرات عليه أقل وضوحاً خلال عملية التصوير. تعتبر العقروبي أن القيمة المضافة ليست فقط من الموسيقى إنما من الرفقة التي حصل عليها الصبيّان: "أعتقد أنه كان لديهما صديق لبعض الوقت - إنه ماريون، الاختصاصي في العلاج بالموسيقى، الذي كان يزورهما أسبوعياً".
تقول إن أحد أبرز الجوانب في الفيلم هو رؤية تأثير التوحّد على العائلات والمجتمع الأوسع: "أعتقد أن جميع المخرجين يهتمّون بمعرفة نظرة الجماهير إلى الروايات التي نقدّمها لهم - تتجلّى روعة الأمور في ما يحدث بعد عرض الفيلم. لقد ساهم فيلم ‘أنشودة العقل’ في تحقيق قدر كبير من التغيير الإيجابي. بعد الحملة التي قمنا بها للتوعية حول مرض التوحّد على مستوى البلاد، أصبح مئات آلاف الأشخاص أكثر اطلاعاً إلى حد كبير على مرض التوحّد".
شارك الفيلم في مختلف المهرجانات السينمائية على امتداد عام كامل، وساهم من خلال ذلك في نشر التوعية حول مرض التوحد، كما أنه حصد العديد من الجوائز. لكن العقروبي لم تتوقّف عند هذا الحد، وكان لها ما أرادت بفضل تصميمها وقوة عزيمتها: "أخذت الفيلم في جولة، وعرضته في العديد من المدارس والجامعات والشركات الخاصة. وقد تبنّته مجموعة Inception Media التي تنوي توزيعه في مختلف أنحاء العالم".
تقرّ بأنها "لا تزال طفلة في أعماقها"، وهذا أحد الأسباب وراء عملها على هذا المشروع الطموح. تقول: "أريد أن أغيّر العالم نحو الأفضل. أعرف أنني أستطيع ذلك من خلال قوة الأفلام. أريد أن أخبر قصصاً تُلهم الأشخاص أو يستمدّون منها معارف وعِبراً، وتُطلعهم على أمور لم يكونوا على علم بها".
تخصّصت العقروبي في العلوم الطبية الحيوية والعلوم العصبية في المملكة المتحدة قبل أن تتحوّل نحو إخراج الأفلام. تقول: "كانوا يُعيدون إلي امتحانات العلوم التي أجريها، مرفقة بعلامات استفهام كبيرة. غالباً ما كانوا يضعون لي علامات تعجّب على الورقة ويتّهمونني بأنني أميل كثيراً إلى الوصف أو التأنّق في الأسلوب".
تقول إنها تستلهم في مسيرتها المهنية من تجاربها في اكتساب المعارف ونشأتها الدولية: "أستلهم من العالم المحيط بي. أحبّ التعلم".
تقول العقروبي إنها الأكثر قسوةً في انتقاد نفسها، وإنها تواجه، أمام ذاتها، التحدّي الأكبر على الإطلاق: "يجب أن تؤمن بما تفعله، ويتحوّل إلى تحدٍّ عندما لا يكون هناك ما تقارنه به. لم يكن لدي مرشد قط - كنت أطرح أسئلة على نفسي باستمرار من دون أن أحصل على أجوبة، لكنني مضيت قدماً. من أصعب الأمور التي يمكن للمرء أن يقوم بها السعي وراء النجاح وتحفيز نفسه عندما يكون الجميع مصممين على إقناعه بأنه عاجز عن تحقيق ما يصبو إليه".
العمل على مشروعها المقبل جارٍ على قدم وساق. تروي: "أستعدّ لتصوير أول فيلم خيالي قصير من إخراجي. لدينا موقع جميل في واحد من المساجد القليلة المفتوحة أمام الزوّار في قلب جميرا - مسجد الفاروق عمر بن الخطاب".
تختم: "ستكون هذه التجربة مختلفة تماماً عن إخراج الأفلام الوثائقية، وأنا متحمّسة لاكتشاف قدراتي في إخراج الأفلام الروائية".