تطلق الإمارات العربية المتحدة قريباً قمراً صناعياً جديداً سوف يحوّلها مركزاً تقنياً إقليمياً يؤمّن الطاقة لما يزيد عن 27 بلداً.
من المقرر أن تطلق الإمارات العربية المتحدة القمر الصناعي التجاري الثاني للاتصالات السلكية واللاسلكية Y1B في أبريل مما يجعل منها المركز التقني الأكبر في المنطقة.
هذا سيكون القمر الصناعي الثاني في إمارة أبو ظبي. وكان القمر الصناعي التجاري الأول للاتصالات السلكية واللاسلكية في الإمارات، Y1A، قد أُطلِق من القاعدة الأوروبية لإطلاق المركبات الفضائية في كورو في غويانا الفرنسية في 23 أبريل من العام الماضي.
وسوف يمارسان معاً تأثيراً كبيراً في المنطقة، ويدفعان بها إلى واجهة القطاع التكنولوجي عالمياً ويساهمان في ازدهار الأعمال في هذا المجال.
قبل وقت غير بعيد، كانت حفنة قليلة من البلدان حول العالم تملك أقماراً صناعية، وكانت الأقمار الموجودة تُستعمَل في شكل أساسي لأغراض عسكرية ونشاطات مثل الملاحة والتجسّس. أما في الوقت الحاضر، فقد أصبحت أكثر انتشاراً.
في الواقع، إنها وراء أمور كثيرة نعتبرها من المسلّمات في حياتنا اليومية. فهي تُستخدَم مثلاً لتوقّع أحوال الطقس، وبث البرامج التلفزيونية، وتتيح إجراء المكالمات عبر الهواتف الجوّالة.
القمران الصناعيان الإماراتيان هما جزء من خطة بقيمة 4.4 مليارات درهم إماراتي لتحديث الإمارات العربية المتحدة تكنولوجياً. وقد أطلقتهما شركة الياه للاتصالات الفضائية "الياه سات" المملوكة من شركة مبادلة للتنمية التي تديرها حكومة أبو ظبي.
سوف يكون لهما تأثير كبير جداً. فسيؤمّنان معاً البث التلفزيوني التجاري وخدمة إنترنت الحزمة واسعة النطاق في 27 بلداً في مختلف أنحاء أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط، كما يساهمان في جعل أبو ظبي مركزاً تقنياً في المنطقة.
أُطلِق القمر الصناعي Y1A على متن صاروخ "أريان 5 إي سي أيه"، وجرى تأجيل الإطلاق تسعة أيام لأسباب تقنية. لكنه بلغ في نهاية المطاف مداره الذي يقع على علو نحو 36000 كيلومتر فوق خط الاستواء. وكان من المقرّر إطلاق القمر Y1B في أواخر العام الماضي، لكنه تأجل إلى أبريل 2012 وسوف يدور في الفضاء لمدة 15 عاماً.
القمران الصناعيان هما من صنع اتحاد الشركات الأوروبي "إي أيه دي إس أستريوم"، وسوف يسافران حول الكرة الأرضية بسرعة 3.07 كيلومترات في الثانية، أي السرعة نفسها التي تدور بها الأرض.
يشار في هذا الإطار إلى أن الروس أطلقوا القمر الصناعي الأول، "سبوتنيك" السوفياتي، في 4 أكتوبر 1957. وأُرسِل إلى مداره انطلاقاً من محطة في كازاخستان، ولم تُلتقَط أي صورة للحدث نظراً إلى السرّية التي كانت تحيط بالحكومة السوفياتية في ذلك الوقت. وكان سبوتنيك عبارة عن كرة معدنية قطرها 58 سنتيمتراً ووزنها 84 كيلوغراماً.
عام 2009، أُطلِق القمر الصناعي الإماراتي الأول "دبي سات1" بهدف جمع البيانات، فكان بمثابة "عين في السماء".
تبلغ زنة كل واحد من القمرَين الصناعيين Y1A وY1B ستّة طنّات، ويصل عرض القمر كاملاً إلى 30 متراً. وكل منهما مجهّز بستّة هوائيات - طولها تسعة أمتار - ويُؤمّنان خدمات البث التلفزيوني التجاري والإنترنت من خلال شركائهما.
يقول مارتن جي، كبير المسؤولين التكنولوجيين في "الياه سات" إنهما من أكبر الأقمار الصناعية الثابتة الموجودة حالياً في العالم.
ويشير جاسم محمد الزعابي، الرئيس التنفيذي في "الياه سات" والمدير التنفيذي للمعلومات والاتصالات والتكنولوجيا في شركة مبادلة للتنمية، إن البرنامج الفضائي هو مصدر اعتزاز لدولة الإمارات.
يتابع الزعابي "إنه إنجاز مذهل. عبر توسيع إمكاناتنا في مجال الاتّصالات بواسطة الأقمار الصناعية، نساهم في تطوير بنى تحتية متقدّمة في قطاع المعلومات والاتّصالات من شأنها أن تحفّز التنويع الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي في مختلف أنحاء المنطقة". إلى جانب تأمين الخدمات للسوق المدنية، سوف يوفّر القمران الصناعيان أيضاً أول إمكانية آمنة للاتّصالات بواسطة حزمة التردّد "كي أيه" (YahSecure) ضمن المنطقة التي تشملها التغطية، مما يوفّر بنى تحتية متطوّرة جداً للاتصالات العسكرية.
وقد وقّعت شركة "الياه سات" اتفاقاً لمدّة 15 عاماً مع القوات الملسحة الإماراتية لتأمين شبكة للاتصالات بواسطة الأقمار الصناعية ومركز التحكّم.
وسوف يساهم برنامج الأقمار الصناعية أيضاً في استحداث وظائف إذ سيتولّى إدارته فريق من مراقبي الأقمار الصناعية الإماراتيين المدرَّبين في مركز المراقبة التابع لشركة "الياه سات" في الفلاح، أبو ظبي.
نحو نصف مهندسي الأقمار الصناعية في مركز المراقبة في "الياه سات" هم إماراتيون. ويتّخذون قرارات أساسية حول التعديلات الواجب إدخالها إلى الأقمار الصناعية بشكل يومي كي لا تنحرف عن مسارها.
يقول الزعابي إن الاتّصالات بواسطة الأقمار الصناعية "هي مكوّن أساسي في اقتصادنا الحديث. نريد أن يكون شبابنا في صدارة هذه الصناعة المزدهرة".
لم تنشئ "الياه ساه" بعد شراكات رسمية مع الجامعات المحلية، لكن يبدو أن ذلك سيحدث قريباً. وقد نظّمت الشركة مؤخراً حلقات عمل في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والأبحاث التي تقدّم شهادات في هندسة الطيران والاتّصالات.
هذا وسوف يستفيد ملايين الأشخاص العاديين في 27 بلداً مختلفاً من الوصول إلى خدمات الحزمة واسعة النطاق والخدمات الهاتفية التي تقول شركة "الياه سات" إنها ستتوافر الآن بالسعر نفسه المفروض على خدمات الخطوط الأرضية. وتملك الحكومة أيضاً غالبية الأسهم في شركة الثريا للاتصالات الفضائية. كما تملك شركة آبار للاستثمار المملوكة أيضاً من الحكومة، 32 في المئة في شركة الرحلات الفضائية التجارية الأولى في العالم "فيرجن غالاكتيك". حتى إنه في حال قرّرت هذه الأخيرة بناء منصة إطلاق في المنطقة، يمكن أن تختار أبو ظبي مقراً لها.
يقول سالم المري، مدير البرنامج الفضائي في مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدّمة التي تتولّى تشغيل القمر الصناعي "دبي سات-1" الذي أُطلِق عام 2009 "التطوّرات هنا [في الإمارات العربية المتحدة] في مجالَي الفضاء والتكنولوجيا تحدث بسرعة فائقة، والياه سات خطوة هائلة في هذا الإطار".
ومن المرتقب أن يتمّ إطلاق قمرين صناعيين إضافيين للاستشعار والتصوير عن بعد خلال السنوات الخمس المقبلة.