في المقابلة الثالثة في سلسلة المقابلات مع نساء ملهمات من الإمارات، نتحدّث مع الدكتورة رفيعة غباش، مؤسِّسة متحف المرأة في دبي.
تجلس الدكتورة #رفيعة_غباش في منزلها الهادئ في دبي وتعمل بمنهجية. فأجواء السكون في الفيلا التي تقيم فيها في الصحراء تساعدها على الإعداد للمشاريع المختلفة التي تعمل على إنجازها في الوقت نفسه، وتهدف كلها إلى توثيق التراث الثقافي لوطنها، الإمارات، والحفاظ عليه.
تحضّر غباش #حالياً_لإطلاق أول متحف للمرأة في الإمارات والذي سيعرض تاريخ نساء استثنائيات مارسن دوراً بارزاً في هذا البلد.
عندما بدأت التخطيط للفكرة، وجدت أن عدداً كبيراً من الإماراتيين مستعد للتبرّع بأغراض مهمّة مثل كتب وملابس ومجوهرات ورسوم وقطع أثرية تطلعنا على تاريخ المرأة في الإمارات العربية المتحدة.
إلى جانب تقديم المعلومات عن تاريخ المرأة هنا، أملت أيضاً، من خلال إنشاء المتحف، في استقطاب الإماراتيين من جديد إلى المنطقة التي ترعرعت فيها. لا تزال تتذكّر طفولتها ونشأتها في ديرة على بعد أمتار فقط من البحر.
وكانت في صغرها تذهب إلى صيد السمك يومياً، حتى إنها كانت تحاول اصطياد طيور النورس. كانت لديها عائلة موسَّعة كبيرة مؤلَّفة من ثلاث شقيقات وشقيقَين وثلاثة إخوة غير أشقّاء.
تقول “أستمتع دائماً بالعودة إلى المكان حيث ولدت وترعرعت، ويقع قرب سوق الذهب في ديرة. قد تسمّونه الحنين، لكنني أشعر بالحاجة إلى التردّد إلى هناك باستمرار. لكن كلما عدت، أجد أن أعداد السكّان المحلّيين تتضاءل. ولذلك قرّرت أن أفعل شيئاً ما في المنطقة لحمل الناس على العودة إليها”.
بحثت الدكتورة غباش عن الموقع الأمثل لإنشاء متحف في ديرة، وعندما عثرت عليه علمت أنه كان يدعى “بيت البنات” في السابق، وهكذا خطرت لها فكرة إنشاء متحف للمرأة.
مما لا شك فيه أن لدى الدكتورة #رفيعة_غباش سجلاً حافلاً بالإنجازات. ففي رصيدها عدد كبير من الشهادات الأكاديمية. درست الطب في جامعة القاهرة، ثم تخصّصت في الطب النفسي وحصلت على شهادة الدكتوراه في الطب النفسي المجتمعي والوبائي من جامعة لندن في العام 1992.
لكنها لم تكتفِ بنيل الدكتوراه، وتابعت تحصيلها العلمي وحازت على ستّ شهادات أكاديمية عليا. لم تزاول الطب النفسي في العيادة منذ عشرة أعوام، إلا أنها لا تزال تعاين المرضى من حين لآخر في منازلهم.
عُيِّنت عميدة لكلية الطب وعلوم الصحة في جامعة الإمارات العربية المتحدة في العين في العام 2000، وبعد ذلك بوقت قصير تسلّمت رئاسة جامعة الخليج العربي في البحرين لمدّة ثمان سنوات. وكانت أول امرأة تشغل هذين المنصبَين. وقد وضعت عدداً من الكتب بينها كتاب عن جدّها الذي كان شاعراً بعنوان “أوراق تاريخية من حياة الشاعر حسين بن ناصر آل لوتاه”، وقد نشِر في العام 2009، وتقول عنه إنه جعلها تدرك ضرورة الحفاظ على التاريخ.
تقول الدكتورة غباش “أشعر أنه من واجبي توثيق أجزاء من التاريخ بطريقة مختلفة عن الآخرين. أفعل ذلك بإحساس، وليس بهدف تقديم معلومات فقط. يراودني شعور قويّ بأنه يجدر بي تدوين كل شيء قبل أن يدخل غياهب النسيان. أشعر دائماً بأنه من مسؤوليتنا الحفاظ على المعلومات ونقلها للأجيال المقبلة. وإلا لن يتم توثيقها”.
ثم وضعت كتاباً عن الشاعرة الأسطورية عوشة بنت خليفة السويدي التي حُوِّل عدد كبير من قصائدها النبطية إلى أغانٍ. صدر الكتاب الذي يحمل عنوان “عوشة بنت خليفة السويدي، الأعمال الكاملة والسيرة الذاتية” في نوفمبر 2011، ويُسجّل الآن أعلى نسبة مبيعات بين الكتب العربية في الإمارات العربية المتحدة.
وكان سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي قد أطلق على السويدي لقب “فتاة العرب” بعدما قام بزيارتها في يناير الماضي لتكريمها على إنجازاتها المهمة.
تقول غباش “عوشة بنت خليفة هي كنز ثمين لمجتمعنا. أنا فخورة جداً لأنه أتيحت لي الفرصة لأقدّمها بطريقة راقية ومحترمة جداً [في الكتاب]. من النادر أن يمرّ يوم من دون أن يسأل الناس عنها. يُشعرني هذا بأنني قمت بعمل جيد”.
والدكتورة غباش هي أيضاً في صدد وضع موسوعة عن النساء الإماراتيات. وقد صُنِّفت النساء الواردة أسماؤهن بحسب الاختصاصات التي يعملن فيها، مثل السياسة والاقتصاد والطب.
يتطلّب هذا المشروع مجهوداً كبيراً، وهي تأمل في أن تتمكّن من إنجازه خلال العام الجاري. لكنها تقول إنها تستمتع بالأبحاث ولا سيما الاحتكاك بالجيل الإماراتي الأكبر سناً الذي يخزّن في ذاكرته حكايات من الماضي.
تقول “قابلت الكثير من الأشخاص خلال جمع المعلومات [للموسوعة]، وقد استمتعت كثيراً بهذه التجربة. لكن هناك أمران يحزانني: فبعضهم توفّوا لاحقاً، وهناك من فقدوا ذاكرتهم”.
على الرغم من حدوث تغييرات كثيرة في دور المرأة في الأعوام الأخيرة في الإمارات العربية المتحدة، إلا أن الدكتورة غباش تشدّد على أنه لطالما كانت النساء فاعلات في المجتمع هنا.
ففيما كانت تجري أبحاثاً في دائرة الأراضي في دبي منذ فترة قصيرة، وقعت على وثائق من خمسينيات القرن العشرين تُظهر أن النساء كن يبعن ويشترين الأملاك في الإمارات وينخرطن في شكل عام في النشاط الاقتصادي.
كان لوالدة الدكتورة #رفيعة_غباش تأثير كبير جداً على حياتها وعملها.
تقول “أسافر كثيراً، وقد التقيت عدداً كبيراً من الأشخاص بينهم الكثير من المفكّرين والباحثين، لكنني لم أصادف قط من يتمتّع بشخصية مماثلة لشخصية والدتي. كانت فريدة وموضع احترام شديد. كانت ذكيّة وحكيمة وقويّة جداً”. وتختم قائلة “أشعر بأن لها الفضل في كل ما أفعله. لقد استمددتُ قوّتي منها”.
من المرتقب أن يفتتح متحف المرأة في منطقة سوق الذهب ديرة الذي أسّسته الدكتورة #رفيعة_غباش، أبوابه نهاية شهر مايو 2012. لمزيد من المعلومات الرجاء زيارة الموقع الإلكتروني:
www.womenmuseumuae.com