لطالما سعت إلهام القاسمي وراء الحدود القصوى للتحدّي، لكنها كانت على موعد مع تحدٍّ جديد من نوعه عندما حاولت أن تكون أول امرأة إماراتية تصل إلى القطب الشمالي.
لطالما كانت إلهام القاسمي من أصحاب الإنجازات الكبيرة، فهذا واضح تماماً في لائحة كفاءاتها الأكاديمية ومسيرتها المهنية الناجحة في القطاع المصرفي الاستثماري. لكن عندما قرّرت أن تسعى إلى أن تكون أول امرأة إماراتية (وعربية) تصل إلى القطب الشمالي، خاضت نوعاً جديداً من التحدّي.
تشرح ابنة دبي البالغة من العمر 29 عاماً “شعرت أنني تحدّيتُ نفسي في عدد من الجبهات المختلفة - في التعليم وفي مهنتي - لكنني لم أكن أتقدّم في التعلّم عن نفسي؛ كنت بحاجة إلى تحدٍّ يقودني إلى أقصى الحدود. أردت القيام بأمر مغاير تماماً لما اعتدت عليه، أمر لا يكون سهلاً”.
كان هذا في العام 2009، وبعد أكثر من عام، تحديداً الساعة الواحدة والربع عصراً في 23 أبريل 2010، حسب توقيت الإمارات نظرت القاسمي إلى شاشة نظام تحديد المواقع بعد تمضيتها حوالى ثلاثة أسابيع في التزلّج والعبور من بلد إلى آخر. وقد دُهِشَت كثيراً لما رأته، كان الجهاز يشير إلى الإحداثيات “90.00 00 000 000”، درجة شمالا أي إنها بلغت الدائرة القطبية الشمالية مع البعثة التي كانت جزءاً منها.
كانت رحلة طويلة وشاقّة. فقد انطلق الفريق من قاعدة “بورنيو” الجليدية في روسيا لكنه عاد عبر لونجييربين في النروج قبل أربعة أيام من الموعد المحدّد. وأكثر من ذلك، لم تحظَ البعثة بأي دعم، أي إنه لم تصلها أي إمدادات خلال قيامها بالرحلة.
تقول القاسمي “كنت متحمّسة لبلوغ القطب الشمالي لأنه معزول وبعيد جداً، وعرفت أنه لا يمكنني الاعتماد سوى على قوة إرادتي وتصميمي. عندما تصل إلى هذا المكان، تجد أن يد الإنسان لم تمسّه قط: ليست هناك طرقات، ولا نفايات، وليس هناك أي مؤشّر عن الحضارة. في الواقع، ليس هناك معسكر فعلي، ولذلك عليك الاتّكال على نفسك”. وتضيف “عندما تلقي بك المروحية على الجليد، لا يمكنك أن تعود أدراجك - عليك أن تشق طريقك وحسب”.
ليست القاسمي غريبة عن التحدّيات. فقد نالت شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية في دبي في العام 2004، ثم تابعت تحصيلها العلمي في لندن حيث حصلت على ماجستير في إدارة المنظمات غير الحكومية، ونالت درجة امتياز عن أطروحتها، كما فازت بجائزة جدارة. وبين العامَين 2006 و2008، عملت لدى مصرف “جي بي مورغان”، ثم تولّت منصب مديرة الاستثمار في “إمبتوس تراست” إلى حين انطلاقها في الرحلة إلى القطب الشمالي.
وقد أظهرت على الدوام تفانياً شديداً في ممارسة الرياضة، فهي تزاول السباحة يومياً، وكذلك التمارين الرياضية منذ سن السادسة.
وفي ما يتعلّق بالرحلة إلى القطب الشمالي، تروي القاسمي أنه على الرغم من بنيتها الجسدية الصغيرة، لم تجد صعوبة كبيرة في جرّ المزلجة لأنها خاضت تدريباً مكثّفاً استعداداً للرحلة. إلا أنها وجدت صعوبة في نصب خيمتها في القطب الشمالي حيث الحرارة منخفضة جداً.
لكن بعد تمضية يوم في هذه الظروف المناخية القاسية جداً، اكتسبت القاسمي قدرة على تنظيم حرارة جسدها وبدأت تنتبه مثلاً عندما لا يصل الدم بكميات كافية إلى أصابعها. وقد كُلِّفت تقطيع الجليد للحصول على مياه للشرب، مما ساهم في تحسين دورتها الدموية وساعدها على الحفاظ على دفء جسمها.
وكان المجهود الجسدي الذي تتطلّبه الرحلة يقتضي استهلاك كمّيات عالية من السعرات الحرارية، إلا أنه كان من الصعب تناول كميات كافية من الطعام، فقد كانت الوجبات معلّبة، وكانوا يأكلونها عادة مباشرةً من أكياس التعبئة. لكن القاسمي فاجأت الفريق عندما أعدّت أطباقاً من المكوّنات المتوافرة في مناسبات عدّة.
تقول “حضّرت شبه بيتزا بعدما جرّبت مكوّنات مختلفة، في حين أننا كنا نأكل عادةً من الأكياس مباشرة. وقد فرح أعضاء الفريق كثيراً”.
لكن الجزء الأصعب في الرحلة لم يكن المجهود الجسدي أو القدرة على تحمّل درجات الحرارة الجليدية، إنما القوة الذهنية الضرورية لإنجاز المهمّة. تقول القاسمي إنه يجب أن يكون الشخص مستعداً ذهنياً للقيام بمثل هذه الرحلة.
وتضيف “يتوقّف نجاحك على مدى استعدادك [الذهني]. الاهتمام بالشؤون الحياتية الأخرى يُخلي مساحة في فكرك، ويحول دون شعورك بالإجهاد والتوتّر خلال البعثة”.
تتابع “حاول ألا تفعل شيئاً: لا تجب عن الاتصالات الهاتفية ولا تدفع فواتير طيلة 14 يوماً متواصلة. إذا لم يكن لديك ما تفعله سوى التزلّج طوال أسبوعين، تصبح مسكوناً بأفكارك وتنتابك أحاسيس قوية جداً. تصبح عرضة لمشاعر القلق وعدم الأمان”.
وهكذا عندما وجدت المستكشفة نفسها في مكان معزول حيث التواصل مقطوع بين أعضاء البعثة ولا يدور في خلدها سوى هدف واحد، راحت تفكّر في مسائل عدة؛ وبعد بضعة أيام من التفكير المضني، توصّلت إلى قرار.
تقول “وصلت إلى لحظة حاسمة بعد الكثير من التفكير، فقد كان عليّ أن أقرّر، إما أستمرّ في حمل أعبائي [الفكرية] وإما أصفّي ذهني تماماً. كان الأمر أشبه بأن أستدير وأرى علباً صغيرة متروكة خلفي في الثلج، وفي كل منها قصّة تركتها ورائي. وبفضل ذلك، شعرت أنني أخف بكثير. أكملت الرحلة وأنا أعيش في الحاضر بدلاً من الماضي، وقد ساعدني ذلك كثيراً”.
وقد لقيت القاسمي دعماً من عائلتها في الرحلة التي قامت بها، على الرغم من أنهم استغرقوا بعض الوقت في البداية “ليعتادوا الفكرة”، كما تقول الشابّة التي أصبحت أول إماراتية، لا بل أول امرأة عربية تصل إلى القطب الشمالي.
إنها نموذج عن جيل جديد من الشابات الإماراتيات اللواتي قطعن أشواطاً كبيرة في الأعوام الأخيرة. القاسمي مسرورة بالتقدّم الذي حققته النساء الإماراتيات في شكل عام، لكنها تدرك أيضاً أنه ما زال يجب فعل الكثير لتشجيعهن على رفع التحدّيات المختلفة.
تقول “أظن أن النساء هنا يشكّلن قوة أكبر بكثير للتنمية، ورأسمالاً بشرياً أكبر قيمة وأكثر تطلّعاً نحو الأمام مما نعتقد. في الواقع، هناك عدد كبير من النساء البارعات والذكيات والموهوبات في البلاد، وأظن أن بإمكانهن المساهمة أكثر في مستقبل الإمارات العربية المتحدة من الناحيتَين الإبداعية والاقتصادية”.
وتختم قائلةً “أنا مسرورة بالإنجازات التي حقّقتها النساء حتى الآن، لكن أظن أنه ينبغي علينا أن نرفع معاييرنا وأهدافنا أكثر. على النساء أن يفعلن ما يحببنه لا أن يكتفين بالقيام بما يعتقدن أنه يجدر بهن فعله”.