تُعتبَر الفنّانة الإماراتية لمياء قرقاش واحدة من العقول الأكثر ابتكاراً في الإمارات العربية المتحدة. يكفي أن تنظروا إلى الصور التي تتلاعب بها كي تدركوا ذلك. تقرير أليس جونسون...
بدلاً من الاسترخاء والتمدّد في الفصل الثالث من حملها، كانت الفنانة الإماراتية لمياء قرقاش تستعدّ بحماسة شديدة لمعرضها الفوتوغرافي الفردي الأول بعنوان «عبر مرآة الزجاج» في غاليري الخط الثالث في دبي.
تروي للشندغة «حتى عندما كنت حاملاً... في الشهر التاسع، كنت أقف على السلّم لالتقاط الصور». وتقول إن العمل طوال فترة حملها أرغمها على توخّي «التركيز والتنظيم» لأنها كانت بحاجة إلى إيجاد توازن بين العمل ومتطلّبات الحياة قبل ولادة الطفل.
وبعد شهرين على ولادة طفلها البكر، عادت لمياء إلى العمل للتحضير لمعرض أبريل. تقول الفنّانة المقيمة في دبي «على الرغم من أنها كانت مرحلة مرهقة سعيت فيها إلى تحقيق التوازن، لو عدت إلى الوراء لما غيّرت شيئاً فيها. الأمومة تجربة نتعلّم منها، وقد ساعدتني إلى جانب عملي على النمو كثيراً».
يشير القول المأثور «الجمال هو جمال الروح» إلى أن الجمال الجسدي سطحي، وليس مهماً بالمقارنة مع الخصال الأخرى في الطبيعة البشرية، وهذا الموضوع هو في صلب المعرض الذي أقامته لمياء.
يتمحور معرض «عبر مرآة الزجاج» الذي استوحي اسمه من الكتاب الذي ألّفه لويس كارول تتمةً لروايته «أليس في بلاد العجائب»، حول الانعكاس الذاتي. ويتألّف من سلسلة من البورتريهات على ألواح مزدوجة تسلّط الضوء على المفاهيم المجتمعية للجمال.
يُظهر اللوح الأول بورتريهاً للشخص كما يراه العالم، في حين يصوّره اللوح الآخر في مرآة نفسه. أيُّ عيب متصوَّر - مهما كان صغيراً - يُضخَّم ويتم تسليط الضوء عليه، بما يتماشى مع الصورة الذهنية للحكم على الذات. فعلى سبيل المثال، إذا كان الشخص يعتبر أن أنفه كبير جداً، تضيف لمياء أنفاً مصطنعاً ذا أحجام مبالغ فيها إلى الصورة الثانية.
تشرح لمياء قرقاش «إنها فكرة بسيطة مستمدّة من الانعكاس الذاتي. الصورة الثانية هي انعكاس للصورة الأولى في اللاوعي، من هنا العنوان ‘عبر مرآة الزجاج’: عالم من الأساطير والأوهام والخيبات».
تقول إن هناك واقعَين ومنظورَين مختلفين: «ما يكمن داخل نفوسنا وعقولنا، وما يراه العالم. نرى أشياء ليست موجودة بالضرورة؛ نتأثّر بمحيطنا، وبالإعلام، وبأترابنا، وبالعولمة التي تملي علينا ما يشبه شروط الكمال، وتؤثّر في حكمنا على أنفسنا».
وتعطي أمثلة على ذلك العبارات التي يردّدها الأشخاص «أنفي ضخم»، «ذراعاي مترهّلتان»، مضيفةً أن كلاماً من هذا القبيل ينطوي على الكثير من الطاقة السلبية.
تقرّ لمياء بأن المشروع - الذي استغرق إنجازه نحو عامين - ينبع من مشاعر عدم الأمان التي تراودها بطريقة من الطرق، لكن الفضل في إنجازه يعود إلى الأشخاص الذين التُقِطت لهم الصور، والذين تشاطروا أسرارهم الباطنية عن النواقص التي يعتقدون أنهم يعانون منها.
تصف الأشخاص الذين شاركوا في المعرض بأنهم «بغاية الشجاعة». وتقول إن أصدقاءها وعائلتها يؤدّون أيضاً دوراً أساسياً في المشروع، وتقول عن زوجها إنه «نعمة»، على الرغم من أن بعض أفراد عائلتها لم يتقبّلوا المهنة التي اختارتها.
تشرح «أظن أنه كان هناك في البداية الكثير من علامات الاستفهام، لكن مع مرور الوقت، بدأت عائلتي تُقدّر ما أفعله وتُظهر لي الكثير من الدعم. لطالما كان والدي يحب أن يناديني مصمّمة مجوهرات أو مهندسة معمارية. أما الآن فيعرّف عني بكل فخر بأنني فنّانة».
استخدمت الفنّانة المقيمة في دبي أطرافاً صناعية مصنوعة بحسب الطلب، في معرضها لأنها «لا تحب» التحكّم الرقمي الذي يجعل الكاميرا أو اللوحة تبدو «ثانوية، إن لم يكن في المرتبة الثالثة»، كما قالت.
وتضيف لمياء «حماسة العمل على صنع هذه القطع تتيح لي كفنّانة أن أقدّر بالكامل هذا النوع الفنّي. لا أعتقد أن التحكّم الرقمي كان ليعبّر بصدق عن صوري».
نالت لمياء ماجستيراً في تصميم الاتصالات من جامعة سنترال سانت مارتنز في لندن في العام 2007 بعد تخرّجها من الجامعة الأمريكية في الشارقة في العام 2004. ثم شاركت في العديد من المعارض الجماعية حول العالم بما في ذلك في كندا وفرنسا واليابان وهولندا وسويسرا، وحصدت عدداً من الجوائز على عملها في التصوير والأفلام.
وشاركت أيضاً في معرض بينالي البندقية الثالث والخمسين، فكانت الفنّانة الأساسية في أول جناح رسمي لدولة الإمارات في المعرض. وقد ركّزت أعمالها السابقة على مفاهيم «المساحات المنسيّة» في المجتمع الإماراتي.
في سلسلة الصور الفوتوغرافية التي حملت عنوان «عائلتي»، أرادت لمياء قرقاش أن تُظهر من خلال المساحات الفارغة التي صوّرتها، الوتيرة السريعة التي تتقدّم بها الإمارات العربية المتحدة. تُبيِّن صورها كيف تحصل التغييرات في المساحات وفي الداخل، مما يُصوّر نمط حياة جديداً، ولباقات اجتماعية ومعايير تؤثّر في وسائل التواصل والتفاعل.
تروي لمياء أنها لاحظت عدداً كبيراً من التغييرات في المشهد العام للبلاد بعد العودة إلى الإمارات من بريطانيا. تقول إنها رأت «منازل تُهدَم» و»مباني ترتفع». وأكثر ما أثّر فيها هو أن الأشخاص المحيطين بها تبنّوا التغييرات أكثر مما فعلت هي. وعندما كانت تسألهم عن سبب انتقالهم من منزل إلى آخر، كانت إجاباتهم هي نفسها «لأن المنزل قديم».
هذا المفهوم عن الأشياء القديمة ونظرة الناس إليها أثار اهتمامها. تقول إن المنزل في أوروبا لا يُعتبَر قديماً إلا بعد مضي مئات الأعوام على وجوده؛ وذلك في تناقض واضح مع نمط التفكير في دولة الإمارات نظراً إلى التقدّم السريع الذي شهدته في الأعوام الماضية.
تقول «العولمة إلى جانب الوضع الجغرافي تطيل في عمر هذه البنى التحتية».
في عالم يطغى عليه السعي إلى تحقيق الكمال وتلميع الصورة، تأمل لمياء في أن تدفع أعمالها الناس إلى التوقف والتفكير ملياً في نظرتهم إلى الجمال، وإلى أنفسهم. ففي مختلف الأحوال، عيوبنا هي التي تصنع فرادتنا!