يشهد الاقتصاد العالمي الحديث تحوّلاً جذريا يؤدّي إلى انتقال مركز الثقل من الغرب إلى الشرق، وهو ما تستثمره الاقتصادات الناشئة في دول الخليج وتعوِّل عليه، كما يقول الخبراء الذين اجتمعوا في منتدى في دبي بعنوان انتقال مركز الجاذبية". جوانا أندروز ذهبت إلى المنتدى لمعرفة المزيد..
تمحور موضوع المنتدى في شكل أساسي حول استكشاف تداعيات عددٍ من التحوّلات الجذرية في موازين القوى في التجارة والاقتصاد والسياسة في العالم.
قال سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي ورئيس مركز دبي المالي العالمي، عن المنتدى
"توفر دبي إطاراً فريدا لمجتمع المال والأعمال العالمي يمكن من خلاله تحديد الفرص والتحديات التي تواجههم في ظل التغيرات التي يشهدها العالم"
وأضاف "المهم هو أن يفهم رواد الأعمال - والحكومات - هذه التغييرات لتتمكّن من مواكبة المتغيرات، والتخطيط والتكيف معها بفعالية."
وقد ركّز المؤتمر على الأهمّية المتزايدة للتجارة بين الهند والصين والشرق الأوسط؛ والتأثير الذي ستمارسه التغييرات في البيئة التنظيمية في الأسواق العالمية على الخدمات المالية العالمية؛ ومناقشة التغييرات المصاحبة للقيادة المقبلة لدولة الصين والتداعيات المحتملة للربيع العربي في مجال التجارة.
دور دبي
كُتِب الكثير عن دبي وصعودها السريع الذي جعل منها المركز الأبرز للتجارة الدولية والخدمات اللوجستية والأعمال والمال في المنطقة، وغالباً ما تُطرَح علامات استفهام حول قدرتها على الاستمرار. في ذروة الأزمة المالية، تصدّرت دبي العناوين إنما بطريقة سلبية. لكن لم تكد تمضي سنوات قليلة حتى أثبتت أنها تملك مقوِّمات النجاح ومنافسة المراكز المالية العالمية، وتمكّنت من استعادة مكانتها على الساحة العالمية.
قال سعادة عبد العزيز الغرير، الرئيس التنفيذي في بنك المشرق ورئيس مجلس إدارة سلطة مركز دبي المالي العالمي، في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في المؤتمر، إن دبي تحرّكت أولاً وهذا يُعطيها أفضلية، مضيفاً "قد لا تكون دبي محور العالم، لكن لا شك في أن مركز دبي المالي العالمي هو محور المنظومة الاقتصادية في المنطقة... تحتلّ الإمارات ودبي الصدارة في مجال البنى التحتية. ومركز دبي المالي العالمي هو قدوةٌ للراغبين في السير في هذا الاتّجاه".
وأثنى على القادة الإماراتيين أصحاب الرؤى مستشهداً بقول ياباني مأثور "الرؤية من دون عمل هي وهم. والعمل من دون رؤية هو كابوس". وأضاف أن هناك عاملَين أساسيَّين: الرؤية الطليعية للقيادة الإماراتية، والموقع الجغرافي لدولة الإمارات بين أوروبا وآسيا وعلى عتبة أفريقيا لافتاً إلى أن "قادتنا عوّلوا على ذلك لتحويل الإمارات مركزاً للأعمال يضجّ بالحركة والنشاط".
وتابع "يمرّ الاقتصاد العالمي اليوم في نقلة نوعيّة. ففيما تتخبّط أوروبا لتحقيق الاستقرار والخروج من أزمة اقتصادية كبرى، نشهد نمواً راسخا في الشرق، أي في الهند والصين".
أورد تقرير صدر مؤخراً عن شركة "ماكينزي أند كومباني" العالمية للبحوث والاستشارات، أن الغرب استغرق أكثر من ألف عام لينتزع من الشرق الصدارة في الاقتصاد العالمي، وذلك بدعم من الثورة الصناعية. لكنّه حذّر من أن تغيير هذا الأمر قد يتطلّب بضعة عقود فقط من أجل إعادة مركز الثقل في الاقتصاد العالمي إلى آسيا.
وتسعى الإمارات من جهتها إلى الإفادة من هذا الواقع الجديد. يقول الغرير في هذا الإطار "نشهد الآن على إمكانات النمو في المنطقة الواقعة شرق دبي، ذلك الامتداد الجغرافي حيث نملك روابط اقتصادية قوية. صحيح أن الهند هي شريكنا التجاري الأول، لكن الصين هي أيضاً من الشركاء التجاريين الخمسة الأوائل للإمارات. إذاً فيما تعمل أوروبا على تثبيت استقرارها الاقتصادي، يمكننا أن نحوّل تركيزنا نحو الشرق للحفاظ على النمو المستمر"\
قدرة مثيرة للإعجاب
يُظهر الاقتصاد الإماراتي قدرة مثيرة للإعجاب، وتسجّل دبي تحسّناً مطّرداً مع انتقالها من النمو السلبي إلى نسبة اثنين في المئة من النمو في العام 2011، ويُتوقَّع أن يصل النمو إلى 3.4 في المئة في العام 2012، بحسب أحدث تقرير استشرافي صادر عن صندوق النقد الدولي.
وقد تمحورت إحدى جلسات النقاش في المنتدى الذي نظّمه مركز دبي المالي العالمي، حول تطوير البنى التحتية في بلدان الشرق الأوسط. خلصت الجلسة التي شارك فيها الدكتور فاروق سوسا، كبير الاقتصاديين المتخصّصين بشؤون الشرق الأوسط في مجموعة "سيتي"، وجيفري سينجر، الرئيس التنفيذي في سلطة مركز دبي المالي العالمي، وجوناثان روبنسون، العضو المنتدب والمسؤول عن تمويل المشاريع في مصرف "إيتش إس بي سي"، إلى أن أحد العوامل الكبرى التي تساهم في النظرة التفاؤلية إلى النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط هو مشاريع البنى التحتية المزمع تنفيذها (أو الجارية حالياً) والتي تفوق قيمتها أربعة تريليونات دولار في مختلف أنحاء المنطقة. في الواقع، تعمل الحكومات على تنفيذ مجموعة واسعة من المشاريع، منها مستشفيات وطرقات وشبكات سكك حديد ومرافئ ومصانع للطاقة الكهربائية.
وناقش المشاركون في الجلسة أهمّية الاستثمار في الرعاية الصحية في المنطقة. وقال الدكتور سوسا في هذا السياق "إذا كانت القوة العاملة مريضة، فهذا يعني أنها غير منتجة، ولذلك ترتدي البنى التحتية الخاصة بالرعاية الصحية أهمّية قصوى". وحذّر أيضاً من "البناء لأجل البناء" أو ما سمّاه بـ"مشاريع الفيل الأبيض". وضرب مثالاً على ذلك المشاريع التي تعمل قطر على تنفيذها استعداداً لاستضافة كأس العالم قائلاً "هذه المشاريع ممكنة اقتصادياً لأن قطر تستطيع تحمّل تكاليفها، في حين أن بلداً مثل مصر لا يستطيع ذلك".
وقال جيف سينجر، الرئيس التنفيذي لسلطة مركز دبي المالي العالمي "تنظر إلى ما يجري في الشرق الأوسط، فترى مشاريع كثيرة في مجال البناء والإنشاءات، والبنى التحتية، وتفكّر في نفسك ‘هذا جنوني بعض الشيء’. حسناً، نحتاج أحياناً إلى القليل من الجنون، وها هي دبي تتحوّل إلى عاصمة للأعمال بلا منازع في الشرق الأوسط. لقد انتصرت".
مشاريع كبرى
في هذه الأثناء، العمل على تطوير البنى التحتية جارٍ على قدم وساق في الإمارات مع الكشف عن العديد من المشاريع الكبرى. فقد أعلن سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن خطط لبناء مدينة محمد بن راشد في دبي التي ستشكّل معلماً جديداً في التطوير المديني.
وقال في هذا الإطار "رؤيتنا واضحة، وطموحاتنا كبيرة. المستقبل لا ينتظر المتردّدين. نحن لا نتوقع المستقبل، نحن نصنعه ".
سوف تتضمّن مدينة محمد بن راشد منشآت ترفيهية عالمية الطراز، وتوفّر أجواء متكاملة لتطوير ريادة الأعمال والابتكار، ضمن إطار أربعة مكوّنات أساسية:
-
السياحة العائلية - من خلال منشآت فندقية ومتنزّه أكبر من هايد بارك في لندن.
-
المتاجر - سوف تضمّ المدينة أكبر مركز تجاري في العالم.
-
الفنون - أكبر مساحة لصالات العرض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
-
أجواء متكاملة لريادة الأعمال والابتكار في المنطقة.