منذ أن تقاعد جراح القلب الشهير البروفيسور مجدي يعقوب من الهيئة الوطنية البريطانية للخدمات الصحية بعمر 65 عاماً فإنه نادراً ما ظهر تحت الأضواء. وهذا ما قد يجعل البعض يعتقد بأن يعقوب يعيش حياة البلهنية في سنوات التقاعد هذه بعد كل تلك العقود الحافلة بالعمل من أجل صحة الناس. أو أنه يمارس هواية البستنة التي يحبها ويمضي وقتاً أطول مع زوجته ماريان وابنه وبناته. لكن الحال ليست كذلك. إذ أن هذا الإنسان الاستثنائي ما يزال وهو في سن 73 عاماً على عهده يعمل من أجل تطوير جراحة القلب كما تقول ليندا هيرد.

لو سألت أي إنسان عادي عما إذا كان يعرف اسم طبيب رائد في جراحة زراعة القلب لوجدت أن هناك اسمين اثنين يقفزان إلى الأذهان دوماً. إنهما الراحل الدكتور كريستيان بيرنار الذي قام بأول زراعة قلب في 1967 والدكتور مجدي يعقوب الذي أجرى أكبر عدد من زراعات القلب الناجحة في العالم من أي جراح آخر.

الدكتور مجدي يعقوب هو الذي حول مستشفى هارفيلد البريطاني المتواضع نوعاً ما إلى أهم مركز لجراحة زراعة القلب في العالم. وخلال السنوات التي قضاها فيه استطاع أن يرفع بفارق كبير معدل سنوات حياة المرضى بعد الجراحة. وأحد مرضاه عاش 25 سنة بعد زراعة قلب له. كما أن الآلاف غيره عاشوا حوالي عقدين بعد العمليات. وحينما اضطر نتيجة للتقاعد نتيجة لأنظمة الهيئة الوطنية للخدمات الصحية للتقاعد، عبر الشارع البريطاني عن الغضب لذلك. وسرعان ما تحول هارفيلد بعد تقاعده لمجرد مستشفى كبير في لندن.

واليوم يعمل يعقوب أستاذاً لجراحة القلب في المعهد الوطني البريطاني للقلب والرئة وهو فرع لجامعة إمبريال كوليدج في لندن، غير أنه يمضي معظم وقته في الأعمال الخيرية وبحوث تنمية نسج القلب من الخلايا الجذعية.

ونجح فريق من الباحثين بقيادته في 2007 بأن ينتج جزءاً من قلب إنسان باستخدام تقنية الخلايا الجذعية، وهو إنجاز قد يوفر العلاج لمئات آلاف البشر المصابين بأمراض خطرة. وتجري حالياً تجارب سريرية لهذا الغرض. وأصبح إنتاج قلوب جديدة للبشر شيئاً قريباً إلى الواقع تماماً. يقول الدكتور يعقوب: "إنه مشروع طموح ولكنه ليس مستحيلاً. ولو أردتني أن أتوقع، لقلت سيحتاج عشر سنوات."

أما أقرب المؤسسات الخيرية إلى قلبه فهي "سلسلة الأمل" التي أسسها عام 1995 المكرسة لتوفير الجراحات التصحيحية للأطفال الذين يعانون من أمراض خطيرة والعلاجات التي لا تتوفر لهم دون عون من الغير. ويقول إن ما حفزه لذلك هو سنوات نشأته في مصر.

ويقول: "حينما كنت شاباً في مصر شاهدت أطفالاً وهم على وشك الموت نتيجة أمراض قلبية غير أنهم تعافوا بفضل الجراحات التصحيحية. وقد ملأتني هذه التجربة رغبة في أن أوفر هذه الجراحة لأكبر عدد ممكن من الناس وخصوصاً في البلدان ذات الموارد المحدودة."

وتنظم هذه المنظمة الخيرية رحلات طبية علاجية إلى خارج بريطانيا كما تستقدم الأطفال المرضى من البلدان الفقيرة والمنكوبة. وتراوحت أعمار من وفرت المنظمة العلاج لهم بين سنة واحدة و15 سنة في البرازيل وجامايكا وكينيا وموزامبيق وبناما إضافة إلى مصر، موطن يعقوب الأصلي.

بالطبع ليس من المفاجئ من أن يكثر الدكتور يعقوب من زياراته إلى موطنه مصر، ولكن ما يثير الإعجاب حقاً هو القدر الكبير من وقته الذي يخصصه لعلاج الأطفال المصابين بأمراض القلب مجاناً. وأصبح مجدي يعقوب الأمل الأخير للكثيرين من فقراء مصر.

يمضي هؤلاء في رحلات طويلة من قراهم المتناثرة في الأرياف المصرية ليقفوا ساعات في طوابير لمراجعة مختصي القلب من أطباء سلسلة الأمل لتقييم حلة أبنائهم وتقرير ما إذا كانوا مؤهلين للخضوع لجراحة في القلب. والكثيرون من هؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات في صمامات القلب أو ثقوب في القلب وهي حالات أصبحت بسيطة وتعالج بسهولة فور الولادة في الدول المتقدمة. أما في مصر فإن الكثيرين من هؤلاء يبلغون سني الفتوة دون الحصول على أي علاج مما يعني مكابدتهم طوال حياتهم القصيرة.

ولعل المهمة الأصعب التي يجد أطباء سلسلة الأمل أنفسهم أمامها هي اضطرارهم لأن يردوا برفق آباء الأطفال ذوي الحالات المرضية المتقدمة التي ما عادت أيدي الدكتور يعقوب بقادرة على أن تقدم لها شيئاً.

ولا غرابة أن هذا الإنسان ذي الموهبة الاستثنائية والشخصية الودودة قد حصل على الكثير من الجوائز ومظاهر التكريم مثل لقب فارس من بريطانيا وجائزة أبوقراط الدولية الذهبية والميدالية الذهبية من الجمعية الأوربية لأطباء القلب. إنه إنجاز ليس بالقليل لإنسان بدأ حياته في قرية مصرية صغيرة. ومع ذلك فإن كل من يعرفه عن قرب يقول إن النجاح لم يجعل الغرور ينال منه.

الدكتور مجدي معروف بتواضعه وشخصيته الهادئة وقدرته على تهدئة روع مرضاه. كما أنه مدمن على العمل لدرجة أن عمل مئة ساعة أسبوعياً ليس بالشيء الغريب عنده. وواجه أوقاتاً ليست قليلة تعين فيه عليها أن يكون مبدعاً. وفي إحدى محاضراته قال إنه ذات مرة وهو يجري عملية لطفل احتاج جزءاً من شريان فما كان منه إلا أن أخذه من ظاهر كف طبيب التخدير الذي يشاركه العملية.

في بريطانيا لا يوجد إنسان من الفراشين وحتى القضاة لا يعرف الدكتور مجدي يعقوب حيث هاجر إليها من مصر في 1962 لكنه لم يرفض أبداً أن ينصبه المصريون ملك القلوب عندهم.

ويشرح أحد أكثر مرضاه شهرة وهو الممثل المصري عمر الشريف هذا الأمر قائلاً: "حينما تكون لبن بلد مثل مصر فإن بلدك كله سيحبك إذا ما أصبحت مشهوراً. حينما قبلت صوفيا لورين، شعر كل المصريين بأنهم قبلوا صوفيا لورين أيضاً. وحينما حصل مجدي على لقب النبالة البريطاني، فإن كل المصريين أخذوا هذا اللقب معه."
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289