Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور مهــــاتيـــــــر محــمـــــــــد كلمة رئيس مجلس الإدارة

الصفحـــة الرئيسيــة

كلمة رئيس مجلس الإدارة

مدينــــة دبـــــي الجامعيـــة

مهـــــــاتــيــــــر محمــــــــد

نـــزاع الشـــرق الأوســـط

عــــــوامــــات علـى النيــل

قصــــة ماســــة كوهينــور

الفـــــــــــــــــارابـــــــــــــي

امــــــــــرأة متمـيـــــــــــزة

تاريـــخ صـنـاعة الســاعات

الطبيعة في عيون عشاقهــا

الــلــــبـــــــــــــــــــــــــــــان

أمــــل الامــارات الأولمبـي

بطولة تحدي الحبتور الدولية للتنس

الحبتور للمشاريع الهندسية

أخبـــــــــــار الحبتــــــــــور

مــــــــــــــن نحـــــــــــــــن

الأعـــداد المـاضيـة

اتصلــــوا بنــــا

رغم كل السحر والرومانسية والإثارة التي لا يمكن إنكارها، فإن أجواء العاصمة المصرية، القاهرة، ملوثة وصاخبة. وأينما ذهبت يمتزج مسلسل الاصطدامات المرورية الذي لا يتوقف مع آلاف أبواق السيارات في صخب لا تستطيع الهرب منه إلى أي مكان.

غير أن الأصوات الوحيدة التي تصل آذان سكان القوارب في القاهرة – الذين يعيشون في العوامات - هي تغريد الطيور المهاجرة وحفيف النخيل المتمايل مع الريح وأصوات المؤذنين ورقرقة مياه النيل وهي تداعب أطراف بيوتهم العائمة.

تقول إخلاص حلمي التي ولدت ونشأت في واحدة من أقدم العوامات وتمتلك اليوم واحدة من أجملها: "إذا ما عشت في النيل فإنك لن تعود إلى البر أبداً. إنه عالم آخر. هنا نتنفس هواءً نقياً ونستمتع بطقس بلادنا الرائع... والأهم من كل شيء أننا لا نشعر بالوحدة أبداً."

عام 1950، كان في القاهرة 300 عوامة، أما اليوم فبالكاد هناك عُشر ذلك العدد، وحتى هذا المتبقي منها تستهدفه حالياً بلدية الجيزة التي لاتكل عن محاولة تحويل شواطئ النهر إلى منتزه عام... والعوامات إلى حطب.

هذا التداخل البيروقراطي الدائم جعل مُّلاك العوامات وسكانها جالية مقاتلة. وقد انتصر هؤلاء في الجولة الأخيرة لهم أمام المحاكم منذ عدة سنين لكنهم لا يتوقفون عن الاستعداد لخوض الجولة المقبلة. وفي غضون ذلك تجد هذه الجالية النهرية –المكونة من مصريين وسعوديين وبريطانيين وفرنسيين وألمان وأستراليين وإيطاليين-  وهي تمارس سياسة الأبواب المفتوحة حقاً حيث تجد أياً كان داخلاً وخارجاً من بيت أي كان.

لكن قضية هؤلاء تعرضت لعثرة حين حدثت وفيتان نتيجة لغرق عوامة مهترئة، فيما تحولت عوامتان أخريان لمجرد حطام طاف على المياه حين أفلتت واحدة من حبالها عقب اصطدام طوافتين كبيرتين ببعضهما وهما متجهتان شمالاً. وحينها اصطدمت العوامة الفالتة بجارتها.

حينها كادت العوامتان تغرقان لولا مسارعة صياد يعيش في قارب صغير بالعمل. فلم يكتف صياد السمك بتقدم الآخرين بعد أن استنجد بهم، لمنع غرق العوامتين، بل أسرع بالتجذيف وراء واحدة من الطوافتين وتقاتل مع طاقمها لمنعهم من الهرب من المكان قبل وصول خفر السواحل.

مثل هذه الأوجه السلبية للعيش على شواطئ النهر لم تكن حاضرة في ذهني خلال زيارتي المرتجلة لهذا العالم المدهش الذي تعيشه السيدة إخلاص. ولم يتطلب الأمر سوى دفعة خفيفة لباب مدور من درب مزدحم لأدخل هذا المعادل الموضوعي القاهري لـ "الحديقة السرية".

حين دخلت الباب خلفت ورائي غابة من الإسمنت، ورأيت أمامي درجات تمر عبر الأزهار والنباتات وأشجار الليمون والجوافة والنخيل. كان عبق الياسمين والخبيزة يملأ الجو فيما عشرات القطط متأنقة بفرائها أو ملتفة بأجسادها في كل أنحاء المكان دون أي اكتراث بهذا العالم كله.

                                                                      

ثم صادفني كلبان ودودان تفحصاني بشم يدي وطالبا بتربيتة حنان فيما مضيفتي تدعوني إلى غرفة المعيشة بديكورها الجميل ومقاعدها التي يشغلها بعض من سكانها من القطط العشر، وبينها واحدة فارسية ضخمة وأخرى سيامية يملؤها الدلال وثالثة فقدت إحدى عينيها في معركة قططية سابقة.

وباعتبار أن قدوم ضيف بدون دعوة – وضيف بريطاني هذه المرة - هو شيء معتاد جداً في هذا العالم، دعتني إخلاص إلى الشرفة المفروشة وقدمت لي عصيراً طازجاً من الليمون الذي قطفته من أشجارها.

من على الشرفة، هاهو النيل البهي يمتد يمنة ويسرة حتى امتداد البصر. فيما كنا نتبادل الأحاديث مر قارب يحمل سياحاً أوروبيين أخذوا يلوحون لنا بجنون، ثم لاح قارب صغير من بعيد يستضيف حفلة زفاف ومرت سفينة مطعم لبناني. حينها فقط شعرت بأن العوامة تتمايل بلطف من آخرها لآخرها.

ضحكت إخلاص وقالت: "النيل مثل ملك مستبد. حين يغضب تكون أمواجه عالية، لكن حين يرضى تكون مياهه مثل بركة زيت."

رغم حب إخلاص الواضح للماء، انتقلت حين زواجها من ثري معروف للعيش في شقة في جزيرة الزمالك الفاخرة دون أن تكون سعيدة بهذه النقلة. وتقول لي: "زوجي أحب النيل أيضاً لكنه لم يكن مستعداً للعيش فيه. بعد وفاته عدت إلى هنا."

كانت إخلاص فتاة جميلة جداً في شبابها كما أرى من صورها القديمة، أما الآن فهي في أواخر الخمسينيات من عمرها. حكت لي أنه كان هناك في السابق ناد لأبناء الأثرياء قبالة العوامة التي عاشت فيها طفولتها.

وتقول: "كان أولئك الطائشون يستأجرون قارب تجذيف ويقفزون في الماء مدعين السقوط. في البداية كان والدي يهرع لنجدتهم وسحبهم إلى العوامة ويقدم لهم الشاي حتى أدرك أن كل ما يريدونه هو أن ينظروا إلي عن قرب."

ويبدو أن أحد أولئك الصبيان قد أحب ما رآه لأنه بعد بضعة سنوات، كان قد أصبح قبطاناً، اتصل بوالديها طالباً يدها للزواج. لكنه تأخر. فإخلاص كانت مخطوبة.

 

غير أن تاريخ العوامات، أو الدهبيات كما يسمونها أحياناً، هو أقدم من ذكريات إخلاص. فمعظمها يرسو الآن في منطقة تسمى كيت كات، وكان في السابق اسم ناد ليلي يتردد عليه الملك فاروق.

أوائل القرن العشرين كانت العوامات تمثل "البيوت الصيفية" للأرستقراطيين الأتراك، أو "الباشوات"، مثلما كانت معتزلات بوهيمية لنجوم المجتمع المعروفين مثل المطرب فريد الأطرش والممثل نجيب الريحاني، إضافة للكثير من الراقصات.


خلال الحرب العالمية الثانية صادر ضباط الجيش البريطاني عوامات النيل كما أصبحت إحداها وكراً لجاسوسين ألمانيين أخفاهما هناك الكونت لازلو ألماسي الذي تعرض فليم "المريض البريطاني" الشهير لقصة حياته.

كما أن فيلم "أيام السادات" المصري صور أنور السادات وهو يتآمر مع الجواسيس ضد البريطانيين في مخبأهم على واحدة من العوامات قبل حوالي 20عاماً من ترؤسه البلاد.

واستخدم الكاتب نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب، العوامة مسرحاً لوصفه السياسيين المحرضين على التمرد وهم يتبادلون تدخين الشيشة وينتقدون الحكومة.

وتقول بعض الشائعات أن الملكة نازلي أم الملك فاروق كانت لديها عوامة خاصة أسمتها "مصر"، ترسوا قبالة الزمالك تمضي إليها حين كانت تريد الترويح عن نفسها بعيداً عن العيون.

ومع انتهاء القرن الماضي كان قد أصبح من الإلزامي على كل مالك عوامة أن يصبغها باللون الذهبي، ومن هنا أتى الاسم الآخر "الدهبيات".

ربما تكون الأيام الذهبية للعوامات قد مضت ومستقبلها غير مضمون. ولهذا إذا ما أردت أن تعيش تجربتك الخاصة للتاريخ قبل أن يفوت الأوان، فلم لا تستأجر عوامة في زيارتك المقبلة للقاهرة.

كل عوامة تختلف عن الأخرى. بعضها شبيه بالبيوت البرجوازية، وأخرى مزين بأعمدة الرخام على نحو فخم، فيما تبدو قلة منها وكأنها آتية من نيو أورليانز. هناك عوامة يملكها سعودي بنيت على الطراز الياباني، حيث استبدلت جدرانها الخشبية بنوافذ ترتفع من الأرض وحتى السقف.

وتتباين الأسعار أيضاً حسب حالة العوامة والخدمات التي تتوفر فيها. فبعضها يتميز بمكيف الهواء والقنوات التلفزيونية الفضائية، فيما تعتمد غيرها على النسائم الباردة للانتعاش ومشاهد الغروب الجميلة للتسلية. وإذا ما أردت استئجار عوامة مفروشة جيداً وتضمن كل  وسائل الراحة الحديثة فيفترض أن تكون قادراً على دفع ألف دولار تقريباً في الشهر. أما إذا كانت عوامة بطابق واحد تفي بالمطلوب فإن 500 دولار شهرياً ستكون كافية.

وفيما كان هذا البيت البحري القديم لا يثير في مخيلتي سوى الرومانسية وروح المغامرة، كان زوجي عملي التفكير يتوقع عواصف من البعوض. وهكذا، على نحو ما كانت عليه حال إخلاص ذات مرة، كان مصيري أن أبقى حبيسة أربع جدران وأن يبقى النيل وسحره قريباً مني ولكنه بعيداً عن متناول يدي.

ليندا هيرد كاتبة مختصة بشؤون الشرق الأوسط ويمكن الكتابة إليها على العنوان الإلكتروني....

 

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289