في الوقت الذي تشتد فيه معاناة عالمنا المعاصر من مختلف أشكال الصراعات والعنصرية والتزمت، تستحق منا المبادرة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية مؤخراً لتعزيز التفاهم بين الأديان كل التقدير والاحترام.

ولا يسعني إلا أن أعبر عن بالغ الإعزاز لرسالة خادم الحرم الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، ولكلمته التي ألقاها باسم كل المسلمين في العالم في يوليو الماضي أمام 250 مشاركاً من 54 دولة يمثلون أهم الأديان في العالم، حين قال إن الأديان يجب تتعاون لمجابهة المشكلات المشتركة بدلاً من التشجيع على التقاتل.

وكانت رابطة العالم الإسلامي قد نظمت مؤتمراً عالمياً تاريخياً بمبادرة من الملك عبد الله في العاصمة الإسبانية مدريد، هذه المدينة العظيمة التي اختيرت لكون المسلمين والمسيحيين واليهود قد عاشوا فيها جنباً إلى جنب بسلام ووئام ومودة في إحدى مراحل تاريخها.

وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها في افتتاح المؤتمر، الذي أقيم في قصر برادو التاريخي الذي يعود للقرن السادس عشر، إننا جميعاً نؤمن بإله واحد ونحن نجتمع هنا لنقول بأن الأديان يجب أن تكون وسيلة لتسوية الاختلافات وليس لإثارة النزاعات.

ولتحقيق هذه الغاية، دعا خادم الحرمين الشريفين إلى "حوار بناء" لمجابهة مجموعة من المشكلات مثل الإرهاب والعنصرية والجريمة والمخدرات واستغلال الضعفاء والتفكك الأسري والناجمة عن الفراغ الروحي الذي يعيشه من ينسون الله. وأكد على أننا "إذا كنا نريد لهذا اللقاء التاريخي أن ينجح فلا بد أن نتوجه إلى القواسم المشتركة التي تجمع بيننا، وهي الإيمان العميق بالله."

لقد أبدى الملك عبد الله قدراً عظيماً من الشجاعة والحكمة في مسعاه لإيصال الرسالة إلى أبناء الديانات الأخرى بالنيابة عن المسلمين في كل مكان في العالم. وطوال أيام المؤتمر الثلاثة استمع المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم لوجهات نظر بعضهم البعض وشاركوا في مناقشات غنية واتفقوا واختلفوا في بيئة تشجع على التبادل الصحي والمفيد للأفكار.

لقد أثبت المؤتمر نجاحاً هائلاً واعتبره الكثيرون الخطوة الأولى التي افتتحت طريقاً جديداً نحو تحقيق تفاهم مشترك. ووصفه رئيس المؤتمر اليهودي العالمي بأنه "تطور مهم جاء في وقته لاستعادة القيم الأخلاقية وتفادي صدام الحضارات." أما الفاتيكان فوصف المؤتمر بأنه "عمل ينم عن شجاعة عظيمة."

وفي ختام أعمال المؤتمر وافق المشاركون على مجموعة من القرارات من مثل ضرورة التوصل لاتفاق عالمي على تعريف الإرهاب يعالج أسبابه الحقيقية ويحقق العدالة والاستقرار في العالم.

وطالب قرار آخر حكومات العالم بحظر الأعمال التي تعتبر تجديفاً بالأديان وبتشجيع احترام المعتقدات الدينية.

كما أكد قرار ثالث على أن الأسرة هي النواة الحقيقية لأي مجتمع آمن ومستقر، وبالتالي يتعين حمايتها من التفكك.

لا يجادل أحد في أن القرارات المذكورة أعلاه هي التي سيصل إليها أي إنسان يتحلى بمثقال ذرة من الخير والطيبة حين يتفكر بالأمر وبغض النظر عن جواز سفره أو لونه أو دينه.

الناس الطيبون في كل مكان من العالم يطلبون الأشياء عينها: المأوى والرزق والأمان والعائلة والصداقة والنجاح. كلهم يشتركون بالقيم والأخلاقيات نفسها، الكدح اليومي نفسه والأهداف نفسها.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، تجدنا نحن وبكل سهولة نقع في خطأ تصنيف الناس وفق تصنيفات جاهزة، فهذا مسلم "سني" وهذا مسلم "شيعي" وهذا يهودي أو بروتستنتي أو كاثوليكي فيما تقصر عيوننا عن رؤية الحقيقة المتمثلة في أن كل هؤلاء تربطهم معاً رابطة المحبة للخالق.

ولأني نشأت على الإسلام فقد تعلمت منذ الصغر أن أحترم الأديان السماوية الثلاث التي ظهرت كلها على هذه الأرض المباركة. وباعتباري مواطناً إماراتياً، عرفت بالتجربة المباشرة أن الناس من كل أركان الأرض بإمكانهم أن يعيشوا معاً دون حزازات عرقية أو دينية أياً كان الدين الذي يعتنقوه.

إن الحوارات بين الأديان مثل تلك التي شهدها مؤتمر مدريد يمكنها أن تسقط تلك الحواجز الجوفاء التي تفصلنا بيننا وتزيل غمامات الجهل التي تبعدنا عن بعضنا. كما أشعر بالفخر أن المؤتمر الأول كان نتاجاً لمبادرة من المملكة العربية السعودية على نحو يثبت للعالم أجمع أن المسلمون منفتحون على التواصل مع أهل الأديان الأخرى.

طوال قرون اتشحت بسواد الحروب كانت الأديان غالباً هي المتهمة في إثارة الصراعات. غير أن كل الأديان في جوهرها تدعو للسلم. أما العنف فيقوم به أشخاص يستخدمون الدين- أو يشوهونه- لخدمة غاياتهم. ومثل هذه المؤتمرات يمكنها أن تظهر الأديان على حقيقتها باعتبارها داعية للخير الذي يمكن له في الجوهر أن يوحدنا على الرغم من اختلافاتنا.

الأنبا بينسينتي الذي مثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في المؤتمر وصف هذا الحفل بكلمات لا أدل منها بأنه "دعوة للمحبة من العاهل السعودي الملك عبد الله." نعم، لقد أشار لنا نحو الطريق الصحيح، ومن واجبنا نحن جميعنا أن نحذو حذو مبادرته المستنيرة.

خلف الحبتور
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289