اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية تقوض الاتحاد الجمركي الخليجي

بقلم: د. إيكارت ورتز
أصبحت اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة ومملكة البحرين نافذة المفعول ابتداء من 1 أغسطس الماضي، كما صادق الكونغرس الأمريكي في 19 سبتمبر الماضي على اتفاقية التجارة الحرة الموقعة مع سلطنة عمان لتصبح نافذة المفعول قريباً. غير أن الملاحظ هو أن التغطية الإعلامية في المنطقة لهذين الحدثين كانت محدودة ولم تتجاوز مجرد الإعلانات الرسمية عنهما دون التطرق إلى المخاطر التي تمثلهما هاتان الاتفاقيتان على الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي.
لقد كانت خطة الاتحاد الجمركي قيد التفاوض بين الدول الإعضاء في المجلس منذ عام 1985 وشهدت قمة مسقط عام 2001 تطوراً كبيراً حينما وافقت هذه الدول على تعرفة جمركية موحدة بواقع 5 في المئة تطبق على الشركاء التجاريين الخارجيين ابتداء من يناير 2003.
وجاءت هذه الخطوة لتكمل اتفاقية التجارة الحرة الموجودة مسبقاً بين دول المجلس ولتكون انطلاقة الاتحاد الجمركي لمجلس التعاون الخليجي. غير أن اتفاقيات التجارة الحرة التي توقعها الدول الأعضاء في المجلس منفردة مع دول أخرى من خارجه تقوض هذا الإجماع الذي تم التوصل إليه كما تقوض الاتحاد الجمركي الفتي الذي انجزته الدول الأعضاء.
وعلى سبيل المثال، كيف يمكن تخيل أن تقبل السعودية تدفق البضائع الأمريكية إلى أسواقها من البحرين مع عدم خضوعها لأي تعرفة جمركية، فيما ستواجه هذه البضائع نفسها تعرفة جمركية بنسبة 5 في المئة فيما لو جرى استيرادها عبر المملكة العربية السعودية مباشرة أو أي دولة عضو أخرى في المجلس لا تزال متمسكة بروح ونص اتفاقية الاتحاد الجمركي.
ليس هذا فحسب، بل إن مجلس التعاون الخليجي قد فقد في الوقت نفسه مصداقيته كشريك في المفاوضات الجارية حالياً للتوصل إلى اتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي والصين واليابان وهو الذي لم يتمكن من إظهار القدر المطلوب من الالتزام بنتائج المفاوضات التي يمكن أن يتوصل إليها.
دخلت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وقطر مرحلة من الجمود كما تراجعت وتيرة المفاوضات مع الإمارات بعد الضجة التي أحدثتها صفقة موانئ دبي العالمية. ولو قدر للمفاوضات مع هاتين الدولتين أن تنتهي بنجاح فإن ذلك سيزيد من الشكوك في جدوى الجهود المبذولة طوال السنوات الماضية لتحقيق الوحدة الخليجية. وفي ضوء العواقب الخطيرة الناجمة عن هذه الاتفاقيات، لا بد للمرء أن يتساءل عن السبب وراء إقدام البحرين وعمان على هذه الخطوة وعن السبب وراء عدم معارضة السعودية لهما بمواقف أكثر حسماً، وأخيراً عن الدوافع وراء تعمد الولايات المتحدة دق الأسافين بين دول مجلس التعاون.
إن سياسة الولايات المتحدة الهادفة لتوقيع اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة هي سياسة حديثة العهد نسبياً. وكانت أولى هذه الاتفاقيات هي تلك التي وقعتها الولايات المتحدة مع إسرائيل عام 1985 ثم مع كندا عام 1989 واتفاقية نافتا التي تجمع الولايات المتحدة وكندا والمكسيك عام 1994. أما قبل ذلك فقد كانت جهود الولايات المتحدة تنصب على اتفاقيات تحرير التجارة متعددة الأطراف ضمن المعاهدة العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، الغات، والتي حلت محلها لاحقاً منظمة التجارة العالمية عام 1995.
وقد أشار منتقدو الاتفاقيات الثنائية للتجارة الحرة إلى أن مثل هذه الاتفاقيات لا تسهل عملياً حركة التجارة على المستوى العالمي وإنما تؤدي بدل ذلك إلى تزايد حالة التكتل الاقتصادي الذي تحتل فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعمالقة الأسيويين مثل الصين واليابان الأدوار الكبرى. ومن هذا المنظور يمكن أن تقود إتفاقيات التجارة الحرة الثنائية نحو زعزعة الجهود متعددة الأطراف لتحرير التجارة باعتبار أن هدفها هو خلق مناطق نفوذ للدول الكبرى وتحصين هذه المناطق ضد أي منافسة.
وشهدت السنوات الأخيرة تصاعد الجهود الأمريكية لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية. ففي 2003 أعلن الرئيس جورج بوش مبادرة لتأسيس اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية التي تضم حوالي 20 دولة عام 2013. وتقوم الخطة على توقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية ثم دمجها معاً في مرحلة لاحقة ضمن اتفاقية التجارة الحرة الأمريكية الشرق أوسطية. وما اتفاقيات أطر التجارة والاستثمار الموقعة مسبقاً مع مصر (1999) والجزائر (2001) وتونس (2002) والبحرين (2002) والسعودية (2003) واليمن والإمارات وقطر والكويت (2004) إلا خطوات أولية مهمة الهدف منها هو التحول مستقبلاً إلى اتفاقيات تجارة حرة ثنائية. وإلى جانب عمان والبحرين فقد وقعت الولايات المتحدة اتفاقيتي تجارة حرة مع الأردن في 2001 والمغرب في 2004. وكانت الولايات المتحدة قد اتبعت مقاربات مماثلة لهذه في أمريكا الجنوبية وآسيا.
إضافة لذلك، وعقب 11 سبتمبر، أخذت تروج فكرة في أوساط المحافظين الجدد في الولايات المتحدة مفادها وجوب عزل المملكة العربية السعودية، وتحذر من أن مجلس التعاون الخليجي إذا ما تحول إلى كيان فاعل على الأرض فسيكون ثقلاً موازياً غير مرغوب فيه للسياسات الأمريكية في المنطقة. وتوقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع دول مجلس التعاون الأخرى الأصغر حجماً يناسب تماماً هذه الاستراتيجيا الأمريكية.
وفيما قد تختلط الدوافع الأميركية بأجندتها السياسية في المنطقة، فإن دوافع الدول الأعضاء في مجلس التعاون لتوقيع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع الولايات المتحدة ربما تكون سياسية أيضاً. فهذه الدول تجد أن عليها نهاية الأمر الاعتماد على الولايات المتحدة وليس الاتحاد الأوروبي أو الصين لضمان أمنها في منطقة تفتقد الاستقرار. ولهذا ليس من المفاجئ أن البحرين تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس فيما توجد القيادة الأمريكية الوسطى في قطر.
وفي المقابل لا شك في أن هناك فوائد اقتصادية أيضاً بالتوازي مع المخاطر الماثلة على الصناعة والزراعة المحلية ونظام الكفالة. وعلى سبيل المثال يمكن أن تتطور عمان والبحرين لتصبحا مركزين لإعادة تصدير البضائع الصينية والآسيوية الرخيصة للأسواق الأمريكية وتتفادى بذلك مواجهة تعرفات جمركية أمريكية كبيرة. أو قد تصبحا بوابة للمنتجات الأمريكية نحو دول مجلس التعاون الأخرى التي ألغت بطبيعة الحال الحواجز الجمركية وغير الجمركية مع شركائها ضمن ما يسمى على غير وجه حق حينها "الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون الخليجي."
لكن هل من الحكمة حقاً اختيار جني منافع اقتصادية منفردة على حساب الرؤية المتمثلة بتشارك المنافع ضمن إطار جماعي أوسع لاتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة أوغيرها من الدول والكتل الاقتصادية. هذا السؤال يكتسب أهمية كبيرة خصوصاً وأن أوروبا والصين هما شريكان تجاريان أكثر أهمية بفارق كبير من الولايات المتحدة حيث تأتي ثلث واردات دول مجلس التعاون من أوروبا والثلث الآخر من الصين تقريباً فيما 10 في المئة فقط من الولايات المتحدة.
وبالتالي حتى لو لم تتبع دول المجلس الأخرى بما فيها السعودية خطوتي البحرين وعمان وتوقع اتفاقيات تجارة حرة ثنائية مع الولايات المتحدة، فإن البحرين وعمان ستكونان قد حولتا الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون إلى حبر على ورق. وغياب وحدة الموقف والتعاون من غير المتوقع أن يبث الثقة في خطط مجلس التعاون لاعتماد عملة موحدة بحلول 2010 أيضاً.
الخلاصة هي أن دول مجلس التعاون مطالبة بأن تختار الإحجام عن الانزلاق نحو معارك صغيرة وخصومات بينية أو السعي الجاد لتوحيد جهودها. إن عليها الاختيار بين أن تصبح كتلة اقتصادية ناشئة يعتد بها وأن تطور بالتالي قدراً من القوة السياسية تكسبها موطئ قدم راسخ في منطقة تغلب عليها حالة عدم الاستقرار أو أن تكتفي بقدر من التعاون الرخو فيما بين دول تابعة وفاقدة للاستقلالية وليس لديها سوى مجال ضئيل للمناورة في خضم عالم تهيمن عليه الصراعات بين الأقوياء.
د. إيكارت ورتز مدير برنامج الاقتصاد في مركز الخليج للبحوث بدبي.
 

أعلى
 


أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289