أسباب ارتفاع أسعار النفط
بقلم د. بلعيد رتاب
 

شهدت أسعار النفط الخام تقلبات كبيرة منذ سبعينيات القرن الماضي. وكانت العوامل الجيوسياسية ذات الأثر السلبي على الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط وتقلبات العرض والطلب التي فرضتها الهياكل الاقتصادية للنظام العالمي الجديد من بين عوامل أخرى سببت هذه التقلبات السعرية.

يتوزع اللاعبون الكبار في سوق النفط العالمي بين دول اعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك، وأخرى غير عضوة في المنظمة. وشهدت السنوات الأخيرة تراجع إنتاج الدول غير الأعضاء. أما إنتاج أوبك فيحدده مستوى الطلب العالمي ومعدل إنتاج الدول غير الأعضاء. ونتيجة تراجع إنتاج الدول غير الأعضاء، تنمو الحصة السوقية لدول أوبك حالياً بسرعة أكبر من السنوات الماضية.

كما أن آليات التسعير العاليمة قد تغيرت منذ عام 1970 حيث كانت أوبك وغيرها من الدول المنتجة للنفط تحدد أسعار البيع الحكومية. غير أن تراجع صرامة موازين العرض والطلب وتطور أسواق العقود الفورية والعقود الآجلة أديا في السنوات الأخيرة إلى التحول عن آلية تحديد أسعار البيع الحكومية لتبني صيغة جديدة تعكس بشكل أفضل آلية العرض والطلب. وصيغة التسعير هذه القائمة على السوق هي الأكثر هيمنة الآن حيث تضاف أو تقتطع عوامل تعديل محددة مسبقاً إلى أو من سعر خام قياسي ثابت لكل من أسواق النفط الكبرى الرئيسية وهي آسيا والولايات المتحدة وأوروبا.

ومع نمو الاقتصاد العالمي، أخذ الطلب العالمي على النفط ينمو بالنسبة نفسها على الرغم من تباين الطلب بين منطقة وأخرى من العالم. يبين الجدول رقم 1 أن نمو الطلب على النفط في الدول النامية أعلى منه في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصاديين، على الرغم من أن استهلاك الأخيرة يمثل 60 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على النفط والتي يبلغ النمو السنوي للطلب فيها 0.7 في المئة. أما معدل نمو الطلب في الدول النامية فيبلغ 4.1 في المئة. وكان إجمالي الطلب العالمي على النفط في 2007 قد بلغ 85.7 مليون برميل يومياً أي أعلى بقليل من معدله في 2006 البالغ 84.9 مليون برميل من الخام يومياً .

أسعار النفط المرتفعة

هناك عوامل عدة وراء ارتفاع أسعار النفط. وفيما يلي بعض منها:

1- عوامل العرض والطلب
الارتفاع الكبير في أسعار النفط مؤخراً، يعزى في الوجه الأكبر منه لعدم التوازن العرض والطلب، إذ توقفت معدلات الإنتاج على مستواها في 2005 عند 85 مليون برميل يومياً فيما أدى النمو الاقتصادي وخصوصاً في الهند والصين إلى تواصل ارتفاع الطلب. ودفع ارتفاع الطلب وخصوصاً من جانب الصين أوبك والدول الأخرى المنتجة لزيادة الإنتاج وبالتالي تراجع القدرة الإنتاجية الفائضة لدى أوبك مما عمق المخاوف من زيادة حساسية ميزان العرض والطلب في الأسواق العالمية. كما أن الدعم الحكومي لأسعار الوقود في الصين والهند جعل أسعار المنتجات النفطية في أسواقها المحلية أقل تكلفة على المستهلكين على نحو يؤدي لزيادة حجم الاستهلاك ولا يوفر حوافز لتقليص معدلات الاستهلاك بشكل يؤدي إلى ثبات الأسعار أو انخفاضها.
ويتصف سوق النفط العالمي بعوامل تصلب العرض أو عدم مرونته. وعوامل التصلب هذه تعزى إلى الارتفاع الكبير في تكاليف الاستثمار (الصلابة التقنية للعرض) وإلى التأخر في الاستجابة الاستثمارية النفطية والعوامل الجيوسياسية.
 

ولم يرتفع المعروض من النفط في مختلف مناطق العالم ارتفاعاً يذكر يتناسب مع الارتفاع المتواصل في الطلب العالمي.وفي المقابل يتصف الطلب على النفط الخام بالمرونة العالية على المدى القصير. وتقدر المرونة السعرية للطلب بين 0.01 و0.04. وهذا يعني أن أي ارتفاعات كبيرة في أسعار النفط لن يكون لها سوى أثر محدود في تخفيض مستوى الطلب. كما يتصف الطلب العالمي على النفط الخام يتصف أيضاً بالمرونة العالية للدخل. أي أن معامل التغير التقني بين النفط الخام والناتج الإجمالي المحلي الحقيقي ثابتاً على المدى القصير، فإن مرونة الدخل يمكن أن قريبة من 1. غير أن تقديرات المقاييس الاقتصادية تشير إلى أن مرونة الدخل على المدى القصير تتلااوح بين 0.2 و0.4. وبالتالي، فإن صلابة عرض النفط الخام مع زيادة الطلب العالمي عليه قد أدى إلى تنامي عدم التوازن بين العرض والطلب. وبالنظر إلى عوامل عدم المرونة السعرية للخام بالنسبة لكلي لعرض والطلب، فإن زيادة صغيرة في الطلب على العرض (أو العرض على الطلب) تتطلب تغييرات كبيرة في أسعار النفط قبل عودة الأسواق للاستقرار.وإضافة لذلك هناك أيضاً عوامل أخرى تؤثر على العرض تتعلق بقيود الحكومة الأمريكية على استخراج النفط من عدة مناطق في الولايات المتحدة لأسباب بيئية واستراتيجية أخرى.

ومن العوامل التي تؤثر على ميزان العرض والطلب غياب الشفافية في إحصائيات أسواق النفط. وذلك لأن عدم الشفافية في بيانات العرض والطلب من جانب بعض الدول المنتجة يمكن أن يحدث تشوهات في آلية التسعير. وعليه، فإن توفر قدر أكبر من الإفصاح عن الإحصائيات الدقيقة يمكن أن يساعد الأسواق على إفراز أسعار تعكس على نحو فعلي ميزان العرض والطلب. أما التقليل من أرقام الإنتاج الفعلي فيمكن أن يؤدي إلى دفع الأسعار نحو مزيد من الارتفاع لأن المتداولين بالنفط سيفترضون أن العرض هو أقل مما هو عليه فعلاً.
 

2- اقتصاد الولايات وسياستها المالية
يمكن أن تكون أسعار النفط المرتفعة نتيجة ردود الفعل التي تحدثها سياسات الاقتصاد الكلي الأمريكية الهادفة لمواجهة حالة الركود الاقتصادي، ونعني بذلك الأثر الخفي للسياسة النقدية التوسعية التي تنتهجها الخزانة الأمريكية. وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن انخفاض قيمة الدولار الأمريكي ضاهرة تلازم ارتفاع أسعار النفط وأن خمساً من مراحل ركود الاقتصادي السبع الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة سبقتها ارتفاعات ملحوظة في أسعار النفط. ولكون تجارة النفط العالمية تتم عموماً بالدولار الأمريكي فإن أي انخفاض في قيمة الأخير سيكون مصحوباً بارتفاع في سعر النفط لتعويض التراجع في قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى. وفي المقابل فإن انخفاض قيمة الدولار يزيد أيضاً مستوى الطلب على النفط في الدول ذات العملات غير الدولارية المرتفعة في قيمتها وبالتالي تبقي على ارتفاع أسعار النفط.

ونتيجة للركود الاقتصادي الأمريكي تتبنى الخزانة الأمريكية سياسة مالية توسعية لتحفيز وتنشيط الاقتصاد. والأداة الرئيسية المستخدمة في السياسة المالية التوسعية هي تخفيض أسعار الفائدة مما يزيد المعروض من النقد. وبدورها فإن زيادة المعروض من النقد تدعم وتسهل تأسيس المشاريع الجديدة والتي توفر بدورها الأرضية لرفع الطلب على مختلف السلع، بما في ذلك النفط، أي أن مزيداً من المال سيتوجه نحو شراء السلع والنفط بما يسبب مزيداً من الارتفاع في السعر. كما يعتقد أيضاً أن زيادة المعروض من النقد تشجع الأنشطة غير الانتاجية مثل الاستثمارات في القطاعات الاستهلاكية والتي ما كان لها أن تبدأ لولا تقليص أسعار الفائدة. وبالتالي نجد أن الارتفاع الهائل في أسعار النفط الذي نشهده حالياً يجد انعكاسه في شوء توزيع هائل للموارد المالية.

3- المضاربة

هناك تحليلات أخرى تعزو ارتفاع أسعار النفط بهذا الشكل إلى أسباب أخرى غير تلك المتعلقة بعدم التوازن بين العرض والطلب. وذلك مثل القول بأن هناك ما يكفي من الانتاج النفطي العالمي وأن المزيد من حقول النفط ستدخل حيز الإنتاج. كما أن أحد أكبر مستهلكي النفط، وهي الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تراجعاً لا يستهان به في الطلب على النفط ويعود هذا في الجانب الأكبر منه إلى تفاقم حالة الركود. أما الصين فلا تستهلك سوى ثلث الاستهلاك الأمريكي وهي لن تشهد سوى زيادة ثانوية في وارداتها النفطية مقارنة بإجمالي الإنتاج العالمي. وبالتالي ربما لا يكون من الممكن عزو الارتفاع الحالي في أسعار النفط لعوامل العرض والطلب.



ويقول أصحاب هذا الرأي أن حوالي 60 في المئة من الارتفاع الذي تشهده أسعار النفط هو نتيجة صرفة للمضاربة في أسواق النفط باعتبار أن أسعار هذه السلعة تحددها اليوم قاعات التداول لدى عمالقة المؤسسات المالية نثل مورغان ستانلي وجيه بي مورغان تشايز وغولدمان ساكس ودويتشه بانك وسيتيغروب ويو بي إس وغيرها. ويقول هؤلاء إن المضاربين يجنون أرباح هائلة من تداول عقود النفط الآجلة. ومن العوامل التي تشجع المضاربة في عقود النفط الآجلة التشريعات الضعيفة التي تحكم أسواق العقود الآجلة باعتبار أن القوانين لا تتطلب من المضارب إيداع سوى 6 في المئة فقط من تكلفة عقده النفطي الآجل، أي انخفاض تكلفة المضاربة.
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289