لم تعد البدانة قضية من قضايا الجمال التي تهم النساء فقط. بل إن المعركة ضد البدانة أضحت أولوية للحكومات التي تواجه الآن سيناريوهاً مخيفاً يتمثل في مجتمعات تتزايد فيها الإصابة بالبدانة. وبالنظر إلى المخاطر الصحية الناجمة عن زيادة الوزن، من حق الحكومات أن تشعر بالتخوف. لكن ما هو الخط الفاصل بين التوعية الصحية المشروعة والدور الأبوي للحكومات؟

قبل وقت ليس بالطويل كان الناس يعتبرون الأطفال الممتلئين جميلين وينظرون إلى البالغين ذوي الوزن الزائد على أنهم إما أبناء نعمة أو ممن يحبون الاستمتاع بالحياة. كانت كلمة البدانة نادراً ما نسمعها بين الناس ولم يكن أحد يعرف معاني مصطلحات مثل "الهوس النحافة" أو "هوس الأكل".

أما اليوم فقد أصبح الشباب يعيشون بشكل متزايد تحت هاجس الشكل وهم يتعرضون يومياً لسيل لا يتوقف من صور العارضات والنجوم ممشوقي القوام. غير أن المعركة أمام هؤلاء الشباب ليست سهلة في مواجهة نمط الحياة الذي لا يتطلب المجهود البدني وعادات الأكل غير الصحية.
وهي معركة يزداد عدد الخاسرين فيها باضطراد.

وتشبير الإحصائيات اليوم إلى أن ربع البالغين و24 في المئة ممن تتراوح أعمارهم بين عامين و15 عاماً يعانون البدانة بالمعايير السريرية، أي يزيد مؤشر كتلة البدن عندهم عن 30. وكانت دراسة أجريت لصالح تقرير الصحة العالمي عام 2002 قد أشارت إلى أن 58 في المئة من حالات الإصابة بالسكري و21 في المئة من الأمراض القلبية و8 إلى 42 في المئة من الإصابات بأنواع محددة من السرطانات تعود إلى ارتفاع مؤشر كتلة البدن لدى أصحابها عن 21.
وتقول منظمة الصحة العالمية أن البدانة وزيادة الوزن يمكن أن تفضي إلى التسبب بأمراض السكري من النوع 2 وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والمشكلات التنفسية وأمراض العظام والعضلات ومشكلات جلدية وتآكل الغضاريف وأمراض المرارة والسرطانات ذات الصلة بالاضطرابات الهرمونية ومشكلات الخصوبة.

وقد وصف باحثون في كلية الطب بجامعة مدريد بريطانيا بأنها "عاصمة البدانة" في أوروبا. وبدورها تتوقع الحكزمة البريطانية أن تصنف غالبية البريطانيين في خانة البدناء في عام 2050، وحينها يمكن أن تبلغ تكلفة ذلك على الحكومة 45 مليار جنيه استرليني على شكل رعاية صحية لهم وساعات عمل ضائعة.

وقد عبر وزير الصحة البريطاني عن قلقه من هذا الأمر بالقول أن التهديد الذي تمثله البدانة على الوضع الصحي للعامة هو بمثابة "أزمة محتملة لا تقل في حجمها عن مشكلة التسخن الأرضي."
ويقول الأطباء البريطانيون إن هناك أطفالاً لا تزيد أعمارهم عن ستة شهور يترددون على عيادات البدانة وذكر بعضهم للإذاعة البريطانية أن بعض الأهالي "يبالغون جداً في حجم وجبات أطفالهم الصغار جداً" لأنهم قد "فقدوا الإحساس بما هو عليه الوزن الطبيعي في حقيقة الأمر."

بل إن بعض الأطباء يعتبرون الإكثار في وجبات الأطفال شكلاً من الإهمال أو إساءة معاملة الأطفال ويؤيدون فكرة إبعاد الأطفال عنهم ووضعهم تحت رعاية مختصة. أما الآخرون فيرون أن البدانة مشكلة صحية وليست قضية تتعلق بحماية حقوق الطفل.

وهناك بعض الإجراءات التي بوشر باتخاذها بالفعل لمعالجة هذا التحول العام ومنها:

دور الحضانة والمدارس الابتدائية بدأت تطلب من الأطفال منذ أعمار صغيرة تبدأ بالسنتين ممارسة الرياضة على أجهة مشي صغيرة تناسب أحجامهم فيما ستتكفل الهيئة العامة للصحة بتكاليف إجراء عمليات تدبيس المعدة وتوفير دروس في الرقص للمراهقين البدناء.
كما يجري حالياً وزن الأطفال في المدارس بانتظام وحينما لا تكون النتائج مرضية سيتم الاتصال بأولياء الأمور لوضعهم في الصورة. بل إن هناك إجراء شديد الصرامة يتم تنفيذه حيث يمكن أخذ الأطفال ممن يعانون بدانة مفرطة من بيوتهم بقوة القانون لإخضاعهم لبرامج تخفيف الوزن.

كما سيتم حظر الإعلانات التلفزيونية للمأكولات السريعة وعالية الدهون مثل البرغر ووالدجاج المقلي ورقائق البطاطا والمعجنات المغطاة بالسكر قبل الساعة التاسعة مساء حيث يكون معظم الأطفال البريطانيين في الفراش. وهناك خطة لحظر استخدام الدهون المشبعة في الأغذية.

وقد بدأت المدارس بالفعل بإلغاء الأطعمة الثقيلة والدسمة من وجبات غطاء التلاميذ وأعادت تدريب طهاتها لتقديم وجبات مغذية وصحية تتضمن الخضار والسلطات والفواكه. ولكن هذه الاستراتيجية المكلفة قد فشلت حتى الآن لأن هذا النوع من الوجبات الصحية لا يروق للكثيرين من الأطفال المدمنين على الأطعمة المليئة بالدهون والنشويات والسكريات. وبدلاً من تناول وجبات المدارس هذه يفضلون إحضار علبة الغداء من البيت أو شراء وجبة سريعة.

بل إن مسؤولي المدارس يتحدثون عن بعض الأهالي الذين يأتون لأبنائهم في المدارس بالهمبرغر والشوكولاه ورقائق البطاطا لتكون مكملات لغدائهم التي يقول بعض الأطفال أنها لا تشبع جوعهم. وهذا بالتأكيد كاف لإظهار أن هناك الكثير الذي تستطيع الحكومة فعله.

أكثر من 40 في المئة من الأطباء البريطانيين يعتقدون أن البدانة عموماً هي حالة يسببها الإنسان لنفسه وبالتالي يجب حرمان البدين من عمليات استبدال الركب ومفاصل الحوض المجانية من قبل الهيئة العامة للصحة إلا إذا ثبت أن أمراضهم ليست ناتجة عن أسلوب حياة غير صحي.

بل إن الجمعية البريطانية لأمراض الخصوبة قد أوصت بحرمان البدينات من علاجات الخصوبة ما لم يكن مستعدات أولاً لإنقاص أوزانهن.

كما يتعرض البدناء أيضاً للتمييز ضدهم في أماكن العمل. وهذا ما أكدت استبيان أجرته مجلة "بيرسونيل توداي" لألفين من مسؤولي شؤون الموظفين في الشركات أكدوا أن الشركات تفضل اختيار موظفيها من أصحاب "الوزن الطبيعي."

صحيح أن بريطانية قد تكون "عاصمة البدانة" في أوروبا غير أن البدانة أصبحت وباء عالمياً. وترى منظمة الصحة العالمية أن هناك حالياً 1.6 بالغاً يعانون زيادة الوزن و400 مليون بدين سريرياً وهي إحصائية قد تضاعفت منذ عام 1995. ومنذ حوالي ثماني سنوات تغير الميزان وزاد عدد أصحاب الأوزان الزائدة عن عدد من يعانون نقص الوزن.

ويقول فريق من الباحثين الأمريكيين يتعاونون مع المعهد الوطني الأمريكي للعمر المتقدم بأن متوسط عمر الأمريكيين قد ينخفض حتى خمس سنوات خلال العقد المقبل نتيجة لمشكلة البدانة المتزايدة. وتحتل الولايات المتحدة المرتبة التاسعة عالمياً بين أكثر الأمم بدانة في العالم حيث يقدر أن 64 في المئة من الأمريكيين يعانون من زيادة الوزن أو البدانة أي أكثر من بريطانيا التي تحتل المرتبة 28.

وقد ذكرت دراسة قدمها عصام عبد ربه في ندوة أقيمت في الدوحة أن ما بين 50 إلى 70 في المئة من المتزوجات و30 إلى 50 في المئة من المتزوجين الذين يعيشون في دول مجلس التعاون هم إما بدينون أو أصحاب وزن زائد.

وتشير دراسة أخرى إلى أن 17 في المئة من الأطفال بين سن 6 و16 عاماً في الإمارات يعانون زيادة الوزن فيما تقول هوفمان لاروش أن 60 في المئة من مواطني الإمارات يعانون زيادة الوزن.

وستبدأ وزارة الصحة في الإمارات قريباً دراسة لتقدير الأسباب الرئيسية لبدانة الأطفال. تحتل الإمارات المرتبة 18 عالمياً على مؤشر "الدول البدينة" وتتقدم عليها مصر في المرتبة 14 والكويت في المرتبة 7.

أما المرتبة الأولى عالمياً بين أكثر الدول بدانة فهي من نصيب نورو، وهي جزيرة في جنوب المحيط الهادي، حيث تصل نسبة أصحاب الوزن الزائد إلى 94.5 في المئة من تعداد السكان البالغ عددهم 13 ألف نسمة. وهناك جزيرتان أخريان في الهادي تأتيان في المرتبة الثانية والسابعة عالمياً. ويقول الباحثون أن ذلك عائد في وجه منه لأسباب وراثية.

أما في أستراليا فقد أجبرت أزمة البدانة المستفحلة البلاد لإعادة تصميم سيارات الإسعاف فيها لتتمكن من التعامل مع المرضى البدينين. وتذكر الدراسات أن 67 في المئة من الرجال وأكثر من نصف النساء في أستراليا ممن تزيد أعمارهم عن 25 عاماً هم إما أصحاب وزن زائد أو بدناء. ويتوقع الخبراء أن يعاني 50 في المئة من الأطفال الأستراليين من زيادة الوزن فيما لا يزيد عن عشرين عاماً إلا بقليل. فلماذا يحدث ما يحدث؟

هذا ما تقوله منظمة الصحة العالمية:
"مع زيادة معدلات الدخول وانتقال المزيد من البشر للحياة الحضرية، أصبحت المأكولات الغنية بالكربوهيدرات المعقدة تتراجع أمام المأكولات الأكثر تنوعاً والأكثر محتوى من الدهون المشبعة والسكر. كما شهد العالم تحولات كبيرة نحو الأعمال التي تتطلب جهداً بدنياً. كما يلاحظ التحول نحو النشاطات الأقل حاجة للجهد البدني في زيادة استخدام وسائل النقل الآلية ودخول التقنية للبيوت والنشاطات الترفيهية الأقل حركة."

ولهذا لا غرابة أن الحكومات مصابة بالحيرة إزاء ما يتوجب فعله. القضية شديدة التعقيد لدرجة أنه لا يمكن لأي قانون أن يأتي بالحل السحري. يمكنك أن تأتي بالحصان للماء لكن لا تستطيع أن تجبره على الشرب. كما ينكنك أن تأتي بالسبانخ للطفل لكن لن تتمكن من إجباره على أكله إن لم يرغب.

وقد ذكر باحثو جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس في عدد إبريل 2007 من مجلة "أميريكان سايكوليجست" أن برامج الحمية الغذائية لا تحقق النجاح. وتوصلوا إلى أن غالبية من يتبعون برامج الحمية يستعيدون ما فقدوه من وزن وأكثر. وتقول جانيت تومياما، وهي إحدى هؤلاء الباحثين، أن "العديد من الدراسات تشير إلى أن اتباع الحمية هي عملياً مؤشر على زيادة مقبلة للوزن مستقبلاً."
وتضيف: "إحدى الدراسات توصلت إلى أن الرجال والنساء ممن شاركوا في برامج منتظمة لإنقاص الوزن قد زاد وزنهم بشكل لا يستهان به على مدى سنتين مقارنة مع أولئك الذين لم يشاركوا في برامج إنقاص للوزن."

الأمر نفسه ينطبق على التمرينات الرياضية. فقد أثبتت التمرينات الرياضية أنها ليست الدواء المؤكد لأن من النادر أن يلتزم الناس بها على المدى الطويل نتيجة الوقت والإرادة.

كل الخبراء يتفقون على أننا إن أردنا الوصول إلى الوزن الصحي يجب أن نقوم بتغيير نمط الحياة. علينا أن نمتنع عن الوجبات السريعة. علينا أن نتوقف عن قضاء ساعات في غرفنا مسترخين ونشاهد التلفزيون. يجب أن نتوقف عن قضاء الساعات أمام الكمبيوتر. يجب أن نتوقف عن استخدام السيارة من أجل قطع مسافة قصيرة نحو دكان قريب.

وعلى الحكومات القيام بواجبها في تشجيع الناس وتوعيتهم وتعليمهم غير أن صحتنا وصحة أبنائنا في نهاية الأمر هي مسؤوليتنا نحن. نحن من نقرر ما الذي يملأ رفوف خزائنا وبراداتنا ونحن من يختار بين أن نواصل ترهلنا على أرائكنا أو أن نكون أفراداً نشيطين بعيدين عن الكسل.

حينما يدرك الناس فعلاً المخاطر الحقيقية للبدانة بدلاً من تجاهلها فقد نصل نقطة التحول. ومثلما تتراجع نسب التدخين فإن إدماننا على الأطعمة الدسمة وتهربنا من الحركة والنشاط قد يتراجع.

فقط حينما نقبل حقيقة أن زمام مصيرنا هو بأيدينا يمكننا أن نأمل بإنجاز التغيير.



 

 

 

 

أعلى


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289