الثلاثاء، 16 أبريل 2024

التطرف يزدهر في أرض الحرية

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock

أيها الأهل، كيف تشعرون إذا قال معلّم أبنائكم عن نفسه إنه "مهندس عقول"، وشجّع طلابه على الدعاء من أجل الإفراج عن إرهابيين معروفين، ولقّنهم عقائد جهادية، وحظر الموسيقى والمسرح وعلّم الفتيان الصغار أنه يحق للرجال "اغتصاب" زوجاتهم؟

نشهد الآن على مثل هذا النوع من التلقين العقائدي الخطير الذي لا يمتّ بصلة إلى الدين الإسلامي - وأنا لست أتحدّث هنا عن المدارس الدينية في أفغانستان أو باكستان أو تلك التي يعمل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (#داعش) على تأسيسها في شمال سوريا. بل يحدث هذا التلقين أمام أنظار السلطات التربوية في بريطانيا، قلب أوروبا المتعدّد الثقافات والأعراق.

تحوّلت هذه الفضيحة التي كشفت عنها صحيفة "دايلي ميل" تحت عنوان "ملفات حصان طروادة"، موضوعاً سجالياً حاداً بين اليساريين المتشدّدين العاجزين عن التمييز بين الإسلام الحقيقي ونسخة مشوَّهة عن الإسلام يتم ترويجها لأغراض سياسية، والذين يعتبرون أن تقرير الصحيفة ينم عن رهاب الإسلام، وبين الأكثرية التي تخشى، عن حق في رأيي، أن بلادها تسير نحو التحوّل معقلاً للإرهاب بقيادة أحزاب مناهضة للهجرة مثل "حزب الاستقلال البريطاني".

نعتَ النائب عن برادفورد، جورج غالواي، الذي يدعم "الإخوان المسلمين" وحركة "حماس"، ويقدّم برنامجاً حوارياً عبر قناة "برس تي في" الإيرانية الناطقة باللغة الإنجليزية، "ملفات حصان طروادة" بـ"الهراء" قائلاً إنها "صدمة على طريقة حرب العراق وهجوم لزرع الهلع في صفوف المسلمين البريطانيين من خلال قضية ملفّقة"، وتعهّد بـ"الدفاع عن عائلات المهاجرين في وجه هذا الهجوم العنصري الذي يشنّه المحافظون حتى لو لم يتقدّم أحد للدفاع عنهم". المسكين متوهّم؛ يخالط الأشخاص الخطأ منذ وقت طويل إلى درجة أنه بات عاجزاً عن رؤية حقيقة الإسلام، دين التسليم بمشيئة الله، والاعتدال، والتسامح، والسلام، الذي يُلحق به أصدقاؤه ورؤساؤه في قم الإساءة الأكبر.

يقع في صلب السجال خمس مدارس في مدينة برمينغهام التي تضم عدداً كبيراً من السكان الآسيويين. أنا أؤيّد بقاء المهاجرين على معتقداتهم الدينية وثقافاتهم، مع الانخراط في الوقت نفسه في المجتمع في شكل عام، لكن عندما تحرّض المدارس على إطلاق الهتافات المناهضة للمسيحية، وتلغي الاحتفالات المسيحية في بلد مسيحي، وتدعو أئمة متشدّدين لإلقاء محاضرات على الطلاب وتطرد المعلمين غير المسلمين، تكون قد تجاوزت حدودها. صراحةً، عندما وقعت عيناي على صور "المعلمين" الملتحين في إحدى تلك المدارس، بارك فيو، وقبل قراءة النص، اعتقدت أن مقال الـ"دايلي ميل" يتحدّث عن إرهابيي "القاعدة" وليس عن مربّين في بلد غربي ديمقراطي.

تلقّن مدرسة بارك فيو طلابها منهاجاً إسلامياً وتعطيهم دروساً في الجهاد يجري الترويج لها عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالمدرسة. يوجّه المسؤول عن الأنشطة اللاصفية، علي عبيد، انتقادات لاذعة للعالم الغربي عبر صفحته على موقع "فايسبوك"، حيث كتب: "كل ما يشغل فكري هو واقع العالم الغربي ورياؤه وذهنيته"، فيما ينادي بقيام حركة "خلافة إسلامية"... تناضل من أجل إنقاذ ديننا من الظالمين. واحتفى إنعام الحق، أحد كبار المعلمين في المدرسة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإفراج مؤخراً عن أبو بكر المعروف بـ"بائع الكتب للإرهابيين".

تُجري الحكومة حالياً خمسة تحقيقات في ما يوصَف بـ"مخطط حصان طروادة"، لكن حتى الآن لم يُتَّخذ أي إجراء ولا يزال ممتهنو غسل الأدمغة يحتفظون بوظائفهم. الأسبوع الماضي، نُشِرت نتائج التحقيقات حول مدارس برمينغهام ما دفع بوزير التربية والتعليم مايكل غوف إلى إصدار بيان يطلب فيه من الأكاديميات والمدارس المستقلة والمجانية في بريطانيا "احترام القيم البريطانية"، كما يعلن عن استمرار المشاورات من أجل فرض قوانين جديدة بهدف الحرص على "التزام المدارس كافة بترويج القيم البريطانية". ربما فات الأوان قليلاً. فالمتشدّدون ومشاريع الجهاديين في بريطانيا متأهّبون بطبيعة الحال، ويصرخون أنهم ضحية العنصرية والتعصّب.

لقد غضّت الحكومات البريطانية المتعاقبة النظر عن المتشدّدين دينياً لوقت طويل جداً - وذات يوم قد يرتدّ عليهم هذا الإهمال بقوّة، تماماً كما حصل في 7 يوليو 2005 عندما شنّ إرهابيون بريطانيو المنشأ هجمات انتحارية على شبكة المواصلات في لندن، ما أسفر عن مقتل 52 شخصا وإصابة 770 بجروح. قد يُخيَّل إليك أنهم تعلّموا درساً لا ينتسى من تلك المأساة المريعة، لكن على النقيض تماماً، تحوّلت المملكة المتحدة في الأعوام الأخيرة نقطة استقطاب للإخوان المسلمين الذين تصنّفهم مصر والسعودية في خانة "الإرهابيين"، وقد أنشأوا مركز تحكّم فوق متجر كباب مهجور في شمال لندن ويعملون حالياً على نقله إلى النمسا بعد شروع الحكومة البريطانية في إجراء تحقيق في أنشطتهم، تم بمساعدة جهازَي الاستخبارات الداخلية والخارجية، وبإشراف مسؤولين في وايتهول. غني عن القول أن الآلة الدعائية النشِطة التي يملكها الإخوان انطلقت بزخم شديد للرد على التحقيق عبر إطلاق التهديدات الحادة النبرة مقرونةً بادّعاءات البراءة.

كما أن المتطرّفين يستخدمون الأراضي البريطانية كي يبثّوا انطلاقاً منها محطات تلفزيونية فضائية تبث الخطب التحريضية لبعض الأئمة، ومنها "قناة السلام"، وهو ليس اسماً على مسمّى، الذي يبثّ من برمينغهام ويملكه الدكتور ذاكر نايك الذي يُنقَل عنه قوله: "على كل مسلم أن يكون إرهابياً". وتحرّض "قناة تكبير" التي تبث من نوتينغهام، ضد الطائفة الأحمدية واصفاً معتنقيها بأنهم مرضى أو أصحاب نوايا مخيفة جداً. هناك 14 محطة مماثلة في بريطانيا تنفث الحقد والكراهية، وتنادي بموت الكفّار، وتدعو إلى الجهاد، بيد أن جهاز الرقابة على المحطات التلفزيونية "أوفكوم" يكتفي بفرض غرامات شكلية عندما يتنبّه إلى حدوث خروقات لقوانينه.

بالله عليك بريطانيا! افعلي شيئاً! هؤلاء المروِّجون الأغبياء لا يمثّلون الغالبية الساحقة من المسلمين، وليسوا جديرين بالتواجد في الغرفة نفسها حيث مبادىء القرآن الكريم وسماحة دين الإسلام. بل يجب اعتقالهم جميعاً ومحاكمتهم بتهمة تدنيس ديانتنا. أناشد المسؤولين في بريطانيا عدم الإصغاء إلى ما يتشدّق به من يسمّون أنفسهم ناشطي حقوق الإنسان الذين يركّزون على صون حقوق المعتوهين أكثر من دفاعهم عن حقوق الأتقياء والشرفاء الذين يعملون من خلال دينهم من أجل بناء مجتمعات أفضل وتعزيز التفاهم بين الأديان.

لقد فتحتِ بريطانيا أبوابها مدفوعةً بنوايا حسنة، لكنها تتحوّل الآن بؤرة للمتطرّفين، حان الوقت كي يبدأ صون الذات وتحصينها. ليست مجرد مصادفة أن أكثر من 500 بريطاني يحاربون إلى جانب تنظيم "#داعش" في سوريا والعراق، يُحرّكهم الوعد بإقامة خلافة إسلامية. لن يتحقّق ذلك، لأن الغرب لن يسمح به، وسوف يعودون غاضبين بعد أن يكونوا قد تمرّسوا في القتال. حذارِ، إذا لم يتم وأد هذا النوع من التلقين العقائدي في مهده في المدارس والمساجد وعبر محطات التلفزة، قد يقرّر الجهاديون أن يجعلوا من المملكة المتحدة مرتعهم الجديد، الأمر الذي من شأنه أن يؤدّي في المقابل إلى صعود الفاشية والنازية الجديدة.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم