الجمعة، 19 أبريل 2024

أردوغان المسيء

بقلم خلف أحمد الحبتور

© Shutterstock
© Shutterstock

زيارة الرئيس المصري #عبد_الفتاح_السيسي إلى #نيويورك لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لم تكن مجرد حملة علاقات عامة، فقد كان له ولفريق عمله نشاط قوي في التواصل مع رؤساء الدول والسياسيين ومجتمع الأعمال الأمريكي. وخلال إقامته في #نيويورك، اجتمع بآل كلينتون، وهنري كيسنجر ومادلين أولبرايت المتمرّسَين في السياسة الخارجية، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فضلاً عن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون. وتلقّى أيضاً دعوة في اللحظة الأخيرة من الرئيس أوباما للتباحث في الشؤون الأمنية الإقليمية ومستقبل العلاقات الأمريكية-المصرية. إذا كان يسعى إلى التأثير في الآخرين، فقد نجح تماماً في ذلك، انطلاقاً من الابتسامات التي ارتسمت على وجوه جميع الشخصيات الرسمية التي التقطت لها الصور معه - ومن بينهم حتى العديد ممن كانوا ينتقدونه سابقاً - ولغة الجسد التي بدت عليهم. وقد عاد إلى دياره مع حفنة من الدعوات لزيارة مجموعة من البلدان بينها ألمانيا وكوريا الجنوبية.

لكن الدليل على الحضور القوي للرئيس المصري كان عندما حان دوره للتكلّم أمام الوفود في الأمم المتحدة. فقد بدا واضحاً للعيان أنه فوجئ بالتصفيق الحار الذي قوبِل به لدى صعوده إلى المنصة، وأنه شعر بسعادة عارمة عندما وقف الحضور مصفّقاً له لدى إنهائه كلمته فيما بدا وكأن جميع من في القاعة تقريباً يردّدون العبارة التي ختم بها خطابه: "تحيا مصر... تحيا مصر!"

في الخارج، لوّح آلاف المصريين بالأعلام، ورفعوا صور الرئيس وصدحت أصواتهم بالأناشيد الوطنية تعبيراً عن امتنانهم للعسكري السابق الذي يعتبرون أنه أنقذ مصر من حكم "الإخوان المسلمين" ومن شبح الحرب الأهلية. باختصار، لقد اجتاحت العاصفة المصرية مدينة منهاتن. فقد انتشرت في ساحة تايمز سكوير إعلانات ضخمة تظهر فيها صور لأبرز المعالم المصرية مع العبارة التالية: "سلام وازدهار ونمو"، كما عُلِّقت هذه الملصقات على عدد كبير من الحافلات في المدينة.

كان خطاب السيسي إيجابياً من بدايته حتى نهايته. تحدّث عن الحاجة إلى مكافحة الأفكار المتطرّفة و"أزمة الإرهاب التي تواجهها المنطقة". دافع عن قيام دولة فلسطينية ضمن حدود 1967، وأعلن أن الحكومة المصرية تسعى إلى بناء مصر جديدة تقوم على السوق الحرة والمناخ الاقتصادي المؤاتي للاستثمار؛ دولة تحمي "الحقوق والحريات" و"تضمن التعايش بين مواطنيها من دون إقصاء أو تمييز".

بيد أن مندوبي إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لم يكونوا جالسين إلى مقاعدهم للاستماع إلى الرسالة التي وجّهها الرئيس المصري إلى العالم. فقد قاطعت تركيا خطابه، لا بل أسوأ من ذلك، لم تكد تمضي ساعات على إلقاء السيسي كلمته حتى خصص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جزءاً من خطابه لإدانة الأمم المتحدة على "#إضفاء_الشرعيةً" للسيسي الذي أطاح "بالرئيس المنتخب في مصر"، في إشارة بالطبع إلى محمد مرسي، أحد أزلام أردوغان، الذي يُحاكَم حالياً بتهمة الخيانة والتواطؤ مع مجموعات إرهابية أجنبية، من جملة تهم أخرى. لا يحتاج السيسي إلى الأمم المتحدة لإضفاء شرعية على رئاسته؛ فقد حصل على الشرعية إبان الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مايو الماضي وفاز فيها بـ96.91 في المئة من الأصوات، وكذلك من خلال جمع المصريين العاديين مؤخراً 64 مليار جنيه مصري في أحد عشر يوماً فقط لتمويل مشروعه الضخم في #قناة_السويس.

تحدّث أردوغان أمام قاعة فرغت معظم مقاعدها، ما يشير إلى التراجع المستمر في شعبيته في أوساط المجتمع الدولي بسبب النزعة السلطوية التي بدأت تظهر لديه، لكن كان لإهاناته وقعٌ قوي في القاهرة إلى درجة أن مصر بادرت سريعاً إلى إلغاء اجتماع كان مقرّراً أن يُعقَد في #نيويورك بين وزيرَي خارجية البلدَين. ولم تتوقّف إساءات أردوغان عند هذا الحد. فبحسب صحيفة "زمان" التركية، "رفض حضور مأدبة غداء أقامها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، عندما علم أنه سيجلس إلى الطاولة نفسها" مع الرئيس السيسي فضلاً عن الرئيس أوباما ورئيس جنوب أفريقيا #جاكوب_زوما. ألا يدرك أن المكابرة هي من صفات الأطفال في الروضة وليس جديراً بأشخاص في موقع القرار على الساحة العالمية!

يبدو أن موقف الرئيس التركي يتعارض مع موقف وزارة خارجيته ومستشاريه الذين أشاروا في السابق إلى حرصهم إلى رأب الصدع في العلاقات مع القاهرة. لكن أردوغان دأب على تقويض جهودهم، بما يشير إلى أنه مصمّم على تنفيذ ثأر شخصي حاقد، غير آبهٍ لرد الفعل السلبي الذي يمكن أن يتسبّب به مثل هذا السلوك، لا سيما لدى العالم العربي.

غني عن القول أن رد فعل السلطات الرسمية في مصر على كلام أردوغان كان لاذعاً جداً. فقد ورد في بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية: "ليس هناك شك أن إختلاقه الأكاذيب والافتراءات ليس شيئاً غريباً أن يأتي من الرئيس التركي، الذي يحرص على إثارة الفوضى لزرع الانقسامات في منطقة الشرق الأوسط من خلال دعمه للجماعات والمنظمات الإرهابية". وأثار خطاب أردوغان أيضاً غضب دولة الإمارات العربية المتحدة التي وصفته بأنه "تدخّل مباشر وسافر في الشؤون الداخلية المصرية"، متّهمةً الرئيس التركي باستغلال منبر الأمم المتحدة لشنّ هجوم "غير مقبول" على الشرعية في مصر.

على الدول العربية جمعاء أن ترفض محاولات الرئيس التركي لتقويض التقدّم الذي يسعى إلى تحقيقه البلد العربي الذي يضم العدد الأكثر من السكّان في العالم العربي والذي نسمّيه نحن العرب "أم الدنيا"، ويجسّد واحدة من أقدم الحضارات وأغناها في العالم. إن خطاب أردوغان السام وتصرّفاته التافهة في #نيويورك ليس إهانة لمصر فقط، بل إهانة للعرب كافة في كل مكان، ويجب ألا ننسى في هذا الإطار أن السيسي كان يمثّل جامعة الدول العربية في الأمم المتحدة. لقد التزمنا الصمت فيما كان الرئيس التركي (الذي كان آنذاك رئيساً للوزراء) يستضيف مؤتمرات لجماعة "الإخوان المسلمين" ويرفع بيدَيه شعاراتها القبيحة. لكنه تجاوز الحدود هذه المرة. أنا أعتبر أن من يوجّه إهانة إلى أحد قادتنا هو كمن يسيء إلى جميع القادة العرب. يدّعي أردوغان أن موقفه أخلاقي. في هذه الحالة، لماذا لم ينتقد حكومتَي تايلندا وأوكرانيا اللتين وصلتا إلى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري؟

في الحقيقة، ليس أردوغان سوى مجرد داعِم للإرهاب يحتضن "الإخوان المسلمين"، ويشتري النفط من التنظيم المسمّى "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق. إنه لأمر غريب فعلاً أنه وافق على المشاركة في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد أولئك القتلة، لكنه منع التحالف من استخدام المجال الجوي التركي لشنّ هجماته.

يجب ألا ننسى أيضاً أن تركيا تشكّل محطة عبور لمقاتلي "الدولة الإسلامية". فقد ورد في تقرير في صحيفة "واشنطن بوست" أن "جهاديين مصابين من تنظيمَي الدولة الإسلامية وجبهة النصرة... عولِجوا في مستشفيات تركية". أضاف التقرير: "الأهم من ذلك، غضّ الأتراك النظر فيما تحوّلت بلدة ريحانلي وسواها من البلدات التركية محطات لنقل المقاتلين الأجانب والسلاح عبر الحدود". فضلاً عن ذلك، يقول مراسلو "بلومبرغ" إن تنظيم "الدولة الإسلامية" قد "رسّخ حضوره في المجتمع التركي". يبدو أنهم يستخدمون بلدة ريحانلي بمثابة مركز تسوّق حيث يشترون البزّات والهواتف المحمولة. في هذه الحالة، لا بد لنا من أن نسأل لماذا تغض القوى الغربية النظر عن الدسائس المشبوهة التي تحوكها هذه الدولة المتشدّقة التي تُعتبر شريكة لتلك الدول في الناتو، والمتورطة في فضائح الفساد، هذا فضلاً عن التسجيلات التي يُسمَع فيها أردوغان يناقش مع نجله السبل الفضلى لإخفاء المال. ليس أردوغان نظيفاً على الإطلاق، وأناشد الشعب التركي بأن يراه على حقيقته، فهو ليس مصدر إحراج لتركيا وحسب، بل يُهدّد أيضاً رفاهية الأتراك في المستقبل بعدما كشف عن نواياه الحقيقية.

أردوغان، الإنسان والكائن البشري، صغيرٌ جداً بالمقارنة مع الرئيس السيسي، الوطني الأصيل الحقيقي الذي يقاوم كل الصعاب كي يتمكّن بلده الحبيب مصر من النهوض مجدداً على قدمَيه. لا يحب القنص على الآخرين بلسانه. عندما سأله الإعلاميون عن ردّه على كلام الرئيس التركي، رفض الانحدار إلى المستوى نفسه والرد على هذا التجريح الشخصي. يستحق الرئيس المصري والتسعون مليون نسمة الذين أقسم على خدمتهم، دعمنا. لكن مجرد بيانات الإدانة ليست كافية.

على الرغم من كل ما يُحكى ويُقال، اقتصاد تركيا وعملتها في حالة تراجع في الوقت الحالي، بحسب وكالات التصنيف وما كشفته صحيفة "آسيا تايمز" التي كتبت: "العجز في الحساب الجاري التركي... هو حالياً عند مستوى العجز الذي بلغته اليونان قبل أن تشارف على الإفلاس عام 2011"، لكن "أصدقاء تركيا في دول الخليج" يقدّمون لها الدعم لسد هذا العجز. يجب أن يتوقّف هذا التمويل في الحال! علاوةً على ذلك، ينبغي على العالم العربي مقاطعة كل المنتجات والشركات التركية، وعلى الحكومات قطع علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع حكومة أردوغان. لقد تعهّد الرئيس المصري بالوقوف مع دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك من واجبنا أن ندافع عنه ضد الرئيس التركي المصاب بجنون العظمة الذي يخطّط لإسقاطه.

نُشِرت في الصحف في 28 سبتمبر 

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم