الخميس، 18 أبريل 2024

على مجلس التعاون الخليجي أن يرسي توازناً بين الدبلوماسية والقوة العسكرية المتنامية

بقلم خلف أحمد الحبتور

Al Habtoor Group ©

لقد تغيّر واقع عالمنا العربي في غضون الاثني عشر 12 شهراً الماضية بحيث إنه لم يعد بالإمكان التعرّف عليه. فلقد أطاحت الثورات الشعبية بأربعة أنظمة استبدادية على الأقل. ظاهرياً، يجب أن تكون تلك مناسبة للاحتفال. لكن كما توقّعت مرارا في مختلف مقالاتي الصحافية، لقد أدّى هذا التغيير الواسع والمفاجئ إلى مناخ من الالتباس وعدم الاستقرار وانعدام الأمن وتفكّك الدول، مما أضعف المنطقة العربية ككل.

يوم الأربعاء 25 يناير ، تدفّق المصريون إلى الميادين لإحياء الذكرى الأولى لاندلاع الثورة، لكن الأجواء لم تكن احتفالية. لم يكن التخلّص من حسني مبارك رصاصة سحرية. فالاستياء منتشر في أوساط فئات المجتمع كافة. يقول الشباب إن الجيش والأحزاب الإسلامية خطفت ثورتهم. كما أن “الإخوان المسلمين” والسلفيين الذين يهيمنون على مجلس الشعب، يطالبون المجلس الأعلى للقوات المسلّحة بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. لا يهمّ الفقراء من يتولّى زمام الأمور؛ فجل ما يريدونه هو فرص العمل ووضع حد للارتفاع الشديد في الأسعار.

منذ البداية، عندما كان معظم المعلّقين السياسيين يتحدّثون بعواطف جيّاشة عن الثورة، نبّهت إلى المخاطر. ففي 5 فبراير 2011، في عمود بعنوان “ثورة الشباب في مصر اختُطِفَت”، حذّرت من أن “الإخوان المسلمين” منظّمون جيداً ويُقدِّمون أنفسهم بحنكة بأنهم معتدلون في حين أنه ليس للأحزاب العلمانية التي يقودها محمد البرادعي وأيمن نور عدد كبير من الأتباع.

وفي مقال بعنوان “الثورة المصرية تسلك مسارا مقلقا” (6 أبريل 2011)، كتبت عن التقارب الحاصل بين مصر وإيران وأبديت مخاوفي من أنه في حال سيطر “الإخوان المسلمون” على الساحة السياسة، “فقد يشكّل ذلك قناة تمارس إيران من خلالها نفوذاً في قلب المنطقة العربية”. وفي هذا الإطار، ونوهت بقلق إلى ظهور تيار مصري جديد يطلق على نفسه اسم “حرّاس الثورة” وقد عمد إلى استبدال النسر في العلم المصري بصورة آية الله الخميني. وقد ذهب الفريق ضاحي خلفان تميم، قائد عام شرطة دبي، في كلمة ألقاها في البحرين إلى حد الاعتبار بأن “الإخوان المسلمين” هم بموازاة التهديد الإيراني بالنسبة إلى الخليج.

وسلّطت الضوء على جوهر المشكلة في مقالاتي الأخرى عن مصر التي نُشِرَت العام المنصرم: “الخيط الرفيع بين الحرية والفوضى” (3 مارس 2011)، و“الوضع الاقتصادي المصري على المحك” (23 مايو
2011)، و“يجب أن لا تبقى مصر فريسة للأهواء” (24 يوليو 2011)، و“وحدها رحمة الله تستطيع إنقاذ مصر” (6 أغسطس 2011)، و“المصريون بحاجة إلى من ينقذهم من أنفسهم” (14 أكتوبر 2011). فقد كرّرت فيها أنه لا يمكن أي دولة أن تزدهر في ظل حكم الفوضى الغوغاء، وأكّدت أهمّية الحكم القوي وفرض سيادة الدولة والقانون كي يتمكّن الاقتصاد من النمو. وتوقّعت اندلاع ثورة جياع. لم تقع بعد، لكن بعد تراجع احتياطي العملات الأجنبية في البلاد إلى النصف، وأمام التقلّبات التي تشهدها البورصة، وسعي الحكومة على مضض للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي وربما أنها قد تُضطرّ إلى خفض قيمة الجنيه المصري الأمر الذي من شأنه أن يتسبّب بارتفاع معدل التضخّم، لن يتأخّر الجياع كثيراً قبل أن يرفعوا الصوت عالياً.

بما أن مصر ليست في وضع يخوّلها استعادة دورها القيادي المستحَق في العالم العربي، ونظراً إلى أن الجامعة العربية مقسَّمة وغير فاعلة، لطالما ناشدت مجلس التعاون الخليجي تولّي زمام القيادة بحزم وثبات. وقد أيّدت في مقالي بعنوان “اللحظة مؤاتية لقيام اتحاد من دول مجلس التعاون الخليجي”، الدعوة التي وجّهها العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز إلى دول مجلس التعاون الخليجي “لتجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في ضمن كيان واحد” من أجل درء التهديدات المتزايدة.

ومؤخراً وضع الفريق ضاحي خلفان السياسات الأمريكية على رأس “قائمة التهديدات” قبل التهديد الإيراني. فقد انحنى باللائمة في كلمته على أمريكا معتبراً أنها غير صادقة، وتُصدّر الثورة وتسلّم العراق إلى إيران. أعتقد أن النظام الإيراني هو أكثر خطورة من السياسات الأمريكية، لكنني أتّفق معه في الرأي عموماً، وكما كتبت في عمودي بعنوان “مجلس التعاون الخليجي يتخبّط مع التهديد الإيراني” الذي نُشِر في 14 مارس 2011، تتصرّف الولايات المتحدة بدافع من مصالحها الذاتية فقط.

ولهذا حان الوقت كي يفعل مجلس التعاون الخليجي الشيء نفسه، ويتحمّل مسؤولية حماية أرضه وشعبه. وعليه أن يطوّر قوته العسكري ويحذّر أعداءه من أننا أقوياء ومتيقّظون، كما ناشدتُ في مقالات عدّة منها “رسالة مفتوحة إلى رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي” (27 أغسطس 2011).

ودافعت أيضاً بشدّة في العديد من كتاباتي عن وجوب تحرّك قوّة التدخل السريع التابعة لمجلس التعاون الخليجي لحماية الأبرياء في سوريا، وأعرب عن امتناني لأمير قطر، سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لإبدائه استعداداً لنشر قوّات خليجية.

ويسرّني أيضاً أن السعودية أدركت فشل لجنة المراقبين العرب، وسحبت المراقبين السعوديين، وقد حذت دول خليجية أخرى حذوها. ومؤشّر جيد أيضاً أن الأمانة العامة للجامعة العربية تتواصل مع الأمم المتحدة من أجل أن يكون لمناشداتها وزن أكبر. لكن بيد أن من المخزي أن بعض البلدان العربية تضع عوائق تحول دون إحراز تقدّم على هذا الصعيد.

لقد عبّر طارق الحميد في مقال له في صحيفة “الشرق الأوسط” بعنوان “سوريا... فعلتها السعودية فماذا عنكم؟” بدقة عما يجول في خاطري عندما سأل لماذا تتردّد الدول العربية الأخرى في مساعدة الشعب السوري، ثم عندما اقترح أن يوحّد مجلس التعاون الخليجي صفوفه مع تركيا لإنقاذ سوريا. وأويّد أيضاً الحميد في قوله بأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وزمرته الموالين لإيران قدّموا العراق هدية إلى طهران.

أناشد مجدداً رؤساء الدول في مجلس التعاون الخليجي عدم الاعتماد على الخارج. اعتمدوا على قوّتكم الخاصة ولا تخشوا أن تستعرضوا قدراتكم العسكرية لإخافة عدوّنا. أصغوا إلى قلوبكم وحدسكم، وسوف تفعلون عين الصواب. توقّفوا عند ما ورد في الآية الكريمة رقم 60 من سورة الأنفال واعملوا بها عند اتّخاذ قراراتكم:

وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴿٦٠﴾ صدق الله العظيم.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم