الخميس، 18 أبريل 2024

نبذة تاريخية عن الإمارات العربية المتحدة -الجزء الثالث الأمبراطورية القاسمية المتعدّدة– القبائل

بقلم إيرين ماك كافرتي

Illustrations by Guillermo Munro Colosio

بعد التطرّق إلى المجموعات القبلية المختلفة في منطقة أبو ظبي والساحل المتصالح في المقالين السابقين، نتحدّث الآن عن الإمبراطورية القاسمية المتعدّدة القبائل.

خلافاً للأسرة الحاكمة في دبي التي انبثقت عن قبيلة بني ياس المتماسكة، ارتقت قبيلة القاسمي إلى مكانة مرموقة عبر توحيد عدد من القبائل المتباعدة.

اكتسبت القبيلة على مر السنين سلطة على موانئ الساحل المتصالح بما في ذلك ميناء رأس الخيمة.

وكانت تملك أيضاً حصّة كبيرة من التجارة المربحة في قشيم ولنجة. وبحلول العام 1850، كانت قبيلة القاسمي قد أحكمت سيطرتها على الجزء الأكبر من المنطقة الواقعة شمال بلدة الشارقة وخور كلباء.

لكن كما أشارت فراوكه هيرد-باي في كتابها “من الإمارات المتصالحة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة”، أثارت سيطرتهم عداء القوى الكبرى الأخرى في المنطقة، ولاسيما الفرس والعُمانيين ولاحقاً البريطانيين.

لم تكن سلطة قبيلة القاسمي تقتصر على الموانئ، بل شملت أيضاً الأخوار والخلجان الصغيرة وامتدّت حتى الداخل. وهكذا نجحوا في جمع عدد كبير من القبائل معاً - ليس عن طريق القوة إنما بفضل الفوائد التي يحقّقونها من وضع أنفسهم تحت حماية قبيلة القاسمي.

وقد سيطر القاسميون في شكل خاص على كل النشاطات البحرية في الساحل الشمالي العربي وشرق دبي، على الرغم من أن الجزء الأكبر من هذه المرافئ والخلجان كان تحت تأثير البريطانيين في مطلع القرن التاسع عشر.
لكن طوال سنوات، كانت لشيوخ القاسمي إدارة غير مركزية تحكم عدداً كبيراً من القبائل في المناطق الجبلية، كما في الساحل. وكان هناك شد حبال مستمر بين حكّام أبو ظبي والقاسميين للحصول على تأييد القبائل البدوية في شمال دبي. فتارةً كانت هذه القبائل تؤيّد هذا الجانب، وطوراً الجانب الآخر.

في عشرينيات القرن التاسع عشر، فرض الأسطول البريطاني معاهدة سلام عامة على المشيخات العربية التسع، وأقام موقعاً عسكرياً في المنطقة. وقد سيطر على كامل النشاط البحري في المنطقة التي باتت تُعرَف رسمياً بـ”الساحل المتصالح” إلى حين قيام الإمارات العربية المتحدة في العام 1971.

وفي الوقت نفسه، كانت تجارة اللآلئ تنمو، وتولّد دخلاً مطّرداً للقاسميين وعدد كبير من القبائل التي كانوا يحكمونها. بيد أن هذه التجارة تأثّرت كثيراً بالحرب العالمية الأولى، ثم بالركود الكبير في العشرينيات مما أدّى إلى تراجع كبير في سوق اللآلئ. ودُقّ المسمار الأخير في نعش تجارة اللآلئ مع الشروع في تطوير تربية اللآلئ، ولاسيما في اليابان، مما أدّى إلى انهيار هذه الصناعة في الثلاثينيات.

من القبائل التي وقعت تحت سلطة القاسميين قبيلة الشرقيين التي كانت الأكثر عدداً في دول الساحل المتصالح بعد قبيلة بني ياس، وكان أبناؤها يقيمون في شكل أساسي في الساحل الشرقي وكذلك في دبا وحولها. وقُدِّر عددهم بـ7000 نسمة في القرن التاسع عشر.

وأصبحت الفجيرة نقطة تركّزهم الأساسية، وعلى الرغم من أنهم حكموا هذه المنطقة باعتبارها مشيخة منفصلة لسنوات عدّة، إلا أن البريطانيين لم يعترفوا بها إلا في العام 1952 عند التفاوض على تنازلات من اجل حقوق النفط.

بنت هذه القبيلة تحالفات مع مجموعات مختلفة في أوقات مختلفة، لكنها لم تعمّر طويلاً. وقد عاش أبناؤها حياة تكتفي بتأمين الحاجيات الأساسية، فكانوا يعملون في شكل أساسي في الزراعة وصيد الأسماك. وعلى النقيض من القبائل الأخرى التي كانت خاضعة لحماية القاسميين، لم ينخرطوا في تجارة اللآلئ.

وكان آل علي من أم القيوين جزءاً أيضاً من الإمبراطورية القاسمية. كما كان بعضهم يقيمون في الشارقة ورأس الخيمة، وقد أظهر الاستفتاء السكّاني في العام 1968 أن عدداً كبيراً منهم استقرّ في رأس الخيمة.

وأدّت قبيلة الزعاب، على الرغم من قلّة عددها، دوراً في السياسة القاسمية. فقد أقامت في منطقة خت في سهل جيري حيث كانت تملك حدائق نخيل، لكنها كانت تشارك أيضاً في تجارة اللآلئ في أوقات معيّنة من السنة.

وكانت موجودة أيضاً في الساحل الشرقي، وبحلول الستينيات، كان عدد كبير من أبنائها قد انتقل إلى رأس الخيمة. لكن في أواخر العام 1968، وقع خلاف كبير بين شيخ الزعاب والشيخ صقر من رأس الخيمة، مما أدّى إلى هجرة عدد كبير من أبناء الزعاب إلى أبو ظبي والخضوع لحكم الشيخ زايد هناك.

وكانت قبيلة طنيج تؤدّي دوراً مهماً في النزاعات في الساحل المتصالح في ذلك الوقت، على الرغم من صغر حجمها. وكانت تمثّل العنصر البدوي الأكبر في الإمبراطورية القاسمية، وغالباً ما كان يتم استدعاؤها للقتال في النزاعات القبلية. وكانوا يقيمون حول دايد ورأس الخيمة والحمرية.

وفي هذه الأثناء، كان النقبيون الخصوم الطبيعيين للشرقيين. كانوا جميعهم حضراً، وكانوا يعتاشون من صيد الأسماك والزراعة. وكانوا يقطنون في شكل أساسي في الشميلية ووادي حام وخت وديبا.

ومن القبائل القاسمية الأخرى قبيلة الغفلي التي كانت مجموعة بدوية صغيرة لم يزد عدد أبنائها في الذروة عن 500 شخص، وكانوا يقيمون في شكل أساسي في منطقتَي رأس الخيمة وأم الخيمة.

في شكل عام، بقيت القبائل المذكورة آنفاً تحت تأثير القاسميين حتى الستينيات وأحياناً إلى ما بعد الستينيات، لكن كانت هناك استثناءات مع تفضيل بعض المجموعات المنشقّة عن سلطنة عمان في أوقات مختلفة، أو القبائل العربية التي تعيش في الجانب الفارسي من الخليج. حتى إن بعضها استقرّ في دبي وأبو ظبي.

قبيلة الشحوح هي أيضاً من القبائل التي كانت تعيش في الساحل المتصالح، والتي لطالما كانت أصولها موضع نزاع. كانوا عرباً في شكل أساسي، لكن كان يُعتقَد أن لديهم بعض السمات الفارسية. بيد أن الأبحاث وجدت أن أصولهم ربما تعود إلى اليمن وأنهم هاجروا في القرن الثاني بعد الميلاد. وقد كانوا مختلفين اجتماعياً واقتصادياً ولغوياً عن القبائل الأخرى في المنطقة.

كان عدد أبناء قبيلة الشحوح في مطلع القرن العشرين 21000 نسمة. وكانوا ينقسمون إلى جزئَين - بني هدية وبني شطير - وكانت هاتان القبيلتان مجزّأتَين أيضاً. على غرار عدد كبير من القبائل في المنطقة.

عمد الشحوح إلى تكييف نمط حياتهم ومسكنهم مع الفصول - فعلى الرغم من أنهم لم يكونوا بدواً، إلا أنهم كانوا يمضون أشهر الشتاء في أعالي الجبال الكلسية القاحلة حيث كانوا يعيشون عادة في مساكن مصنوعة من الحجارة. وكانوا يعودون إلى الأراضي المنخفضة الساحلية شمال رأس الخيمة أو إلى حدائق البلح في ليوا في فصل الصيف.

لكن غالبية أبناء القبيلة كانوا يعيشون في سلطنة عمان، ومن كانوا يقيمون في الشارقة والفجيرة ورأس الخيمة كانوا شديدي الفقر وغالباً ما كانت تقع حوادث بينهم وبين قبيلة القاسمي التي لم تكن تملك سلطة كبيرة عليهم بسبب افتقارها إلى الجيش.

إذاً كان غياب التماسك الاجتماعي من السمات الشائعة لدى القبائل القاسمية، وذلك على النقيض من قبائل بني ياس التي كان يجمع بينها تكافل اجتماعي شديد الالتحام.

ترقّبوا في العدد المقبل كيفية إدارة المشيخات في الساحل المتصالح.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم