الأربعاء، 24 أبريل 2024

الإسلاموفوبيا الجزء الأول

بقلم بول فيندلي

© Shutterstock

عضو الكونغرس الأمريكي السابق بول فيندلي يتطرّق إلى نشأة الأفكار النمطية عن الإسلام والمسلمين في الجزء الأول من سلسلة من جزئين...

بدأت الأفكار النمطية عن الإسلام والمسلمين تنتشر في مختلف أنحاء أمريكا في العام 1948, في اللحظة التي رُفِع فيها العلم الإسرائيلي فوق الأراضي الفلسطينية. كانت إسرائيل الجديدة بمثابة "حلم يتحقّق’’ بالنسبة إلى عدد كبير من اليهود، لا سيما الناجين من المحرقة في ألمانيا النازية.

صادقت بريطانيا في إعلان صادر عنها على وجود إسرائيل. ومنح الرئيس هاري ترومان هذا الوجود اعترافا أمريكيا رسميا. فتجاهل بذلك تعهّدا كان سلفه الرئيس فرانكلين د. روزفلت قد قطعه للقادة العرب مباشرة قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية.

كان روزفلت قد وعد الملك السعودي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، المعروف بابن سعود (القائد العربي البارز في ذلك الوقت) بأن الولايات المتحدة سوف تستشير القادة العرب قبل دعم إنشاء وطن لليهود في الشرق الأوسط. إلا أن المشاورات لم تحدث. وقد اعترض العرب في حينها على إعلان ترومان إنما من دون جدوى. فوقع وتبع ذلك صراع لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا.
يخاض هذا النزاع، مثل معظم الحروب، حول الأرض. فمن جهة هناك فلسطينيون عزّل مرغمون على التخلّي عن حق العودة التي تعود إلى قرون خلت. ومن جهة أخرى، هناك يهود مدجّجون بالسلاح تدعمهم الحكومة الأمريكية بلا قيد أو شرط، ويزعمون أنهم لهم حق في ارض فلسطين بأمر من الله مذكور في العهد القديم. لكن الباحثين علماء الكتاب المقدس يعترضون على هذا الزعم، ويقولون إنه في حال كان الله قد منحهم الأرض، فقد كان ذلك مشروطاً، وسرعان ما خسروها عندما عصوا أوامره.

بعد الاعتراف الأمريكي، شنّ قادة إسرائيل الجديدة على الفور "حرب الاستنزاف’’ التي شكلت الخطوة الأولى في سيطرتهم على فلسطين التي كانت جزءاً من التاريخ القصير لإسرائيل القديمة كدولة. كانت فلسطين توصَف خطأ في الجملة النمطية التي غالبا ما يُستشهَد بها: "أرض من دون شعب لشعب من دون أرض’’. دمّرت الحرب 531 قرية عربية(دراسة للدكتور كمال عبد الفتاح من جامعة بير زيت)، فأسفرت عن مقتل عدد كبير من القرويين واضطرار الآخرين إلى مغادرة منازلهم.

أصبح خليفة الرئيس ترومان، دوايت د. أيزنهاور، بطلاً في عيون المسلمين في العام 1956 عندما أرغم إسرائيل على وقف عدوانها العسكري على مصر، والانسحاب من الأراضي الإسلامية التي احتلّتها قواتها. بعد بضعة أيام، فاز بولاية ثانية في الانتخابات، ونال دعما يهوديا أقوى من ذاك الذي حصل عليه عند انتخابه للمرة الأولى قبل أربع سنوات. ثم عطّل محاولة إسرائيلية لتحويل إمدادات المياه العذبة العربية بطريقة غير قانونية.

عندما تسلّم جون ف. كينيدي الرئاسة خلفاً لأيزنهاور، كان قد تعرّض لضغوط من اللوبي الإسرائيلي. ففي مرحلة متأخّرة من حملته الرئاسية، عرضت مجموعة من اليهود البارزين والأثرياء في مدينة نيويورك، تحمّل الأعباء المالية لحملة كينيدي إذا تعهّد بأن يسمح لهم، في حال انتخابه، بـ"تحديد مسار السياسة الشرق أوسطية في السنوات الأربع المقبلة’’. قال كينيدي في حديث خاص في اليوم التالي مع صديقه الصحافي تشارلز بارتلت، إنه رفض العرض وإنه شعر "بالإهانة لأن  هناك من تقدّم بمثل هذا العرض وتحديدا إلى رجل يملك ولو فرصة ضئيلة بالوصول إلى الرئاسة’’. بعد أربع سنوات، رفض حاكم إيلينوي، أدلاي ستيفنسون الثاني، عرضاً مماثلاً من اليهود في نيويورك خلال حملته غير الناجحة ضد الرئيس أيزنهاور الذي كان مرشّحاً لولاية ثانية.

أطلق اغتيال الرئيس كينيدي في العام 1963 تراجعاً حاسماً في تأثير أمريكا في الشؤون العالمية، وبدأ الفلسطينيون الذين يتألفون بمعظمهم من المسلمين يواجهون مشاكل خطيرة. كان كينيدي يبذل، قبل أيام من مقتله، جهودا دبلوماسية حثيثة إنما غير ناجحة لفرض قيود على برنامج الأسلحة النووية التي كانت إسرائيل تعمل على تطويره في الخفاء. لو بقي كينيدي على قيد الحياة، لاستطاع في اعتقادي أن يفوز بسهولة بولاية ثانية في الرئاسة. وكان ليحظى بسنوات إضافية للتصدّي للطموحات الإسرائيلية، وربما النجاح في منع الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني لفلسطين.

بدلاً من ذلك، أتاح مقتله لإسرائيل أن تحكم قبضتها على الرئاسة الأمريكية التي تولّاها ليندون ب. جونسون. ونتيجةً لذلك، اعتمدت الولايات المتحدة سياسات شرق أوسطية ألحقت أضرارا فادحة بالحقوق العربية، وأدّت إلى تفاقم الأفكار النمطية بحق المسلمين في أمريكا. توقفت الضغوط الرئاسية على إسرائيل. وأصبح جونسون الذي انتخِب بعد عام لولاية رئاسية كاملة من أربع سنوات، خادما لدى إسرائيل بدلاً من العمل على إصلاحها. في العام 1967 قدّم جونسون مساعدة سرّية لإسرائيل في الحرب العربية-الإسرائيلية. وارتكب في المراحل الأخيرة من الحرب، انتهاكا فاضحا لواجباته كقائد أعلى للقوات المسلحة، عندما حاولت القوات الجوية والبحرية الإسرائيلية أن تدمّر خلسةً سفينة "يو إس إس ليبرتي’’ التابعة للاستخبارات البحرية الأمريكية أثناء قيامها بدورية في المياه قرب إسرائيل. كنت في ذلك الوقت عضوا جديدا في "لجنة مجلس النواب حول العلاقات الدولية’’. أتذكّر أنني سمعت النائب لستر وولف يعلن في مجلس النواب أن إسرائيل هاجمت عن طريق الخطأ سفينة صغيرة تابعة للبحرية الأمريكية، وأن جونسون قبِل اعتذارها. ولم تتوافر لي أي معلومات إضافية عن الهجوم إلا بعد اثني عشر عاماً عندما قرأت الكتاب الذي وضعه القائد جيمس إينز الذي نجا من حادثة "ليبرتي’’ بعنوان "الاعتداء على ليبرتي’’(الموقع الإلكتروني الخاص بـ"يو إس إس ليبرتي")في يوم الهجوم، قبِل جونسون على الفور اعتذار إسرائيل الكاذب، على الرغم من أن إدارته كانت على اطلاع كامل بأن الهجوم متعمّد. وقد أصدر الرئيس أوامر سرّية بتلف السجلات الرسمية التي تتحدّث عن الهجوم. وتعرّض الناجون من حادثة "ليبرتي’’، وبعضهم كانوا ممدّدين على أسرّة المستشفيات، للتهديد من الأميرال إيساك كيد الذي حذّرهم من أنهم سيدخلون السجن إذا أدلوا بتصريحات علنية عن حقيقة ما جرى. وترأس كيد "تقصّيا’’ طلبه جونسون بهدف إعفاء إسرائيل من المسؤولية. ومن المستندات التي أتلِفت سجلاتٌ تتحدّث عن قرار مفاجئ اتّخذه القائد الأعلى للقوات المسلّحة. فعلى الرغم من أن سفينة "ليبرتي’’ كانت لا تزال تتعرّض للهجوم، أمر جونسون بعودة الطائرات الحربية الأمريكية التي كانت قد انطلقت للدفاع عنها. قال جونسون عبر خط لاسلكي آمن لقائد الأسطول المصاب بالصدمة، الأميرال لورنس غيتس، وللعامل التقني المذهول الذي يرصد نقل الرسالة "لن أخوض حربا مع حليف لنا [إسرائيل] بسبب بعض البحّارة’’. في رأيي كان الأمر الذي أصدره بالعودة جريمة تستوجب عزله من منصبه، ولعلها الجريمة الأولى من نوعها في تاريخ البحرية الأمريكية. فقد أنقذت إسرائيل من الغضب الأمريكي المستحَق، وكان يُفترَض أيضاً وقف المساعدات الأمريكية لها. وربما كانت هذه الحادثة العامل الأساسي في القرار الذي اتّخذه جونسون بعدم الترشّح لولاية رئاسية ثانية.

التفسير الأكثر منطقية لفعل الخيانة الكبير الذي ارتكبه جونسون يعطيه القائد ديفيد لويس الذي أصيب بجروح خطيرة في الهجوم. ففي اجتماع للناجين من الحادثة بعد عام من وقوعها، قال لويس متكهّناً "بعد تدمير ليبرتي والقضاء على طاقمها سراً من دون ترك أي أثر، أظن أن إسرائيل كانت تخطّط لتحميل مصر المسؤولية، فتثير بذلك غضب الرأي العام الأمريكي من العرب كافة. اعتقد القادة الإسرائيليون أنه من شأن ذلك أن يساهم في قيام حلف أمريكي راسخ ودائم مع إسرائيل’’. كاد المخطّط ينجح. كان الهجوم في ساعته الثانية، وبالكاد كانت السفينة لا تزال عائمة على سطح المياه، عندما تمكّن أحد عمّال الإشارات اللاسلكية على متن "ليبرتي’’ من تركيب هوائي مؤقت وبث رسالة واحدة لطلب النجدة. عندما سُمِع النداء في تل أبيب، أمرت القيادة العليا في إسرائيل بوقف الهجوم في الحال، وادّعت أنه حصل عن طريق الخطأ لأن هوية السفينة التبست على القادة العسكريين الإسرائيليين. لقي 34 جندياً في البحرية الأمريكية مصرعهم، وأصيب 171 بجروح.

وقد نجحوا في تغطية الحادثة، فقد ذُكِرَت "ليبرتي’’ وعناصر طاقمها الذين توزّعوا بين قتلى ومصابين، في السجلات الرسمية للبحرية الأمريكية تحت العنوان العريض الآتي "ضحايا خطأ إسرائيلي في تحديد الهوية’’. إنه خداع يتسبّب بألم عميق وغضب شديد لدى الناجين من حادثة "ليبرتي’’ الذين يُمنَعون باستمرار من رواية قصّتهم في جلسات الاستماع الحكومية.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم