السبت، 20 أبريل 2024

آفات العنف والفوضى والجوع تتفشّى في الأراضي العربية

بقلم خلف أحمد الحبتور

Al Habtoor Group ©

لطالما شعرت بالفخر والاعتزاز بإعلان هويتي العربية. لقد قدّم أجدادنا للعالم حضارات عظيمة، ومعارف أساسية في ميادين الرياضيات والكيمياء والطب وعلم اللغة والتشريع والفلك. كانوا بحق فلاسفة وشعراء ومستكشفين وحرَفيين وفنّانين وبنّائين تركوا لنا صروحا رائعة لا يمكن مضاهاتها إلى اليوم في جمالياتها وحرَفيّتها. لكن يبدو أن العصر الذهبي تحوّل هباءً منثوراً في البلدان التي كانت تشكّل عالما عربيا لم يعد موجوداً، إلا في ذاكرتنا وقلوبنا. إننا نقترب سريعاً من اليوم الذي سيصبح فيه مقرّ الجامعة العربية متحفا ليس إلا.

لم يعد بإمكاننا أن نخفي رؤوسنا تحت الرمال. إذا لم نواجه الحقيقة التي تنكشف فصولاً أمامنا يوماً بعد يوم، سوف تتواصل الدوّامة الانحدارية. لن يحقّق لنا الإنكار شيئاً سوى خداع الذات. في منطقة حيث تعيث النزاعات وعدم الاستقرار والفوضى والفقر خراباً، إلا دول الخليج العربي هي الحصن الأخير للرشد والتنوير والتنمية، لكن حتى هنا تحاول قوى خفية زرع الشقاق من خلال طوابير خامسة، لهذا يجب أن نبقى حذرين وندافع عن إنجازاتنا بكل ما أوتينا من قوّة.

"الربيع العربي’’، هذه العبارة التي تحمل معنى الحرية والأمل والتجديد، لم يتحوّل إلى حقيقة على الأرض. رصّ أشخاصٌ من مختلف المعتقدات الدينية والانتماءات السياسية صفوفهم لإطاحة القادة القمعيين، لكن ما إن تحقّق هذا الهدف المشترك حتى انقلبوا بعضهم على بعض. سوف يسجّل التاريخ أن الأنانية والجشع وحب السلطة تغلّبت على الوحدة. لقد حلّت الشكوك والانتقام مكان التفاهم المتبادل. ووُضِع التسامح جانبا مفسحا في المجال أمام انتشار التطرّف والاستقطاب الحاد اللذين يوفران أرضاً خصبة للإرهاب.

عندما أنظر إلى الأوضاع الكارثية في سوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا، أتساءل إذا كانت لعنة قد حلّت على منطقتنا. لقد نلنا حصّتنا من الحروب والاجتياحات الأجنبية والاحتلالات على مدى قرون طويلة. واليوم يستيقظ عدد كبير من أولادنا في أنحاء أمتنا على أصوات الانفجارات أو يرتجفون من البرد في المخيمات حيث يقطنون أو يبحثون عن فطور لهم وسط النفايات. ومع ذلك، إنهم أوفر حظا من أترابهم، لا سيما أطفال سوريا الذين تُبتَر أعضاؤهم، ويتعرّضون للتعذيب ويُقتَلون على أيدي القوات الحكومية.

هل يُنزل بنا الله العقاب؟ هل سبحانه وتعالى غير راضي عنا لأن رسالته السامية عن السلام والأخوّة والرحمة تعرّضت للتشويه على أيدي ومرجعيات وآيات الله وأئمة كذبة يطرقون صدورهم وتحرِّكهم أجندات سياسية، فيزرعون التعصّب في عقول شبابنا من طهران إلى بيروت، ومن دمشق إلى صنعاء، ويبثّون الحقد والكراهية في كل مكان؟ إذا كانت لعنة قد حلّت علينا، فالسبب هو أن أشخاصاً ذوي عقائد وأيديولوجيات سياسية ويدّعون أنهم قادة دينيون، يخالفون إرادة الخالق بإطلاق بدَع تشوّه رسالة الإسلام وتلطّخ صورته، مثل المرجعيات الشيعية، والمرشد للإخوان الذين نصبوا أنفسهم كآلهه تأمر ولا تعصى. في الحقيقة ان الله سبحانه وتعالى هو وحده المرجع والمرشد، ثم دستور الأمة وهو القرآن.

ألسنا أهلاً لرحمته تعالى؟
يؤلمني قول هذا، لكن العفَن ينهش شيئاً فشيئا مجتمعاتنا التي كانت تتمسّك سابقاً بالمبادئ الأخلاقية النبيلة، وكانت تسود فيها قيم العائلة وصون الكرامة البشرية. ولدنا أحراراً، إلا أن كثراً بيننا تحوّلوا قطعاناً غير قادرين على التفكير من تلقاء أنفسهم. القرآن الكريم، كلام الله عز وجل الذي نزل على النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم، يُحرّرنا من الاستعباد على أيدي الآخرين. ويدعونا إلى استخدام عقولنا، وطلب العلم، ويُهدينا إلى السبيل القويم لاتّخاذ الخيارات الصحيحة.

لقد عمِل أسلافنا بتعاليم الله، وظلّوا أحراراً وموحَّدين طوال قرون، أما الآن، وعلى الرغم من أن المسلمين قد يقرأون القرآن الكريم أو حتى يحفظونه عن ظهر قلب، فهم يقعون تحت ظلال قادة دينيين أو سياسيين ينادون بأيديولوجيات غير إسلامية. فعلى سبيل المثال، هل يمكن اعتبار شخص مثل بشار الأسد مسلماً، هو الذي أصدر الأوامر بقتل أكثر من 60000 شخص من أبناء شعبه؟ هل الدعاة المزعومون الذين يحضّون أبناء دينهم على التزنّر بأحزمة ناسفة وتفجيرها في أسواق مكتظّة بالنساء والأولاد، مسلمون حقا؟ لماذا باتت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي هي من أكثر المناطق ثراء في العالم، مرتبطة ارتباطاً محكَماً بالرجعية والعنف، حيث يتعثّر الابتكار والتقدّم بسبب التعصّب وضيق أفق التفكير؟ إنه لأمر معيب أيضاً أن بلداناً مثل باكستان وأفغانستان حيث الناس أتقياء ورعين، تحوّلت إلى ملاذ لتجّار المخدّرات، وحارقي العرائس، والمغتصبين. حركة طالبان الأفغانية، التي يُفترَض أنها شديدة التديّن، والتي تحرق مدارس الفتيات، تحصل على التمويل من زراعة المخدرات. صُدِمت مؤخراً لدى مشاهدة تقارير متلفزة عن مزارعي المخدرات العاجزين عن تسديد قروضهم بسبب قيام القوات الحكومية بإتلاف محاصيلهم، ما يُضطرّهم إلى تسليم بناتهم الصغار اللواتي لم يتجاوزن العشرة أعوام لاستعبادهن جنسياً أو استخدامهن في تهريب المخدّرات.

لا بد من الإقرار بأن الاضطرابات في منطقتنا هي في جزء منها نتيجة مباشرة لتدَخُّل القوى الأجنبية التي جرّدت الفلسطينيين من وطنهم، وقسّمت سوريا الكبرى، وقدّمت العراق، مهد الحضارة، على طبق من فضة إلى الملالي الإيرانيين، ولو عن غير قصد منها. تتمتّع الولايات المتحدة وأوروبا بالكثير من المميزات الجديرة بالإعجاب والتي تستحق الاقتداء بها. يمكننا أن نتعلّم الكثير من الغرب، وأنا من الأشخاص الذين يفعلون كل ما بوسعهم لتعزيز التفاهم بين الأديان. في دائرة أصدقائي المقرّبين أشخاص أمريكيون وبريطانيون. لكنني لا أحبّذ التدخّل الغربي في شؤوننا. تتحمّل الولايات المتحدة وحلفاؤها جزءاً من المسؤولية في ما آلت إليه بلداننا من خراب وفوضى. أظنّ أنني أتكلّم باسم غالبية العرب عندما أطلب منكم أن تتركونا وشأننا، كي نتمكّن من حل مشاكلنا بأنفسنا من دون أية عراقيل. بيد أن إلقاء اللوم على الغرب لا يُبرّر لنا فشلنا في التحكّم بمصيرنا.
نعم، تمرّ مصر وتونس في مرحلة انتقالية على الطريق نحو الديمقراطية، ومن المحتوم أن تشهد هذه العملية تقلّبات. لكن المسار ليس إيجابياً على الإطلاق، فبعد عامَين على اندلاع الثورة المدنية في مصر والتي أدّت إلى إطاحة حسني مبارك، لم يتحقّق أي تطلّع من تطلّعات الثورة. على النقيض، فيما أخطّ هذه السطور، فُرِض قانون الطوارئ وحظر التجوّل في ثلاث محافظات مدن القنال ، وتمتلئ الأجواء فوق القاهرة بالدخان المتصاعد من المباني والسيارات المشتعلة الذي يختلط مع الغاز المسيل للدموع. ويزداد الفقراء فقرا بسبب ارتفاع الأسعار، وتراجع قيمة العملة، وزيادة الضرائب التي فُرِضت كشرط مسبق أساسي للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي قدره 4.8 مليارات دولار أمريكي. وتطلّ السلطوية أيضا برأسها القبيح في تونس التي لا تزال تعاني من البطالة المزمنة، وحيث توجّه المعارضة الآخذة في التوسّع أصابع الاتّهام إلى الحكومة معتبرةً أنها لا تتمتّع بالكفاءة اللازمة، فيما يشتكي التونسيون العاديون من أنهم لم يصبحوا أفضل حالاً مما كانوا عليه في عهد بن علي.

من الواضح أن العرب يفتقرون إلى الحكم الرشيد، لا سيما بالمقارنة مع الدول الغربية والبلدان التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي السابق والتي تجاوزت الخضّات السياسية والاقتصادية في أجواء من السلام والاستقرار. حتى في أسوأ مراحل الأزمة الاقتصادية عندما كان الأمريكيون يخسرون منازلهم ووظائفهم، وفي بعض الحالات، معاشاتهم التقاعدية، احتجّوا سلمياً. لم يحاول أحد إحراق البيت الأبيض أو إلقاء قنابل مولوتوف باتّجاه جدرانه كما فعل رجال ملثمون في القاهرة حاولوا إضرام النيران بالقصر الرئاسي.

آن الأوان كي يترفّع المسلمون ويفكّروا مليا في الفوضى الراهنة وفي ما آلت إليه أحوالهم، ويروا المشهد بأكمله ومن مختلف جوانبه، قبل أن يدمّر العفَن ركائزنا. دعونا نعود إلى الأساسيات. باستطاعة الإسلام أن يقودنا نحو النور، شرط أن نتمسّك بأركانه، ونصمّ آذاننا عن المخرّبين والمفترين والمتطرّفين وغلاة الدين.

طالما أننا نصوّب أسلحتنا ضد إخوتنا في الوطن، فلن نكون أهلا لرحمة الله تعالى. يدعو القرآن الكريم المسلمين إلى التآلف والتآخي والوحدة، ويحذرهم من الفرقة حيث قال الله عز وجل: "إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ’’ (سورة الحجرات، الآية 10). ليت المسلمين يعملون بهذه الآية، فنطوي صفحة حقبةٍ يمكن القول بأنها الأكثر دماراً في الذاكرة الحيّة.

تعليق
الرجاء المحافظة على تعليقاتك ضمن قواعد الموقع. يرجي العلم انه يتم حذف أي تعليق يحتوي على أي روابط كدعاية لمواقع آخرى. لن يتم عرض البريد الإلكتروني ولكنه مطلوب لتأكيد مشاركتم.
المزيد من المقالات بقلم