من هم الدروز؟
بقلم ليندا هيرد
 

تجمع روابط الدين والثقافة والولاء والانتماء العشائري بين الدروز الذين يشكلون طائفة متماسكة تعتبر الجبال في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن وطنها الطبيعي. ويعتقد أن هناك أكثر من مليون درزي في العالم يسكن أكثر من 80 في المئة منهم في سوريا ولبنان فيما يحمل حولي سبعة في المئة من الروز اليوم الجنسية الإسرائيلية. وهناك ما قد يصل إلى مئة ألف درزي ينتشرون في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغرب إفريقيا وباقي دول الشرق الأوسط. لكن ما هو العامل التاريخي الذي جعل لديهم ذلك الولاء الشرس لبعضهم البعض إلى درجة جعلتهم يتخذون راية موحدة لهم؟
 
اجتماع الدروز مع قادة العثمانيين فى دمشق قلعة فخرالدين فى بالميرا

يوصف الدروز بأنهم أحد أكثر الطوائف الغامضة وغير المفهومة في العالم وهذه الانعزالية هي التي أحاطت الطائفة الدرزية بهذا الجو من الغموض. وبعيداً عن معاقلهم الجبلية، تجد الدروز ميالين للاختلاط بالآخرين عموماً غير أنهم يحرصون على عدم مناقشة معتقداتهم الدينية مع الآخرين. وهم لا يحاولون دعوة الآخرين لمعتقدهم كما أن طائفتهم مغلقة أمام الآخرين ويرفض الدروز بقوة الزيجات من طوائف أخرى والطلاق. ويعتقد أن الدروز أغلقوا عقيدتهم أمام الآخرين منذ عام 1043 ميلادية.

والدروز يشكلون ما قد يمكن اعتباره أكثر التجمعات انغلاقاً على نفسها واتصالاً ببعضها. وعلى سبيل المثال لدى أحد أصدقائي الدروز دليل هاتف مطبوع بأرقام الاتصال بكل أبناء عشيرته المنتشرين في كل أنحاء العالم.

ويبقى جوهر التعاليم والمعتقدات الدينية للطائفة الدرزية مقصوراً على فئة صغيرة من أبناء الطائفة ممن يعتبرون ورعين ومخلصين للعقيدة بما يكفي للإطلاع على أسرارها. وتعرف هذه القلة من الأفراد والذين يتعين عليهم الخضوع لعملية تسلم طويلة للمعتقد باسم "العُقّال"- أي العاقلين والعارفين، أما الغالبية فتدعى "الجُهّال" الذين لم يطلعوا على مبادئ المعتقد. ولا يسمح للجهال بالإطلاع على "كتاب الحكمة" غير أنهم يبقون مطالبين بالعيش وفق قواعد سلوكية معينة.

وتتضمن هذه القواعد الخضوع للخالق الواحد ورفض الخبيث والتزام الصدق والالتزام بتقديم العون لباقي أفراد الطائفة. كما تحثهم هذه القواعد على الكرم وحسن الضيافة والاحترام. كما تحثهم معتقداتهم على أن يكون الرجل رب عائلة صالح والمرأة عفيفة وأن يحرص الأزواج على خلفة الصبيان لاستمرار الطائفة.

وتشجع تعاليم الطائفة على الاهتمام بالأرامل واليتامى والفقراء، كما ترفض الرق وتحرص على التعايش بين كل الأديان في المنطقة. أما أولئك الذين يخرجون عن تعاليمهم كأن يتزوجوا من خارج الطائفة فيتم نبذهم. ولهذا فإن الكثيرين من الذكور الدروز الذين يعيشون في الغرب يعودون إلى قراهم للبحث عن زوجة حين يريدون الزواج. ولا تقل نشأة وأصول الطائفة الدرزية غموضاً عن عقائدهم. ويعتقد عموماً أن الطائفة نشأت بداية في مصر قرابة العام 1017 للميلاد حين انشق الخليفة الفاطمي السادس الحاكم بأمر الله عن المذهب الشيعي مدفوعاً بطموحه لتوحيد البلاد الإسلامية ثم انتشرت لاحقاً إلى بلاد الشام.

كما يعتقد بأن اسم الدروز أتى من اسم أحد أعوان الخليفة وهو محمد الدرزي حيث كان أحد دعاة المذهب واستقطب الكثير من الأتباع. ويقول آخرون أن الاسم أتى من كلمة فارسية تعني "الجنة".وحين اختفى الخليفة الحاكم بأمر الله دون أن يبان له أثر، حيث يعتقد أنه تعرض للقتل، ورث خلافته ابنه الشاب على الظاهر وهو الذي أمر عساكر الدولة الفاطمية بقتل الدروز حيث قتل منهم حوالي 5 آلاف في أنطاكية وحلب.
 
اجتماع قادة الدروز عام  1926 فى جبل الدروز فى سوريا
بيت جان. احدى القرى الدرزية

وبعد أن أوقف علي الظاهر قتلهم في عام 1026 كان الكثيرون من الدروز قد هربوا ليسكنوا مناطق معزولة في جبال لبنان وسوريا وفلسطين أملوا أن يجدوا فيها مكاناً آمناً تسكنه عائلاتهم ويمارسون فيها دينهم التوحيدي الذي يحترم كل الأنبياء. وبسبب هذه الملاحقة قرر زعماؤهم الدينيين عدم قبول أي منشق عن عقيدته إلى الطائفة وهو موقف ما يزال سارياً طوال عشرة قرون.

وعاش الدروز خلال العقود التالية لذلك بهدوء واشتغلوا في بساتينهم وكرومهم ورعاية قطعانهم وزراعة الخضار وهو ما جعلهم يحققون الكفاية. ولكن حين بدأت الغزوات الصليبية لبلاد الشام، أوكلت مهمة منع تقدم الغزاة من السواحل في عمق البلاد للدروز في جبال الشوف (حيث يوجد للزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط اليوم بيت جبلي) وهو ما جعلهم يكتسبون شهرة كبيرة كمحاربين أشداء.

وأبدى الدروز الذين كانوا يقاتلون بزعامة عشيرتين منهم هما التنوخيين والأرسلانيين مهارة حربية عالية حظيت بإعجاب كبير من قادة الدولة المملوكية وساهمت في صد الخطر الصليبي. وعاش الدروز خلال القرون التالية صراعات وحروباً أهلية عديدة. وبلغوا أوج نفوذهم السياسي في القرن السادس عشر بزعامة المعنيين الذين حكموا عملياً منطقة جنوب لبنان.

وبرز من الدولة المعنية الأمير فخر الدين الثاني الذي كان حاكماً شديد الذكاء وكبير النفوذ وتمكن من توسيع سلطة الدروز إلى داخل سوريا وأبرم معاهدة تحالف عسكري سرية مع الدوق فيرديناند الأول حاكم توسكانيا وفتح أبواب البلاد أمام النفوذ الغربي. كما كان فخر الدين الثاني هو الذي فتح الأبواب أمام نفوذ القناصل الأجانب والفنادق الفرنسية والإرساليات المسيحية.

وتورط الدروز في 1860 بحرب أهلية مع موارنة لبنان الذين تدعمهم فرنسا وهو صراع كان للعثمانيين دور في التحريض عليه على مبدأ فرق تسد. كما قام دروز سوريا في 1926 بثورة على الحكم الفرنسي عرفت بثورة الدروز وكان لها دور في تعزيز سمعة الشدة التي عرفت عنهم.

ولا شك أن الرئيس السوري أديب الشيشكلي، ذا الأصول الكردية، قد خشي من الدروز وأراد أن يقضي على نفوذهم. وينقل عنه قوله إن أعداءه مثل الأفعى التي يوجد رأسها في جبل الدروز وبطنها في حمص وذيلها في حلب وإذا ما ضربت الرأس ستموت الأفعى. وإلى جانب الهجوم على الدروز اتبع الشيشكلي سياسة تشويه سمعة الدروز وإقحام بعض النصوص المزورة على معتقداتهم للإساءة لها.

ويقول الكاتب بام رولاند عن معتقدات الدروز إنها "تشتمل على الولاء للبلد الذي يعيشون فيه مع أنهم كلهم يرتبطون بعلاقات وثيقة مع موطنهم. الدروز في سوريا يخدمون في القوات المسلحة السورية ودروز لبنان يخدمون في الجيش اللبناني ودروز إسرائيل يخدمون في الجيش الإسرائيلي. غير أنهم يرفضون قتال غيرهم من الدروز وغالباً ما سيهربون من الجيش إذا ما وجدوا أنفسهم مضطرين لقتال الدروز."

وتعترف سوريا ولبنان وإسرائيل اليوم بالدروز الذين يعيشون داخل حدودها على أنهم جاليات لهم قوانينهم الشرعية الخاصة ولهم علمهم الخاص ذي الألوان الخمسة التي يرمز كل منها إلى العقل والروح والحقيقة والعقيدة والسبب والأثر. وعلى الرغم من قلة عددهم فقد كان لهم أينما وجدوا أثرهم الكبير في مجتمعاتهم وتاريخها.
 


 | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور
الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289