Al Shindagah
English Version
أخبار الحبتور مركز دبي المالي العالمي كلمة رئيس مجلس الإدارة

الصفحـــة الرئيسيــة

كلمة رئيس مجلس الإدارة

مركز دبي المالي العالمي

 العراق للعراقيين هو الحل...د

دعــــــــــاة أرمجــيــــــــــــدون

العـــــــــــرب و اليـهــــــــــــود

فيليبــي ... قـاهر الربع الخالي

المـــتـــنـــبـــــي

قصــــــــر الحمــــــــــــراء ...ي

امـــــــــــراة متمــيـــــــزة ... ل

فــــــــــراشــات الإمـــــــارات

دبي على عتبة عالم الموضة

الـدوحة تتأهب للحدث الأكبر

الحبتور للمشاريع الهندسية

أخبـــــــــــــار الحبتــــــــــــور

مـــــــن نحــــــــن

الأعــداد المـاضيـة

اتصلـوا بنــا

بقلم أ. ي. مكي (الجزء الثاني)

كانت معنويات عبد الله مرتفعة جداً وهو يمضي قدماً نحو هدفه الذي طالما تاق إليه وهو المسير عبر الربع الخالي. كان معه 15 من مرافقيه العرب حين انطلق من الدليقية, كما كان أربعة ينتظرونه للانضمام إلى ركبه في الجنوب, مما رفع عددهم إلى 19 رجلاً معهم 32 بعيراً يحملون مؤونة من الزاد والماء تكفيهم ثلاثة شهور. طعامهم الرئيسي في رحلتهم كان التمر والرز كما حملوا معهم بين أشياء أخرى الملح والشاي والفلفل والقرفة والزبدة والشاي والسكر والهال والبصل.

لم يتدرب عبد الله كثيراً على ركوب الجمال ليستعد لرحلته. واعتقد أن الركوب لمسافة قصيرة في اليوم الأول سيكون شيئاً حكيماً. وحينما نصبوا خيامهم عند انقضاء اليوم الأول, أحس مباشرة بأن شيئاً غير طبيعي يحدث له. كان الجو بارداً جداً و هو يستلقي متيبساً بجانب النار غير قادر على الحركة فيما أغرقه أصحابه بفناجين القهوة. ومع أنه نهض إلا أنه بالكاد استطاع أن يتحرك. ثم أخذ يترنح بين يدي أحدهم وهوى. بقي غائباً عن الوعي بضع دقائق وقال له أصحابه لاحقاً إن وجهه كان قد أصبح أصفراً من الشحوب واعتقدوا أنه سيموت. وضعوه على الفراش واستغرق في النوم مباشرة. استيقظ عبد الله في صباح اليوم التالي نشطاً دون أي آثار مرض من ليلة الأمس ومضى الركب يواصل رحلته.

كان شهر يناير شديد البرودة في تلك الصحراء. وسجل ميزان الحرارة الذي معهم برودة وصلت 5 درجات تحت الصفر. قِرِب الماء الجلدية التي معهم تجمدت حتى الصلابة وكان عليهم وضعها بجانب نارهم لإذابتها وتحضير قهوتهم. والرمال كانت من البرودة لدرجة جعلتهم يشعرون بثقوب حارقة في أقدامهم وكأنها تكوى بإبر محماة حتى الاحمرار. غير أن الجو في غضون أيام قليلة أصبح حاراً بشكل لايطاق.

كان الوقت حينها بداية شهر رمضان المبارك واتفق الركب جميعاً على صومه. غير أن خمسة منهم فقط صاموا أيام الشهر الثلاثين كلها, وبينهم عبد الله. أما البقية فكانوا يفطرون منتصف النهار بين الحين والآخر, وهي رخصة أعطاها الشرع للمسافرين في أن يفطروا رمضان.  كان طعامهم الرز والتمر وأحياناً أرنب بري يمسكونه في تلك الصحراء ويوزعون لحمه بينهم قطعاً صغيرة بالإنصاف.

كانوا يتوغلون في الصحراء أكثر مع مرور كل يوم ويعبرون السهول الملحية الخفيضة باحثين عن الواحات ويسجلون كل الآثار التي يمرون بها إلى أن وصلوا موقع جبرين عند الحد الأقصى للمدنية جنوباً في تلك الرمال. وهناك استقبلهم العجوز جابر بن فيصل الذي يعيش مع عائلته في أكواخ خفيضة متواضعة الحال وكأنهم الحراس عند حدود العالم.

كان جابر وعائلته آخر بشر يمر بهم الركب طوال 53 يوماً ماضية. رحب جابر بهم وذبح لطعامهم حواراً, وهو ما تتطلبه الضيافةالعربية التقليدية. كما أهداهم أيضاً كلباً رافقهم طوال رحلتهم وساعدهم في صيد أرنب بري بين الحين والآخر في تلك الصحراء القاسية. وفي ذلك المكان كان العبور الحقيقي للربع الخالي قد بدأ.

طوال أيام  في سفرهم كانوا يحصلون على الماء من الآبار والتي كانت كثير منها مطمورة بالرمال وخفية عن العيون تماماً إلا عيون الأدلاء وقصاصي الأثر العرب الذين أخذهم معه. ولم يضيع عبد الله في رحلته فرصة لجمع المستحاثات والصخور لإرسالها إلى لندن للدراسة والفحص من قبل الخبراء.

وكان قد أرسل من قبل ذلك عينات مع العجوز جابر إلى الهفوف وأعطاه مالاً ليشتري هدايا لعائلته التي تعيش وحيدة في ذلك المكان الصحراوي.

كما كان عبد الله في بحث دائم عن مدينة وبر الغامضة الضائعة. كان الركب يتقدم جنوباً وليس لديه سوى أدلة مبهمة عن وجود المدينة. وحتى ذلك كانوا قد قطعوا واديي نهرين قديمين جداً جفا منذ وقت طويل. لكن كان بانتظارهم أيضاً نهر ثالث من عصر ما قبل التاريخ ليكتشفوه. كانت الأساطير تقول إن بقايا تلك المدينة التي تعود لما قبل التاريخ قد بنيت على ضفاف نهر. وقد سمع عبد الله عن تلك المدينة طوال 14 عاماً وأن بقاياها موجودة هناك في قلب الصحراء. وبالاعتماد على ما توفر لديه من معلومات, حدد موقعين محتملين على الخريطة لوجود المدينة.

أخيراً, اقترب ركبهم من مدينة وبر القديمة. ونصبوا خيامهم بعيداً قليلاً عنها, حيث توقعوا وجود آثارها. وكان المؤرخون العرب قد ذكروا قصصاً عديدة غريبة وأساطير عن تلك المدينة. في اليوم التالي تقدموا أكثر في الاتجاه العام نحو المدينة الخربة حينها لمح أحد الأدلاء العرب فجأة أول صورة من هذه المدينة, وهي العاصمة القديمة للملك عاد بن كنعاد الذي انغمس في الملذات هو وحاشيته وقومه حتى جلبوا على أنفسهم غضب السماوات حين ضربتهم صاعقة أبادتهم حتى آخرهم وتركت المدينة خراباً. توجد بقايا المدينة بقرب ما تبدو أنها فوهات بركانية. وبتمعن أكثر وقع عبد الله على شظية معدنية كبيرة, كان واضحاً أنها جزء من نيزك ضخم. وهذا ما قاده لاستخلاص أن فوهات وبر لم تكن بركانية وإنما قد يكون سببها ارتطام نيزك ضخم بالأرض هناك. أما هذا النيزك الكبير فربما تغلغل تحت سطح الأرض وبقي مدفوناً هناك.

من هناك أخذ عبد الله يتعمق في الصحراء وهذا ما جعل الأدلاء العرب معه متوترين وراغبين في العودة للديار. فالأرض كانت تصبح أكثر قسوة مع مرور كل يوم وكان العرب يحجمون عن عبور جبال حضرموت التي اعتقدوا أنها مكان للموت. ولهذا أخذوا يستخدمون كل حجة ممكنة لإقناعه بالوقوف والرجوع من حيث أتوا ودوماً ما كانوا يتهامسون فيما بينهم. غير أن عبد الله ظل على عزمه. و بالإقناع  و الحيلة استطاع أن يدحص حججهم وأن يزيد سرعة تقدمهم نحو هدفه المنشود. كان المرافقون العرب قد حُملوا أمانة مساعدة عبد الله على أكمل وجه في هذه الرحلة وطاعته في كل ما يطلب والعودة به سالماً. وكانوا يعرفون ما ينتظرهم لو أخفقوا.

على كل حال, استطاع عبد الله أن يدفع بهم قدماً. ووصلوا أخيراً إلى شَنّة التي تمثل بداية آخر مرحلة من رحلتهم الخطرة عبر الصحراء. فمن هناك عليهم أن ينطلقوا عبر صحراء لا ماء فيها. وقد خشوا العطش والموت هناك. غير أن عبد الله لم يكن ليرضخ لمطالبهم بالعودة. بعضهم هدده بالتخلي عن الركب وعدم مواصلة الرحلة. لكن إصراره كسب الجدل في النهاية. وقرروا أخيراً أن يقوموا باندفاعتهم في تلك الأرض التي تخلوا من الماء وصولاً إلى سُلَيِّل.

أحس العرب بالضعف ووهنت عزيمتهم من شدة الجوع. فلم يسبق لأحدهم أن قام بمثل هذه الرحلة, بل إن أحداً من البشر لم يسبق له أن حاول قطع الربع الخالي من أقصاه إلى أقصاه. وعبد الله عرف أن صحبه يعانون, فهو أيضاً كان يعاني. لم يكونوا قد أكلوا شيئاً منذ غادروا شنّة قبل أربعة أيام وكان الجوع مؤلماً جداً. زادت الظروف سوءاً وأصبحت الأعصاب في منتهى التوتر وهم يتقدمون. حتى الحيوانات يبدو وأنها قد اختفت تماماً من الصحراء ولم يعد هناك مجال للصيد من أجل الزاد. الجمال أيضاً أخذت تبدي علامات الوهن لصعوبة المسير. لكنهم تابعوا مسيرتهم في هذه الأرض الخالية التي لم يمسها مطر منذ سنوات عديدة. الحياة النباتية اختفت أيضاً. فما تبقى من شجيرات واقفة كانت يابسة ميتة من العطش.
 

كان عبد الله ومن معه قد قطعوا 140 ميلاً في الصحراء و عرف أن أكثر من ثلث رحلتهم قد أصبح خلفهم. وعرف أيضاً أنهم بالدأب سينهون رحلتهم ويصلون هدفهم شرط تعاون رفاقه معه في مهمتهم. فبغض النظر عن العواقب كان قد قرر المتابعة في اليوم الخامس. لم تكن هناك مؤشرات حياة طوال ذلك اليوم باستثناء غراب أسود شجاع وعصفور صحراوي. في منتصف اليوم انهارت الجمال من شدة التعب. كان عليهم العثور على بعض الماء. وقرر الجميع التراجع إلى آبار نيفة, على بعد 140 ميلاً. وهناك حصل عبد الله على أول شربة ماء عذب منذ غادر الهفوف.

ثم فجأت أمطرت السماء. هطل المطر مصحوباً بالبرق والرعد. الزوابع التي أثارتها العاصفة جعلت الرمال تهيج في الأجواء في أعمدة سوداء مخيفة. أطاح الإعصار بخيامهم واقتلعها وطمرها بالرمال.

يوم 5 مارس كان الركب يجهز نفسه لآخر اندفاعة كان لابد منها في هذه الأرض القاحلة لإكمال الرحلة. كانوا تواقين للخروج في هذه المرحلة الأخيرة التي ستأخذهم إلى عالم بشري من جديد. وأثبت مسيرهم أنهم بصدد مواجهة أسوأ جزء من الربع الخالي عبروه حتى الآن. لم تكن هناك أي إشارة على وجود حياة من أي نوع, حيواناً كان أم نباتاً. الطيور اختفت. حتى الحيوانات الصحراوية النادرة التي يصدف أن توجد في هذه الأراضي اليباب كانت ميتة ولحمها جف على عظامها. أما آكلات الجيف الصحراوية فما كانت تتجرأ على وصول هذه الأنحاء لتقتات على عظامها.

كان لايزال أمامهم بضعة أيام لإكمال الرحلة, غير أن الأسوأ لايزال بانتظارهم. فالمسير عبر سهل أبو بحر الحصوي الكبير كان شيئاً لم يسبق لأحدهم أن عرف شيئاً بقساوته. حتى العرب الذين سكنوا الصحراء طوال قرون ماكانوا يتوقعون وجود مثل هذه الأراضي الخالية من أي نبات. كانت تلك أكثر الأيام خطورة عليهم. كان عليهم أن يجدوا شيئاً يأكلوه فوراً.

وبدأ الركب مسيره في الساعة الثانية صباحاً يوم 11 مارس 1932. وبحلول الساعة العاشرة ليلاً من ذلك اليوم, بعد 20 ساعة تقريباً, كانوا لايزالون يسيرون مجبرين حيواناتهم على أن تبذل قصارى طاقتها. كانت قوى الجمال قد خارت نتيجة الحر والجوع. ورغم أنها قد تنهار في أي لحظة, فقد ظلوا يتقدمون إلى أن أصبحوا عند مشارف مدنية بشرية.

في اليوم التالي, عثروا على كلأ كانوا بأمس الحاجة له من أجل حيواناتهم واستراحوا عند نبع ينساب من الجبال. أحسوا بالنصر أخيراً, إذ فجأة عادت أشكال الحيوانات التي لم يصادفونها طوال ثلاثمئة ميل سابقة في الظهور من جديد. وكانت أمامهم خمسون ميلاً يجب قطعها نحو النهاية, غير أن ما تبقى كان أشبه بالجنة مقارنة بالصعاب التي عاشوها في رحلتهم والتي خرجوا منها للتو.

صباح 14 مارس, كان حاكم سليل يرحب بهم وهم أول بشر عبروا الربع الخالي. كانت رحلة عبد الله ومن معه لاتعني شيئاً للكثيرين. لم تكن قصة تتناقلها الصحف في العالم على صفحاتها الأولى. ومع ذلك يجب أن نعرف هذه القصة لأنها كانت واحدة من أعظم الانجازات في تاريخ المغامرات والاستكشافات في الأزمان المعاصرة. كانت قصة انتصار العزيمة التي مكنت عبد الله من تحقيق ما لا يمكن تخيلة سابقاً وهو عبور الربع الخالي. لقد صمم على التقدم حتى حينما كان أدلاؤه العرب يفقدون أعصابهم ويريدون الرجوع. وبفعله ذلك كان أول إنسان يكشف أساطير الصحراء التي كانت تتناقلها الأجيال كموروث شعبي بين سكان الجزيرة العربية. وفي سياق ذلك أصبح اسم عبد الله نفسه أسطورة بين من عرفوه وعرفوا مغامرته عبر الصحراء.

(مقتبس مع التعديل من كتاب "رحلة عبر الربع الخالي" لمؤلفه جون نورفولك, الناشر روبرت هيل, لندن 1932.)

 

أعلى | الصفحة الرئيسية | مجموعة الحبتور | فنادق متروبوليتان | دياموندليس لتأجير السيارات | مدرسة الإمارات الدولية
الملكية الفكرية 2003 محفوظة لمجموعة الحبتور
| جميع الحقوق محفوظة
لايجوز إعادة نشر المقالات والمقتطفات منها والترجمات بأي شكل من الأشكال من دون موافقة مجموعة الحبتور

الموقع من تصميم ومتابعة الهودج للإعلانات ـ دبي هاتف: 2293289